إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أمريكا "عاجزة "عن تسديد ديونها لصندوق النقد..تأثير ذلك على تونس وبقية العالم ؟

 

بقلم: د.ريم بالخذيري(*)

*يقول خبراء أمريكيون أنّ الفشل في رفع سقف الدين، يعني أن بلادهم ستتخلف عن سداد مستحقات عليها..

يقول خبراء أن الاقتصاد الأمريكي رغم أنه الأوّل في العالم فهو يتميّز بالهشاشة وغير قادر على تحمّل الصدمات وهو ما تجلىّ في أزمة العقارات في 2008 وفي جائحة كورونا . واليوم الحكومة الأمريكية تعاني صعوبات كبيرة في تسديد ديونها الداخلية و كذلك الخارجية .

ومن الثابت أن العالم يترقّب بتوجّس وخوف مآلات المالية الأمريكية والبعض بدأ يعدّ العدّة لتجنّب الصدمة أو التخفيف منها مثلما حدث في السابق خلال الأزمات السابقة.

أزمات متلاحقة

عاشت الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها العالم عدد غير قليل من الأزمات الاقتصادية في القرن الماضي والقرن الحالي، حيث قدّرها صندوق النقد الدولي،خلال الفترة 1970-2007 فقط. بحوالي 124 أزمةً مصرفيةً، و208 أزمة عملة، ونحو 63 أزمةَ دينٍ عام و26 أزمة مزدوجة و8 أزمات ثلاثية.

أهمّ هاته الأزمات كانت:

* أزمة الكساد الكبير التي حدثت بين عامي 1929 و1933، حينما انخفضت كمية السلع والخدمات المنتجة في الولايات المتحدة بمقدار الثلث وبلغ معدل البطالة 25%، وانخفضت قيمة سوق الأسهم في أمريكا بنحو 80%.

*خلال حرب أكتوبر في 1973 بين العرب وإسرائيل ، حدثت الصدمة النفطية الأولى حين قررت ست دول عربية في المنظمة العربية للدول المصدرة للبترول الأوبك، رفع أسعار النفط من 3.01 إلى 11.65 دولارًا، وقد ترتب عن ذلك تداعيات جديدة أثرت في الاقتصاد الدولي أهمها تغير موازين القوى بين الولايات المتحدة من ناحية ومجموعة بلدان غرب أوروبا واليابان من ناحية أخرى، بسبب هذا الارتفاعوالذي أدّى إلى زيادة تكلفة الطاقة بشكل واضح في المجموعة الثانية التي تعتمد إلى حد كبير على النفط المستورد مقارنة بالولايات المتحدة.

* أزمة الديون المصرفية، والتي تفجرت فيما بين من منتصف عام 1979 إلى منتصف عام 1982 حيث أدت سلسلة من الصدمات الخارجية - والتي نتجت بشكل أساسي عن تناقضات السياسات والصراعات في البلدان الصناعية- إلى أزمة مالية واسعة النطاق، أولًا في أوروبا الشرقية ثم في أمريكا اللاتينية، وأخيرًا في بقية العالم النامي، وفي عام 1982 بلغ إجمالي القروض المستحقة على دول أمريكا اللاتينية 327 مليار دولار، وبلغ إجمالي الدول غير القادرة على سداد الديون 67 دولة.

* أزمة انهيار سوق الأسهم وهيأول أزمة مالية عالمية معاصرة اندلعت في 19 أكتوبر 1987، وهو اليوم المعروف باسم الاثنين الأسود ولا تزال أكبر خسارة في سوق الأسهم ليوم واحد في التاريخ منذ الكساد الكبير، حيث بلغ تراجع مؤشر داو جونز الصناعي 22.6%.

* أزمة السيولةالأمريكية، إذ تسبب الدمار الواسع للبنية التحتية المادية الداعمة للمؤسسات المالية في مركز التجارة العالمي خلال أحداث 11 سبتمبر 2001 وانهيار الاتصالات السلكية واللاسلكية على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة في حدوث اضطرابات في الأسواق المالية بالولايات المتحدة الأمريكية، وتم إغلاق أسواق الأسهم الأمريكية لمدة أربعة أيام وتوقّف معظم تداول السندات.وقد قدرت خسارة الاقتصاد ب نحو 1.6 تريليون دولار.

*أزمة الرهن العقاري والتي تفجرت في الولايات المتحدة الامريكية عام 2008، ولم يلبث أن تردد صداها في مختلف الأسواق المالية، حيث فقدت معظم بورصات العالم ما يتراوح بين ثلث ونصف قيمتها، وحتى سبتمبر 2008 كانت استجابة السياسة الرئيسة للأزمة تأتي من البنوك المركزية التي خفضت أسعار الفائدة لتحفيز النشاط الاقتصادي الذي بدأ يتباطأ في أواخر عام 2007 ومع ذلك تصاعدت استجابة السياسة في أعقاب انهيار بنك ليمان براذرز.

*أزمة الارتفاع المفاجئ في عوائد سندات الخزانة الأمريكية خلال عام 2013، حيث انخفضت تدفقات رؤوس الأموال للأسواق الناشئة بمقدار 30%، كما انخفض مؤشر msciللأسواق الناشئة بمقدار 12%، ولكن لم يبطئ بنك الاحتياطي الفيدرالي فعليًا شراء التيسير الكمي، بل بدأ في جولة ثالثة من مشتريات السندات الضخمة، مما أدى إلى تعزيز معنويات المستثمرين وإدارة توقعات المستثمرين بفعالية، وبمجرد إدراك المستثمرين أنه لا يوجد سبب للذعر استقرت أسواق المال.

*أزمة الكورونا وهي عبارة عن تحديات متعددة ومتنوعة تعرض لها الاقتصاد الأمريكي و العالمي مع بدء انتشار الجائحة في عام 2020، ونتج عن هذه الأزمة خسائر في الأرواح والاقتصاد، كما كان للقيود التي فرضت لكبح انتشار الفيروس تأثير على النمو الاقتصادي.

  الأزمة الحالية..أصل الحكاية

أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، الإثنين، 22ماي 2023 إن الاقتصاد مرشح بقوة للدخول في حالة ركود بسبب تفاقم أزمة سقف الدين في البلاد.ويتزامن هذا التحذير مع اقتراب الموعد الذي تنفد فيه السيولة الفيدرالية والمتوقعة في منتصف شهر جوان.

ويقول خبراء أمريكيون أنّ الفشل في رفع سقف الدين، يعني أن بلادهم ستتخلف عن سداد مستحقات عليها، كالسندات والقروض وأجور العاملين والمتقاعدين والرعاية الصحية والجيش.

وفي 19 جانفي الماضي، تجاوزت الولايات المتحدة سقف الدين المحدد بـ 31.4 تريليون دولار، بينما يحظر تجاوزه دون موافقة من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون.وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية في 2022.منها جزء داخلي و آخر خارجي من صندوق النقد الدولي و من اليابان و الصين ودول الخليج .

وهذا يعني أن كل مواطن أمريكي مدين بأكثر من 93000 دولار، وفقاً لحسابات مؤسسة بيتر جي بيترسون.

وسقف الدين الذي يُطلق عليه أيضا حد الدين، هو الحد الأقصى للمبلغ الإجمالي للأموال التي يُسمح للحكومة الفيدرالية باقتراضها من الخزانة الأمريكية، مثل السندات وسندات الادخار.

سبب هذا الاقتراض، هو عجز في الميزانية، وبالتالي فتضطرّ الحكومة أن تقترض مبالغ ضخمة لتسديد التزاماتها.

تاريخيا لم تتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، لكن الأمر يبدو مختلفا هذه المرة اذ يؤكد الخبراء أنه إذا ما فشل الكونغرس في التحرك، في الوقت المناسب فقد يحدث ذلك بحلول شهر جوان .

أمّا آخر مرة وصلت فيها الحكومة إلى سقف ديونها فقد كان في عام 2011، وعلى الرغم من أنها تجنبت التخلف عن السداد حينهافقد حدثت هزة كبرى في الأسواق، وانخفضت أسعار الأسهم، كما كانت هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها الحكومة الفدرالية تخفيض تصنيفها الائتماني. وعلى الرغم من أن البلاد تجنبت التخلف عن السداد كما قلنا، فإن وزارة الخزانة وجدت أن التأخير في رفع الحد أدى إلى كدمات في الاقتصاد، الأمر الذي استغرق شهورا للتعافي.

ونتج عن ذلك بالأساس فزع المستثمرين، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف اقتراض الحكومة بمقدار 1.3 مليار دولار عام 2011، وإذا فقد الناس الثقة في الديون الأميركية، ينسحبون من أسواق الأوراق المالية، مما يدفع العائدات إلى الارتفاع، وهذا يمكن أن يدفع أسعار الفائدة إلى الارتفاع على الاستثمارات الأخرى مثل الرهون العقارية، ويمكن أن يبطئ الاقتصاد إلى حد كبير، ورغم أن التخلف عن السداد قد يكون كارثة اقتصادية أمريكية، فإن تبعاته ستكون عالمية بامتياز.

مخاطر العجز عن السداد

رغم ما تقدّم فقد أكدت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا يوم الأربعاء 24ماي إنها واثقة بأن الولايات المتحدة ستتجنب التخلف عن سداد الديون.فيما أضافت جورجيفا خلال منتدى قطر الاقتصادي الذي نظمته بلومبرغ قائلة "يخبرنا التاريخ أن الولايات المتحدة ستصارع فكرة التخلف عن السداد... ولكنها ستتوصل للحل في اللحظة الأخيرة، ولدي ثقة في أننا سنرى ذلك مجددا".

ومعلوم أن التداين سياسة اقتصادية معتمدة من قبل الحكومة الأمريكية وليس ضرورة دائما وهذا سرّ من أسرار هيمنة الدولار على الأسواق المالية . وتخلّف واشنطن عن سداد أقساط ديونها لصندوق النقد الدولي وهي أقساط ضخمة من شأنه التأثير على آداء الصندوق وربما حرمان دول أخرى من التحصّل على قروض جديدة على غرار تونس ومصر و لبنان وغيرها من الدول .

وفي وقت سابق من هذا الشهر حذّر صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي حول الاقتصاد الأمريكي، من أن الولايات المتحدة تواجه "صدمة خطيرة" إذا لم تقرر رفع سقف ديونها في الوقت المحدد. وقال الخبراء في صندوق النقد الدولي في هذا التقرير "إن سقف ديون الدولة الفيدرالية ينبغي رفعه سريعا ولا شك لتفادي صدمة خطيرة تصيب الاقتصاد الأمريكي والأسواق المالية الدولية"

وبات واضحا أنّ أزمة الديون واحتمال التخلف عن السداد التي تعصف بواشنطن ستدفع الولايات المتحدة في النهاية إلى الانهيار في الركود ، ولن ينهار الاقتصاد الأمريكي بمفرده.اذ سرعان ما سيتردد أصداء ذلك في جميع أنحاء العالم. و قد تجف طلبات المصانع الصينية التي تبيع الإلكترونيات للولايات المتحدة. فيما سيتكبد المستثمرون الأجانب الذين يمتلكون سندات الخزانة الأمريكية خسائر لا يمكن تصورها . ولن تكون كبرى الشركات في العالم قادرة على استخدام الدولارات كبديل لعملتها المراوغة.

وهذا ما يؤكده مارك زاندي ، كبير الاقتصاديين في تحليلات وكالة موديز بالقول أنه لن يسلم أي ركن من أركان الاقتصاد العالمي إذا تخلفت الحكومة الأمريكية عن السداد ولم تُحل الأزمة بسرعة.

هذا الركود اذا لم يتم احتواؤه فسيكون له تأثيرات مباشرة على عدد كبير من الدول التي تسدّد قروضها و تستورد حاجياتها من الخارج بالدولار.حيث سيتم الترفيع في قيمته في التداول الخارجي لجبر الأضرار الداخلية و توفير السيولة.

والمحصّلة أنه لا دولة بمعزل عن الهزات الاقتصادية لكن الفارق هو في التعامل مع الأزمات الاقتصادية وحسن التصرف خلالها.

*رئيسة المنتدى التونسي للاستشعار ومقاومة من الجريمة الاقتصادية

 

 

 

 

 

أمريكا "عاجزة "عن تسديد ديونها لصندوق النقد..تأثير ذلك على تونس وبقية العالم ؟

 

بقلم: د.ريم بالخذيري(*)

*يقول خبراء أمريكيون أنّ الفشل في رفع سقف الدين، يعني أن بلادهم ستتخلف عن سداد مستحقات عليها..

يقول خبراء أن الاقتصاد الأمريكي رغم أنه الأوّل في العالم فهو يتميّز بالهشاشة وغير قادر على تحمّل الصدمات وهو ما تجلىّ في أزمة العقارات في 2008 وفي جائحة كورونا . واليوم الحكومة الأمريكية تعاني صعوبات كبيرة في تسديد ديونها الداخلية و كذلك الخارجية .

ومن الثابت أن العالم يترقّب بتوجّس وخوف مآلات المالية الأمريكية والبعض بدأ يعدّ العدّة لتجنّب الصدمة أو التخفيف منها مثلما حدث في السابق خلال الأزمات السابقة.

أزمات متلاحقة

عاشت الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها العالم عدد غير قليل من الأزمات الاقتصادية في القرن الماضي والقرن الحالي، حيث قدّرها صندوق النقد الدولي،خلال الفترة 1970-2007 فقط. بحوالي 124 أزمةً مصرفيةً، و208 أزمة عملة، ونحو 63 أزمةَ دينٍ عام و26 أزمة مزدوجة و8 أزمات ثلاثية.

أهمّ هاته الأزمات كانت:

* أزمة الكساد الكبير التي حدثت بين عامي 1929 و1933، حينما انخفضت كمية السلع والخدمات المنتجة في الولايات المتحدة بمقدار الثلث وبلغ معدل البطالة 25%، وانخفضت قيمة سوق الأسهم في أمريكا بنحو 80%.

*خلال حرب أكتوبر في 1973 بين العرب وإسرائيل ، حدثت الصدمة النفطية الأولى حين قررت ست دول عربية في المنظمة العربية للدول المصدرة للبترول الأوبك، رفع أسعار النفط من 3.01 إلى 11.65 دولارًا، وقد ترتب عن ذلك تداعيات جديدة أثرت في الاقتصاد الدولي أهمها تغير موازين القوى بين الولايات المتحدة من ناحية ومجموعة بلدان غرب أوروبا واليابان من ناحية أخرى، بسبب هذا الارتفاعوالذي أدّى إلى زيادة تكلفة الطاقة بشكل واضح في المجموعة الثانية التي تعتمد إلى حد كبير على النفط المستورد مقارنة بالولايات المتحدة.

* أزمة الديون المصرفية، والتي تفجرت فيما بين من منتصف عام 1979 إلى منتصف عام 1982 حيث أدت سلسلة من الصدمات الخارجية - والتي نتجت بشكل أساسي عن تناقضات السياسات والصراعات في البلدان الصناعية- إلى أزمة مالية واسعة النطاق، أولًا في أوروبا الشرقية ثم في أمريكا اللاتينية، وأخيرًا في بقية العالم النامي، وفي عام 1982 بلغ إجمالي القروض المستحقة على دول أمريكا اللاتينية 327 مليار دولار، وبلغ إجمالي الدول غير القادرة على سداد الديون 67 دولة.

* أزمة انهيار سوق الأسهم وهيأول أزمة مالية عالمية معاصرة اندلعت في 19 أكتوبر 1987، وهو اليوم المعروف باسم الاثنين الأسود ولا تزال أكبر خسارة في سوق الأسهم ليوم واحد في التاريخ منذ الكساد الكبير، حيث بلغ تراجع مؤشر داو جونز الصناعي 22.6%.

* أزمة السيولةالأمريكية، إذ تسبب الدمار الواسع للبنية التحتية المادية الداعمة للمؤسسات المالية في مركز التجارة العالمي خلال أحداث 11 سبتمبر 2001 وانهيار الاتصالات السلكية واللاسلكية على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة في حدوث اضطرابات في الأسواق المالية بالولايات المتحدة الأمريكية، وتم إغلاق أسواق الأسهم الأمريكية لمدة أربعة أيام وتوقّف معظم تداول السندات.وقد قدرت خسارة الاقتصاد ب نحو 1.6 تريليون دولار.

*أزمة الرهن العقاري والتي تفجرت في الولايات المتحدة الامريكية عام 2008، ولم يلبث أن تردد صداها في مختلف الأسواق المالية، حيث فقدت معظم بورصات العالم ما يتراوح بين ثلث ونصف قيمتها، وحتى سبتمبر 2008 كانت استجابة السياسة الرئيسة للأزمة تأتي من البنوك المركزية التي خفضت أسعار الفائدة لتحفيز النشاط الاقتصادي الذي بدأ يتباطأ في أواخر عام 2007 ومع ذلك تصاعدت استجابة السياسة في أعقاب انهيار بنك ليمان براذرز.

*أزمة الارتفاع المفاجئ في عوائد سندات الخزانة الأمريكية خلال عام 2013، حيث انخفضت تدفقات رؤوس الأموال للأسواق الناشئة بمقدار 30%، كما انخفض مؤشر msciللأسواق الناشئة بمقدار 12%، ولكن لم يبطئ بنك الاحتياطي الفيدرالي فعليًا شراء التيسير الكمي، بل بدأ في جولة ثالثة من مشتريات السندات الضخمة، مما أدى إلى تعزيز معنويات المستثمرين وإدارة توقعات المستثمرين بفعالية، وبمجرد إدراك المستثمرين أنه لا يوجد سبب للذعر استقرت أسواق المال.

*أزمة الكورونا وهي عبارة عن تحديات متعددة ومتنوعة تعرض لها الاقتصاد الأمريكي و العالمي مع بدء انتشار الجائحة في عام 2020، ونتج عن هذه الأزمة خسائر في الأرواح والاقتصاد، كما كان للقيود التي فرضت لكبح انتشار الفيروس تأثير على النمو الاقتصادي.

  الأزمة الحالية..أصل الحكاية

أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، الإثنين، 22ماي 2023 إن الاقتصاد مرشح بقوة للدخول في حالة ركود بسبب تفاقم أزمة سقف الدين في البلاد.ويتزامن هذا التحذير مع اقتراب الموعد الذي تنفد فيه السيولة الفيدرالية والمتوقعة في منتصف شهر جوان.

ويقول خبراء أمريكيون أنّ الفشل في رفع سقف الدين، يعني أن بلادهم ستتخلف عن سداد مستحقات عليها، كالسندات والقروض وأجور العاملين والمتقاعدين والرعاية الصحية والجيش.

وفي 19 جانفي الماضي، تجاوزت الولايات المتحدة سقف الدين المحدد بـ 31.4 تريليون دولار، بينما يحظر تجاوزه دون موافقة من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون.وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية في 2022.منها جزء داخلي و آخر خارجي من صندوق النقد الدولي و من اليابان و الصين ودول الخليج .

وهذا يعني أن كل مواطن أمريكي مدين بأكثر من 93000 دولار، وفقاً لحسابات مؤسسة بيتر جي بيترسون.

وسقف الدين الذي يُطلق عليه أيضا حد الدين، هو الحد الأقصى للمبلغ الإجمالي للأموال التي يُسمح للحكومة الفيدرالية باقتراضها من الخزانة الأمريكية، مثل السندات وسندات الادخار.

سبب هذا الاقتراض، هو عجز في الميزانية، وبالتالي فتضطرّ الحكومة أن تقترض مبالغ ضخمة لتسديد التزاماتها.

تاريخيا لم تتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، لكن الأمر يبدو مختلفا هذه المرة اذ يؤكد الخبراء أنه إذا ما فشل الكونغرس في التحرك، في الوقت المناسب فقد يحدث ذلك بحلول شهر جوان .

أمّا آخر مرة وصلت فيها الحكومة إلى سقف ديونها فقد كان في عام 2011، وعلى الرغم من أنها تجنبت التخلف عن السداد حينهافقد حدثت هزة كبرى في الأسواق، وانخفضت أسعار الأسهم، كما كانت هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها الحكومة الفدرالية تخفيض تصنيفها الائتماني. وعلى الرغم من أن البلاد تجنبت التخلف عن السداد كما قلنا، فإن وزارة الخزانة وجدت أن التأخير في رفع الحد أدى إلى كدمات في الاقتصاد، الأمر الذي استغرق شهورا للتعافي.

ونتج عن ذلك بالأساس فزع المستثمرين، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف اقتراض الحكومة بمقدار 1.3 مليار دولار عام 2011، وإذا فقد الناس الثقة في الديون الأميركية، ينسحبون من أسواق الأوراق المالية، مما يدفع العائدات إلى الارتفاع، وهذا يمكن أن يدفع أسعار الفائدة إلى الارتفاع على الاستثمارات الأخرى مثل الرهون العقارية، ويمكن أن يبطئ الاقتصاد إلى حد كبير، ورغم أن التخلف عن السداد قد يكون كارثة اقتصادية أمريكية، فإن تبعاته ستكون عالمية بامتياز.

مخاطر العجز عن السداد

رغم ما تقدّم فقد أكدت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا يوم الأربعاء 24ماي إنها واثقة بأن الولايات المتحدة ستتجنب التخلف عن سداد الديون.فيما أضافت جورجيفا خلال منتدى قطر الاقتصادي الذي نظمته بلومبرغ قائلة "يخبرنا التاريخ أن الولايات المتحدة ستصارع فكرة التخلف عن السداد... ولكنها ستتوصل للحل في اللحظة الأخيرة، ولدي ثقة في أننا سنرى ذلك مجددا".

ومعلوم أن التداين سياسة اقتصادية معتمدة من قبل الحكومة الأمريكية وليس ضرورة دائما وهذا سرّ من أسرار هيمنة الدولار على الأسواق المالية . وتخلّف واشنطن عن سداد أقساط ديونها لصندوق النقد الدولي وهي أقساط ضخمة من شأنه التأثير على آداء الصندوق وربما حرمان دول أخرى من التحصّل على قروض جديدة على غرار تونس ومصر و لبنان وغيرها من الدول .

وفي وقت سابق من هذا الشهر حذّر صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي حول الاقتصاد الأمريكي، من أن الولايات المتحدة تواجه "صدمة خطيرة" إذا لم تقرر رفع سقف ديونها في الوقت المحدد. وقال الخبراء في صندوق النقد الدولي في هذا التقرير "إن سقف ديون الدولة الفيدرالية ينبغي رفعه سريعا ولا شك لتفادي صدمة خطيرة تصيب الاقتصاد الأمريكي والأسواق المالية الدولية"

وبات واضحا أنّ أزمة الديون واحتمال التخلف عن السداد التي تعصف بواشنطن ستدفع الولايات المتحدة في النهاية إلى الانهيار في الركود ، ولن ينهار الاقتصاد الأمريكي بمفرده.اذ سرعان ما سيتردد أصداء ذلك في جميع أنحاء العالم. و قد تجف طلبات المصانع الصينية التي تبيع الإلكترونيات للولايات المتحدة. فيما سيتكبد المستثمرون الأجانب الذين يمتلكون سندات الخزانة الأمريكية خسائر لا يمكن تصورها . ولن تكون كبرى الشركات في العالم قادرة على استخدام الدولارات كبديل لعملتها المراوغة.

وهذا ما يؤكده مارك زاندي ، كبير الاقتصاديين في تحليلات وكالة موديز بالقول أنه لن يسلم أي ركن من أركان الاقتصاد العالمي إذا تخلفت الحكومة الأمريكية عن السداد ولم تُحل الأزمة بسرعة.

هذا الركود اذا لم يتم احتواؤه فسيكون له تأثيرات مباشرة على عدد كبير من الدول التي تسدّد قروضها و تستورد حاجياتها من الخارج بالدولار.حيث سيتم الترفيع في قيمته في التداول الخارجي لجبر الأضرار الداخلية و توفير السيولة.

والمحصّلة أنه لا دولة بمعزل عن الهزات الاقتصادية لكن الفارق هو في التعامل مع الأزمات الاقتصادية وحسن التصرف خلالها.

*رئيسة المنتدى التونسي للاستشعار ومقاومة من الجريمة الاقتصادية