غاب الحديث عن الحلول والمقترحات والبرامج الرؤى الممكنة والكفيلة بحلحلة الأزمات المتراكمة للمساهمة في إخراج الدولة من الوضع المتردي الذي ترزح فيه لأسباب داخلية وعالمية. في المقابل انصبت اهتمامات وتركيز شق واسع من الطبقة السياسية ونشطاء المجتمع المدني وغيرهم على النقد والبحث عن مواطن الوهن وتصيد النقائص والاخلالات والمراهنة على الأزمات لتوظيفها في سياق الصراعات أو المناكفات السياسية بالأساس. وهي الظاهرة التي ميزت تونس في سنوات ما بعد ثورة 2011 وانتشرت وتكرست بشكل واسع في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021، الأمر الذي ساهم في تأزم الوضع نظرا لتداعيات الأزمة الصحية العالمية والحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد في البلاد من ناحية، والتغيرات الجيواستراتيجية التي ما انفك يعرفها العالم في السنوات الأخيرة في ظل تواتر الأزمات والأحداث والمستجدات من ناحية أخرى.
وشكل ذلك أحد أبرز الأسباب التي ساهمت في تعميق أزمة الخلاف والتباعد بين السلطة الرسمية ومكونات المعارضة من سياسيين وغيرهم من ناحية، ومكونات الطبقة السياسية والمدنية والقواعد الشعبية من ناحية ثانية. لتتوسع بذلك هوة الخلاف والتباعد بشكل غير مسبوق خلال مرحلة حكم رئيس الجمهورية قيس سعيد، بعد أن وجد الشق كبير من التونسيين ضالتهم في توجه سعيد، وثبات الأخير على موقفه وتمشيه في القطع مع سياسة منظومة الحكم السابقة منذ مسكه بزمام السلطة وحرصه على حسن الاستثمار في أزمة الثقة بين الشارع التونسي والطبقة السياسية في تمثيليتها الحزبية بالأساس، التي ميزت الوضع في تونس في المرحلة الأخيرة، خاصة أنها تأتي بعد أن قاربت آمال المواطنين وانتظاراتهم لتحقيق أهداف الثورة على العدم.
فأغلب المبادرات التي تم التسويق لها على أنها حمّالة برامج وحلول سواء على مستوى وطني أو قطاعي أو سياسي، فقد باءت كلها بالفشل وقبرت في رفوف أصحابها والجهات التي "هندستها" قبل أن ترى النور. وعلل البعض سبب هذا الفشل بكون أغلب تلك المبادرات قُدَّت بمقاييس محدودة لخدمة أهداف ومصالح فئوية أو قطاعية أو حزبية ضيقة. الأمر الذي جعلها تفشل قبل أن تصل مرحلة التفعيل والتنفيذ ولا تتخطى مرحلة البرمجة والحديث ولا تحظى أيضا بشد الاهتمام الواسع في مستوى القواعد الاجتماعية ولا تنال الإجماع الذي يدفع لاستمالة الجهات الرسمية للتفاعل معها أو مما تضمنته من مقترحات حلول قطاعية كانت أم شاملة.
في المقابل ساهمت عملية "التصيد" للأخطاء والنقائص من قبل المعارضين لسياسة سعيد في تأزيم الوضع في تونس اليوم، لاسيما في ظل تواتر الأزمات والصعوبات التي تمر بها بلادنا. وهي نفس آلية "التصيد" التي ساهمت في إحداث "هزات" في مستوى منظومة الحكم خلال العشرية الماضية. الأمر الذي عزز أزمة الثقة في الطبقة الحاكمة خلال نفس الفترة وكان عاملا وجيها لنجاح التحركات الشعبية في يوم الغضب الذي غير مجرى المنظومة والحكم وقلب موازين القوى في بلادنا لصالح رئيس الجمهورية في تونس في 25 جويلية 2021.
لكن وقع الظاهرة اليوم يبدو أكثر خطورة على الوضع في تونس اليوم نظرا لتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتزايد الضغوطات الداخلية والخارجية وتواتر المستجدات التي ساهمت في تردي الوضع على جميع المستويات، وهو ما حدا بالبعض إلى اعتبار أن وقع "أعداء تونس في الداخل أقوى وأخطر من أعدائها في الخارج" في ظل غياب كلي لأي مبادرة للإصلاح أو المساهمة في تقديم مقترحات ومشاريع الحلول وفق مبدأ إنقاذ الدولة والمحافظة على كيانها سيادتها ومقدراتها، بعيدا عن المناكفة السياسة ومنطق الصراع على موازين القوى.
وشكلت مثل هذه الممارسات آلية أخرى لتعميق الخلافات والأزمات على حد السواء في بلادنا ليتجاوز إطارها وصداها ومنحاها الأوساط السياسية والحزبية ويتعداها ليشمل قطاعات ومجالات وأوساط أخرى، وتصل إلى حد "التخوين" لدى البعض والتشكيك في الروح الوطنية لدى البعض الآخر. خاصة أن التعاطي مع الأزمات والنقائص والإخلالات تجاوز بعده النقدي في أحيان كثيرة وتحول إلى آلية هدامة لضرب مقومات الدولة ومقدراتها والتشكيك في الانتماء والانتصار للقضايا الوطنية ليضع بذلك مسألة "الوطنية" محل مزايدة لدى البعض الآخر.
واعتمد أغلب المنتقدين لمثل هذه الممارسات التي تعتمد على التصيد في الأخطاء والأزمات، مخلفاتها وتداعياتها السلبية على صورة تونس بالأساس وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني خاصة أمام مساعي عديد الجهات البحث عن تعزيز فرص الاستثمار ومشاريع التعاون الدولي في مجالات اقتصادية وصناعية مختلفة فضلا عن ضربها لمحاولات إصلاح واقع السياحة ووضعها، بعد التراجع الكبير الذي عرفه خلال العشرية الماضية بسبب تواتر الأحداث الإرهابية من ناحية وانتشار "ظاهرة تصيد الأخطاء" والاخلالات وتوظيفها لضرب الخصوم السياسيين دون مراعاة تداعيات ذلك على الدولة وتضاعفت الظاهرة إثر أزمة "كوفيد 19" العالمية بعد توسع دائرة المعارضة الرافضة لسياسة سعيد في إدارة شؤون الدولة، وعدم قدرة حكومة نجلاء بودن على تقديم البرامج البديلة القادرة على الخروج من دائرة الوضع المتردي والقفز على الأزمات واكتفائها بالترقيع ومسايرة المستجدات اليومية في علاقة بالأزمات الاجتماعية والاقتصادية بالأساس.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
غاب الحديث عن الحلول والمقترحات والبرامج الرؤى الممكنة والكفيلة بحلحلة الأزمات المتراكمة للمساهمة في إخراج الدولة من الوضع المتردي الذي ترزح فيه لأسباب داخلية وعالمية. في المقابل انصبت اهتمامات وتركيز شق واسع من الطبقة السياسية ونشطاء المجتمع المدني وغيرهم على النقد والبحث عن مواطن الوهن وتصيد النقائص والاخلالات والمراهنة على الأزمات لتوظيفها في سياق الصراعات أو المناكفات السياسية بالأساس. وهي الظاهرة التي ميزت تونس في سنوات ما بعد ثورة 2011 وانتشرت وتكرست بشكل واسع في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021، الأمر الذي ساهم في تأزم الوضع نظرا لتداعيات الأزمة الصحية العالمية والحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد في البلاد من ناحية، والتغيرات الجيواستراتيجية التي ما انفك يعرفها العالم في السنوات الأخيرة في ظل تواتر الأزمات والأحداث والمستجدات من ناحية أخرى.
وشكل ذلك أحد أبرز الأسباب التي ساهمت في تعميق أزمة الخلاف والتباعد بين السلطة الرسمية ومكونات المعارضة من سياسيين وغيرهم من ناحية، ومكونات الطبقة السياسية والمدنية والقواعد الشعبية من ناحية ثانية. لتتوسع بذلك هوة الخلاف والتباعد بشكل غير مسبوق خلال مرحلة حكم رئيس الجمهورية قيس سعيد، بعد أن وجد الشق كبير من التونسيين ضالتهم في توجه سعيد، وثبات الأخير على موقفه وتمشيه في القطع مع سياسة منظومة الحكم السابقة منذ مسكه بزمام السلطة وحرصه على حسن الاستثمار في أزمة الثقة بين الشارع التونسي والطبقة السياسية في تمثيليتها الحزبية بالأساس، التي ميزت الوضع في تونس في المرحلة الأخيرة، خاصة أنها تأتي بعد أن قاربت آمال المواطنين وانتظاراتهم لتحقيق أهداف الثورة على العدم.
فأغلب المبادرات التي تم التسويق لها على أنها حمّالة برامج وحلول سواء على مستوى وطني أو قطاعي أو سياسي، فقد باءت كلها بالفشل وقبرت في رفوف أصحابها والجهات التي "هندستها" قبل أن ترى النور. وعلل البعض سبب هذا الفشل بكون أغلب تلك المبادرات قُدَّت بمقاييس محدودة لخدمة أهداف ومصالح فئوية أو قطاعية أو حزبية ضيقة. الأمر الذي جعلها تفشل قبل أن تصل مرحلة التفعيل والتنفيذ ولا تتخطى مرحلة البرمجة والحديث ولا تحظى أيضا بشد الاهتمام الواسع في مستوى القواعد الاجتماعية ولا تنال الإجماع الذي يدفع لاستمالة الجهات الرسمية للتفاعل معها أو مما تضمنته من مقترحات حلول قطاعية كانت أم شاملة.
في المقابل ساهمت عملية "التصيد" للأخطاء والنقائص من قبل المعارضين لسياسة سعيد في تأزيم الوضع في تونس اليوم، لاسيما في ظل تواتر الأزمات والصعوبات التي تمر بها بلادنا. وهي نفس آلية "التصيد" التي ساهمت في إحداث "هزات" في مستوى منظومة الحكم خلال العشرية الماضية. الأمر الذي عزز أزمة الثقة في الطبقة الحاكمة خلال نفس الفترة وكان عاملا وجيها لنجاح التحركات الشعبية في يوم الغضب الذي غير مجرى المنظومة والحكم وقلب موازين القوى في بلادنا لصالح رئيس الجمهورية في تونس في 25 جويلية 2021.
لكن وقع الظاهرة اليوم يبدو أكثر خطورة على الوضع في تونس اليوم نظرا لتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتزايد الضغوطات الداخلية والخارجية وتواتر المستجدات التي ساهمت في تردي الوضع على جميع المستويات، وهو ما حدا بالبعض إلى اعتبار أن وقع "أعداء تونس في الداخل أقوى وأخطر من أعدائها في الخارج" في ظل غياب كلي لأي مبادرة للإصلاح أو المساهمة في تقديم مقترحات ومشاريع الحلول وفق مبدأ إنقاذ الدولة والمحافظة على كيانها سيادتها ومقدراتها، بعيدا عن المناكفة السياسة ومنطق الصراع على موازين القوى.
وشكلت مثل هذه الممارسات آلية أخرى لتعميق الخلافات والأزمات على حد السواء في بلادنا ليتجاوز إطارها وصداها ومنحاها الأوساط السياسية والحزبية ويتعداها ليشمل قطاعات ومجالات وأوساط أخرى، وتصل إلى حد "التخوين" لدى البعض والتشكيك في الروح الوطنية لدى البعض الآخر. خاصة أن التعاطي مع الأزمات والنقائص والإخلالات تجاوز بعده النقدي في أحيان كثيرة وتحول إلى آلية هدامة لضرب مقومات الدولة ومقدراتها والتشكيك في الانتماء والانتصار للقضايا الوطنية ليضع بذلك مسألة "الوطنية" محل مزايدة لدى البعض الآخر.
واعتمد أغلب المنتقدين لمثل هذه الممارسات التي تعتمد على التصيد في الأخطاء والأزمات، مخلفاتها وتداعياتها السلبية على صورة تونس بالأساس وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني خاصة أمام مساعي عديد الجهات البحث عن تعزيز فرص الاستثمار ومشاريع التعاون الدولي في مجالات اقتصادية وصناعية مختلفة فضلا عن ضربها لمحاولات إصلاح واقع السياحة ووضعها، بعد التراجع الكبير الذي عرفه خلال العشرية الماضية بسبب تواتر الأحداث الإرهابية من ناحية وانتشار "ظاهرة تصيد الأخطاء" والاخلالات وتوظيفها لضرب الخصوم السياسيين دون مراعاة تداعيات ذلك على الدولة وتضاعفت الظاهرة إثر أزمة "كوفيد 19" العالمية بعد توسع دائرة المعارضة الرافضة لسياسة سعيد في إدارة شؤون الدولة، وعدم قدرة حكومة نجلاء بودن على تقديم البرامج البديلة القادرة على الخروج من دائرة الوضع المتردي والقفز على الأزمات واكتفائها بالترقيع ومسايرة المستجدات اليومية في علاقة بالأزمات الاجتماعية والاقتصادية بالأساس.