اختارت السعودية أن تقود القاطرة لدفع المفاوضات بين طرفي الصراع في السودان وإنهاء النزيف الحاصل منذ نحو شهرين في هذا البلد الذي لا يكاد يتجاوز محنة إلا ليقع في أخرى أشد وأخطر، وسيتعين على المملكة التي تخوض مفاوضات عسيرة مع واشنطن لإقناع الإخوة الأعداء البرهان وحميدتي، حلفاء الأمس لإسقاط نظام البشير وأعداء اليوم، لتمكين السلطة من مواصلة المهمة حتى النهاية وأن يكون إيقاف الحرب العبثية أولى الأولويات تجنبا للأسوأ ولمزيد الانتهاكات والجرائم في حق الأهالي المدنيين الذين يدفعون ثمن هذا الصراع من حياتهم وأمنهم ..
طبعا ندرك جيدا أن خلف بيانات الأسف المتواترة من العواصم الغربية والمخاوف من ارتفاع عدد الضحايا وتداعيات المعارك الخطيرة في السودان حسابات أخرى غير معلنة تتم في الكواليس وتتعلق بصفقات السلاح والذخيرة وكل الإمدادات التي يحصل عليها طرفا الصراع والتي لو توقفت لأمكن للسودان أن يتنفس بعض الهواء النقي بعيدا عن صوت الصواريخ والرصاص ولأمكن للأهالي أن يتزودوا باحتياجاتهم التي حرموا منها وان يحصلوا على الرغيف والدواء الذي يحتاجونه.. وهي حسابات تكاد تكون حاضرة في كل الصراعات والنزاعات المسلحة التي فشل المجتمع الدولي في إدارتها وإنهائها ...
دخول السعودية، الرئيس الحالي للقمة العربية، على خط الحرب الدموية في السودان يجعلها أمام مسؤولية تاريخية وسياسية وأخلاقية وإنسانية إزاء أحد الشعوب العربية التي لم تخرج من إطار المعاناة منذ عقود وهي مسؤولية لا تتوفر معها رفاهية الخيار.. فليس من حل لهذه المحنة سوى دفع الأطراف المعنية الى التفاوض والعمل على إطالة عمر الهدنة وفرضها على أرض الواقع باعتماد سياسة العصا والجزرة وفقا للتقدم الحاصل في المفاوضات الى أن يستعيد الشعب السوداني سلطة القرار ويستعيد الجيش السوداني وحدته ويعود العسكر الى ثكناته وتتحقق المواطنة التي بدونها لا مجال للخروج من دائرة الاقتتال المستمر..
وأيضا دخول المملكة الى جانب واشنطن على خط الأحداث الدامية في السودان وقبل ذلك محاولات مسقط التي كانت ولاتزال تعتمد ديبلوماسية هادئة في التعاطي مع الأزمات الساخنة ومحاولة فتح الأبواب التي وضعت عليها اقفال موصدة في إطار ديبلوماسية الحياد الايجابي التي بدأت مع سلطان عمان الراحل السلطان قابوس والتي لا نخال أن مسقط تخلت عنها تبقى بالتأكيد خيارا داعما للسعودية في هذا الاختبار المعقد على الأقل تجنبا للأسوأ...
خلال شهرين تم إعلان أكثر من هدنة حتى بلغت الآن الحلقة الثالثة عشرة وسط مخاوف من انهيارها في كل لحظة وعودة الأهالي الذين استعادوا بعض حريتهم وخرجوا الى الأسواق بحثا عن احتياجاتهم ...
نجاح المفاوضات الراهنة لإيقاف النزيف الحاصل في السودان إذا كتب له الاستمرار والثبات على أرض الواقع سيحسب للسعودية لأنها ستكون حينئذ جنبت السودان السقوط مجددا في فخ الصراعات الدموية تماما كما سيحسب لها أن قمة جدة سجلت عودة سوريا الى موقعها الطبيعي كإحدى الدول المؤسسة للجامعة العربية..
الرهان معقد وغير محسوم ولكنه يستحق المخاطرة لأن في إطفاء لهيب الحرب المتأججة في السودان منذ نحو شهرين إنهاء لحالة من الحرب العبثية التي لا طائل من ورائها غير مزيد تقسيم المقسم وتفكيك المفكك وتحميل الأجيال القادمة مزيد الأهوال والمآسي التي لا قدرة لها على تحملها.. لا نريد الانسياق وراء التفاؤل المفرط والتهوين مما يحدث على أرض السودان.. ولا نريد أيضا التسليم بأن الحرب لا مرد لها وأنها سيتعين التعايش والتطبيع مع هذا السيناريو.. نعم كل التجارب تؤكد أن الأسهل دوما في إعلان وشن الحروب ولكن الأصعب والأعقد في استباقها وتفادي وقوعها والتعجيل بإنهائها. فإذا تكلم الرصاص يصعب إسكاته ويصبح الدم والموت من الامور العادية.. لا الفريق أول البرهان ولا الفريق أول حمدان سيخضعان للسلام إذا لم يتعرضا لضغوط من الداخل قبل الخارج، إذ أن الأهم من كل العقوبات الدولية التي يدفع ثمنها الشعب البائس هو الشارع السوداني والنخب السودانية الواعية التي سيتعين أن تستعيد موقعها ووحدتها قبل استعادة الدولة المدنية ودولة القانون بعيدا عن هيمنة العسكر أو هيمنة تجار الدين وأصحاب الفتاوى ممن تعودوا على المتاجرة بالأوطان شرط الاستفادة من كل دروس الماضي ...
لا خلاف أن كل الحروب عبثية والحرب في السودان أكثر هذه الحروب عبثا في بلد يمتلك شعبه كل الثروات الطبيعية التي يمكن أن تطعم القارة الإفريقية ولكنه لا يجد للأسف ما يضمن احتياجاته الغذائية لأن في هذا البلد كل أنواع السلاح الذي يستنزف كل الإمكانيات ويسرق رغيف البسطاء والمشردين.. الأكيد أن الساعات والأيام القادمة حاسمة في تحويل الهدنة الى فرصة لإيقاف النزيف وتضميد الجراح.. نأمل أن تكون هناك صحوة عربية عربية بعد قمة جدة وأن يكون هناك فعلا مجال لدور عربي يحقق الاختراق المطلوب ويكرس الحد الأدنى من التضامن الإنساني والسياسي العربي وينتبه للمخاطر الزاحفة التي قد تجرف الجميع نحو جرف لا قرار له ...
آسيا العتروس
اختارت السعودية أن تقود القاطرة لدفع المفاوضات بين طرفي الصراع في السودان وإنهاء النزيف الحاصل منذ نحو شهرين في هذا البلد الذي لا يكاد يتجاوز محنة إلا ليقع في أخرى أشد وأخطر، وسيتعين على المملكة التي تخوض مفاوضات عسيرة مع واشنطن لإقناع الإخوة الأعداء البرهان وحميدتي، حلفاء الأمس لإسقاط نظام البشير وأعداء اليوم، لتمكين السلطة من مواصلة المهمة حتى النهاية وأن يكون إيقاف الحرب العبثية أولى الأولويات تجنبا للأسوأ ولمزيد الانتهاكات والجرائم في حق الأهالي المدنيين الذين يدفعون ثمن هذا الصراع من حياتهم وأمنهم ..
طبعا ندرك جيدا أن خلف بيانات الأسف المتواترة من العواصم الغربية والمخاوف من ارتفاع عدد الضحايا وتداعيات المعارك الخطيرة في السودان حسابات أخرى غير معلنة تتم في الكواليس وتتعلق بصفقات السلاح والذخيرة وكل الإمدادات التي يحصل عليها طرفا الصراع والتي لو توقفت لأمكن للسودان أن يتنفس بعض الهواء النقي بعيدا عن صوت الصواريخ والرصاص ولأمكن للأهالي أن يتزودوا باحتياجاتهم التي حرموا منها وان يحصلوا على الرغيف والدواء الذي يحتاجونه.. وهي حسابات تكاد تكون حاضرة في كل الصراعات والنزاعات المسلحة التي فشل المجتمع الدولي في إدارتها وإنهائها ...
دخول السعودية، الرئيس الحالي للقمة العربية، على خط الحرب الدموية في السودان يجعلها أمام مسؤولية تاريخية وسياسية وأخلاقية وإنسانية إزاء أحد الشعوب العربية التي لم تخرج من إطار المعاناة منذ عقود وهي مسؤولية لا تتوفر معها رفاهية الخيار.. فليس من حل لهذه المحنة سوى دفع الأطراف المعنية الى التفاوض والعمل على إطالة عمر الهدنة وفرضها على أرض الواقع باعتماد سياسة العصا والجزرة وفقا للتقدم الحاصل في المفاوضات الى أن يستعيد الشعب السوداني سلطة القرار ويستعيد الجيش السوداني وحدته ويعود العسكر الى ثكناته وتتحقق المواطنة التي بدونها لا مجال للخروج من دائرة الاقتتال المستمر..
وأيضا دخول المملكة الى جانب واشنطن على خط الأحداث الدامية في السودان وقبل ذلك محاولات مسقط التي كانت ولاتزال تعتمد ديبلوماسية هادئة في التعاطي مع الأزمات الساخنة ومحاولة فتح الأبواب التي وضعت عليها اقفال موصدة في إطار ديبلوماسية الحياد الايجابي التي بدأت مع سلطان عمان الراحل السلطان قابوس والتي لا نخال أن مسقط تخلت عنها تبقى بالتأكيد خيارا داعما للسعودية في هذا الاختبار المعقد على الأقل تجنبا للأسوأ...
خلال شهرين تم إعلان أكثر من هدنة حتى بلغت الآن الحلقة الثالثة عشرة وسط مخاوف من انهيارها في كل لحظة وعودة الأهالي الذين استعادوا بعض حريتهم وخرجوا الى الأسواق بحثا عن احتياجاتهم ...
نجاح المفاوضات الراهنة لإيقاف النزيف الحاصل في السودان إذا كتب له الاستمرار والثبات على أرض الواقع سيحسب للسعودية لأنها ستكون حينئذ جنبت السودان السقوط مجددا في فخ الصراعات الدموية تماما كما سيحسب لها أن قمة جدة سجلت عودة سوريا الى موقعها الطبيعي كإحدى الدول المؤسسة للجامعة العربية..
الرهان معقد وغير محسوم ولكنه يستحق المخاطرة لأن في إطفاء لهيب الحرب المتأججة في السودان منذ نحو شهرين إنهاء لحالة من الحرب العبثية التي لا طائل من ورائها غير مزيد تقسيم المقسم وتفكيك المفكك وتحميل الأجيال القادمة مزيد الأهوال والمآسي التي لا قدرة لها على تحملها.. لا نريد الانسياق وراء التفاؤل المفرط والتهوين مما يحدث على أرض السودان.. ولا نريد أيضا التسليم بأن الحرب لا مرد لها وأنها سيتعين التعايش والتطبيع مع هذا السيناريو.. نعم كل التجارب تؤكد أن الأسهل دوما في إعلان وشن الحروب ولكن الأصعب والأعقد في استباقها وتفادي وقوعها والتعجيل بإنهائها. فإذا تكلم الرصاص يصعب إسكاته ويصبح الدم والموت من الامور العادية.. لا الفريق أول البرهان ولا الفريق أول حمدان سيخضعان للسلام إذا لم يتعرضا لضغوط من الداخل قبل الخارج، إذ أن الأهم من كل العقوبات الدولية التي يدفع ثمنها الشعب البائس هو الشارع السوداني والنخب السودانية الواعية التي سيتعين أن تستعيد موقعها ووحدتها قبل استعادة الدولة المدنية ودولة القانون بعيدا عن هيمنة العسكر أو هيمنة تجار الدين وأصحاب الفتاوى ممن تعودوا على المتاجرة بالأوطان شرط الاستفادة من كل دروس الماضي ...
لا خلاف أن كل الحروب عبثية والحرب في السودان أكثر هذه الحروب عبثا في بلد يمتلك شعبه كل الثروات الطبيعية التي يمكن أن تطعم القارة الإفريقية ولكنه لا يجد للأسف ما يضمن احتياجاته الغذائية لأن في هذا البلد كل أنواع السلاح الذي يستنزف كل الإمكانيات ويسرق رغيف البسطاء والمشردين.. الأكيد أن الساعات والأيام القادمة حاسمة في تحويل الهدنة الى فرصة لإيقاف النزيف وتضميد الجراح.. نأمل أن تكون هناك صحوة عربية عربية بعد قمة جدة وأن يكون هناك فعلا مجال لدور عربي يحقق الاختراق المطلوب ويكرس الحد الأدنى من التضامن الإنساني والسياسي العربي وينتبه للمخاطر الزاحفة التي قد تجرف الجميع نحو جرف لا قرار له ...