إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

كيف يمكن لحدث عرضي أن ينسف تظاهرات ثقافية بالكامل

تونس- الصباح

حينما انطلق معرض تونس الدولي للكتاب في نسخته الاخيرة( 37) توجهت الانظار كلها إلى حدث عرضي كان من المفروض أن يكون عابرا لكنه استحوذ على كامل الاهتمام حتى أنه اجبر لجنة التنظيم وسلطة الاشراف ممثلة في وزارة الشؤون الثقافية على أن تكون في موقف الدفاع عن النفس. ليس هذا فحسب وإنما فرض على أعلى هرمي  السلطة القيام بردة فعل في علاقة بما جرى في المعرض.

الحكاية انطلقت  مع سحب كتاب غير مسجل في لائحة الكتب التي تم تقديمها للجنة القراءة، وقد تم اتخاذ قرار غلق جناح  دار النشر بصفة مؤقتة للتثبت في الأمر وفق هيئة التنظيم. لكن الكاتب كمال الرياحي سارع بالإعلان بان كتابه " فرانكشتيان تونس" الصادر عن دار الكتاب للنشر بتونس قد منع  ودعّمه الناشر في ذلك وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالخبر وتلقفت وسائل الاعلام الاجنبية الخبر معتبرة أن تونس تمارس تضييقات على حرية التعبير والنشر. وتدفقت المواقف المعبرة عن ادانتها لما اسمته بخنق الحريات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولم ينته الجدل بإعلان لجنة التنظيم  عن اعادة الكتب التي سحبت من المعرض، بل استمر طيلة ايام التظاهرة ولم ينه البلاغ الذي نشرته وزارة الشؤون الثقافية الذي جددت فيه التأكيد على احترام حرية التعبير والنشر المكفولة في  دستور البلاد، الجدل أيضا، الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى الخروج بنفسه إلى الميدان اذ قام بزيارة  إلى مكتبة وسط العاصمة  وتسلم نسخة من الكتاب موضوع الجدل ( الكتاب يتناول التجربة التونسية السياسية  في عهد الرئيس قيس سعيد) موجها بذلك رسالة إلى من يهمه الأمر بأن الكتاب غير ممنوع، وينفي من خلالها  تراجع تونس عن مكسب الحريات الخاصة والعامة الذي تأتى بفضل  الثورة.

لا شيء يعوض الخسارة

ورغم كل هذه الجهود، فإن الخسارة كانت كبيرة وكثيرون اعتبروا أن  الكتاب تعرض للمنع وتضررت  سمعة المعرض كثيرا  وقد تم التشويش على التظاهرة بالكامل بتحويل الأنظار عن  مضامينها المختلفة. ونكاد نراهن على أنه وبعد انتهاء المعرض، لم يبق في الذاكرة سوى تلك الحادثة العابرة.

وكأن معرض تونس الدولي للكتاب الذي انتظم فيما بين  28 أفريل و7 ماي  تحت شعار "حلّق... بأجنحة الكتاب"، لم يستقطب آلاف الزوار وكأن  مئات  العارضين العرب والاجانب  وعشرات المبدعين والمثقفين من تونس والخارج  لم يشاركوا فيه في التظاهرة.

لكأن المعرض لم يضم حوالي  500 ألف عنوان في مختلف المجالات ولكأن العراق بإرثها الحضاري ومنتوجها الثقافي والابداعي لم تكن ضيف شرف لهذه الدورة.. لكأن سوريا لم تعد لمعرض تونس الدولي للكتاب بعد سنوات من الغياب ولكأن روسيا لم تسجل حضورها لأول مرة في تاريخ المعرض.

لكأن المعرض لم ينظم العديد من الجلسات الأدبية والقراءات الشعرية وورشات العمل وعشرات الأنشطة الموجهة للأطفال.

 كل شيء ضاع في زحمة الجدل حول كتاب عرف اصحابه كيف يستغلون الفرصة لتحويل الانظار عن تظاهرة بكل ما تحويه من مضامين وبكل ما استغرقته من جهود في التنظيم وبكل ما تمثله لأهل الأدب والثقافة والمعرفة.

نفس القصة بطريقة أخرى

وبمجرد أن انتهت معمعة معرض تونس الدولي للكتاب حتى وجد الرأي العام نفسه أمام حادثة أخرى اثرت بشكل مباشر في تظاهرة بدأ يشتد عودها رغم أنها في دورته الثانية فقط.  لكأن نفس القصة التي عاشها معرض تونس الدولي للكتاب تعاد لكن بطريقة أخرى. ويتعلق الأمر هذه المرة بالمهرجان السينمائي الدولي ياسمين الحمامات. فكل شيء كان يوحي أن الدورة الثانية ستكون في نفس مستوى الدورة الأولى أو افضل إلا ان ملاحظة الممثل فتحي الهداوي الموجهة إلى الممثلة درة رزوق في سهرة الافتتاح  قد حولت الأنظار عن الأهم واختزل المهرجان في هذا  الحدث العرضي.

 فتحي الهداوي كان مدعوا للتكريم مثله مثل درة زروق وقد قدر من وجهة نظره  أن الوقت مناسب لتوجيه ملاحظة إلى المنظمين حول بعض الاختيارات ومن بينها التكريمات. فهو لا يعتبر أن درة زروق جديرة بالحظوة التي نالتها ولم يخف الأمر، بل عبر عن ذلك بوضوح. صحيح إن المهرجان مازال متواصلا لكن موقف الهداوي اصبح حديث الساعة وحول الانظار عن الحدث الحقيقي، أي مهرجانا دوليا للسينما بما يتضمنه ذلك من اعداد وتنظيم ولوجستيك وطواقم بشرية وامكانيات مادية ومعنوية.

لم يعد  حفل الافتتاح الذي فرش فيه السجاد الاحمر أمام  الجمهور واستقبلت فيه اسماء كبيرة بما فيها  فتحي الهداوي ودرة زروق  إلى جانب كمال التواتي، محمد السياري، كوثر الباردي، عادل يونس، لبنى نعمان، شاكرة رماح، نجوى زهير و سلمى بكار وعدد كبير من السينمائيين المشاركين من خلال أفلامهم في المسابقات الرسمية أو في اقسام أخرى مثل   "مختارات من السينما التونسية" وبانوراما الأفلام الروائية والوثائقية الطويلة والقصيرة، هو الحدث.

لم يعد الحدث بروز نجوم تونس الصاعدين على غرار  فارس عبد الدايم، نسيم بورقيبة، رنيم علياني ودنيا الفقي الذين ظهروا في دراما رمضان المنقضي وأثاروا الانتباه. لم يعد الحدث استقطاب المهرجان لضيوف مشاهير من خارج تونس  ولا برمجة سينمائية لأفضل الأفلام المتوجة دوليا وفق ما قاله رئيس المهرجان مختار العجيمي في سهرة الافتتاح ولا اهتمام المهرجان  بسينما القرب وفق وزيرة الثقافة حياة قطاط القرمازي التي حضرت حفل الافتتاح ولا ما قالته حول الارتقاء بالذائقة الفنية للجمهور عبر برمجة لأهم الأفلام المتوجة دوليا  وتأكيدها على أن دعم وزارة الشؤون الثقافية للمهرجان السينمائي الدولي ياسمين الحمامات هو تأكيد على الاهتمام العميق، الذي توليه الدولة التونسية للفن السابع باعتباره قطاعا حيويا وتنمويا واعداوهو عنوان للتميز، ويمنح تونس الاشعاع والمكانة المتفردة بين سينماءات العالم،  ولا ما قالته الوزيرة حول توفير فضاء أرحب للفن السابع ، يتيح  للأصوات السينمائية المبدعة والطاقات الشابة من صناع الأفلام، إمكانات أكبر ليرى العالم تونس عبر شاشات السينما ومن بينها شاشة الحمامات، المدينة المتوسطية الرمز للانفتاح الثقافي والحضاري، قبلة السياح ومحبي الفنون والثقافة.وفق قولها.

ولم يعد الحدث يتمثل في المسابقات الدولية ولا فقرات المهرجان المتعددة ولا ورشات العمل ولا العروض أي كانت قيمتها، إنما الحدث والذي يهم يهم فقط هو قاله فتحي الهداوي حول درة زروق وما تبعه.

إنه الخطر الذي يتربص بالتظاهرات الثقافية التي  يمكن أن تسقط كلها في الماء بمجرد لشيء طارئ أو حدث عارض. إنه ذلك الخطر الذي يتربص اصلا بالعمل الثقافي. فمن سيجرأ في المستقبل على تحمل المسؤولية  وهو يدرك مسبقا  أن كل جهوده يمكن أن تنسف لأبسط الاشياء. إنه الخطر الذي يهدد بأن ينسف كل شيء في المطلق لأن التيار قوي جدا ويمكن ان يجرف كل شيء جميل معه ليبقى كل ما هو مثير وما هو عابر وعرضي هو الحدث.

حياة السايب

كيف يمكن لحدث عرضي أن ينسف تظاهرات ثقافية بالكامل

تونس- الصباح

حينما انطلق معرض تونس الدولي للكتاب في نسخته الاخيرة( 37) توجهت الانظار كلها إلى حدث عرضي كان من المفروض أن يكون عابرا لكنه استحوذ على كامل الاهتمام حتى أنه اجبر لجنة التنظيم وسلطة الاشراف ممثلة في وزارة الشؤون الثقافية على أن تكون في موقف الدفاع عن النفس. ليس هذا فحسب وإنما فرض على أعلى هرمي  السلطة القيام بردة فعل في علاقة بما جرى في المعرض.

الحكاية انطلقت  مع سحب كتاب غير مسجل في لائحة الكتب التي تم تقديمها للجنة القراءة، وقد تم اتخاذ قرار غلق جناح  دار النشر بصفة مؤقتة للتثبت في الأمر وفق هيئة التنظيم. لكن الكاتب كمال الرياحي سارع بالإعلان بان كتابه " فرانكشتيان تونس" الصادر عن دار الكتاب للنشر بتونس قد منع  ودعّمه الناشر في ذلك وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالخبر وتلقفت وسائل الاعلام الاجنبية الخبر معتبرة أن تونس تمارس تضييقات على حرية التعبير والنشر. وتدفقت المواقف المعبرة عن ادانتها لما اسمته بخنق الحريات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولم ينته الجدل بإعلان لجنة التنظيم  عن اعادة الكتب التي سحبت من المعرض، بل استمر طيلة ايام التظاهرة ولم ينه البلاغ الذي نشرته وزارة الشؤون الثقافية الذي جددت فيه التأكيد على احترام حرية التعبير والنشر المكفولة في  دستور البلاد، الجدل أيضا، الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى الخروج بنفسه إلى الميدان اذ قام بزيارة  إلى مكتبة وسط العاصمة  وتسلم نسخة من الكتاب موضوع الجدل ( الكتاب يتناول التجربة التونسية السياسية  في عهد الرئيس قيس سعيد) موجها بذلك رسالة إلى من يهمه الأمر بأن الكتاب غير ممنوع، وينفي من خلالها  تراجع تونس عن مكسب الحريات الخاصة والعامة الذي تأتى بفضل  الثورة.

لا شيء يعوض الخسارة

ورغم كل هذه الجهود، فإن الخسارة كانت كبيرة وكثيرون اعتبروا أن  الكتاب تعرض للمنع وتضررت  سمعة المعرض كثيرا  وقد تم التشويش على التظاهرة بالكامل بتحويل الأنظار عن  مضامينها المختلفة. ونكاد نراهن على أنه وبعد انتهاء المعرض، لم يبق في الذاكرة سوى تلك الحادثة العابرة.

وكأن معرض تونس الدولي للكتاب الذي انتظم فيما بين  28 أفريل و7 ماي  تحت شعار "حلّق... بأجنحة الكتاب"، لم يستقطب آلاف الزوار وكأن  مئات  العارضين العرب والاجانب  وعشرات المبدعين والمثقفين من تونس والخارج  لم يشاركوا فيه في التظاهرة.

لكأن المعرض لم يضم حوالي  500 ألف عنوان في مختلف المجالات ولكأن العراق بإرثها الحضاري ومنتوجها الثقافي والابداعي لم تكن ضيف شرف لهذه الدورة.. لكأن سوريا لم تعد لمعرض تونس الدولي للكتاب بعد سنوات من الغياب ولكأن روسيا لم تسجل حضورها لأول مرة في تاريخ المعرض.

لكأن المعرض لم ينظم العديد من الجلسات الأدبية والقراءات الشعرية وورشات العمل وعشرات الأنشطة الموجهة للأطفال.

 كل شيء ضاع في زحمة الجدل حول كتاب عرف اصحابه كيف يستغلون الفرصة لتحويل الانظار عن تظاهرة بكل ما تحويه من مضامين وبكل ما استغرقته من جهود في التنظيم وبكل ما تمثله لأهل الأدب والثقافة والمعرفة.

نفس القصة بطريقة أخرى

وبمجرد أن انتهت معمعة معرض تونس الدولي للكتاب حتى وجد الرأي العام نفسه أمام حادثة أخرى اثرت بشكل مباشر في تظاهرة بدأ يشتد عودها رغم أنها في دورته الثانية فقط.  لكأن نفس القصة التي عاشها معرض تونس الدولي للكتاب تعاد لكن بطريقة أخرى. ويتعلق الأمر هذه المرة بالمهرجان السينمائي الدولي ياسمين الحمامات. فكل شيء كان يوحي أن الدورة الثانية ستكون في نفس مستوى الدورة الأولى أو افضل إلا ان ملاحظة الممثل فتحي الهداوي الموجهة إلى الممثلة درة رزوق في سهرة الافتتاح  قد حولت الأنظار عن الأهم واختزل المهرجان في هذا  الحدث العرضي.

 فتحي الهداوي كان مدعوا للتكريم مثله مثل درة زروق وقد قدر من وجهة نظره  أن الوقت مناسب لتوجيه ملاحظة إلى المنظمين حول بعض الاختيارات ومن بينها التكريمات. فهو لا يعتبر أن درة زروق جديرة بالحظوة التي نالتها ولم يخف الأمر، بل عبر عن ذلك بوضوح. صحيح إن المهرجان مازال متواصلا لكن موقف الهداوي اصبح حديث الساعة وحول الانظار عن الحدث الحقيقي، أي مهرجانا دوليا للسينما بما يتضمنه ذلك من اعداد وتنظيم ولوجستيك وطواقم بشرية وامكانيات مادية ومعنوية.

لم يعد  حفل الافتتاح الذي فرش فيه السجاد الاحمر أمام  الجمهور واستقبلت فيه اسماء كبيرة بما فيها  فتحي الهداوي ودرة زروق  إلى جانب كمال التواتي، محمد السياري، كوثر الباردي، عادل يونس، لبنى نعمان، شاكرة رماح، نجوى زهير و سلمى بكار وعدد كبير من السينمائيين المشاركين من خلال أفلامهم في المسابقات الرسمية أو في اقسام أخرى مثل   "مختارات من السينما التونسية" وبانوراما الأفلام الروائية والوثائقية الطويلة والقصيرة، هو الحدث.

لم يعد الحدث بروز نجوم تونس الصاعدين على غرار  فارس عبد الدايم، نسيم بورقيبة، رنيم علياني ودنيا الفقي الذين ظهروا في دراما رمضان المنقضي وأثاروا الانتباه. لم يعد الحدث استقطاب المهرجان لضيوف مشاهير من خارج تونس  ولا برمجة سينمائية لأفضل الأفلام المتوجة دوليا وفق ما قاله رئيس المهرجان مختار العجيمي في سهرة الافتتاح ولا اهتمام المهرجان  بسينما القرب وفق وزيرة الثقافة حياة قطاط القرمازي التي حضرت حفل الافتتاح ولا ما قالته حول الارتقاء بالذائقة الفنية للجمهور عبر برمجة لأهم الأفلام المتوجة دوليا  وتأكيدها على أن دعم وزارة الشؤون الثقافية للمهرجان السينمائي الدولي ياسمين الحمامات هو تأكيد على الاهتمام العميق، الذي توليه الدولة التونسية للفن السابع باعتباره قطاعا حيويا وتنمويا واعداوهو عنوان للتميز، ويمنح تونس الاشعاع والمكانة المتفردة بين سينماءات العالم،  ولا ما قالته الوزيرة حول توفير فضاء أرحب للفن السابع ، يتيح  للأصوات السينمائية المبدعة والطاقات الشابة من صناع الأفلام، إمكانات أكبر ليرى العالم تونس عبر شاشات السينما ومن بينها شاشة الحمامات، المدينة المتوسطية الرمز للانفتاح الثقافي والحضاري، قبلة السياح ومحبي الفنون والثقافة.وفق قولها.

ولم يعد الحدث يتمثل في المسابقات الدولية ولا فقرات المهرجان المتعددة ولا ورشات العمل ولا العروض أي كانت قيمتها، إنما الحدث والذي يهم يهم فقط هو قاله فتحي الهداوي حول درة زروق وما تبعه.

إنه الخطر الذي يتربص بالتظاهرات الثقافية التي  يمكن أن تسقط كلها في الماء بمجرد لشيء طارئ أو حدث عارض. إنه ذلك الخطر الذي يتربص اصلا بالعمل الثقافي. فمن سيجرأ في المستقبل على تحمل المسؤولية  وهو يدرك مسبقا  أن كل جهوده يمكن أن تنسف لأبسط الاشياء. إنه الخطر الذي يهدد بأن ينسف كل شيء في المطلق لأن التيار قوي جدا ويمكن ان يجرف كل شيء جميل معه ليبقى كل ما هو مثير وما هو عابر وعرضي هو الحدث.

حياة السايب