ولم تلبث حكومة "جورج لاق " أن سقطت في 16 جانفي 1921 وقامت حكومة " أرتيسد بريّان". ومن حسن حظّ الوفد التونسي أنّ الطّاهر بن عمّار له سابق معرفة بهذا الرّجل لصداقته بـ" إيف لو تروكي" فتوجّه إليه الطّاهر بن عمّار وحده لتهنئته بهذا التكليف وطلب منه السّماح باستقبال الوفد التونسي ليجدّد تقديم مطالبه وشرحها لجنابه وبالفعل استقبل رئيس مجلس الوزراء الجديد الوفد التونسي بعد أسبوع من تولّيه رئاسة الحكومة وذلك بقصر " ماتنيون" وكان اللقاء إيجابيّا حيث أشار الطّاهر بن عمّار إلى ما قدّمه التّونسيون من تضحيات جسام إلى جانب فرنسا في الحرب العالميّة الأولى وعرض عليه المطالب والإصلاحات الضروريّة لتحسين أحوال الشعب التونسي ومنها الدستور والبرلمان.
وبعث رئيس مجلس الوزراء برسالة إلى المقيم العام الفرنسي بتونس " لوسيا سان" يقول فيها " إنّ فرنسا مقتنعة بضرورة إجراء إصلاحات في تونسي تقوم على إعادة تنظيم مجلس الشّورى La conférence consultative وتطوير التعليم وحماية الملكيات وتمكين التونسيين من الانتداب في الوظيفة العموميّة". ونشرت صحيفة " الزمان" مقالا في شهر فيفري 1921 أي بعد عودة الوفد التّونسي إلى أرض الوطن بعنوان " القضيّة التونسيّة" أشادت فيه برئيس الوفد التونسي وأكّدت شرعيّة المطالب وكان لهذا المقال تأثير في الرأي العام الفرنسي.
ويبدو أنّ " لوسيان سان" المقيم العام الجديد قد أحاط به غلاةُ الاستعمار ومارسوا عليه ضغوطا كبيرة جعلته يتراجع فيما وعد به من إصلاحات واعتبر أنّ كلمة " دستور" تطرح إشكالا كبيرا في نظره لأنّه يتطلّب إجراءات ونظاما سياسيّا لا يتماشى مع الحماية الفرنسيّة للبلاد. وفي داخل الحزب الدستوري انبثق صراع عنيف بين شقّ متشدّد يرى أنّه من حقّ التونسيين أن يتولّوا شؤون بلادهم وأنّه لا حقوقَ للفرنسيين في البرلمان التونسيّ المطلوب وشقّ يعيب على هؤلاء ضيق آفاقهم وقلّة اطّلاعهم على حقائق الأمور في عالم السياسة وجهلهم الطبق بعقليّة الفرنسيين وموازين القُوى بين الأهالي وفرنسا ولم يلبثْ أن احتدّ الصّراع وبلغ حدّ التجريح والتخوين والاتّهام بالخيانة
والرّضوخ إلى الإقامة العامّة، وانعقد في هذه الظّروف مؤتمر الحزب في شهر ماي 1921بمنزل حمّودة المستيري واختير الطّاهر بن عمّار عضوا في لجنته التنفيذيّة التي تضمّ 27 عضوا إلاّ أنّ الخلافَ تفاقم بين الدستوريين والإصلاحيين وساءت الأجواء فانسحب الطّاهر بن عمّار حين خرج الخلاف إلى أعمدة الصّحف والمقاهي والمجالس وأصبح التوفيق بين الشقّيْن والتعايُش داخل هياكل الحزب غير مُتَاح.
وفي الأثناء تبنّى الناّصر الباي وحاشيته برنامج الحزب الدستوري وزاد عليه وهدّد بالتنحّي عن العرش إن لم تستجب الإقامة العامة لطلباته وساندته مظاهرة نظّمها الأهالي ولكنّه سرعان ما تراجع حين أحاطت بقصره كتيبة من الجيش الفرنسي ووقعت إيقافات لعدد من قادة الحزب وخيّم على البلاد جوّ من الإحباط والتوتّر وقدّم المقيم العام برنامجه الإصلاحي وفرضه في جويلية 1922 فألغى المجلس الاستشاري وعوّضه بالمجلس الكبير وأقرّ تمثيل التونسيين في مجالس محليّة وجهويّة ووطنيّة وألغى منصب الكتابة العامّة للحكومة التونسيّة، وإن لم تكن هذه الإصلاحات تلبّي أفقَ الانتظار لدى التونسيين إلاّ أنّها مرحلة اعتبرها الحزب الإصلاحي الذي أسّسه الأستاذ المحامي حسن القلاّتي مفيدة تتّجه إلى السماح للتونسيين بالمشاركة في الحياة العامّة والتدرّب على إدارة شؤون بلادهم.
وأدرك الطّاهر بن عمّار أنّ العمل ضمن هذيْن الحزبيْن محدود النتائج إذ لم يقدر أيّ منهما على تكوين جذور ممتدّة وفروع منتشرة وأغلب النّخب فيهما تعمل كما لو كان الحزب ناديا للنقاش والحوارات وإصدار بعض البيانات واللّوائح في الصحف والمجلاّت دون التغلغل في أوساط الجمهور العريض فرأى من الأجدى والأكثر نفعا للبلاد وخدمةً للقضيّة التونسيّة أن يعمل في إطار الجمعيّات الاقتصاديّة وداخل الهياكل التمثيليّة الرّسميّة ليعرف بثقافته وتكوينه وقدرته على التفاوض أن يدافع بنجاعة أكبر عن مصالح التونسيين ويقدّم خدمة أفضل للقضيّة التّونسيّة.
*الطّاهر بن عمّار والعمل الجمعيّاتي:
- كان فاعلا وناجعا في تكوين " الرابطة الإسلاميّة اليهوديّة" سنة 1920 وإصدار جريدتها " تونس الجديدة".
- أسّس سنة 1920 أيضا شركة " النّهضة الاقتصاديّة" ورأس مالها 100 ألف فرنك وتختصّ في توريد الآلات الفلاحيّة العصريّة للفلاّحين التونسيين وتعمل على تكوين سوّاقها والفنّيين في إصلاح معدّاتها.
- وكان من المؤسّسين لجريدة " النّهضة" بإدارة الشاذلي القسطلّي والتي عرفت انتشارا كبيرا ونجاحا باهرا.
- أسّس في فيفري 1929 الجمعيّة الأهليّة الفلاحيّة وانعقد المؤتمر التأسيسي بقاعة الخلدونيّة وانتهى الاقتراع السرّي بين الفلاّحين بانتخاب الهيئة وفيها الطّاهر بن عمّار وأخوه المنّوبي ومصطفى القلاّتي فوقع إقصاؤهم من قبل الإقامة العامّة لأسباب سياسيّة وعاد الطّاهر بن عمّار إلى رئاسة الجمعيّة سنة 1930 وقدّمت خدمات كبيرة من خلال توفير سلفات البذور وتسهيل الحصول على القروض وتوسّطت للفلاّحين لدى المؤسّسات الماليّة المانحة واستطاع أن يوسّع الجمعيّة إلى 54 فلاّحا من جهة القيروان.
- أسّس الحجرة الفلاحيّة للشّمال وفي مؤتمرها التأسيسي تحصّل على أكبر عدد من الأصوات لكنّه وقع إقصاؤه من قبل السّلط الاستعماريّة نظرا لانتمائه إلى الحزب الدستوري ومنذ 1930 انتخب رئيسا للحجرة الفلاحيّة وظل على رأسها حتّى سنة 1957وقدّم للفلاحة التونسيّة طيلة هذه الفترة خدمات عظيمة وأبدى قدرة على التفاوض مع السّلط والمؤسّسات المانحة جلبت الكثير من المكاسب للفلاّحين وكانت بحقّ منبرا للكفاح الوطني فقد كان ملمّا بأوضاع أراضي الأحباس العامّة والأراضي الدّوليّة وأراضي العروش ذات الملكيّة الجماعيّة ومشاكل المعمّرين ونهمهم وسعيهم إلى الاستيلاء على الأراضي بشتّى الحِيَل وعلى علم دقيق بالسياسة الفلاحيّة الاستعماريّة والعوائق الإداريّة لعرقلة الفلاّح التّونسي وكان يجادل الإقامة العامّة باقتدار في أمور الفلاحة وألقى خطابا هامّا أمام رئيس الجمهوريّة الفرنسيّة " قاسطون دو مارق" عند زيارته لتونس في أفريل 1931 وفي شهر أوت من نفس السنة حضر بباريس أشغال المؤتمر الفلاحي الاستعماري وقدّم فيه تقريرا بسبع صفحات نشرته جريدة صوت التونسي في 21 أوت 1931 يدلّ على أنّ الطّاهر بن عمّار مفاوض قدير وخبير بالميدان الفلاحي بحيث شخّص مواطن الدّاء وقدّم الحلول الممكنة والواقعيّة للحدّ من معاناة الفلاّح التّونسي وهضم حقوقه وإهدار جهوده.
وكانت للطّاهر بن عمّار تجربة أخرى في التفاوض على غاية من الأهميّة ففي سنة 1932 بلغت ارتدادات الأزمة العالميّة البلاد التونسيّة وانهارت أسعار المواد الفلاحيّة ونزلت إلى النّصف ، وكانت السّلط الاستعماريّة تفرض على البلاد نظاما للملكيّة يختلف عمّا دأبت عليه منذ قرون وبما أنّ الفلاّح التونسيّ يسعى بصدق إلى تعصير فلاحته وتطويرها على غرار ما يرى في ضيعات المعمّرين كان لا بدّ له من الاقتراض وبما أنّ المؤسّسات الماليّة لا تعترف بملكيته لأرضه فكان يضطرّ إلى الاقتراض من المرابين لأنّه لا سبيلَ إليه إلى البنوك ومع نزول الأسعار إلى النّصف وفيضانات شتاء 1931 وجد الفلاّح التّونسيّ نفسه في وضع كارثيّ لا يقدر على تسديد ديونه للمرابين ومهدّدا بتنفيذ أحكام عدليّة تُنتزع بمقتضاها أرضه لفائدة الدّائنين والمرابين، في هذه الظروف انطلق وفد فلاحيّ يقوده الطاهر بن عمّار إلى باريس لمقابلة السلط العليا الفرنسيّة ويبسط الموضوع وينبّه إلى خطورة الوضع وكارثيّته على الأهالي، وفي نفس الوقت أرسل غلاة الاستعمار في تونس وفدا من المعمّرين الفرنسيين ومن ورائهم المرابون والدّائنون يتعقّبون الوفد الفلاحي التونسي ويسعون بكلّ السّبل إفشال مهمّتهم والتأكيد على أنّ الفلاحين من الأهالي لا يريدون دفع ما عليهم من ديون ويتملّصون وكانوا يهوّنون الأزمة وانعكاساتها. وعاد أعضاء الوفد إلى تونس وبقي الطّاهر بن عمّار ومحمّد شنيق في المتابعة يطرقان الأبواب ويطرحان المسألة حتّى قرّر رئيس الوزراء تكوين لجنة عرفت بلجنة "تاردي" وبعد الاجتماع والتدارس انتهت بقبول مقترح تقدّم به الطّاهر بن عمّار وهو تأجيل دفع ديون الفلاّحين ستّة أشهر بعد الحصاد المقبل وإيقاف البيوعات العدليّة للدّائنين وبذلك يكون التفاوض من هذا الباب قد أنقذ ما يقارب ثلاثة آلاف فلاّح من الإفلاس ومن فقدان ممتلكاتهم لفائدة ثعالب المرابين ومن ورائهم ذئاب المعمّرين الذين ينظرون إلى أراضي الفلاحين بنهم ولهفة شديديْن.
وهكذا يكون الطّاهر بن عمّار قد اضطلع بدور رياديّ في الدّفاع عن مصالح الفلاّحين في الإطاريْن الذيْن تحرّك داخلهما وهما الحجرة الفلاحيّة والمجلس الكبير واستغلّ هديْن الهيكليْن أفضل استغلال لتحقيق أهداف وطنيّة بالأساس وتحيق نتائج ملموسة لفائدة القضيّة التونسيّة.
وبعد الحرب العالميّة الثانية التقى الطاهر بن عمّار بالجنرال " دي قول" بتونس في 26 جوان 1943 وشرح له بصفته رئيس القسم التونسي بالمجلس الكبير ورئيس الحجرة الفلاحيّة الموقف التونسي المساند للحلفاء وذكّر الجنرال بالتضحيات الجسام التي تكبّدها الشّعب التّونسي من جرّاء الحرب والخسائر الماديّة والبشريّة التي حلّت به كما بيّن له أنّ عزل المنصف باي موقف خاطئ وكان اللقاء في جملته إيجابيّا. والتقى الطاهر بن عمّار مرّة أخرى بالجنرال " دي قول" بالجزائر في المجلس الاستشاري المؤقّت وكان رئيس الوفد التونسي للمجلس الكبير وقدّم للجنرال الفرنسي عريضة تطالب من جملة ما تطالب به انتخاب مجلس نيابي تشريعي تونسي.
ومنذ 1944 انتعش الحراك الوطني وأضرب طلبة جامع الزيتونة وأساتذته وتضاعف النشاط الحزبي وامتدّ ونشطت فروع الحزب الدستوري الجديد وعادت اجتماعات النادي التونسي بنهج الكومسيون وفي هذه الأجواء بدأت تترسّخ القناعة بضرورة تجميع القوى وتكوين جبهة تلتقي فيها كلّ القوى الفاعلة والقادرة على تأطير الرأي العام ونجحت المساعي وانعقد اجتماع هام في فيفري 1944 جمع الحزب الدستوري الجديد والحزب الدستوري القديم والحزب الإصلاحي واتّفقوا على تأسيس جبهة قوميّة واجتمعت عدّة مرّات وفي اجتماع 30 أكتوبر 1944 بمكتب المحامي الطّاهر لخضر اجتمع قادة الجبهة وهم: الطّاهر بن عمّار رئيس (مستقل) الحبيب بورقيبة عن الحزب الدستوري الجديد . صالح فرحات عن الحزب الدستوري القديم. محمّد الفاضل بن عاشور (عن جامع الزيتونة) حمّادي بدرة (عن الحركة المنصفيّة) محمّد بن رمضان (عن المجلس الكبير) مصطفى الكعّاك محام مستقل و الطّاهر لخضر محام مستقلّ. وأصدرت الجبهة بيانا تطالب فيه بمنح البلاد التّونسيّة الاستقلال الدّاخلي..
وهكذا نتبيّن أنّ الطّاهر بن عمّار حين شكّل الحكومة التونسيّة التفاوضيّة الأولى يوم 8 أوت 1954 كان محلّ إجماع القُوى الوطنيّة الفاعلة في البلاد وعلى رأسها الحزب الدستوري الجديد وتشكّلت هذه الحكومة بعسر شديد وأخذ وردّ من الإقامة العامة ومن سرايا الباي ومن الحكومة الفرنسيّة وانطلقت المفاوضات في باريس وفي تونس وكان الطّرف الفرنسي متمسّكا بضرورة نزول " الفلاّقة" من الجبال وتسليم أسلحتهم لمواصلة المفاوضات ، وآلت الأمور إلى مأزق وكادت تتوقّف واستطاع الطّاهر بن عمّار بحنكته وبتجربته الطويلة في التفاوض أن يجتاز العقبة الكأداء بأن يسلّم المقا ومون سلاحهم مع الضمان التّام لأرواحهم وأمنهم ووضعهم الاجتماعي وهو ما تمّ بالفعل بعد تردّد وكان للثّقة التي يحظى بها الوزير الأكبر لدى كبار المقاومين مثل لزهر الشرايطي بجبل سيدي عايش، وساسي لسود ببير الحفيْ ،ورابح التليلي جبل قطرانة ،ومصباح الجربوع بجبل عرباطة دور كبير في حسم المسألة والخروج من المأزق وتواصلت المفاوضات طويلة عسيرة واستغرقت الجلسات عديد السّاعات بلا انقطاع ، وفي الأثناء سقطت حكومة "منداس فرانس" وعقبه " إدقار فور" وتواصلت المفاوضات واشتدّ الخلاف وبعد جلسات ماراطونيّة عصيبة وحرب الأعصاب والثبات على المبادئ رغم دهاء المفاوضين الفرنسيين وقع إمضاء الاتّفاقيات التونسيّة - الفرنسيّة يوم 3 جوان 1955 وكان ذلك التاريخ حدثا مهمّا سيفتح للشعب التونسيّ التوّاق إلى الحريّة والكرامة آفاقا جديدة وكان للطّاهر بن عمّار بفضل تجربته الطويلة في التفاوض ومكانته وعلاقاته دور أساسيّ في تحقيق هذا الإنجاز العظيم الذي سيكون له ما بعده .
ففي 14سبتمبر 1955 طلب الباي بعد أن استشار رؤساء المنظّمات من الطّاهر بن عمّار تشكيل الحكومة الجديدة فاعتذر إلاّ أنّ كلّ المنظّمات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة حضرت بمقرّ سكنى الطّاهر بن عمّار بضاحية خير الدّين وألحّوا عليه بقبول تشكيل حكومة ثانية وعبّروا جميعا عن مساندتهم لها وانتهى الأمر بالقبول وإعلام الباي بذلك فكانت أوّل حكومة متجانسة مؤلّفة من التونسيين منذ انتصاب الحماية سنة 1881 وبعد المفاوضات التي يتقنها الطّاهر بن عمّار جيّدا وفي باريس وبمقرّ وزارة الخارجيّة الفرنسيّة بـ" كاي دورساي" على ضفاف نهر السّان وعلى الساعة الخامسة وأربعين دقيقة بدأ الطّاهر بن عمّار بقراءة النّصف الأوّل من البروتوكول بصوت قويّ جهوريّ وتلاه " كريستيان بينو" ثمّ قال " إنّ فرنسا تعترف علانيّةً باستقلال تونس" وبادر الطّاهر بن عمّار بإمضائه وتلاه كرستيان بينو وأصبح لتونس الحقّ في تكوين جيش وطنيّ وتأسيس علاقاتها الخارجيّة مع الدّول الشقيقة والصديقة. أمّا محاكمة الطّاهر بن عمّار سنة 1958 فتستحقّ فصلا مطوّلا، ولكنّ التّاريخ ينصف الرجال المخلصين والوطنيين الصّادقين رحم الله ذلك الرجل فحياته ونشاطه ومواقفه ومواهبه مدعاة للفخر وسيرته دروس واعتبار رحمه الله وطيّب ذكراه وألحقه بعباده الأتقياء الأنقياء الصّادقين.
* أستاذ مبرّز مدير أسبق للمدرسة الصّادقيّة
بقلم: حبيب الحزقي (*)
ولم تلبث حكومة "جورج لاق " أن سقطت في 16 جانفي 1921 وقامت حكومة " أرتيسد بريّان". ومن حسن حظّ الوفد التونسي أنّ الطّاهر بن عمّار له سابق معرفة بهذا الرّجل لصداقته بـ" إيف لو تروكي" فتوجّه إليه الطّاهر بن عمّار وحده لتهنئته بهذا التكليف وطلب منه السّماح باستقبال الوفد التونسي ليجدّد تقديم مطالبه وشرحها لجنابه وبالفعل استقبل رئيس مجلس الوزراء الجديد الوفد التونسي بعد أسبوع من تولّيه رئاسة الحكومة وذلك بقصر " ماتنيون" وكان اللقاء إيجابيّا حيث أشار الطّاهر بن عمّار إلى ما قدّمه التّونسيون من تضحيات جسام إلى جانب فرنسا في الحرب العالميّة الأولى وعرض عليه المطالب والإصلاحات الضروريّة لتحسين أحوال الشعب التونسي ومنها الدستور والبرلمان.
وبعث رئيس مجلس الوزراء برسالة إلى المقيم العام الفرنسي بتونس " لوسيا سان" يقول فيها " إنّ فرنسا مقتنعة بضرورة إجراء إصلاحات في تونسي تقوم على إعادة تنظيم مجلس الشّورى La conférence consultative وتطوير التعليم وحماية الملكيات وتمكين التونسيين من الانتداب في الوظيفة العموميّة". ونشرت صحيفة " الزمان" مقالا في شهر فيفري 1921 أي بعد عودة الوفد التّونسي إلى أرض الوطن بعنوان " القضيّة التونسيّة" أشادت فيه برئيس الوفد التونسي وأكّدت شرعيّة المطالب وكان لهذا المقال تأثير في الرأي العام الفرنسي.
ويبدو أنّ " لوسيان سان" المقيم العام الجديد قد أحاط به غلاةُ الاستعمار ومارسوا عليه ضغوطا كبيرة جعلته يتراجع فيما وعد به من إصلاحات واعتبر أنّ كلمة " دستور" تطرح إشكالا كبيرا في نظره لأنّه يتطلّب إجراءات ونظاما سياسيّا لا يتماشى مع الحماية الفرنسيّة للبلاد. وفي داخل الحزب الدستوري انبثق صراع عنيف بين شقّ متشدّد يرى أنّه من حقّ التونسيين أن يتولّوا شؤون بلادهم وأنّه لا حقوقَ للفرنسيين في البرلمان التونسيّ المطلوب وشقّ يعيب على هؤلاء ضيق آفاقهم وقلّة اطّلاعهم على حقائق الأمور في عالم السياسة وجهلهم الطبق بعقليّة الفرنسيين وموازين القُوى بين الأهالي وفرنسا ولم يلبثْ أن احتدّ الصّراع وبلغ حدّ التجريح والتخوين والاتّهام بالخيانة
والرّضوخ إلى الإقامة العامّة، وانعقد في هذه الظّروف مؤتمر الحزب في شهر ماي 1921بمنزل حمّودة المستيري واختير الطّاهر بن عمّار عضوا في لجنته التنفيذيّة التي تضمّ 27 عضوا إلاّ أنّ الخلافَ تفاقم بين الدستوريين والإصلاحيين وساءت الأجواء فانسحب الطّاهر بن عمّار حين خرج الخلاف إلى أعمدة الصّحف والمقاهي والمجالس وأصبح التوفيق بين الشقّيْن والتعايُش داخل هياكل الحزب غير مُتَاح.
وفي الأثناء تبنّى الناّصر الباي وحاشيته برنامج الحزب الدستوري وزاد عليه وهدّد بالتنحّي عن العرش إن لم تستجب الإقامة العامة لطلباته وساندته مظاهرة نظّمها الأهالي ولكنّه سرعان ما تراجع حين أحاطت بقصره كتيبة من الجيش الفرنسي ووقعت إيقافات لعدد من قادة الحزب وخيّم على البلاد جوّ من الإحباط والتوتّر وقدّم المقيم العام برنامجه الإصلاحي وفرضه في جويلية 1922 فألغى المجلس الاستشاري وعوّضه بالمجلس الكبير وأقرّ تمثيل التونسيين في مجالس محليّة وجهويّة ووطنيّة وألغى منصب الكتابة العامّة للحكومة التونسيّة، وإن لم تكن هذه الإصلاحات تلبّي أفقَ الانتظار لدى التونسيين إلاّ أنّها مرحلة اعتبرها الحزب الإصلاحي الذي أسّسه الأستاذ المحامي حسن القلاّتي مفيدة تتّجه إلى السماح للتونسيين بالمشاركة في الحياة العامّة والتدرّب على إدارة شؤون بلادهم.
وأدرك الطّاهر بن عمّار أنّ العمل ضمن هذيْن الحزبيْن محدود النتائج إذ لم يقدر أيّ منهما على تكوين جذور ممتدّة وفروع منتشرة وأغلب النّخب فيهما تعمل كما لو كان الحزب ناديا للنقاش والحوارات وإصدار بعض البيانات واللّوائح في الصحف والمجلاّت دون التغلغل في أوساط الجمهور العريض فرأى من الأجدى والأكثر نفعا للبلاد وخدمةً للقضيّة التونسيّة أن يعمل في إطار الجمعيّات الاقتصاديّة وداخل الهياكل التمثيليّة الرّسميّة ليعرف بثقافته وتكوينه وقدرته على التفاوض أن يدافع بنجاعة أكبر عن مصالح التونسيين ويقدّم خدمة أفضل للقضيّة التّونسيّة.
*الطّاهر بن عمّار والعمل الجمعيّاتي:
- كان فاعلا وناجعا في تكوين " الرابطة الإسلاميّة اليهوديّة" سنة 1920 وإصدار جريدتها " تونس الجديدة".
- أسّس سنة 1920 أيضا شركة " النّهضة الاقتصاديّة" ورأس مالها 100 ألف فرنك وتختصّ في توريد الآلات الفلاحيّة العصريّة للفلاّحين التونسيين وتعمل على تكوين سوّاقها والفنّيين في إصلاح معدّاتها.
- وكان من المؤسّسين لجريدة " النّهضة" بإدارة الشاذلي القسطلّي والتي عرفت انتشارا كبيرا ونجاحا باهرا.
- أسّس في فيفري 1929 الجمعيّة الأهليّة الفلاحيّة وانعقد المؤتمر التأسيسي بقاعة الخلدونيّة وانتهى الاقتراع السرّي بين الفلاّحين بانتخاب الهيئة وفيها الطّاهر بن عمّار وأخوه المنّوبي ومصطفى القلاّتي فوقع إقصاؤهم من قبل الإقامة العامّة لأسباب سياسيّة وعاد الطّاهر بن عمّار إلى رئاسة الجمعيّة سنة 1930 وقدّمت خدمات كبيرة من خلال توفير سلفات البذور وتسهيل الحصول على القروض وتوسّطت للفلاّحين لدى المؤسّسات الماليّة المانحة واستطاع أن يوسّع الجمعيّة إلى 54 فلاّحا من جهة القيروان.
- أسّس الحجرة الفلاحيّة للشّمال وفي مؤتمرها التأسيسي تحصّل على أكبر عدد من الأصوات لكنّه وقع إقصاؤه من قبل السّلط الاستعماريّة نظرا لانتمائه إلى الحزب الدستوري ومنذ 1930 انتخب رئيسا للحجرة الفلاحيّة وظل على رأسها حتّى سنة 1957وقدّم للفلاحة التونسيّة طيلة هذه الفترة خدمات عظيمة وأبدى قدرة على التفاوض مع السّلط والمؤسّسات المانحة جلبت الكثير من المكاسب للفلاّحين وكانت بحقّ منبرا للكفاح الوطني فقد كان ملمّا بأوضاع أراضي الأحباس العامّة والأراضي الدّوليّة وأراضي العروش ذات الملكيّة الجماعيّة ومشاكل المعمّرين ونهمهم وسعيهم إلى الاستيلاء على الأراضي بشتّى الحِيَل وعلى علم دقيق بالسياسة الفلاحيّة الاستعماريّة والعوائق الإداريّة لعرقلة الفلاّح التّونسي وكان يجادل الإقامة العامّة باقتدار في أمور الفلاحة وألقى خطابا هامّا أمام رئيس الجمهوريّة الفرنسيّة " قاسطون دو مارق" عند زيارته لتونس في أفريل 1931 وفي شهر أوت من نفس السنة حضر بباريس أشغال المؤتمر الفلاحي الاستعماري وقدّم فيه تقريرا بسبع صفحات نشرته جريدة صوت التونسي في 21 أوت 1931 يدلّ على أنّ الطّاهر بن عمّار مفاوض قدير وخبير بالميدان الفلاحي بحيث شخّص مواطن الدّاء وقدّم الحلول الممكنة والواقعيّة للحدّ من معاناة الفلاّح التّونسي وهضم حقوقه وإهدار جهوده.
وكانت للطّاهر بن عمّار تجربة أخرى في التفاوض على غاية من الأهميّة ففي سنة 1932 بلغت ارتدادات الأزمة العالميّة البلاد التونسيّة وانهارت أسعار المواد الفلاحيّة ونزلت إلى النّصف ، وكانت السّلط الاستعماريّة تفرض على البلاد نظاما للملكيّة يختلف عمّا دأبت عليه منذ قرون وبما أنّ الفلاّح التونسيّ يسعى بصدق إلى تعصير فلاحته وتطويرها على غرار ما يرى في ضيعات المعمّرين كان لا بدّ له من الاقتراض وبما أنّ المؤسّسات الماليّة لا تعترف بملكيته لأرضه فكان يضطرّ إلى الاقتراض من المرابين لأنّه لا سبيلَ إليه إلى البنوك ومع نزول الأسعار إلى النّصف وفيضانات شتاء 1931 وجد الفلاّح التّونسيّ نفسه في وضع كارثيّ لا يقدر على تسديد ديونه للمرابين ومهدّدا بتنفيذ أحكام عدليّة تُنتزع بمقتضاها أرضه لفائدة الدّائنين والمرابين، في هذه الظروف انطلق وفد فلاحيّ يقوده الطاهر بن عمّار إلى باريس لمقابلة السلط العليا الفرنسيّة ويبسط الموضوع وينبّه إلى خطورة الوضع وكارثيّته على الأهالي، وفي نفس الوقت أرسل غلاة الاستعمار في تونس وفدا من المعمّرين الفرنسيين ومن ورائهم المرابون والدّائنون يتعقّبون الوفد الفلاحي التونسي ويسعون بكلّ السّبل إفشال مهمّتهم والتأكيد على أنّ الفلاحين من الأهالي لا يريدون دفع ما عليهم من ديون ويتملّصون وكانوا يهوّنون الأزمة وانعكاساتها. وعاد أعضاء الوفد إلى تونس وبقي الطّاهر بن عمّار ومحمّد شنيق في المتابعة يطرقان الأبواب ويطرحان المسألة حتّى قرّر رئيس الوزراء تكوين لجنة عرفت بلجنة "تاردي" وبعد الاجتماع والتدارس انتهت بقبول مقترح تقدّم به الطّاهر بن عمّار وهو تأجيل دفع ديون الفلاّحين ستّة أشهر بعد الحصاد المقبل وإيقاف البيوعات العدليّة للدّائنين وبذلك يكون التفاوض من هذا الباب قد أنقذ ما يقارب ثلاثة آلاف فلاّح من الإفلاس ومن فقدان ممتلكاتهم لفائدة ثعالب المرابين ومن ورائهم ذئاب المعمّرين الذين ينظرون إلى أراضي الفلاحين بنهم ولهفة شديديْن.
وهكذا يكون الطّاهر بن عمّار قد اضطلع بدور رياديّ في الدّفاع عن مصالح الفلاّحين في الإطاريْن الذيْن تحرّك داخلهما وهما الحجرة الفلاحيّة والمجلس الكبير واستغلّ هديْن الهيكليْن أفضل استغلال لتحقيق أهداف وطنيّة بالأساس وتحيق نتائج ملموسة لفائدة القضيّة التونسيّة.
وبعد الحرب العالميّة الثانية التقى الطاهر بن عمّار بالجنرال " دي قول" بتونس في 26 جوان 1943 وشرح له بصفته رئيس القسم التونسي بالمجلس الكبير ورئيس الحجرة الفلاحيّة الموقف التونسي المساند للحلفاء وذكّر الجنرال بالتضحيات الجسام التي تكبّدها الشّعب التّونسي من جرّاء الحرب والخسائر الماديّة والبشريّة التي حلّت به كما بيّن له أنّ عزل المنصف باي موقف خاطئ وكان اللقاء في جملته إيجابيّا. والتقى الطاهر بن عمّار مرّة أخرى بالجنرال " دي قول" بالجزائر في المجلس الاستشاري المؤقّت وكان رئيس الوفد التونسي للمجلس الكبير وقدّم للجنرال الفرنسي عريضة تطالب من جملة ما تطالب به انتخاب مجلس نيابي تشريعي تونسي.
ومنذ 1944 انتعش الحراك الوطني وأضرب طلبة جامع الزيتونة وأساتذته وتضاعف النشاط الحزبي وامتدّ ونشطت فروع الحزب الدستوري الجديد وعادت اجتماعات النادي التونسي بنهج الكومسيون وفي هذه الأجواء بدأت تترسّخ القناعة بضرورة تجميع القوى وتكوين جبهة تلتقي فيها كلّ القوى الفاعلة والقادرة على تأطير الرأي العام ونجحت المساعي وانعقد اجتماع هام في فيفري 1944 جمع الحزب الدستوري الجديد والحزب الدستوري القديم والحزب الإصلاحي واتّفقوا على تأسيس جبهة قوميّة واجتمعت عدّة مرّات وفي اجتماع 30 أكتوبر 1944 بمكتب المحامي الطّاهر لخضر اجتمع قادة الجبهة وهم: الطّاهر بن عمّار رئيس (مستقل) الحبيب بورقيبة عن الحزب الدستوري الجديد . صالح فرحات عن الحزب الدستوري القديم. محمّد الفاضل بن عاشور (عن جامع الزيتونة) حمّادي بدرة (عن الحركة المنصفيّة) محمّد بن رمضان (عن المجلس الكبير) مصطفى الكعّاك محام مستقل و الطّاهر لخضر محام مستقلّ. وأصدرت الجبهة بيانا تطالب فيه بمنح البلاد التّونسيّة الاستقلال الدّاخلي..
وهكذا نتبيّن أنّ الطّاهر بن عمّار حين شكّل الحكومة التونسيّة التفاوضيّة الأولى يوم 8 أوت 1954 كان محلّ إجماع القُوى الوطنيّة الفاعلة في البلاد وعلى رأسها الحزب الدستوري الجديد وتشكّلت هذه الحكومة بعسر شديد وأخذ وردّ من الإقامة العامة ومن سرايا الباي ومن الحكومة الفرنسيّة وانطلقت المفاوضات في باريس وفي تونس وكان الطّرف الفرنسي متمسّكا بضرورة نزول " الفلاّقة" من الجبال وتسليم أسلحتهم لمواصلة المفاوضات ، وآلت الأمور إلى مأزق وكادت تتوقّف واستطاع الطّاهر بن عمّار بحنكته وبتجربته الطويلة في التفاوض أن يجتاز العقبة الكأداء بأن يسلّم المقا ومون سلاحهم مع الضمان التّام لأرواحهم وأمنهم ووضعهم الاجتماعي وهو ما تمّ بالفعل بعد تردّد وكان للثّقة التي يحظى بها الوزير الأكبر لدى كبار المقاومين مثل لزهر الشرايطي بجبل سيدي عايش، وساسي لسود ببير الحفيْ ،ورابح التليلي جبل قطرانة ،ومصباح الجربوع بجبل عرباطة دور كبير في حسم المسألة والخروج من المأزق وتواصلت المفاوضات طويلة عسيرة واستغرقت الجلسات عديد السّاعات بلا انقطاع ، وفي الأثناء سقطت حكومة "منداس فرانس" وعقبه " إدقار فور" وتواصلت المفاوضات واشتدّ الخلاف وبعد جلسات ماراطونيّة عصيبة وحرب الأعصاب والثبات على المبادئ رغم دهاء المفاوضين الفرنسيين وقع إمضاء الاتّفاقيات التونسيّة - الفرنسيّة يوم 3 جوان 1955 وكان ذلك التاريخ حدثا مهمّا سيفتح للشعب التونسيّ التوّاق إلى الحريّة والكرامة آفاقا جديدة وكان للطّاهر بن عمّار بفضل تجربته الطويلة في التفاوض ومكانته وعلاقاته دور أساسيّ في تحقيق هذا الإنجاز العظيم الذي سيكون له ما بعده .
ففي 14سبتمبر 1955 طلب الباي بعد أن استشار رؤساء المنظّمات من الطّاهر بن عمّار تشكيل الحكومة الجديدة فاعتذر إلاّ أنّ كلّ المنظّمات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة حضرت بمقرّ سكنى الطّاهر بن عمّار بضاحية خير الدّين وألحّوا عليه بقبول تشكيل حكومة ثانية وعبّروا جميعا عن مساندتهم لها وانتهى الأمر بالقبول وإعلام الباي بذلك فكانت أوّل حكومة متجانسة مؤلّفة من التونسيين منذ انتصاب الحماية سنة 1881 وبعد المفاوضات التي يتقنها الطّاهر بن عمّار جيّدا وفي باريس وبمقرّ وزارة الخارجيّة الفرنسيّة بـ" كاي دورساي" على ضفاف نهر السّان وعلى الساعة الخامسة وأربعين دقيقة بدأ الطّاهر بن عمّار بقراءة النّصف الأوّل من البروتوكول بصوت قويّ جهوريّ وتلاه " كريستيان بينو" ثمّ قال " إنّ فرنسا تعترف علانيّةً باستقلال تونس" وبادر الطّاهر بن عمّار بإمضائه وتلاه كرستيان بينو وأصبح لتونس الحقّ في تكوين جيش وطنيّ وتأسيس علاقاتها الخارجيّة مع الدّول الشقيقة والصديقة. أمّا محاكمة الطّاهر بن عمّار سنة 1958 فتستحقّ فصلا مطوّلا، ولكنّ التّاريخ ينصف الرجال المخلصين والوطنيين الصّادقين رحم الله ذلك الرجل فحياته ونشاطه ومواقفه ومواهبه مدعاة للفخر وسيرته دروس واعتبار رحمه الله وطيّب ذكراه وألحقه بعباده الأتقياء الأنقياء الصّادقين.