تونس كانت سباقة في كسر حاجز العزلة الدبلوماسية على سوريا
تونس – الصباح
لئن أعلنت جامعة الدول العربية في بيان صادر عنها أول أمس إثر اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة موافقتها على عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية ومشاركتها في اجتماعات مجلسها وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتبارا من 7 ماي 2023، فإن تونس قد كانت من ضمن البلدان السباقة في كسر حاجز العزلة الدبلوماسية على سوريا منذ الأشهر الأولى للسنة الجارية، بعد تتويج المساعي الرسمية بإصدار رئيس الجمهورية قيس سعيد قرار تعيين محمد المهذبي، سفيرا فوق العادة ومفوضا للجمهورية التونسية في سوريا منذ 27 أفريل المنقضي ومباشرة هذا الأخير لمهامه وفق تأكيد وزير الشؤون الخارجية نبيل عمار في نفس المناسبة لتعود بذلك العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مسارها الطبيعي. وقد حظي هذا القرار بترحيب عربي واسع نظرا لحجم الخسائر والصعوبات والكوارث التي لحقت الشعب السوري نتيجة قرار "عزلها" وتداعيات ذلك الاقتصادية والاجتماعية على بلدان المنطقة وغيرها من بلدان العالم.
يأتي ذلك بعد أسابيع قليلة من دعوة سعيد إلى إعادة العلاقات التونسية السورية وطرح مسألة التمثيل الدبلوماسي في البلدين منذ بداية مارس الماضي أي بعد أسابيع قليلة من تعرض سوريا وتركيا إلى زلزال مدمر. وكانت هبة البلدان العربية لنجدة ضحايا الكارثة وتقديم مساعدات إنسانية للجانب السوري، بمثابة الخطوة الأولى على طريق كسر حاجز "المقاطعة"، وتعززت إثر زيارة العمل الرسمية لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد من 17 إلى 19 أفريل المنقضي إلى تونس والتي تم خلالها الاتفاق مع كل من رئيس الجمهورية ووزير الشؤون الخارجية على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وتزامنت المبادرة العملية لتونس مع تحرك عدة بلدان عربية على خط الانتصار للدبلوماسية وتجديد العلاقات مع سوريا بعد قطيعة دامت أكثر من 11 سنة، إثر قرار عدة بلدان عربية بقطع علاقاتها مع سوريا وسحب سفرائها ووفودها الديبلوماسية من دمشق مقابل طرد الدبلوماسية السورية من بلدنها في مرحلة بعد تحول الاحتجاجات في ربوع الشام إلى صراعات دامية. وكان قرار الرئيس المؤقت منصف المرزوقي بقطع العلاقات مع هذا البلد وطرد السفير السوري في فيفري 2011 ودعوته لتنظيم مؤتمر أصدقاء سوريا مهد لقرار جامعة الدول العربية لإبعادها من الجامعة في نوفمبر من نفس السنة.
إذا كان القرار التونسي في ذلك الوقت قد قوبل برفض واسع عبرت عنه منظمات وطنية وحقوقية وجمعيات وناشطين في المجتمع المدني والشارع التونسي، وهو ما دفع رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي سنة 2015 لتعيين قنصل تونسي بدمشق خاصة بعد تفاقم أزمة تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر والإرهاب بسوريا. ولم يتم تعزيز تلك الخطوة إلى حد بداية هذا العام رغم مطالبة عديد الجهات القائمة على سياسة تونس الخارجية بتدارك ما يعتبرونه "خطأ" دبلوماسيا فظيعا في حق التونسيين والسوريين، رغم مبادرة الإمارات سنة 2018 بإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.
ويرى بعض المتابعين للشأن العربي أن قرار عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية، يتنزل في سياق سياسة أغلب الدول العربية وفي مقدمتها السعودية لاستئناف علاقاتها مع سوريا لعدة أسباب لعل من أبرزها أن ذلك شكل أحد شروط التقارب السعودي الإيراني باعتبار أن إيران وروسيا حافظا على موقفهما الداعم لنظام بشار الأسد منذ اندلاع الأزمة إضافة إلى ما أكده وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم بمقر جامعة الدول العربية نهاية الأسبوع المنقضي أو ما أجمع عليه المشاركون في لقاء وزراء خارجية عدد من البلدان العربية بالأردن منذ أسبوع، وهو العمل "على إطلاق دور عربي قيادي لإيجاد حل للأزمة السورية وانعكاساتها وضمنها أزمات اللجوء وتهريب المخدرات وخطر الإرهاب خاصة بعد أن تحولت سوريا إلى مصدر لصناعة وترويج للمخدرات مثلما تتداوله وسائل إعلام عربية رسمية. وفي المقابل وجد القرار العربي ترحيبا من الجانب السوري.
وتعلق عدة بلدان عربية على الدور الذي يمكن أن يلعبه الجانب السوري في حل ألغاز بعض القضايا والملفات الحارقة نظرا لما يمكن أن تكشف عنه من حقائق ومعطيات في "فك شيفرتها" وفي مقدمتها تونس لاسيما في ظل سياسية النظام الحالي ومطالب عدة جهات لها علاقة مباشرة بملفات الإرهاب والتسفير الذي ذهب ضحيته آلاف من الشباب التونسي خلال السنوات العشر الماضية، فضلا عن ملف "المخدرات" والاتجار بالبشر والتهريب الذي اكتوت بناره عدة بلدان عربية مجاورة للأراضي السورية، خاصة أن إشكال "الإرهاب" واستقطاب الشباب العربي لا يزال قائما في ظل وجود تنظيمات منشقة على نظام بشار الأسد في إدلب وغيرها.
ورغم رفض قطر قرار عودة علاقتها مع دمشق ورفض بعض السوريين المناهضين لنظام بشار قرار أغلب البلدان العربية، فإن البعض الآخر يعتبر في ذلك ليس انتصارا للدبلوماسية فحسب وإنما للمبادئ الإنسانية في أبعادها السامية باعتبار أن الحرب المدمرة التي عرفتها سوريا ساهمت في قتل وتشريد أكثر من مليون سوري بعضهم لا يزالون يعيشون في مخيمات للاجئين في ظروف جد صعبة. بقطع النظر عن حجم الدمار الذي لحق البنية التحتية والمنشآت الأساسية في ربوع البلاد، والذي تعهدت بعض البلدان العربية وفي مقدمتها السعودية والأردن والعراق بدعم سوريا لبسط سيطرتها على أراضيها. إضافة إلى تعهد البعض الآخر بالمشاركة في إعادة إعمار سوريا لاسيما أن قرار العقوبات الاقتصادية التي تواصل بعض البلدان فرضه عليها. تأتي جملة هذه التطورات في علاقة بالدبلوماسية العربية السورية قبل أسبوع تقريبا من انعقاد القمة العربية بالرياض يوم 19 من الشهر الجاري.
نزيهة الغضباني
تونس كانت سباقة في كسر حاجز العزلة الدبلوماسية على سوريا
تونس – الصباح
لئن أعلنت جامعة الدول العربية في بيان صادر عنها أول أمس إثر اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة موافقتها على عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية ومشاركتها في اجتماعات مجلسها وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتبارا من 7 ماي 2023، فإن تونس قد كانت من ضمن البلدان السباقة في كسر حاجز العزلة الدبلوماسية على سوريا منذ الأشهر الأولى للسنة الجارية، بعد تتويج المساعي الرسمية بإصدار رئيس الجمهورية قيس سعيد قرار تعيين محمد المهذبي، سفيرا فوق العادة ومفوضا للجمهورية التونسية في سوريا منذ 27 أفريل المنقضي ومباشرة هذا الأخير لمهامه وفق تأكيد وزير الشؤون الخارجية نبيل عمار في نفس المناسبة لتعود بذلك العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مسارها الطبيعي. وقد حظي هذا القرار بترحيب عربي واسع نظرا لحجم الخسائر والصعوبات والكوارث التي لحقت الشعب السوري نتيجة قرار "عزلها" وتداعيات ذلك الاقتصادية والاجتماعية على بلدان المنطقة وغيرها من بلدان العالم.
يأتي ذلك بعد أسابيع قليلة من دعوة سعيد إلى إعادة العلاقات التونسية السورية وطرح مسألة التمثيل الدبلوماسي في البلدين منذ بداية مارس الماضي أي بعد أسابيع قليلة من تعرض سوريا وتركيا إلى زلزال مدمر. وكانت هبة البلدان العربية لنجدة ضحايا الكارثة وتقديم مساعدات إنسانية للجانب السوري، بمثابة الخطوة الأولى على طريق كسر حاجز "المقاطعة"، وتعززت إثر زيارة العمل الرسمية لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد من 17 إلى 19 أفريل المنقضي إلى تونس والتي تم خلالها الاتفاق مع كل من رئيس الجمهورية ووزير الشؤون الخارجية على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وتزامنت المبادرة العملية لتونس مع تحرك عدة بلدان عربية على خط الانتصار للدبلوماسية وتجديد العلاقات مع سوريا بعد قطيعة دامت أكثر من 11 سنة، إثر قرار عدة بلدان عربية بقطع علاقاتها مع سوريا وسحب سفرائها ووفودها الديبلوماسية من دمشق مقابل طرد الدبلوماسية السورية من بلدنها في مرحلة بعد تحول الاحتجاجات في ربوع الشام إلى صراعات دامية. وكان قرار الرئيس المؤقت منصف المرزوقي بقطع العلاقات مع هذا البلد وطرد السفير السوري في فيفري 2011 ودعوته لتنظيم مؤتمر أصدقاء سوريا مهد لقرار جامعة الدول العربية لإبعادها من الجامعة في نوفمبر من نفس السنة.
إذا كان القرار التونسي في ذلك الوقت قد قوبل برفض واسع عبرت عنه منظمات وطنية وحقوقية وجمعيات وناشطين في المجتمع المدني والشارع التونسي، وهو ما دفع رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي سنة 2015 لتعيين قنصل تونسي بدمشق خاصة بعد تفاقم أزمة تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر والإرهاب بسوريا. ولم يتم تعزيز تلك الخطوة إلى حد بداية هذا العام رغم مطالبة عديد الجهات القائمة على سياسة تونس الخارجية بتدارك ما يعتبرونه "خطأ" دبلوماسيا فظيعا في حق التونسيين والسوريين، رغم مبادرة الإمارات سنة 2018 بإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.
ويرى بعض المتابعين للشأن العربي أن قرار عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية، يتنزل في سياق سياسة أغلب الدول العربية وفي مقدمتها السعودية لاستئناف علاقاتها مع سوريا لعدة أسباب لعل من أبرزها أن ذلك شكل أحد شروط التقارب السعودي الإيراني باعتبار أن إيران وروسيا حافظا على موقفهما الداعم لنظام بشار الأسد منذ اندلاع الأزمة إضافة إلى ما أكده وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم بمقر جامعة الدول العربية نهاية الأسبوع المنقضي أو ما أجمع عليه المشاركون في لقاء وزراء خارجية عدد من البلدان العربية بالأردن منذ أسبوع، وهو العمل "على إطلاق دور عربي قيادي لإيجاد حل للأزمة السورية وانعكاساتها وضمنها أزمات اللجوء وتهريب المخدرات وخطر الإرهاب خاصة بعد أن تحولت سوريا إلى مصدر لصناعة وترويج للمخدرات مثلما تتداوله وسائل إعلام عربية رسمية. وفي المقابل وجد القرار العربي ترحيبا من الجانب السوري.
وتعلق عدة بلدان عربية على الدور الذي يمكن أن يلعبه الجانب السوري في حل ألغاز بعض القضايا والملفات الحارقة نظرا لما يمكن أن تكشف عنه من حقائق ومعطيات في "فك شيفرتها" وفي مقدمتها تونس لاسيما في ظل سياسية النظام الحالي ومطالب عدة جهات لها علاقة مباشرة بملفات الإرهاب والتسفير الذي ذهب ضحيته آلاف من الشباب التونسي خلال السنوات العشر الماضية، فضلا عن ملف "المخدرات" والاتجار بالبشر والتهريب الذي اكتوت بناره عدة بلدان عربية مجاورة للأراضي السورية، خاصة أن إشكال "الإرهاب" واستقطاب الشباب العربي لا يزال قائما في ظل وجود تنظيمات منشقة على نظام بشار الأسد في إدلب وغيرها.
ورغم رفض قطر قرار عودة علاقتها مع دمشق ورفض بعض السوريين المناهضين لنظام بشار قرار أغلب البلدان العربية، فإن البعض الآخر يعتبر في ذلك ليس انتصارا للدبلوماسية فحسب وإنما للمبادئ الإنسانية في أبعادها السامية باعتبار أن الحرب المدمرة التي عرفتها سوريا ساهمت في قتل وتشريد أكثر من مليون سوري بعضهم لا يزالون يعيشون في مخيمات للاجئين في ظروف جد صعبة. بقطع النظر عن حجم الدمار الذي لحق البنية التحتية والمنشآت الأساسية في ربوع البلاد، والذي تعهدت بعض البلدان العربية وفي مقدمتها السعودية والأردن والعراق بدعم سوريا لبسط سيطرتها على أراضيها. إضافة إلى تعهد البعض الآخر بالمشاركة في إعادة إعمار سوريا لاسيما أن قرار العقوبات الاقتصادية التي تواصل بعض البلدان فرضه عليها. تأتي جملة هذه التطورات في علاقة بالدبلوماسية العربية السورية قبل أسبوع تقريبا من انعقاد القمة العربية بالرياض يوم 19 من الشهر الجاري.