إن السيرة الذاتية هي بصمة مباشرة لتجربة حياة بمرور الوقت، مسيرة عبقرية مبدعة في الأساس، فهي غالبا ما تحمل صورة من يمتلكها.
بصمة من سكنته الحكمة ويدرك جيدا أن ثلاثة يجب عدم إخفائها.. الحب، الاعتراف، والحقيقة.
ليس مهماً للمرء أن يعلم متى يتحدث، لكن الأهم أن يعلم متى كان يجب أن يصمت.
بالفعل، لقد رفض رغم وفرة المناسبات والفرص التي أتيحت أمامه، أن يتكلّم ويكشف ويقول، أدرك و وعى وعمل بذلك طوال كلّ مسيرته في الوظيف والأعمال والمسؤولية السياسية والمهام الدولية.
في جانب مهمّ من مسيرة هذا الرّجل أسرار تونس الحديثة، كواليس محطّات حكم، مرّ بها وعاشها خاصة زمني الرّاحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
شخصيا قاربته وعرفته، كان من تلك الفئة التي لا تسود ولا تساد، قناعة منه أنّه ليس للإنسان سوى مجد واحد حقيقي هو التواضع.
لا ادري أي من الصفات الصقها واتحدث بها عنه، المناضل، المثقف، المربي، الوزير، رجل الأعمال، الإعلامي، الناشر، السياسي، المعارض الخ، جمعها في شخصه ولم تغيّر من طبعه وطيبته ومحبّته لأصدقائه شيئا.
فاجأنا قبل فترة ليتكلّم لأول مرة، بل ليكتب ولينقل لنا ما كنّا نعلم ونعرف بعضه ليكتشفه في نهاية الأمر من قاربوه أو سمعوا باسمه.
اصدر مؤلفا بالفرنسية يختصر عمر وأحداث ومحطات عاشها، جاء تحت عنوان ”مسارات وثنايا”، رغم أنني عرفت وعاشرت وتعاملت مع الرجل، انبهرت بتفاصيل وجوانب أخرى من حياته غابت عني.
لأتبين مدى وطنيّته وصدقه وإخلاصه لبلاده إذ لما كان تلميذا يدرس في صفاقس شارك في الاحتجاجات ضد سلطات المستعمر الفرنسي، اختارته القيادة العامة للكشافة للمساهمة في إسعاف جرحى معركة بنزرت.
التحق في شبابه للدراسة بجامعة القاهرة اختصاص لغة انقليزية ثمّ واصل دراسته العليا في تونس بعد قطع العلاقات مع مصر أيام حكم عبد الناصر، تزوج من زميلته في الدراسة وهي شقيقة الوزير الأول السابق حامد القروي ليصاهر الوزير الأسبق احمد بن صالح .
عمل في مجال الإعلام، كانت بدايته تحديدا في التلفزة ثمّ السياحة مع أول وزير في هذا المجال المنذر بن عمار إلى أن تقلد هو نفسه الوزارة ليحدث ثورة في صورة سياحتنا كما كان له الدور الأكبر في اكتشاف والتعريف بموقع أوذنة التاريخي.
في شخصية، بالأحرى مسيرة الحداد جانب مهمّ آخر لا يعلمه الكثيرون، نضاله ونصرته لقضايا الحريات قدر الإمكان، كان ملتزما منحازا لها، إذ يكفي الإشارة إلى إيقافه 17 يوما في الداخلية عام 1985 بسبب طباعته لجريدة "الرأي" وصحف معارضة أخرى وكنت شاهدا على ذلك، والتي كان الوحيد من بين كلّ مطابع البلاد يقبل ويقوم بهذه المهمّة عن قناعة ومبدإ بما عرّضه لضغوطات كبيرة دفع ثمن هذا الموقف غاليا.
من مهازل هذا الذي عشناه طوال العشرية الماضية أن الرجل تمّ التنكيل به وحكم عليه بست سنوات سجنا بسبب حفل "ماريا كاري" الذي انتظم للترويج لتونس كوجهة سياحية في العالم قبل أن ينصفه القضاء نهائيا ويغلق الملف.
مهما كانت عظمة الرجل لا بدّ أن يشعر في لحظة ما وهو لا يزال على هذه الأرض بحزن عظيم ، حتى وإن قام بإغلاق عينيه لكي لا يرى ما لا يود مشاهدته لنا آلت إليه أوضاع البلاد، لكن لا يمكنه إغلاق قلبه أمام ما لا يريد الشعور به!.
يرويها: أبو بكر الصغير
إن السيرة الذاتية هي بصمة مباشرة لتجربة حياة بمرور الوقت، مسيرة عبقرية مبدعة في الأساس، فهي غالبا ما تحمل صورة من يمتلكها.
بصمة من سكنته الحكمة ويدرك جيدا أن ثلاثة يجب عدم إخفائها.. الحب، الاعتراف، والحقيقة.
ليس مهماً للمرء أن يعلم متى يتحدث، لكن الأهم أن يعلم متى كان يجب أن يصمت.
بالفعل، لقد رفض رغم وفرة المناسبات والفرص التي أتيحت أمامه، أن يتكلّم ويكشف ويقول، أدرك و وعى وعمل بذلك طوال كلّ مسيرته في الوظيف والأعمال والمسؤولية السياسية والمهام الدولية.
في جانب مهمّ من مسيرة هذا الرّجل أسرار تونس الحديثة، كواليس محطّات حكم، مرّ بها وعاشها خاصة زمني الرّاحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
شخصيا قاربته وعرفته، كان من تلك الفئة التي لا تسود ولا تساد، قناعة منه أنّه ليس للإنسان سوى مجد واحد حقيقي هو التواضع.
لا ادري أي من الصفات الصقها واتحدث بها عنه، المناضل، المثقف، المربي، الوزير، رجل الأعمال، الإعلامي، الناشر، السياسي، المعارض الخ، جمعها في شخصه ولم تغيّر من طبعه وطيبته ومحبّته لأصدقائه شيئا.
فاجأنا قبل فترة ليتكلّم لأول مرة، بل ليكتب ولينقل لنا ما كنّا نعلم ونعرف بعضه ليكتشفه في نهاية الأمر من قاربوه أو سمعوا باسمه.
اصدر مؤلفا بالفرنسية يختصر عمر وأحداث ومحطات عاشها، جاء تحت عنوان ”مسارات وثنايا”، رغم أنني عرفت وعاشرت وتعاملت مع الرجل، انبهرت بتفاصيل وجوانب أخرى من حياته غابت عني.
لأتبين مدى وطنيّته وصدقه وإخلاصه لبلاده إذ لما كان تلميذا يدرس في صفاقس شارك في الاحتجاجات ضد سلطات المستعمر الفرنسي، اختارته القيادة العامة للكشافة للمساهمة في إسعاف جرحى معركة بنزرت.
التحق في شبابه للدراسة بجامعة القاهرة اختصاص لغة انقليزية ثمّ واصل دراسته العليا في تونس بعد قطع العلاقات مع مصر أيام حكم عبد الناصر، تزوج من زميلته في الدراسة وهي شقيقة الوزير الأول السابق حامد القروي ليصاهر الوزير الأسبق احمد بن صالح .
عمل في مجال الإعلام، كانت بدايته تحديدا في التلفزة ثمّ السياحة مع أول وزير في هذا المجال المنذر بن عمار إلى أن تقلد هو نفسه الوزارة ليحدث ثورة في صورة سياحتنا كما كان له الدور الأكبر في اكتشاف والتعريف بموقع أوذنة التاريخي.
في شخصية، بالأحرى مسيرة الحداد جانب مهمّ آخر لا يعلمه الكثيرون، نضاله ونصرته لقضايا الحريات قدر الإمكان، كان ملتزما منحازا لها، إذ يكفي الإشارة إلى إيقافه 17 يوما في الداخلية عام 1985 بسبب طباعته لجريدة "الرأي" وصحف معارضة أخرى وكنت شاهدا على ذلك، والتي كان الوحيد من بين كلّ مطابع البلاد يقبل ويقوم بهذه المهمّة عن قناعة ومبدإ بما عرّضه لضغوطات كبيرة دفع ثمن هذا الموقف غاليا.
من مهازل هذا الذي عشناه طوال العشرية الماضية أن الرجل تمّ التنكيل به وحكم عليه بست سنوات سجنا بسبب حفل "ماريا كاري" الذي انتظم للترويج لتونس كوجهة سياحية في العالم قبل أن ينصفه القضاء نهائيا ويغلق الملف.
مهما كانت عظمة الرجل لا بدّ أن يشعر في لحظة ما وهو لا يزال على هذه الأرض بحزن عظيم ، حتى وإن قام بإغلاق عينيه لكي لا يرى ما لا يود مشاهدته لنا آلت إليه أوضاع البلاد، لكن لا يمكنه إغلاق قلبه أمام ما لا يريد الشعور به!.