إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هل أحسنا إدارة ملف الهجرة السرية ؟

 

بقلم:نوفل سلامة

ملف الهجرة غير الشرعية أو غير النظامية أو مغادرة حدود الوطن خلسة على متن قوارب الموت أو ما اصطلح على تسمية هذه المغامرة البحرية الخطرة من طرف الكثير من شبابنا وشاباتنا "بالحرقة " بعد أن فقدوا كل أمل في مستقبل أفضل في بلدهم وفقدوا الثقة في قدرة كل السياسيين الذين حكموا البلاد بعد الثورة على تقديم بدائل تنموية جاذبة لهم وتوفير وحلول تجعلهم يؤمنون بأن الحلم ممكن في وطنهم .. هذا الملف الحارق والمرهق ليس ملفا جديدا ومن مخلفات الثورة كما يحاول البعض الترويج له عن جهل أحيانا وعن قصد أحيانا أخرى وإنما هو ملف قديم متواصل تعود جذوره وبداياته الأولى إلى زمن حكم الرئيس بن علي إلى حقبة التسعينات من القرن الماضي عندما أبرمت الدولة التونسية مع الاتحاد الأوروبي ذالك الاتفاق الشهير المتعلق بالتبادل التجاري " الحر الشامل والمعمق" الذي أضر أيما ضرر باقتصاد البلاد وتسبب في غلق الكثير من الشركات والمصانع بعد أن صعبت المنافسة من الوافد الأوروبي الذي وفرت له الدولة كل المزايا والتسهيلات والإعفاءات فما كان من تداعيات هذا الخيار السياسي أن تم طرد الآلاف من العمال ودخل الكثير من الشباب في وضع البطالة القسرية ومنذ ذلك التاريخ بدأ التفكير في التسلل إلى الحدود البحرية الايطالية في حلم الحصول على الجنة الموعودة في الضفة الأخرى من المتوسط وحلم الظفر بعمل حتى وإن كان مهينا .. ومنذ ذلك التاريخ بدأ الكثير من شبابنا بفكر في فك ارتباطه مع دولته وهويته وانتمائه والبحث عن وطن بديل وحياة أخرى ومستقبل أفضل بعد أن عجز بلد التنشئة على احتضان أبنائه وفرطت الدولة في شبابها ومواطنيها وبعد أن بدأ يتشكل وعي جديد ينظّر لفكرة أن المستقبل لن يكون تونسيا وأن الحلم لن يتوفر إلا في بلد آخر.

المهم أن هذا الملف الذي يرمي بأطرافه إلى فترة الستينات من القرن الماضي إلى الزمن البورقيبي ومرحلة بناء الدولة الوطنية التي عجزت هي الأخرى عن تقديم الحلول المنتظرة للبطالة ومشكلة الفقر ومعضلة الهشاشة الاجتماعية وعجزت عن توفير الشغل بالقدر المطلوب وهو الحلم الذي حلم به جيل التحرير والاستقلال فكان أن ظهر حينها مصطلح آخر وهو " الهجة " الى بلد الطليان وعرفت تونس في ذلك التاريخ هجرة الآلاف من أبنائنا للعمل في عدة بلدان أوروبية ولكن بطريقة شرعية وقانونية وهو الجيل الذي أطلق عليه الجيل الأول من المهاجرين ولكن من غادر كان يصف هجرته " بالهجة " تعبيرا عن خيبة الأمل وعن تبخر وعد الاستقلال في توفير مستقبل أفضل من وضع الاستعمار وحكم الاحتلال. " الهجة " كانت التعبيرة الأولى عن ظاهرة " الحرقة " التي تحولت اليوم إلى ظاهرة تخطت الحدود لتصبح واقعا تعيشه أغلب المجتمعات في الزمن الراهن.

ما يهمنا في هذا الملف الذي اتعب المجتمع التونسي واتعب الأسر التونسية وسبب إحراجا كبيرا لكل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في الإجابة على سؤال بسيط وهو هل وفقت الدولة التونسية في التعاطي مع ظاهرة الهجرة السرية للكثير من الشباب التونسي بحثا عن واقع وحياة أفضل ؟ وهل أحسنا التعامل مع هذا الملف وأحسنا إدارته ؟

ما يمكن قوله بخصوص هذه الظاهرة التي أخذت في التمدد من يوم إلى آخر وتتسع في المجال الجغرافي وفي نوعية الحارقين وفئاتهم العمرية بعد أن انتقلنا من حرقة فردية ذكورية إلى حرقة الإناث والنساء واليوم أصبحت الحرقة جماعية تقوم بها مجموعات من الشباب من حي واحد أو تجمعهم علائق مختلفة من صداقة أو قرابة عائلية بل الأخطر من ذلك هو انخراط عائلات بكاملها بأطفالها وصغارها.

ما يجب قوله اليوم بكل وضوح وصراحة ودون تورية أنه أمام هذا الواقع المرير وأمام الأرقام المفزعة عن عدد الحارقين وعدد المفقودين في البحر وعدد الموتى والغرقى وأمام تزايد عدد المحاولات اجتياز حدودنا البحرية بطريقة غير شرعية وعدم اكتراث الحارقين بكل المخاطر المحدقة بهم وما ينتظرهم سواء في عرض البحر أو في بلد الاستقبال إن حالفهم الحظ ووصلوا أحياء هو أن ما تمت ملاحظته أن المعالجة المتبعة مع الظاهرة تشكو الكثير من الاخلالات والضعف منها الضعف البين في الخطاب الإعلامي الذي ما زال بعيدا عن الكثير من المعطيات المهمة التي تفسر حقيقة الموقف الرسمي للدولة التونسية من الحرقة و بها يفهم سلوك من يحكم اليوم وما يعاب عليه من صمت وبرود في التفاعل مع الكوارث التي تحصل يوميا سواء جراء التدفق الكبير للمهاجرين القادمين من الدول الافريقية أو نتيجة تواصل المحاولات المكثفة للحرقة من طرف الشباب التونسي والعائلات التونسية.

ما يجب التنبه إليه في هذا الموضوع والتذكير به هو أن الدولة التونسية قد أمضت على اتفاقيتين مع الجانب الإيطالي الأولى في سنة 2016 والثانية في سنة 2020 تقضيان بجعل تونس حارسا للحدود الأوروبية وخاصة الإيطالية منها مقابل حصولها على مقابل مالي وإعانات لوجيستية ومعدات بحرية حتى تتمكن من القيام بهذه المهمة الأمنية وهذا يعني أنه بمقتضى اتفاق التمكين الاقتصادي الذي أمضت عليه تونس مع الجانب الإيطالي فإن ملف الهجرة غير الشرعية بالنسبة للايطاليين هو ملف أمني بالدرجة الأولى أعلنت إيطاليا بسببه عن حالة الطوارئ وشأن يهم بلدان التدفقات للهجرة غير النظامية ومسؤولية بلدان المنشأ بما يعني أن الاستراتيجية الأوروبية تقوم على توفير الدعم المادي لبلدان الهجرة للقيام بمشاريع اقتصادية وتنموية من أجل الابقاء على الراغبين في الحرقة داخل أوطانهم.

ما يجب التنبه إليه ونحن نتحدث عن التدفقات من المهاجرين السود نحو بلدنا هو أن الأمر ليس بأيدينا ولا نتحكم فيه وهو يدخل ضمن بنود الاتفاق الإيطالي الأوروبي التونسي في جعل تونس بلد استقرار وليس بلد عبور وتحويلها إلى مراكز تجميع واحتجاز للعالقين وللمرحلين ريثما تتم تسوية وضعيتهم القانونية إما بإرجاعهم من حيث جاؤوا أو بالسماح للبعض منهم بالمرور نحو الضفة الأخرى من المتوسط أو بالإبقاء على البعض الآخر في تونس والعمل بها وهذه المعالجة تدخل ضمن ما تم الاتفاق عليه في القمة الأوروبية الافريقية التي انعقدت في 15 فيفري سنة 2022 في بروكسال والتي خصصت للنظر في إرساء شراكة جديدة مع البلدان الافريقية وهي رؤية ونظرة جديدة تطالب بها الدول الافريقية التي تربطها مع أوروبا شراكات استثمار ومصالح اقتصادية ضخمة حيث فرضت هذه الدول على أوروبا إن أرادت أن تحصل على استثمارات في إفريقيا أن تتحمل معها جزء من مشاكلها وذلك في إطار اتفاق جديد يقوم على فكرة " شراكة تفرض التبادل والتقاسم " بما يعني أن الأفارقة قد قالوها صراحة للأوروبيين إن أردتم الانتفاع بخيراتنا فما عليكم إلا أن تقاسمونا مشاكلنا ومن مشاكلنا تحمل هجرة شبابنا الباحث عن العمل إلى بلدانكم والحصول على شغل غير متوفر الآن في إفريقيا.

ما يجب التذكير به والتنبيه إليه في الحديث عن ظاهرة التدفقات الكبيرة من شبابنا نحو السواحل الايطالية بحثا عن واقع أفضل وحلم ومستقبل مفقود في بلدهم ورغبة منهم في الوصول إلى الجنة الموعودة المتوهمة هو أن هناك اليوم اعتراف رسمي بأن الدولة التونسية عاجزة عن تحقيق أحلام الشباب في توفير عمل لائق في بلادهم واعتراف بأن الدولة غير قادرة عن احتضان المتخرجين من الجامعات فضلا عن فاقدي المؤهلات والقدرات المهنية وهي لا تتوفر على حل نهائي للحرقة .. في اجتماع له يوم 26 أكتوبر 2022 مع وزير الداخلية والمدير العام للأمن الوطني قال رئيس الدولة " لا يمكن إيجاد حلول حقيقية لظاهرة الحرقة على المستوى الوطني كما أن الحلول المحلية لهذه الظاهرة غير متوفرة اليوم داعيا إلى ضرورة إيجاد تعاون دولي لمواجهة تزايد وتيرة الهجرة غير النظامية " بما يعني أن الحل لن يكون تونسيا ومن خلال الدولة التونسية وإنما الحل متوفر عند الدول الأوروبية وهنا يأتي الحديث عن الاستراتيجية التي أعدتها هذه الدول والتي تجعل من تونس بلد استقرار للمهاجرين الافارقة وبلد مهمته حراسة الحدود الايطالية من كل التدفقات المهاجرة وبلد يتحمل المسؤولية الأولى في احتضان أبنائه المرحلين لعدم حاجة أوروبا إليهم وتوفير حلول لهم ..

 

 

 هل أحسنا إدارة ملف الهجرة السرية ؟

 

بقلم:نوفل سلامة

ملف الهجرة غير الشرعية أو غير النظامية أو مغادرة حدود الوطن خلسة على متن قوارب الموت أو ما اصطلح على تسمية هذه المغامرة البحرية الخطرة من طرف الكثير من شبابنا وشاباتنا "بالحرقة " بعد أن فقدوا كل أمل في مستقبل أفضل في بلدهم وفقدوا الثقة في قدرة كل السياسيين الذين حكموا البلاد بعد الثورة على تقديم بدائل تنموية جاذبة لهم وتوفير وحلول تجعلهم يؤمنون بأن الحلم ممكن في وطنهم .. هذا الملف الحارق والمرهق ليس ملفا جديدا ومن مخلفات الثورة كما يحاول البعض الترويج له عن جهل أحيانا وعن قصد أحيانا أخرى وإنما هو ملف قديم متواصل تعود جذوره وبداياته الأولى إلى زمن حكم الرئيس بن علي إلى حقبة التسعينات من القرن الماضي عندما أبرمت الدولة التونسية مع الاتحاد الأوروبي ذالك الاتفاق الشهير المتعلق بالتبادل التجاري " الحر الشامل والمعمق" الذي أضر أيما ضرر باقتصاد البلاد وتسبب في غلق الكثير من الشركات والمصانع بعد أن صعبت المنافسة من الوافد الأوروبي الذي وفرت له الدولة كل المزايا والتسهيلات والإعفاءات فما كان من تداعيات هذا الخيار السياسي أن تم طرد الآلاف من العمال ودخل الكثير من الشباب في وضع البطالة القسرية ومنذ ذلك التاريخ بدأ التفكير في التسلل إلى الحدود البحرية الايطالية في حلم الحصول على الجنة الموعودة في الضفة الأخرى من المتوسط وحلم الظفر بعمل حتى وإن كان مهينا .. ومنذ ذلك التاريخ بدأ الكثير من شبابنا بفكر في فك ارتباطه مع دولته وهويته وانتمائه والبحث عن وطن بديل وحياة أخرى ومستقبل أفضل بعد أن عجز بلد التنشئة على احتضان أبنائه وفرطت الدولة في شبابها ومواطنيها وبعد أن بدأ يتشكل وعي جديد ينظّر لفكرة أن المستقبل لن يكون تونسيا وأن الحلم لن يتوفر إلا في بلد آخر.

المهم أن هذا الملف الذي يرمي بأطرافه إلى فترة الستينات من القرن الماضي إلى الزمن البورقيبي ومرحلة بناء الدولة الوطنية التي عجزت هي الأخرى عن تقديم الحلول المنتظرة للبطالة ومشكلة الفقر ومعضلة الهشاشة الاجتماعية وعجزت عن توفير الشغل بالقدر المطلوب وهو الحلم الذي حلم به جيل التحرير والاستقلال فكان أن ظهر حينها مصطلح آخر وهو " الهجة " الى بلد الطليان وعرفت تونس في ذلك التاريخ هجرة الآلاف من أبنائنا للعمل في عدة بلدان أوروبية ولكن بطريقة شرعية وقانونية وهو الجيل الذي أطلق عليه الجيل الأول من المهاجرين ولكن من غادر كان يصف هجرته " بالهجة " تعبيرا عن خيبة الأمل وعن تبخر وعد الاستقلال في توفير مستقبل أفضل من وضع الاستعمار وحكم الاحتلال. " الهجة " كانت التعبيرة الأولى عن ظاهرة " الحرقة " التي تحولت اليوم إلى ظاهرة تخطت الحدود لتصبح واقعا تعيشه أغلب المجتمعات في الزمن الراهن.

ما يهمنا في هذا الملف الذي اتعب المجتمع التونسي واتعب الأسر التونسية وسبب إحراجا كبيرا لكل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في الإجابة على سؤال بسيط وهو هل وفقت الدولة التونسية في التعاطي مع ظاهرة الهجرة السرية للكثير من الشباب التونسي بحثا عن واقع وحياة أفضل ؟ وهل أحسنا التعامل مع هذا الملف وأحسنا إدارته ؟

ما يمكن قوله بخصوص هذه الظاهرة التي أخذت في التمدد من يوم إلى آخر وتتسع في المجال الجغرافي وفي نوعية الحارقين وفئاتهم العمرية بعد أن انتقلنا من حرقة فردية ذكورية إلى حرقة الإناث والنساء واليوم أصبحت الحرقة جماعية تقوم بها مجموعات من الشباب من حي واحد أو تجمعهم علائق مختلفة من صداقة أو قرابة عائلية بل الأخطر من ذلك هو انخراط عائلات بكاملها بأطفالها وصغارها.

ما يجب قوله اليوم بكل وضوح وصراحة ودون تورية أنه أمام هذا الواقع المرير وأمام الأرقام المفزعة عن عدد الحارقين وعدد المفقودين في البحر وعدد الموتى والغرقى وأمام تزايد عدد المحاولات اجتياز حدودنا البحرية بطريقة غير شرعية وعدم اكتراث الحارقين بكل المخاطر المحدقة بهم وما ينتظرهم سواء في عرض البحر أو في بلد الاستقبال إن حالفهم الحظ ووصلوا أحياء هو أن ما تمت ملاحظته أن المعالجة المتبعة مع الظاهرة تشكو الكثير من الاخلالات والضعف منها الضعف البين في الخطاب الإعلامي الذي ما زال بعيدا عن الكثير من المعطيات المهمة التي تفسر حقيقة الموقف الرسمي للدولة التونسية من الحرقة و بها يفهم سلوك من يحكم اليوم وما يعاب عليه من صمت وبرود في التفاعل مع الكوارث التي تحصل يوميا سواء جراء التدفق الكبير للمهاجرين القادمين من الدول الافريقية أو نتيجة تواصل المحاولات المكثفة للحرقة من طرف الشباب التونسي والعائلات التونسية.

ما يجب التنبه إليه في هذا الموضوع والتذكير به هو أن الدولة التونسية قد أمضت على اتفاقيتين مع الجانب الإيطالي الأولى في سنة 2016 والثانية في سنة 2020 تقضيان بجعل تونس حارسا للحدود الأوروبية وخاصة الإيطالية منها مقابل حصولها على مقابل مالي وإعانات لوجيستية ومعدات بحرية حتى تتمكن من القيام بهذه المهمة الأمنية وهذا يعني أنه بمقتضى اتفاق التمكين الاقتصادي الذي أمضت عليه تونس مع الجانب الإيطالي فإن ملف الهجرة غير الشرعية بالنسبة للايطاليين هو ملف أمني بالدرجة الأولى أعلنت إيطاليا بسببه عن حالة الطوارئ وشأن يهم بلدان التدفقات للهجرة غير النظامية ومسؤولية بلدان المنشأ بما يعني أن الاستراتيجية الأوروبية تقوم على توفير الدعم المادي لبلدان الهجرة للقيام بمشاريع اقتصادية وتنموية من أجل الابقاء على الراغبين في الحرقة داخل أوطانهم.

ما يجب التنبه إليه ونحن نتحدث عن التدفقات من المهاجرين السود نحو بلدنا هو أن الأمر ليس بأيدينا ولا نتحكم فيه وهو يدخل ضمن بنود الاتفاق الإيطالي الأوروبي التونسي في جعل تونس بلد استقرار وليس بلد عبور وتحويلها إلى مراكز تجميع واحتجاز للعالقين وللمرحلين ريثما تتم تسوية وضعيتهم القانونية إما بإرجاعهم من حيث جاؤوا أو بالسماح للبعض منهم بالمرور نحو الضفة الأخرى من المتوسط أو بالإبقاء على البعض الآخر في تونس والعمل بها وهذه المعالجة تدخل ضمن ما تم الاتفاق عليه في القمة الأوروبية الافريقية التي انعقدت في 15 فيفري سنة 2022 في بروكسال والتي خصصت للنظر في إرساء شراكة جديدة مع البلدان الافريقية وهي رؤية ونظرة جديدة تطالب بها الدول الافريقية التي تربطها مع أوروبا شراكات استثمار ومصالح اقتصادية ضخمة حيث فرضت هذه الدول على أوروبا إن أرادت أن تحصل على استثمارات في إفريقيا أن تتحمل معها جزء من مشاكلها وذلك في إطار اتفاق جديد يقوم على فكرة " شراكة تفرض التبادل والتقاسم " بما يعني أن الأفارقة قد قالوها صراحة للأوروبيين إن أردتم الانتفاع بخيراتنا فما عليكم إلا أن تقاسمونا مشاكلنا ومن مشاكلنا تحمل هجرة شبابنا الباحث عن العمل إلى بلدانكم والحصول على شغل غير متوفر الآن في إفريقيا.

ما يجب التذكير به والتنبيه إليه في الحديث عن ظاهرة التدفقات الكبيرة من شبابنا نحو السواحل الايطالية بحثا عن واقع أفضل وحلم ومستقبل مفقود في بلدهم ورغبة منهم في الوصول إلى الجنة الموعودة المتوهمة هو أن هناك اليوم اعتراف رسمي بأن الدولة التونسية عاجزة عن تحقيق أحلام الشباب في توفير عمل لائق في بلادهم واعتراف بأن الدولة غير قادرة عن احتضان المتخرجين من الجامعات فضلا عن فاقدي المؤهلات والقدرات المهنية وهي لا تتوفر على حل نهائي للحرقة .. في اجتماع له يوم 26 أكتوبر 2022 مع وزير الداخلية والمدير العام للأمن الوطني قال رئيس الدولة " لا يمكن إيجاد حلول حقيقية لظاهرة الحرقة على المستوى الوطني كما أن الحلول المحلية لهذه الظاهرة غير متوفرة اليوم داعيا إلى ضرورة إيجاد تعاون دولي لمواجهة تزايد وتيرة الهجرة غير النظامية " بما يعني أن الحل لن يكون تونسيا ومن خلال الدولة التونسية وإنما الحل متوفر عند الدول الأوروبية وهنا يأتي الحديث عن الاستراتيجية التي أعدتها هذه الدول والتي تجعل من تونس بلد استقرار للمهاجرين الافارقة وبلد مهمته حراسة الحدود الايطالية من كل التدفقات المهاجرة وبلد يتحمل المسؤولية الأولى في احتضان أبنائه المرحلين لعدم حاجة أوروبا إليهم وتوفير حلول لهم ..