صدر مؤخرا (في 21 أفريل الفارط) المؤشر اللوجستي لعام 2023 عن البنك الدولي بعد آخر تقرير صدر في 2018 بعد توقف ثلاث سنوات بسبب ارتباك سلاسل التوريد عالميا بسبب جائحة كورونا عام 2019 ، وسوء الحالة اللوجستية، والإغلاقات المتكررة فى مناطق الإنتاج والموانئ ، وتراجع سعات الشحن على متن السفن.
وهذا المؤشر هام فهو بواسطته يقاس أداء القطاع اللوجستي العالمي وفق عدة معايير أبرزها كفاءة الجمارك(الديوانة) وإدارة الحدود، وجودة البنيات التحتية المتعلقة بالتجارة والنقل، والقدرة على تتبع وتعقب الشحنات.
وهو تفصيلا يعد المقياس الأبرز لقدرة البلدان على نقل السلع عبر الحدود بسرعة وعلى نحو منتظم.
ونشر التقرير بعنوان " إقامة روابط من أجل المنافسة" وشمل 139بلدا.وقد حلت دول عربية في مراتب متقدمة مثل الإمارات التي احتلت المرتبة السابعة عالميا والأولى عربيا فيما حلت دولة مثل ليبيا في المرتبة 138عالميا.. والمحير هو عدم إدراج تونس في هذا التقييم.وذلك يعود لسببين باعتقادنا سنتعرّض لهما بالتفصيل. الأول وهو عدم مد السلط التونسية ذات الصلة بالموانئ والنقل البحري و اللوجستيك البنك الدولي ومصالحه التي أعدت المؤشّر بتقرير وأرقام ليتم على أساسها التصنيف. والثاني و هو الأخطر فهو أن وضعيتنا في هذا المجال لم تعد قابلة للتقييم أصلا.
فوضى الإدارة و استحالة التقييم
لاشك أن الإدارة التونسية كان لها دور مهم في نهاية سنة 2010 وعلى امتداد سنة 2011 حيث بقيت صامدة حينما عمت الفوضى البلاد ولم تتوقف الخدمات يوما واحدا وهو ما سهل العودة السريعة للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. لكن هذه الإدارة ضُربت في مقتل من طرف حكومة الترويكا وتحديدا حركة النهضة وذلك بالانتدابات العشوائية وعمليات العزل الاعتباطية لعدد كبير من المديرين وكبار الموظفين بحجة انتمائهم لنظام بن علي. كما أن الترقيات غير المدروسة في سلكي الأمن والديوانة للعائدين للعمل من المعزولين ساهمت في إضعاف هذه الهياكل لفترة طويلة..
هذه الوضعية جعلت من الإدارة التونسية تتراجع في أدائها وتفقد بريقها وعلاقاتها الخارجية .
وهذا ما جعل التواصل بينها وبين المنظمات والمؤسسات الدولية ضعيفا ولم تعد هذه المنظمات على دراية كافية تسمح لها بتقييم موضوعي لأداء هذه الهياكل خاصة تلك التي هي في علاقة مباشرة بالخارج كالنقل البحري و الجوي والديوانة.
وهذا ربما يفسر عدم إدراج تونس في المؤشر المذكور. وربما لم يقع تحيين الأداء بالأرقام والتقارير وتم عمدا عدم مدها لجهة التقييم وهي البنك الدولي.
وهذه فرضية مستبعدة لأن البنك الدولي كغيره من المؤسسات الدولية لا يعتمد على هذه التقارير والأرقام فحسب انما لديه هياكله التي تراقب وتقيم الأوضاع في كل البلدان. وبالتالي تبقى فرضية أن تونس خارج التصنيف في هذا المجال لأن وضعيتها لا تقيّم وهذا هو الأمر الخطير. الذي وجب أن تشعل له كل الأضواء الحمراء للتنبيه لضرورة إصلاح موانئنا ونقلنا وكل الإدارات المساهمة فيهما.
موانئ خارج التاريخ والجغرافيا
من المفروض أن يلعب قطاع النقل البحري والموانئ في تونس ككل الدول دورا هاما في نقل الصادرات وتلقي الواردات حيث أنه يؤمن نقل 98% من المبادلات التجارية الخارجية عبر 7 موانئ بحرية تجارية وهي:
ميناء بنزرت - منزل بورقيبة وميناء بنقردان - الكتف وميناء جرجيس وميناء حلق الوادي وميناء رادس وميناء سوسة وميناء صفاقس وميناء قابس.
وعدد الموانئ هذا يغطي كامل الشريط الساحلي وكان يمكن أن تمثل دافعا اقتصاديا قويا فتونس بموقعها الجغرافي الهام و بهذا العدد من الموانئ يمكن أن تتحول الى عاصمة تجارية إقليمية تربط جنوب المتوسط بشماله ومن المؤسف حقا ألا يتم التعامل مع هذا المشروع الجدية المطلوبة وكان يمكن فتح باب الاستثمار والاستغلال الخارجي لهذه الموانئ ولو أن حسن التصرف في هذه الثروة لا يستدعي أموالا ضخمة بقدر الحاجة الى الإرادة وحسن التسيير والتخطيط.
وتعاني موانئنا من إهمال غريب حيث أن أساليب العمل فيها متخلفة وبدائية وزمن مكوث الحاويات فيها وعمليات التفريغ يعدان من بين الأعلى في العالم وهو ما يؤثر سلبا على الاستيراد والتصدير ويضطر كبرى الشركات العالمية لتحويل وجهتها لموانئ أخرى في دول الجوار.
كذلك تعاني البنى التحتية للوجستيك من مشاكل عميقة تفاقمت في السنوات الأخيرة.
ورغم أن ميناء رادس يعد أهم ميناء في البلاد فهو يتسبب سنويا في خسائر في حدود1000 مليار للدولة.
والأشكال الأكبر كما قلنا هو رفع الحاويات بهذا الميناء حيث أن المردودية ضعيفة جدا وهي في حدود 4 حاويات في الساعة في حين أن المعدل العالمي يصل إلى 70 حاوية .ومن المعلوم أن ضعف تفريغ الحاويات في ميناء رادس وهو واجهة البلاد ورئتها وتدهور خدماته اللوجستية سبب مباشر في شلّ نشاط المؤسسات الاقتصادية التونسية،مقارنة بارتفاع أسعار الشحن البحري عالميا، اذ وصلت الى مستويات قياسية، وتجاوزت أسعارها حاجز 500 بالمائة.
وفي آخر الأرقام يعدّ معدّل أيام التأخير في ميناء رادس غير مقبول اذ يبلغ 25 يوما من الرسو والانتظار مقابل معدل عالمي لا يجاوز 23.5 ساعة، وقد تحوّل هذا الأداء السيئ للموانئ التونسية الى عنصر معطّل للاقتصاد وكابوس حقيقي يمثل عائقا حقيقيا للاستثمار.
حلول لا تقتضي عبقرية
وكما أشرنا سابقا فإن حسن استغلال الموانئ التونسية لا يتطلّب أموالا ضخمة بقدر تطلبه لإرادة حكومية واضحة ورؤية شاملة واقتناعا بأنّ لدينا ثروة مهدورة . والحلول يعرفها ديوان الموانئ البحرية ولا نفهم لم لا يقع تطبيقها ولو بالحد الأدنى .فما يجعل الموانئ ناجعة هي السـرعـة والجـودة والسـلامة والقـدرة التنافسيـة في مجـال إسـداء الخدمات للسفن والبضائع على حدّ سواء. وهي ذاتها المعايير الدولية المعتمدة لتقديم أداء أي ميناء سواء كان تجاريّا أو ترفيهيّا.
وكذلك لابدّ من الإسراع في تطبيق وحسن الاختيار لما جاء في المجلّة الجديدة للموانئ البحرية التجارية التي تهدف إلى إبرام عقود لزمة الملك المينائي وتجهيزات الموانئ لمدّة ثلاثين أو خمسين عاما وإعادة هيكلة نظام تشغيل اليد العاملة بالرّصيف.
وبهذا وحده تصبح الموانئ التونسية قادرة على الاستجابة إلى المتطلبات الحقيقية للتحوّلات الاقتصادية التي تولدت عنها تغييـرات جذريـة في عالم النقل البحري وذلك فيما يتعلّق بالتعليب والشحن ولوجيستية معالجة المبادلات والتجارة الدولية.
وفي المحصّلة لابدّ من الإشارة إلى أنّ كل إصلاح اقتصادي يبقى أعرجا ولن يؤتي أكله دون ثورة حقيقية في موانئنا تشمل البنية التحتية واللوجستية وحتى البشرية بعد أن أثبتت السياسة التسييرية المتبعة من المسؤولين الأول على هذه الموانئ فشلها.
*رئيسة المنتدى التونسي للاستشعار ومقاومة الجريمة الاقتصادية
بقلم: ريم بالخذيري(*)
صدر مؤخرا (في 21 أفريل الفارط) المؤشر اللوجستي لعام 2023 عن البنك الدولي بعد آخر تقرير صدر في 2018 بعد توقف ثلاث سنوات بسبب ارتباك سلاسل التوريد عالميا بسبب جائحة كورونا عام 2019 ، وسوء الحالة اللوجستية، والإغلاقات المتكررة فى مناطق الإنتاج والموانئ ، وتراجع سعات الشحن على متن السفن.
وهذا المؤشر هام فهو بواسطته يقاس أداء القطاع اللوجستي العالمي وفق عدة معايير أبرزها كفاءة الجمارك(الديوانة) وإدارة الحدود، وجودة البنيات التحتية المتعلقة بالتجارة والنقل، والقدرة على تتبع وتعقب الشحنات.
وهو تفصيلا يعد المقياس الأبرز لقدرة البلدان على نقل السلع عبر الحدود بسرعة وعلى نحو منتظم.
ونشر التقرير بعنوان " إقامة روابط من أجل المنافسة" وشمل 139بلدا.وقد حلت دول عربية في مراتب متقدمة مثل الإمارات التي احتلت المرتبة السابعة عالميا والأولى عربيا فيما حلت دولة مثل ليبيا في المرتبة 138عالميا.. والمحير هو عدم إدراج تونس في هذا التقييم.وذلك يعود لسببين باعتقادنا سنتعرّض لهما بالتفصيل. الأول وهو عدم مد السلط التونسية ذات الصلة بالموانئ والنقل البحري و اللوجستيك البنك الدولي ومصالحه التي أعدت المؤشّر بتقرير وأرقام ليتم على أساسها التصنيف. والثاني و هو الأخطر فهو أن وضعيتنا في هذا المجال لم تعد قابلة للتقييم أصلا.
فوضى الإدارة و استحالة التقييم
لاشك أن الإدارة التونسية كان لها دور مهم في نهاية سنة 2010 وعلى امتداد سنة 2011 حيث بقيت صامدة حينما عمت الفوضى البلاد ولم تتوقف الخدمات يوما واحدا وهو ما سهل العودة السريعة للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. لكن هذه الإدارة ضُربت في مقتل من طرف حكومة الترويكا وتحديدا حركة النهضة وذلك بالانتدابات العشوائية وعمليات العزل الاعتباطية لعدد كبير من المديرين وكبار الموظفين بحجة انتمائهم لنظام بن علي. كما أن الترقيات غير المدروسة في سلكي الأمن والديوانة للعائدين للعمل من المعزولين ساهمت في إضعاف هذه الهياكل لفترة طويلة..
هذه الوضعية جعلت من الإدارة التونسية تتراجع في أدائها وتفقد بريقها وعلاقاتها الخارجية .
وهذا ما جعل التواصل بينها وبين المنظمات والمؤسسات الدولية ضعيفا ولم تعد هذه المنظمات على دراية كافية تسمح لها بتقييم موضوعي لأداء هذه الهياكل خاصة تلك التي هي في علاقة مباشرة بالخارج كالنقل البحري و الجوي والديوانة.
وهذا ربما يفسر عدم إدراج تونس في المؤشر المذكور. وربما لم يقع تحيين الأداء بالأرقام والتقارير وتم عمدا عدم مدها لجهة التقييم وهي البنك الدولي.
وهذه فرضية مستبعدة لأن البنك الدولي كغيره من المؤسسات الدولية لا يعتمد على هذه التقارير والأرقام فحسب انما لديه هياكله التي تراقب وتقيم الأوضاع في كل البلدان. وبالتالي تبقى فرضية أن تونس خارج التصنيف في هذا المجال لأن وضعيتها لا تقيّم وهذا هو الأمر الخطير. الذي وجب أن تشعل له كل الأضواء الحمراء للتنبيه لضرورة إصلاح موانئنا ونقلنا وكل الإدارات المساهمة فيهما.
موانئ خارج التاريخ والجغرافيا
من المفروض أن يلعب قطاع النقل البحري والموانئ في تونس ككل الدول دورا هاما في نقل الصادرات وتلقي الواردات حيث أنه يؤمن نقل 98% من المبادلات التجارية الخارجية عبر 7 موانئ بحرية تجارية وهي:
ميناء بنزرت - منزل بورقيبة وميناء بنقردان - الكتف وميناء جرجيس وميناء حلق الوادي وميناء رادس وميناء سوسة وميناء صفاقس وميناء قابس.
وعدد الموانئ هذا يغطي كامل الشريط الساحلي وكان يمكن أن تمثل دافعا اقتصاديا قويا فتونس بموقعها الجغرافي الهام و بهذا العدد من الموانئ يمكن أن تتحول الى عاصمة تجارية إقليمية تربط جنوب المتوسط بشماله ومن المؤسف حقا ألا يتم التعامل مع هذا المشروع الجدية المطلوبة وكان يمكن فتح باب الاستثمار والاستغلال الخارجي لهذه الموانئ ولو أن حسن التصرف في هذه الثروة لا يستدعي أموالا ضخمة بقدر الحاجة الى الإرادة وحسن التسيير والتخطيط.
وتعاني موانئنا من إهمال غريب حيث أن أساليب العمل فيها متخلفة وبدائية وزمن مكوث الحاويات فيها وعمليات التفريغ يعدان من بين الأعلى في العالم وهو ما يؤثر سلبا على الاستيراد والتصدير ويضطر كبرى الشركات العالمية لتحويل وجهتها لموانئ أخرى في دول الجوار.
كذلك تعاني البنى التحتية للوجستيك من مشاكل عميقة تفاقمت في السنوات الأخيرة.
ورغم أن ميناء رادس يعد أهم ميناء في البلاد فهو يتسبب سنويا في خسائر في حدود1000 مليار للدولة.
والأشكال الأكبر كما قلنا هو رفع الحاويات بهذا الميناء حيث أن المردودية ضعيفة جدا وهي في حدود 4 حاويات في الساعة في حين أن المعدل العالمي يصل إلى 70 حاوية .ومن المعلوم أن ضعف تفريغ الحاويات في ميناء رادس وهو واجهة البلاد ورئتها وتدهور خدماته اللوجستية سبب مباشر في شلّ نشاط المؤسسات الاقتصادية التونسية،مقارنة بارتفاع أسعار الشحن البحري عالميا، اذ وصلت الى مستويات قياسية، وتجاوزت أسعارها حاجز 500 بالمائة.
وفي آخر الأرقام يعدّ معدّل أيام التأخير في ميناء رادس غير مقبول اذ يبلغ 25 يوما من الرسو والانتظار مقابل معدل عالمي لا يجاوز 23.5 ساعة، وقد تحوّل هذا الأداء السيئ للموانئ التونسية الى عنصر معطّل للاقتصاد وكابوس حقيقي يمثل عائقا حقيقيا للاستثمار.
حلول لا تقتضي عبقرية
وكما أشرنا سابقا فإن حسن استغلال الموانئ التونسية لا يتطلّب أموالا ضخمة بقدر تطلبه لإرادة حكومية واضحة ورؤية شاملة واقتناعا بأنّ لدينا ثروة مهدورة . والحلول يعرفها ديوان الموانئ البحرية ولا نفهم لم لا يقع تطبيقها ولو بالحد الأدنى .فما يجعل الموانئ ناجعة هي السـرعـة والجـودة والسـلامة والقـدرة التنافسيـة في مجـال إسـداء الخدمات للسفن والبضائع على حدّ سواء. وهي ذاتها المعايير الدولية المعتمدة لتقديم أداء أي ميناء سواء كان تجاريّا أو ترفيهيّا.
وكذلك لابدّ من الإسراع في تطبيق وحسن الاختيار لما جاء في المجلّة الجديدة للموانئ البحرية التجارية التي تهدف إلى إبرام عقود لزمة الملك المينائي وتجهيزات الموانئ لمدّة ثلاثين أو خمسين عاما وإعادة هيكلة نظام تشغيل اليد العاملة بالرّصيف.
وبهذا وحده تصبح الموانئ التونسية قادرة على الاستجابة إلى المتطلبات الحقيقية للتحوّلات الاقتصادية التي تولدت عنها تغييـرات جذريـة في عالم النقل البحري وذلك فيما يتعلّق بالتعليب والشحن ولوجيستية معالجة المبادلات والتجارة الدولية.
وفي المحصّلة لابدّ من الإشارة إلى أنّ كل إصلاح اقتصادي يبقى أعرجا ولن يؤتي أكله دون ثورة حقيقية في موانئنا تشمل البنية التحتية واللوجستية وحتى البشرية بعد أن أثبتت السياسة التسييرية المتبعة من المسؤولين الأول على هذه الموانئ فشلها.
*رئيسة المنتدى التونسي للاستشعار ومقاومة الجريمة الاقتصادية