إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بسبب ارتفاع منسوب العنف .. جرائم صادمة حركتها أسباب "تافهة".. وضحايا كتبت نهاياتهم مجانا

 

تونس-الصباح

جرائم ترتكب وأرواح تزهق لأهون الأسباب تشهدها بلادنا بشكل متواتر، فالابن يقتل والده، والزوج ينهي حياة زوجته، والجار  يشج رأس جاره، والضحايا أطفال وشباب وشيب ومراهقين.. وجرائم مروعة ترتكب خلف الغرف المغلقة داخل الأسرة الواحدة.. والسبب "تافه"..

جرائم مجانية.. 

جرائم مجانية ترتكب في حق أشخاص دفعوا حياتهم ثمنا لجرائم يرتكبها غيرهم، وفي هذا الإطار  تمكن أمس  فريق مشترك من فرقة الأبحاث والتفتيش ومركز الأمن العمومي بمنطقة الحرس الوطني غار الدماء وفريق من التدخلات السريعة بإقليم جندوبة من الكشف عن 6 من مرتكبي جريمة قتل عمد مع سابقية القصد متبوعة بسرقة باستعمال الخلع والتسور وتكوين وفاق قصد الاعتداء على الأملاك والأشخاص، راحت ضحيتها امرأة مسنة تبلغ من العمر 82 سنة في حين تم إسعاف زوجها 87 سنة في الليلة الفاصلة بين 30 أفريل وغرة ماي 2023، بعد ما تم الاعتداء عليهما بالعنف وتقييدهما وتكميم أفواههما.

وقد تم حجز مبلغ مالي قيمته 100 دينار وسيارة تم استعمالها في العملية حسب السيد قاضي التحقيق المتعهد بالبحث، فيما يزال البحث جاريا حسب تعليمات النيابة العمومية.

فتاة في عمر الزهور دفعت حياتها ثمنا لجريمة مجانية ارتكبها في حقها لصان أب وابنه وكان منطلق التفطن إليها مكالمة هاتفية وردت على قاعة العمليات بمنطقة الأمن الوطني بمنزل تميم مفادها العثور على فتاة ملقاة بالطريق العام أمام منزلها بجهة قليبية.

 فتنقّلت في الحين الوحدات الأمنية التابعة لمركز الأمن الوطني بمنزل تميم على عين المكان أين عُثر على فتاة تبلغ من العمر 15 عاما تحمل جرحا غائرا برأسها من الخلف وقد فارقت الحياة.

وبإيلاء الموضوع الأهمية اللاّزمة من قبل الوحدات الأمنية التابعة لفرقة الشرطة العدلية بمنزل تميم، تم إجراء جملة من التحريات الميدانية والفنية اعتمادا على بعض تسجيلات كاميرات المراقبة المحاذية لمكان الواقعة أين أمكن حصر الشبهة في شخص من ذوي السوابق العدلية في مجال السرقة وابنه البالغ من العمر 17 عاما.

وبإحضار المظنون فيهما لمزيد التحري، اعترفا بعد مجابهتهما بالأدلة والقرائن بارتكابهما للواقعة وذلك أثناء قيامهما بسرقة إحدى المحلات المحاذية لمنزلها أين تعمّد الابن الاعتداء على الهالكة من الخلف بعصا على مستوى الرأس بعد تفطّنها لهما.

وفي ذات السياق أقدم كهل يبلغ من العمر 49 عاما على قتل زوجته البالغة من العمر 44 سنة طعنا بالسكين ثم حاول الانتحار.

وقد أفاد العميد معز تريعة الناطق الرسمي باسم الديوان الوطني للحماية المدينة في بلاغ له أن فرق النجدة والإنقاذ التابعة للإدارة الجهوية للحماية المدنية بمنوبة قامت بإسعاف ونقل كهل يبلغ من العمر 49 عاما يعاني من جرح غائر على مستوى البطن، من جراء اعتدائه على نفسه بطعنة سكين،  حيث تم نقل المصاب إلى مستشفى الرابطة بمعية إحدى الدوريات الأمنية، بعد أن أقدم على قتل زوجته البالغة من العمر 44 سنة مسددا لها عدة طعنات على مستوى البطن.

وحسب المعطيات فإن الزوجين يقطنان بحي الشباب بدوار هيشر من ولاية منوبة ولهما ابنان فتاة وشاب تتراوح أعمارهما بين 19و21 عاما، وعرفت العلاقة بينهما مؤخرا تصاعدا في الخلافات لأسباب مختلفة.

وقد طلب الزوج  من ابنيه قضاء الليلة لدى جدّتهما بطبربة، وعند الصباح الباكر نشب خلاف بينه وبين زوجته فتولى طعنها بواسطة سكّينا فأرداها قتيلة على عين المكان وتولى إعلام أحد أقاربه بما كان يخطط له فتولى هذا الأخير إعلام أعوان الأمن الذين حلوا بالمنزل مصحوبين بممثل النيابة العمومية ليتم العثور على الزوجة جثة هامدة تكسوها الدماء مع انبعاث رائحة الغاز من المنزل.

وتولى الأعوان البحث عن الزوج ليتم العثور عليه لاحقا في محيط المنزل والدماء تكسوه بدوره بعد أن تولى طعن نفسه على مستوى البطن ليتم نقله إلى المستشفى وتوصف حالته الصحية بالحرجة للغاية.

وتوفي مساء 12 افريل 2023 كهل في عقده الخامس، يعمل معلم بأحد المدارس الابتدائية بمعتمدية حاسي الفريد من ولاية القصرين، وذلك إثر تعرضه لإصابة بحجارة على مستوى الرأس وفق ما أكده مساعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بالقصرين رياض النويوي .

وتعود أسباب الحادثة  الى نشوب شجار بين الهالك وبين عون صحة في منطقة حي الخضراء وسط مدينة القصرين، قبل أذان المغرب بقليل، نجم عنه إصابة المعلم بحجارة على مستوى الرأس توفي على إثرها.

خلاف.. فخنق!!

وفي عمادة البريكات التابعة لمعتمدية نصر الله من ولاية القيروان جدت جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها امرأة من مواليد 1980 على يد زوجها خنقا وذلك على خلفية نشوب خلاف بينهما. 

وقد تم إعلام الجهات الأمنية التي تحولت على عين المكان لمعاينة الجثة وفتح تحقيق في ملابسات هذه الجريمة التي هزت الجهة. 

ويشار إلى أن الجاني سلم نفسه إلى مركز الحرس الوطني بالجهة بعد القيام بجريمته مع العلم أن الهالكة أم لطفلين.

ارتفاع منسوب الجريمة..

 ارتفاع منسوب العنف الذي يصل الى حد القتل واستسهال القتل من جانب الجاني وكسر الحاجز النفسي بسبب  انتشار مشاهد العنف سواء في المحطات التلفزية أو مواقع التواصل الاجتماعي طغى على المشهد اليوم، حيث باتت تنقل مشاهد حية للعنف والقتل فلم تعد المشاهد صادمة للوجدان بسبب التعود على رؤيتها، فضلا عن انتشار المخدرات. 

وفي هذا السياق يرى الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أن ارتفاع منسوب الجريمة في بلادنا يعود الى أن  فترة ما بعد الثورات والمراحل الانتقالية عادة ما تكون بيئة خصبة لظهور الاضطرابات السلوكية والنفسية وكأنها عبارة عن أعراض جانبية تخلفها كل ثورة وهذا أمر مفهوم من وجهة نظر علمية لسببين رئيسيين على الأقل: أولا أن كل ثورة اجتماعية لم تسبقها أو تواكبها ثورة ثقافية تتحول من فرصة للتحرر الاجتماعي إلى فرصة لانفلات الغرائز في أكثر جوانبها بدائية وعدوانية، وثانيا أن الثورات تهدم عادة البنى والمؤسسات الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة دون أن تعوضها بسرعة ببنى أخرى توفر الإجابات اللازمة للإنسان. مثلما رأينا التونسي في أبهى تجلياته  رأيناه أيضا في أكثر صوره ضعفا وقبحا. لاحت لنا بقوة ملامح التونسي المستنفر والمضطرب والقلق الذي يرتفع عنده منسوب العنف والعدوانية مما أعطانا مشهدا للانفلات  الاجتماعي منقطع النظير، انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية.

 وبالتالي تتميز فترات التحول والانتقال في السياقات الثورية إلى نوع من المعاناة والاضطرابات السلوكية والنفسية وهذا ما يفسر ارتفاع منسوب العنف والعدوانية لدى التونسي وارتفاع نسب زيارة عيادات الطب النفسي وطغيان الانفلات على المشهد الاجتماعي انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية، عدوانية تتراوح بين الاعتداءات الجسدية والمادية المختلفة إلى أن تصل إلى أكثر أشكال العنف بشاعة من قتل وتمثيل بالجثث... ثقافة الموت والتخريب والتنكيل تتسع يوما بعد يوم وتغذيها مشاهد الموت والتنكيل الوحشية التي تعج بها المواقع الاجتماعية ونشرات الأخبار. 

سلوك التونسي اليوم يغلب عليه الطابع الانفعالي والعدواني، وفيه الكثير من الاندفاع والاستعراض والتكلف وهو ناتج عن الخوف من الحاضر والمستقبل وغياب آفاق الحل والخلاص والرغبة في تفريغ شحنة كبيرة من الكبت والقهر المزمن ورغبة جماعية لإثبات الذات بموجب ودون موجب.

هي عدوانية في سياق سياسي واجتماعي عدواني ويأخذ أشكالا ومضامين متعددة تعدد السياقات. تزداد الأمور تعقيدا مع تراجع سلطة الدولة وقدرتها على إنفاذ القانون مما يعطي رسالة للمجتمع بضعف الدولة ويفتح باب التجاوزات.

الإدمان.. 

إنها آفة الإدمان وخاصة على المخدرات ذات المفعول القوي والمدمر. فنوعية المخدرات المستعملة اليوم، والغاية من استهلاكها حولها من مجرد آفة أو ظاهرة إلى مرض اجتماعي وإلى جزء من ثقافة جديدة ما فتئت تتوسع وتنتشر وهي ثقافة الموت والقتل، قتل الجسد وقتل الوعي وقتل النفس وقتل الآخر. فالمتأمل لنوعية المواد المخدرة المستهلكة اليوم والتي دخلت مؤخرا لائحة الاستهلاك وخاصة من حيث حدتها وقوتها  يستنتج بدون مجهود كبير أن الغاية من ورائها يتعدى مجرد البحث عن النشوة والمتعة و"الشيخة" بل الغياب الكلي عن الوعي والحياة. مخدرات مرتبطة بشبكات جريمة من داخل الحدود وخارجها تخلف آثارا أشبه بالموت السرسري أو الدخول في حالات حادة من الغيبوبة وفقدان الصلة بالحياة إلى درجة يتحول فيها المستهلك من جسد إلى جثة ومن إنسان إلى وحش كاسر يمكن أن يرتكب أبشع الجرائم وأشنعها وعلى رأسها جرائم القتل. بهذا المنطق تحولت المواد المخدرة اليوم إلى خطر حقيقي يهدد الأمن الصحي والنفسي لمستهلكيها والأمن والاجتماعي لمجتمع برمته وربما هذا ما يفسر ارتفاع حجم جرائم القتل كيفا وكما واتخاذها لمنحى استعراضي يصل إلى حد التمثيل بالجثث.

 

مفيدة القيزاني

بسبب ارتفاع منسوب العنف .. جرائم صادمة حركتها أسباب "تافهة".. وضحايا كتبت نهاياتهم مجانا

 

تونس-الصباح

جرائم ترتكب وأرواح تزهق لأهون الأسباب تشهدها بلادنا بشكل متواتر، فالابن يقتل والده، والزوج ينهي حياة زوجته، والجار  يشج رأس جاره، والضحايا أطفال وشباب وشيب ومراهقين.. وجرائم مروعة ترتكب خلف الغرف المغلقة داخل الأسرة الواحدة.. والسبب "تافه"..

جرائم مجانية.. 

جرائم مجانية ترتكب في حق أشخاص دفعوا حياتهم ثمنا لجرائم يرتكبها غيرهم، وفي هذا الإطار  تمكن أمس  فريق مشترك من فرقة الأبحاث والتفتيش ومركز الأمن العمومي بمنطقة الحرس الوطني غار الدماء وفريق من التدخلات السريعة بإقليم جندوبة من الكشف عن 6 من مرتكبي جريمة قتل عمد مع سابقية القصد متبوعة بسرقة باستعمال الخلع والتسور وتكوين وفاق قصد الاعتداء على الأملاك والأشخاص، راحت ضحيتها امرأة مسنة تبلغ من العمر 82 سنة في حين تم إسعاف زوجها 87 سنة في الليلة الفاصلة بين 30 أفريل وغرة ماي 2023، بعد ما تم الاعتداء عليهما بالعنف وتقييدهما وتكميم أفواههما.

وقد تم حجز مبلغ مالي قيمته 100 دينار وسيارة تم استعمالها في العملية حسب السيد قاضي التحقيق المتعهد بالبحث، فيما يزال البحث جاريا حسب تعليمات النيابة العمومية.

فتاة في عمر الزهور دفعت حياتها ثمنا لجريمة مجانية ارتكبها في حقها لصان أب وابنه وكان منطلق التفطن إليها مكالمة هاتفية وردت على قاعة العمليات بمنطقة الأمن الوطني بمنزل تميم مفادها العثور على فتاة ملقاة بالطريق العام أمام منزلها بجهة قليبية.

 فتنقّلت في الحين الوحدات الأمنية التابعة لمركز الأمن الوطني بمنزل تميم على عين المكان أين عُثر على فتاة تبلغ من العمر 15 عاما تحمل جرحا غائرا برأسها من الخلف وقد فارقت الحياة.

وبإيلاء الموضوع الأهمية اللاّزمة من قبل الوحدات الأمنية التابعة لفرقة الشرطة العدلية بمنزل تميم، تم إجراء جملة من التحريات الميدانية والفنية اعتمادا على بعض تسجيلات كاميرات المراقبة المحاذية لمكان الواقعة أين أمكن حصر الشبهة في شخص من ذوي السوابق العدلية في مجال السرقة وابنه البالغ من العمر 17 عاما.

وبإحضار المظنون فيهما لمزيد التحري، اعترفا بعد مجابهتهما بالأدلة والقرائن بارتكابهما للواقعة وذلك أثناء قيامهما بسرقة إحدى المحلات المحاذية لمنزلها أين تعمّد الابن الاعتداء على الهالكة من الخلف بعصا على مستوى الرأس بعد تفطّنها لهما.

وفي ذات السياق أقدم كهل يبلغ من العمر 49 عاما على قتل زوجته البالغة من العمر 44 سنة طعنا بالسكين ثم حاول الانتحار.

وقد أفاد العميد معز تريعة الناطق الرسمي باسم الديوان الوطني للحماية المدينة في بلاغ له أن فرق النجدة والإنقاذ التابعة للإدارة الجهوية للحماية المدنية بمنوبة قامت بإسعاف ونقل كهل يبلغ من العمر 49 عاما يعاني من جرح غائر على مستوى البطن، من جراء اعتدائه على نفسه بطعنة سكين،  حيث تم نقل المصاب إلى مستشفى الرابطة بمعية إحدى الدوريات الأمنية، بعد أن أقدم على قتل زوجته البالغة من العمر 44 سنة مسددا لها عدة طعنات على مستوى البطن.

وحسب المعطيات فإن الزوجين يقطنان بحي الشباب بدوار هيشر من ولاية منوبة ولهما ابنان فتاة وشاب تتراوح أعمارهما بين 19و21 عاما، وعرفت العلاقة بينهما مؤخرا تصاعدا في الخلافات لأسباب مختلفة.

وقد طلب الزوج  من ابنيه قضاء الليلة لدى جدّتهما بطبربة، وعند الصباح الباكر نشب خلاف بينه وبين زوجته فتولى طعنها بواسطة سكّينا فأرداها قتيلة على عين المكان وتولى إعلام أحد أقاربه بما كان يخطط له فتولى هذا الأخير إعلام أعوان الأمن الذين حلوا بالمنزل مصحوبين بممثل النيابة العمومية ليتم العثور على الزوجة جثة هامدة تكسوها الدماء مع انبعاث رائحة الغاز من المنزل.

وتولى الأعوان البحث عن الزوج ليتم العثور عليه لاحقا في محيط المنزل والدماء تكسوه بدوره بعد أن تولى طعن نفسه على مستوى البطن ليتم نقله إلى المستشفى وتوصف حالته الصحية بالحرجة للغاية.

وتوفي مساء 12 افريل 2023 كهل في عقده الخامس، يعمل معلم بأحد المدارس الابتدائية بمعتمدية حاسي الفريد من ولاية القصرين، وذلك إثر تعرضه لإصابة بحجارة على مستوى الرأس وفق ما أكده مساعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بالقصرين رياض النويوي .

وتعود أسباب الحادثة  الى نشوب شجار بين الهالك وبين عون صحة في منطقة حي الخضراء وسط مدينة القصرين، قبل أذان المغرب بقليل، نجم عنه إصابة المعلم بحجارة على مستوى الرأس توفي على إثرها.

خلاف.. فخنق!!

وفي عمادة البريكات التابعة لمعتمدية نصر الله من ولاية القيروان جدت جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها امرأة من مواليد 1980 على يد زوجها خنقا وذلك على خلفية نشوب خلاف بينهما. 

وقد تم إعلام الجهات الأمنية التي تحولت على عين المكان لمعاينة الجثة وفتح تحقيق في ملابسات هذه الجريمة التي هزت الجهة. 

ويشار إلى أن الجاني سلم نفسه إلى مركز الحرس الوطني بالجهة بعد القيام بجريمته مع العلم أن الهالكة أم لطفلين.

ارتفاع منسوب الجريمة..

 ارتفاع منسوب العنف الذي يصل الى حد القتل واستسهال القتل من جانب الجاني وكسر الحاجز النفسي بسبب  انتشار مشاهد العنف سواء في المحطات التلفزية أو مواقع التواصل الاجتماعي طغى على المشهد اليوم، حيث باتت تنقل مشاهد حية للعنف والقتل فلم تعد المشاهد صادمة للوجدان بسبب التعود على رؤيتها، فضلا عن انتشار المخدرات. 

وفي هذا السياق يرى الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أن ارتفاع منسوب الجريمة في بلادنا يعود الى أن  فترة ما بعد الثورات والمراحل الانتقالية عادة ما تكون بيئة خصبة لظهور الاضطرابات السلوكية والنفسية وكأنها عبارة عن أعراض جانبية تخلفها كل ثورة وهذا أمر مفهوم من وجهة نظر علمية لسببين رئيسيين على الأقل: أولا أن كل ثورة اجتماعية لم تسبقها أو تواكبها ثورة ثقافية تتحول من فرصة للتحرر الاجتماعي إلى فرصة لانفلات الغرائز في أكثر جوانبها بدائية وعدوانية، وثانيا أن الثورات تهدم عادة البنى والمؤسسات الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة دون أن تعوضها بسرعة ببنى أخرى توفر الإجابات اللازمة للإنسان. مثلما رأينا التونسي في أبهى تجلياته  رأيناه أيضا في أكثر صوره ضعفا وقبحا. لاحت لنا بقوة ملامح التونسي المستنفر والمضطرب والقلق الذي يرتفع عنده منسوب العنف والعدوانية مما أعطانا مشهدا للانفلات  الاجتماعي منقطع النظير، انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية.

 وبالتالي تتميز فترات التحول والانتقال في السياقات الثورية إلى نوع من المعاناة والاضطرابات السلوكية والنفسية وهذا ما يفسر ارتفاع منسوب العنف والعدوانية لدى التونسي وارتفاع نسب زيارة عيادات الطب النفسي وطغيان الانفلات على المشهد الاجتماعي انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية، عدوانية تتراوح بين الاعتداءات الجسدية والمادية المختلفة إلى أن تصل إلى أكثر أشكال العنف بشاعة من قتل وتمثيل بالجثث... ثقافة الموت والتخريب والتنكيل تتسع يوما بعد يوم وتغذيها مشاهد الموت والتنكيل الوحشية التي تعج بها المواقع الاجتماعية ونشرات الأخبار. 

سلوك التونسي اليوم يغلب عليه الطابع الانفعالي والعدواني، وفيه الكثير من الاندفاع والاستعراض والتكلف وهو ناتج عن الخوف من الحاضر والمستقبل وغياب آفاق الحل والخلاص والرغبة في تفريغ شحنة كبيرة من الكبت والقهر المزمن ورغبة جماعية لإثبات الذات بموجب ودون موجب.

هي عدوانية في سياق سياسي واجتماعي عدواني ويأخذ أشكالا ومضامين متعددة تعدد السياقات. تزداد الأمور تعقيدا مع تراجع سلطة الدولة وقدرتها على إنفاذ القانون مما يعطي رسالة للمجتمع بضعف الدولة ويفتح باب التجاوزات.

الإدمان.. 

إنها آفة الإدمان وخاصة على المخدرات ذات المفعول القوي والمدمر. فنوعية المخدرات المستعملة اليوم، والغاية من استهلاكها حولها من مجرد آفة أو ظاهرة إلى مرض اجتماعي وإلى جزء من ثقافة جديدة ما فتئت تتوسع وتنتشر وهي ثقافة الموت والقتل، قتل الجسد وقتل الوعي وقتل النفس وقتل الآخر. فالمتأمل لنوعية المواد المخدرة المستهلكة اليوم والتي دخلت مؤخرا لائحة الاستهلاك وخاصة من حيث حدتها وقوتها  يستنتج بدون مجهود كبير أن الغاية من ورائها يتعدى مجرد البحث عن النشوة والمتعة و"الشيخة" بل الغياب الكلي عن الوعي والحياة. مخدرات مرتبطة بشبكات جريمة من داخل الحدود وخارجها تخلف آثارا أشبه بالموت السرسري أو الدخول في حالات حادة من الغيبوبة وفقدان الصلة بالحياة إلى درجة يتحول فيها المستهلك من جسد إلى جثة ومن إنسان إلى وحش كاسر يمكن أن يرتكب أبشع الجرائم وأشنعها وعلى رأسها جرائم القتل. بهذا المنطق تحولت المواد المخدرة اليوم إلى خطر حقيقي يهدد الأمن الصحي والنفسي لمستهلكيها والأمن والاجتماعي لمجتمع برمته وربما هذا ما يفسر ارتفاع حجم جرائم القتل كيفا وكما واتخاذها لمنحى استعراضي يصل إلى حد التمثيل بالجثث.

 

مفيدة القيزاني