لم تنجح مشاركة الوفد التونسي الرسمي في لقاءات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين التي التأمت خلال شهر أفريل المنقضي بواشنطن في رفع حالة الجمود عن مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي. خاصة بعد تصريح لرئيس الجمهورية قيس سعيد بمناسبة إحياء ذكرى وفاة الزعيم بورقيبة، عبّر فيه عن رفضه لما وصفها بـ"إملاءات" صندوق النقد على غرار مسألة رفع الدعم عن المواد الأساسية اعتبر أن من شأنها أن تهدد السلم الاجتماعي بالبلاد.
لكن تصريحين بارزين صدرا أمس تباعا لعضوين بالحكومة وهما وزير الخارجية نبيل عمار، ووزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي بخصوص مآل المفاوضات مع صندوق النقد، أعادا الملف إلى الواجهة، وذلك في اتجاهين مختلفين:
إما التوصل إلى حل وسط ترعاه وتدعمه بعض الدول الأوروبية مثل ايطاليا ويقضي بتعديل شروط الاتفاق المالي وصرف قسط أول فوري منه وتأجيل تنفيذ بعض الإصلاحات ذات التداعيات الاجتماعية، مع مراقبة الالتزام بتنفيذ بقية الإصلاحات، أو الإعلان رسميا عن فشل المفاوضات على الأقل في الصيغة التي تم الاتفاق في مضمونها تقنيا وفنيا.
فقد أكد وزير الشؤون الاجتماعية، مالك الزاهي، أمس في تصريح إعلامي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال العالمي أن "المفاوضات مع صندوق النقد الدولي مازلت متواصلة".
وأضاف "أن برنامج الإصلاحات المقترح في إطار الاتفاق مع الصندوق، لن يكون على حساب الفئات الهشة والضعيفة" مشددا على أن "سيادة الدولة التونسية فوق كل اعتبار".
في المقابل، بدا موقف وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج في حوار نشرته أمس وكالة تونس إفريقيا للأنباء، بخصوص المفاوضات مع صندوق النقد متشائما، إذ قال إنّ الضغوط المسلّطة على تونس في علاقة بقرض صندوق النقد الدولي بدأت تعطي نتائج عكسية، مشيرا إلى أنّ هذه الضغوط قد تؤدي إلى نقطة اللاعودة، معبّرا عن تطلّع تونس أن يكون لشركائها ما يكفي من الوعي بهذا الخطر لأنّهم ذهبوا بعيدا في ضغوطهم.
وقال "أكدنا لشركائنا أنه يوجد خط أحمر لا يمكن أبدا تخطيه، ألا وهو استقرار البلاد والسلم الاجتماعية. ورئيس الجمهورية، كان واضحا في هذه النقطة، فالرئيس هو الضامن لاستقرار البلاد والتصريحات التي يدلي بها يجب أخذها بعين الاعتبار، سواء في تونس أو في الخارج وشركاؤنا لا يعرفون الوضع في تونس أكثر من كبار المسؤولين المشرفين على إدارة شؤون البلاد."
وشدد عمار على ضرورة أن "يصغي شركاء تونس جيدا لمعرفة حقيقة الوضع فيها." مضيفا أنّ: "الوضع الحالي هو انعكاس مباشر وغير مباشر للحوكمة السيئة للبلاد، على امتداد عشر سنوات من خلال دعمهم للحكومات المتعاقبة منذ 2011، وهم بالتالي يتحملون جانبا من المسؤولية وإن لم يُقرّوا بذلك، وهو ما عمدت إلى تذكيرهم به مرارا، في كل مناسبة."
وأشار في سياق متّصل إلى أنّ الوضع على الحدودي الليبية والحرب في أوكرانيا ساهما في مزيد الإضرار بالاقتصاد التونسي، وقال: "اليوم ولأول مرة منذ 2011، هناك بوصلة واحدة يعمل وفقها المسؤولون في تونس وهي إصلاح وضع معقد جدا."
وتأمل تونس منذ أشهر عديدة التوصل إلى اتفاق نهائي طال انتظاره مع صندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل حزمة إصلاحات نالت موافقة أولية من خبراء الصندوق في أكتوبر من العام الماضي، غير أن اشتراط إدارة الصندوق تقديم ضمانات رسمية من أعلى مستوى للتقيد بمسار زمني واضح للإصلاحات، أربك سير المفاوضات وأجل الحسم في الموافقة النهائية..
ومن أبرز تحفظات الجانب التونسي بشأن الإصلاحات ما يتعلق بتلك التي لها كلفة اجتماعية باهظة مثل إصلاح منظومة الدعم أو ما يعرف بإعادة توجيه الدعم إلى مستحقيه، والتي تفترض رفعا تدريجيا لأسعار بعض المواد الأساسية والغذائية مقابل تحولات مالية للعائلات الفقيرة والمعوزة..
وكان مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي جهاد ازعور قد أكد خلال ندوة صحفية على هامش اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في شهر أفريل الماضي، "انه لم ترد على الصندوق مطالب من السلطات التونسية لإعادة النظر في برنامج الإصلاحات الذي أعده التونسيون وان الصندوق مستمر في دعم تونس في إطار البرنامج وخارجه."
وفي سياق متصل، قال أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي بمناسبة إحياء المنظمة للعيد العالمي للعمال، ان تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيد من خلال تصريحاته، على رفض املاءات صندوق النقد الدولي، لا يسع اتحاد الشغل إلا التنويه بهذا الموقف المتوافق مع موقف اتحاد الشغل الرافض أيضا للإصلاحات المطلوبة من تونس مقابل بعض القروض الميسّرة.
وقال إن ايجابية هذا الموقف تدعو للتساؤل عن جدوى تفاوض الحكومة مع الصندوق طيلة أكثر من عام.
وكان الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، قد أشار إلى إمكانية أن تطلب السلطات التونسية من صندوق النقد الدولي تأجيل رفع الدعم لسنة إضافية. خاصة وان ميزانية الدولة لسنة 2023، بنيت على فرضية سعر برميل نفط أعلى مما هو متوفر حاليا في السوق المالية، وهو ما من شانه أن يوفر أرباحا لميزانية الدولة، يوازي المبلغ المتفق عليه مع خبراء الصندوق في أكتوبر 2022.
وأوضح بأن تأخير رفع الدعم سيعطي أريحية في التفاوض مع المنظمة الشغيلة وبالتالي انخراطها في برنامج الإصلاحات والموافقة على اتفاق التمويل من النقد الدولي، مشيرا إلى أن ابرز ما عطل توصل الحكومة لاتفاق مع الصندوق هو عدم توفر أرضية تفاهم مع الشركاء الاجتماعيين لتنزيل برنامج الإصلاحات الاقتصادية وتنفيذه.
واعتبر أن الحديث عن املاءات من النقد الدولي، ليس في محلّه، باعتبار أن الدولة في قانون المالية 2023، ذهبت نحو رفع الدعم وليس إصلاح منظومة الدعم، أي أنها ذهبت الى أكثر مما طالب به الصندوق..
رفيق بن عبد الله
تونس- الصباح
لم تنجح مشاركة الوفد التونسي الرسمي في لقاءات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين التي التأمت خلال شهر أفريل المنقضي بواشنطن في رفع حالة الجمود عن مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي. خاصة بعد تصريح لرئيس الجمهورية قيس سعيد بمناسبة إحياء ذكرى وفاة الزعيم بورقيبة، عبّر فيه عن رفضه لما وصفها بـ"إملاءات" صندوق النقد على غرار مسألة رفع الدعم عن المواد الأساسية اعتبر أن من شأنها أن تهدد السلم الاجتماعي بالبلاد.
لكن تصريحين بارزين صدرا أمس تباعا لعضوين بالحكومة وهما وزير الخارجية نبيل عمار، ووزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي بخصوص مآل المفاوضات مع صندوق النقد، أعادا الملف إلى الواجهة، وذلك في اتجاهين مختلفين:
إما التوصل إلى حل وسط ترعاه وتدعمه بعض الدول الأوروبية مثل ايطاليا ويقضي بتعديل شروط الاتفاق المالي وصرف قسط أول فوري منه وتأجيل تنفيذ بعض الإصلاحات ذات التداعيات الاجتماعية، مع مراقبة الالتزام بتنفيذ بقية الإصلاحات، أو الإعلان رسميا عن فشل المفاوضات على الأقل في الصيغة التي تم الاتفاق في مضمونها تقنيا وفنيا.
فقد أكد وزير الشؤون الاجتماعية، مالك الزاهي، أمس في تصريح إعلامي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال العالمي أن "المفاوضات مع صندوق النقد الدولي مازلت متواصلة".
وأضاف "أن برنامج الإصلاحات المقترح في إطار الاتفاق مع الصندوق، لن يكون على حساب الفئات الهشة والضعيفة" مشددا على أن "سيادة الدولة التونسية فوق كل اعتبار".
في المقابل، بدا موقف وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج في حوار نشرته أمس وكالة تونس إفريقيا للأنباء، بخصوص المفاوضات مع صندوق النقد متشائما، إذ قال إنّ الضغوط المسلّطة على تونس في علاقة بقرض صندوق النقد الدولي بدأت تعطي نتائج عكسية، مشيرا إلى أنّ هذه الضغوط قد تؤدي إلى نقطة اللاعودة، معبّرا عن تطلّع تونس أن يكون لشركائها ما يكفي من الوعي بهذا الخطر لأنّهم ذهبوا بعيدا في ضغوطهم.
وقال "أكدنا لشركائنا أنه يوجد خط أحمر لا يمكن أبدا تخطيه، ألا وهو استقرار البلاد والسلم الاجتماعية. ورئيس الجمهورية، كان واضحا في هذه النقطة، فالرئيس هو الضامن لاستقرار البلاد والتصريحات التي يدلي بها يجب أخذها بعين الاعتبار، سواء في تونس أو في الخارج وشركاؤنا لا يعرفون الوضع في تونس أكثر من كبار المسؤولين المشرفين على إدارة شؤون البلاد."
وشدد عمار على ضرورة أن "يصغي شركاء تونس جيدا لمعرفة حقيقة الوضع فيها." مضيفا أنّ: "الوضع الحالي هو انعكاس مباشر وغير مباشر للحوكمة السيئة للبلاد، على امتداد عشر سنوات من خلال دعمهم للحكومات المتعاقبة منذ 2011، وهم بالتالي يتحملون جانبا من المسؤولية وإن لم يُقرّوا بذلك، وهو ما عمدت إلى تذكيرهم به مرارا، في كل مناسبة."
وأشار في سياق متّصل إلى أنّ الوضع على الحدودي الليبية والحرب في أوكرانيا ساهما في مزيد الإضرار بالاقتصاد التونسي، وقال: "اليوم ولأول مرة منذ 2011، هناك بوصلة واحدة يعمل وفقها المسؤولون في تونس وهي إصلاح وضع معقد جدا."
وتأمل تونس منذ أشهر عديدة التوصل إلى اتفاق نهائي طال انتظاره مع صندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل حزمة إصلاحات نالت موافقة أولية من خبراء الصندوق في أكتوبر من العام الماضي، غير أن اشتراط إدارة الصندوق تقديم ضمانات رسمية من أعلى مستوى للتقيد بمسار زمني واضح للإصلاحات، أربك سير المفاوضات وأجل الحسم في الموافقة النهائية..
ومن أبرز تحفظات الجانب التونسي بشأن الإصلاحات ما يتعلق بتلك التي لها كلفة اجتماعية باهظة مثل إصلاح منظومة الدعم أو ما يعرف بإعادة توجيه الدعم إلى مستحقيه، والتي تفترض رفعا تدريجيا لأسعار بعض المواد الأساسية والغذائية مقابل تحولات مالية للعائلات الفقيرة والمعوزة..
وكان مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي جهاد ازعور قد أكد خلال ندوة صحفية على هامش اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في شهر أفريل الماضي، "انه لم ترد على الصندوق مطالب من السلطات التونسية لإعادة النظر في برنامج الإصلاحات الذي أعده التونسيون وان الصندوق مستمر في دعم تونس في إطار البرنامج وخارجه."
وفي سياق متصل، قال أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي بمناسبة إحياء المنظمة للعيد العالمي للعمال، ان تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيد من خلال تصريحاته، على رفض املاءات صندوق النقد الدولي، لا يسع اتحاد الشغل إلا التنويه بهذا الموقف المتوافق مع موقف اتحاد الشغل الرافض أيضا للإصلاحات المطلوبة من تونس مقابل بعض القروض الميسّرة.
وقال إن ايجابية هذا الموقف تدعو للتساؤل عن جدوى تفاوض الحكومة مع الصندوق طيلة أكثر من عام.
وكان الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، قد أشار إلى إمكانية أن تطلب السلطات التونسية من صندوق النقد الدولي تأجيل رفع الدعم لسنة إضافية. خاصة وان ميزانية الدولة لسنة 2023، بنيت على فرضية سعر برميل نفط أعلى مما هو متوفر حاليا في السوق المالية، وهو ما من شانه أن يوفر أرباحا لميزانية الدولة، يوازي المبلغ المتفق عليه مع خبراء الصندوق في أكتوبر 2022.
وأوضح بأن تأخير رفع الدعم سيعطي أريحية في التفاوض مع المنظمة الشغيلة وبالتالي انخراطها في برنامج الإصلاحات والموافقة على اتفاق التمويل من النقد الدولي، مشيرا إلى أن ابرز ما عطل توصل الحكومة لاتفاق مع الصندوق هو عدم توفر أرضية تفاهم مع الشركاء الاجتماعيين لتنزيل برنامج الإصلاحات الاقتصادية وتنفيذه.
واعتبر أن الحديث عن املاءات من النقد الدولي، ليس في محلّه، باعتبار أن الدولة في قانون المالية 2023، ذهبت نحو رفع الدعم وليس إصلاح منظومة الدعم، أي أنها ذهبت الى أكثر مما طالب به الصندوق..