لا شك في أن لرمضان من السمات ما يجعله شهرا " استثنائيا" بكل المقاييس. ذلك أن فريضة الصوم تدخل تغييرات إيجابية وجذرية على كل مناحي الحياة اليومية وغالبا ما تكون لهذه التغييرات تأثيرات تمتد إلى ما بعد شهر رمضان. ويبدو واضحا أن ما يتركه شهر رمضان من تأثير في الأفراد والمجتمعات يرتبط بكيفية استعدادهم لحلوله وقدومه. فمن يركز على الجوانب الروحانية وعلى ما يبرزه الصيام من قيم تتمحور حول الصبر والتضامن ونكران الذات لا يمكن إلا أن ينمي هذه القيم في سلوك يدعم التماسك الاجتماعي ويرسخ الوحدة بين أبناء الوطن الواحد.
ولكن ما يطغى منذ سنوات هو الاستعداد لمضاعفة استهلاك السلع والمواد الغذائية وهو ما يمثل في حد ذاته سلوكا يحتاج لوحده لأكثر من دراسة ومن تحليل لأنه يعكس مفارقة غريبة ما دام الصيام يفرض حصول العكس تماما وهو تقلص الاستهلاك. ويبدو هنا أن بروز العادات الاستهلاكية هو الذي يفسر إلى حد كبير هذه المفارقة خاصة وأن " ماكينة الدعاية والإعلان والاشهار " تنظر لشهر رمضان بوصفه موسم الذروة في تحقيق المكاسب وجني الأرباح. وهذا يحيلنا مباشرة إلى "تجند" القنوات التلفزيونية لنيل نصيبها من "كعكة الإشهار والاعلان". تجند يبدو مشروعا إلى حد كبير خاصة بالنسبة للقنوات الفضائية الخاصة التي تمثل مداخيل الإشهار أهم مواردها المالية. لكن كان يفترض أن تكون هناك ضوابط ذات بعد مجتمعي يتعين الاتفاق عليها وحمايتها حتى وإن كان البعض يعتبر أن الحديث عن ضوابط يناقض المنطق الديمقراطي ويفتح الباب أمام ممارسات رقابية تناقض الديمقراطية وأنه من المهم التعويل على وعي المتلقي وقدرته على التمييز خاصة وأنه لا توجد قوة ترغمه على المشاهدة. هذا الاعتراض الذي نتفق معه من حيث المبدأ يتناسى تأثير الرسائل والإشارات غير المرئية على اللاوعي وهو ما يضعف إلى حد كبير قدرة الإنسان على التمييز وعلى الاختيار وأيضا الدور المجتمعي لوسائل الإعلام وهو ما يلزمها بواجبات من أهمها نبذ العنصرية والعنف مثلا إلى أن المشهد الإعلامي التونسي يشكو من غياب الشفافية في ما يتعلق بتمويل القنوات التلفزيونية وفي أوجه تصرفها المالي وهو ما يطرح عدة نقاط استفهام حول خفايا "تخصص" بعضها في إنتاج مسلسلات تروّج بشكل مستمر للانحلال والميوعة وكل أنواع الموبقات وقد بلغ الأمر ذروته هذا العام مع مسلسل "فلوجة" الذي يوجه رصاصة الرحمة للمؤسسة التعليمية التونسية. يمكن للبعض التذرع بأن المسلسل " إبداع " فيه ما في الإبداع من خيال وأنه يوقظ الجميع لضرورة الإصلاح خاصة وأن ما يصوره موجود في الواقع. هذه مبررات سطحية لا تصمد أمام الضعف الفني الواضح للمسلسل في السيناريو والإخراج وإدارة الممثلين وهو ما يدركه كل من له الحد الأدنى من الثقافة السينمائية علاوة على أن التلميح هو أيضا أسلوب فني يمكن اعتماده في الإشارة إلى ظواهر لا اخلاقية ومسكوت عنها لأن المبالغة في التركيزعليها تتحول إلى اسفاف وابتذال. وسيتحمل من أنتج هذا المسلسل بكل تأكيد المسؤولية الأخلاقية في ما سيزيده " فلوجة" من انتشار التفسخ السلوكي وتعميق الفجوة بين التلميذ والمربي. ولا يختلف الحال في المسلسلات الأخرى حتى وإن كان ذلك بدرجة أقل ولكن هناك ظاهرة أخرى جديرة بالاهتمام وتتمثل في أن قناة تعيش منذ أشهر عجزا عن إنتاج برنامج حتى وإن كانت مدته لا تتجاوز بضعة دقائق أقدمت على إنتاج برنامج يتحاور فيه من يمثل المذهب السني والمذهب الشيعي. برنامج مسقَط في سياق ما يتم حاليا من مساع لتجاوز مظاهر الفتنة الطائفية خاصة بعد إعادة العلاقات الديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ويطرح أكثر من سؤال حول أهدافه الحقيقية في ظل مساع يبذلها البعض التضخيم دور وحضور التونسيين الذين يتبنون المذهب الشيعي وارتباط ذلك ببرامج ومخططات تتجاوز مستوى تونس ولكنها تمثل ضربا لتاريخها ولما يميز مجتمعها من تجانس وتماسك ديني وطائفي. لا نريد الغوص أكثر في ملف يريد البعض توظيفه لضرب أسفين بين أبناء الأمة الواحدة لأننا بقدر ما نعرف نوايا هؤلاء فإننا لا نريد أن نتقاطع معهم حتى لا نكون، من حيث لا ندري، منهم.
*باحث في الحضارة الاسلامية
بقلم: شاكر الشرفي(*)
لا شك في أن لرمضان من السمات ما يجعله شهرا " استثنائيا" بكل المقاييس. ذلك أن فريضة الصوم تدخل تغييرات إيجابية وجذرية على كل مناحي الحياة اليومية وغالبا ما تكون لهذه التغييرات تأثيرات تمتد إلى ما بعد شهر رمضان. ويبدو واضحا أن ما يتركه شهر رمضان من تأثير في الأفراد والمجتمعات يرتبط بكيفية استعدادهم لحلوله وقدومه. فمن يركز على الجوانب الروحانية وعلى ما يبرزه الصيام من قيم تتمحور حول الصبر والتضامن ونكران الذات لا يمكن إلا أن ينمي هذه القيم في سلوك يدعم التماسك الاجتماعي ويرسخ الوحدة بين أبناء الوطن الواحد.
ولكن ما يطغى منذ سنوات هو الاستعداد لمضاعفة استهلاك السلع والمواد الغذائية وهو ما يمثل في حد ذاته سلوكا يحتاج لوحده لأكثر من دراسة ومن تحليل لأنه يعكس مفارقة غريبة ما دام الصيام يفرض حصول العكس تماما وهو تقلص الاستهلاك. ويبدو هنا أن بروز العادات الاستهلاكية هو الذي يفسر إلى حد كبير هذه المفارقة خاصة وأن " ماكينة الدعاية والإعلان والاشهار " تنظر لشهر رمضان بوصفه موسم الذروة في تحقيق المكاسب وجني الأرباح. وهذا يحيلنا مباشرة إلى "تجند" القنوات التلفزيونية لنيل نصيبها من "كعكة الإشهار والاعلان". تجند يبدو مشروعا إلى حد كبير خاصة بالنسبة للقنوات الفضائية الخاصة التي تمثل مداخيل الإشهار أهم مواردها المالية. لكن كان يفترض أن تكون هناك ضوابط ذات بعد مجتمعي يتعين الاتفاق عليها وحمايتها حتى وإن كان البعض يعتبر أن الحديث عن ضوابط يناقض المنطق الديمقراطي ويفتح الباب أمام ممارسات رقابية تناقض الديمقراطية وأنه من المهم التعويل على وعي المتلقي وقدرته على التمييز خاصة وأنه لا توجد قوة ترغمه على المشاهدة. هذا الاعتراض الذي نتفق معه من حيث المبدأ يتناسى تأثير الرسائل والإشارات غير المرئية على اللاوعي وهو ما يضعف إلى حد كبير قدرة الإنسان على التمييز وعلى الاختيار وأيضا الدور المجتمعي لوسائل الإعلام وهو ما يلزمها بواجبات من أهمها نبذ العنصرية والعنف مثلا إلى أن المشهد الإعلامي التونسي يشكو من غياب الشفافية في ما يتعلق بتمويل القنوات التلفزيونية وفي أوجه تصرفها المالي وهو ما يطرح عدة نقاط استفهام حول خفايا "تخصص" بعضها في إنتاج مسلسلات تروّج بشكل مستمر للانحلال والميوعة وكل أنواع الموبقات وقد بلغ الأمر ذروته هذا العام مع مسلسل "فلوجة" الذي يوجه رصاصة الرحمة للمؤسسة التعليمية التونسية. يمكن للبعض التذرع بأن المسلسل " إبداع " فيه ما في الإبداع من خيال وأنه يوقظ الجميع لضرورة الإصلاح خاصة وأن ما يصوره موجود في الواقع. هذه مبررات سطحية لا تصمد أمام الضعف الفني الواضح للمسلسل في السيناريو والإخراج وإدارة الممثلين وهو ما يدركه كل من له الحد الأدنى من الثقافة السينمائية علاوة على أن التلميح هو أيضا أسلوب فني يمكن اعتماده في الإشارة إلى ظواهر لا اخلاقية ومسكوت عنها لأن المبالغة في التركيزعليها تتحول إلى اسفاف وابتذال. وسيتحمل من أنتج هذا المسلسل بكل تأكيد المسؤولية الأخلاقية في ما سيزيده " فلوجة" من انتشار التفسخ السلوكي وتعميق الفجوة بين التلميذ والمربي. ولا يختلف الحال في المسلسلات الأخرى حتى وإن كان ذلك بدرجة أقل ولكن هناك ظاهرة أخرى جديرة بالاهتمام وتتمثل في أن قناة تعيش منذ أشهر عجزا عن إنتاج برنامج حتى وإن كانت مدته لا تتجاوز بضعة دقائق أقدمت على إنتاج برنامج يتحاور فيه من يمثل المذهب السني والمذهب الشيعي. برنامج مسقَط في سياق ما يتم حاليا من مساع لتجاوز مظاهر الفتنة الطائفية خاصة بعد إعادة العلاقات الديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ويطرح أكثر من سؤال حول أهدافه الحقيقية في ظل مساع يبذلها البعض التضخيم دور وحضور التونسيين الذين يتبنون المذهب الشيعي وارتباط ذلك ببرامج ومخططات تتجاوز مستوى تونس ولكنها تمثل ضربا لتاريخها ولما يميز مجتمعها من تجانس وتماسك ديني وطائفي. لا نريد الغوص أكثر في ملف يريد البعض توظيفه لضرب أسفين بين أبناء الأمة الواحدة لأننا بقدر ما نعرف نوايا هؤلاء فإننا لا نريد أن نتقاطع معهم حتى لا نكون، من حيث لا ندري، منهم.