إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حكاياتهم .. المعارك الكبرى تدور داخل الحصون !.

 

يرويها: أبو بكر الصغير

    إنّ تصورنا لموضوع ما، ما هو إلا تصورنا لما ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر.

إن طبيعة العلاقات بين النشاط النقابي والمعارضة السياسية اليسارية تثير العديد من الجدالات وهي مجلبة للاهتمام بالنسبة للمراقبين السياسيين.

 لنا اكبر مثال على ذلك تجربة نقابة "س جي تي" الكونفدرالية العامة للشغل اليسارية الفرنسية التي في مؤتمرها الثالث والخمسين قامت قبل يومين باختيار خليفة لأمينها العام فيليب مارتينيز، هذا المناضل النقابي المميز بشنبه الكثيف، والذي كرس نضال النقابات العمالية ضد مشاريع حكومة ماكرون، لتخلفه امرأة شابة من بين السيدات اللواتي يشغلن مناصب قيادية داخل الكونفدرالية حتى يتم رد الاعتبار لنضال السيدات حيث لم يسبق أن ترأست امرأة الأمانة العامة لأشهر نقابة اليسار في فرنسا والتي تأسست عام 1895 .

  القيادية الشابة "صوفي بينيه" التي كانت ترأس نقابة الإطارات والكوادر فازت في النهاية بعد منافسة شديدة مع امرأتين أخرتين، وهي تبلغ من العمر 41 عاما كانت ترأس في شبابها نقابة "يونيف" الطلابية اليسارية المعروفة، كما كانت من بين أبرز وجوه مظاهرات قانون العمل في العام 2005 والتي دفعت حكومة الرئيس جاك شيراك لسحب القانون بعد مظاهرات طلابية كبيرة.

 في منظور الفهم السياسي السليم فان العملية النقابية الأكثر تماسكا هي الإصلاحية والثورية في الآن نفسه، إصلاحية لتكون ثورية حقيقية، وثورية لتتمسك بالمطالب ولرؤية الإصلاحات حتى النهاية، على أساس هذه المهمة المزدوجة، فإنه يجب أن يكون للنقابات مشروعها لكي لا تكون مجرد رد فعل لاستراتيجيات الآخرين.

   بناء على التناقضات والإمكانيات القائمة، فإن الحركة النقابية لها مصلحة في تبني خطة للمستقبل، سواء بهدف أو فكرة توجيهية.

 مادمنا نتحدث عن الـ "س جي تي" الفرنسية فلها تاريخ مع تونس، عندما قامت قيادة المنظمة الشغيلة ممثلة في الزعيمين فرحات حشاد والحبيب عاشور بالانسحاب منها رفضا لهيمنة الحزب الشيوعي الفرنسي عليها، ليتم سنة 1944 تكوين اتحاد النقابات المستقلة للجنوب، الذي تلاه تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 .

  كانت المنظمة الشغيلة تغاضت فترة بدايات بناء الدولة الوطنية عن معارك السلطة ضد خصومها السياسيين، قبل أن يتبين لها لاحقا أنها ستكون المستهدفة تاليا، فموازين القوى تختل مع مرور السنوات بالكامل لصالح السلطة.

 مثلت الطبقة العمالية الوقود الأساسي لخطاب اليسار ومواقفه، حتى وجوده في مقابل نوع من اللاّمبالاة والإهمال النسبي للقوى الاجتماعية الأخرى، لهذا حرص اليسار على الإبقاء على أذرعه النقابية موجودة، وناشطة بمقادير تختلف بحسب الظروف القائمة والمهام المتاحة.

 تحيّنت قوى اليسار فرصة تصاعد الخلاف بين الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والحبيب عاشور نهاية سبعينات القرن الماضي تحديدا سنة 1977، لتتموقع في مراكز القيادة وذلك عبر نقابة التعليم العالي وتتمكّن وفي لحظة تحوّل تاريخي من السيطرة الكاملة على أهم منظمة اجتماعية بالبلاد وتصعيد وجه يساري الطيب البكوش ولأول مرّة في منصب الأمين العام للاتحاد .

 لكن لم يمنع ذلك قوى سياسية أخرى من الحضور والتأثير داخل الاتحاد خاصة ذات التوجه القومي العروبي، باستثناء طبعا الإسلاميين الذين عجزوا رغم محاولات عشرية حكمهم الكاملة من وضع اليد ولو على هيكل نقابي واحد وازن .

 نحن أمام مسارات ومحطات عرفها الاتحاد وهذا في حدّ ذاته أمر طبيعي لمنظمة بمكانته، مادام التاريخ ليس في حقيقة الأمر إلا صيغة أحداث الماضي التي قرر الناس الاتفاق عليها .

 ففي كل عمل أو انجاز هناك دائما شيء ما يبقى لنخسره .

 الحكمة انه إذا كنت تريد أن تتموقع في مركز ما خدمة لقضيتك عليك أولا أن تقنع من بيده مصيرها بأنك صديقه وتخدم مصلحته!.

  فجميع المعارك الكبرى تدور داخل الحصون قبل أن تتحوّل إلى الميدان .

 

 

 

 حكاياتهم  ..  المعارك الكبرى تدور داخل الحصون !.

 

يرويها: أبو بكر الصغير

    إنّ تصورنا لموضوع ما، ما هو إلا تصورنا لما ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر.

إن طبيعة العلاقات بين النشاط النقابي والمعارضة السياسية اليسارية تثير العديد من الجدالات وهي مجلبة للاهتمام بالنسبة للمراقبين السياسيين.

 لنا اكبر مثال على ذلك تجربة نقابة "س جي تي" الكونفدرالية العامة للشغل اليسارية الفرنسية التي في مؤتمرها الثالث والخمسين قامت قبل يومين باختيار خليفة لأمينها العام فيليب مارتينيز، هذا المناضل النقابي المميز بشنبه الكثيف، والذي كرس نضال النقابات العمالية ضد مشاريع حكومة ماكرون، لتخلفه امرأة شابة من بين السيدات اللواتي يشغلن مناصب قيادية داخل الكونفدرالية حتى يتم رد الاعتبار لنضال السيدات حيث لم يسبق أن ترأست امرأة الأمانة العامة لأشهر نقابة اليسار في فرنسا والتي تأسست عام 1895 .

  القيادية الشابة "صوفي بينيه" التي كانت ترأس نقابة الإطارات والكوادر فازت في النهاية بعد منافسة شديدة مع امرأتين أخرتين، وهي تبلغ من العمر 41 عاما كانت ترأس في شبابها نقابة "يونيف" الطلابية اليسارية المعروفة، كما كانت من بين أبرز وجوه مظاهرات قانون العمل في العام 2005 والتي دفعت حكومة الرئيس جاك شيراك لسحب القانون بعد مظاهرات طلابية كبيرة.

 في منظور الفهم السياسي السليم فان العملية النقابية الأكثر تماسكا هي الإصلاحية والثورية في الآن نفسه، إصلاحية لتكون ثورية حقيقية، وثورية لتتمسك بالمطالب ولرؤية الإصلاحات حتى النهاية، على أساس هذه المهمة المزدوجة، فإنه يجب أن يكون للنقابات مشروعها لكي لا تكون مجرد رد فعل لاستراتيجيات الآخرين.

   بناء على التناقضات والإمكانيات القائمة، فإن الحركة النقابية لها مصلحة في تبني خطة للمستقبل، سواء بهدف أو فكرة توجيهية.

 مادمنا نتحدث عن الـ "س جي تي" الفرنسية فلها تاريخ مع تونس، عندما قامت قيادة المنظمة الشغيلة ممثلة في الزعيمين فرحات حشاد والحبيب عاشور بالانسحاب منها رفضا لهيمنة الحزب الشيوعي الفرنسي عليها، ليتم سنة 1944 تكوين اتحاد النقابات المستقلة للجنوب، الذي تلاه تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 .

  كانت المنظمة الشغيلة تغاضت فترة بدايات بناء الدولة الوطنية عن معارك السلطة ضد خصومها السياسيين، قبل أن يتبين لها لاحقا أنها ستكون المستهدفة تاليا، فموازين القوى تختل مع مرور السنوات بالكامل لصالح السلطة.

 مثلت الطبقة العمالية الوقود الأساسي لخطاب اليسار ومواقفه، حتى وجوده في مقابل نوع من اللاّمبالاة والإهمال النسبي للقوى الاجتماعية الأخرى، لهذا حرص اليسار على الإبقاء على أذرعه النقابية موجودة، وناشطة بمقادير تختلف بحسب الظروف القائمة والمهام المتاحة.

 تحيّنت قوى اليسار فرصة تصاعد الخلاف بين الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والحبيب عاشور نهاية سبعينات القرن الماضي تحديدا سنة 1977، لتتموقع في مراكز القيادة وذلك عبر نقابة التعليم العالي وتتمكّن وفي لحظة تحوّل تاريخي من السيطرة الكاملة على أهم منظمة اجتماعية بالبلاد وتصعيد وجه يساري الطيب البكوش ولأول مرّة في منصب الأمين العام للاتحاد .

 لكن لم يمنع ذلك قوى سياسية أخرى من الحضور والتأثير داخل الاتحاد خاصة ذات التوجه القومي العروبي، باستثناء طبعا الإسلاميين الذين عجزوا رغم محاولات عشرية حكمهم الكاملة من وضع اليد ولو على هيكل نقابي واحد وازن .

 نحن أمام مسارات ومحطات عرفها الاتحاد وهذا في حدّ ذاته أمر طبيعي لمنظمة بمكانته، مادام التاريخ ليس في حقيقة الأمر إلا صيغة أحداث الماضي التي قرر الناس الاتفاق عليها .

 ففي كل عمل أو انجاز هناك دائما شيء ما يبقى لنخسره .

 الحكمة انه إذا كنت تريد أن تتموقع في مركز ما خدمة لقضيتك عليك أولا أن تقنع من بيده مصيرها بأنك صديقه وتخدم مصلحته!.

  فجميع المعارك الكبرى تدور داخل الحصون قبل أن تتحوّل إلى الميدان .