إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مع ثقل الأزمة الاقتصادية وتكثّف الضغوطات الخارجية.. تنفيذ شروط صندوق النقد.. هل هو الخيار الوحيد أمام تونس؟

 

تونس- الصباح

بعد رواج أنباء عن إلغاء لقاء بين المفوض الأوربي للاقتصاد باولو جينتلوني مع الرئيس قيس سعيد، تأكد أن اللقاء انعقد بالفعل عشية الاثنين استنادا إلى تصريحات المفوض الأوربي، في غياب بلاغ رسمي عن رئاسة الجمهورية التونسية.

ويعكس هذا التضارب في الأنباء - ربما- موقفا من السلطات التونسية والرئيس سعيد نفسه من الضغوطات الرهيبة المسلطة على تونس منذ فترة غير قصيرة صادرة أساسا عن دول الاتحاد الأوربي، وصندوق النقد الدولي، لحثها على تنفيذ جملة من الإصلاحات تم الاتفاق في شأنها في أكتوبر من العام الماضي على مستوى الخبراء مقابل قرض ممدد بقيمة 1.9 مليار دولار.

وتعطلت عملية الموافقة النهائية على القرض الذي سيتم دفعه على أقساط، بسبب تأخر الجانب التونسي عن الالتزام بتنفيذ بعض الإصلاحات مثل تأخر المصادقة على مرسوم تنقيح قانون المؤسسات العمومية، والشروع في إصلاح منظومة الدعم.. لكن هذه الإصلاحات رفض معظمها اتحاد الشغل، بسبب تداعياتها السلبية على الفئات الاجتماعية الهشة والفقيرة، فضلا عن مزيد تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع التضخم، والتخوف من إمكانية فتح المجال أمام التفويت في بعض المؤسسات والمنشآت العمومية..

لكن في غياب حلول بديلة لتجنب هذه الإصلاحات وتوفير موارد مالية لسد العجز المتراكم للميزانية، ازداد الوضع الاقتصادي والاجتماعي سوءا..

وأمام تأخر الحسم في ملف تونس لدى صندوق النقد، انضاف مؤخرا ملف الهجرة غير النظامية الذي أصبح ورقة من ورقات التفاوض خاصة لدى الجانب التونسي في مواجهة الضغوطات الأورو أمريكية.. ما يحيل إلى الاستنتاج بأن تونس وجدت نفسها وبشكل غير معلن ترفع ورقة الهجرة أمام ورقة المساعدات الاقتصادية والمالية المشروطة من الخارج.. لكن إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الورقة مساعدة على التهرب من شروط صندوق النقد ومن الضغوطات الخارجية المسلطة على تونس؟

علما أن عديد المؤسسات المالية الدولية والدول التي عبّرت عن استعداداها لمساعدة تونس، اشترطت موافقة صندوق النقد على حزمة الإصلاحات قبل تقديم أي مساعدة مالية، بما فيها بعض الدول العربية والخليجية مثل قطر، والسعودية، والإمارات، والكويت، التي لم تراوح المحادثات الثنائية معها مكانها رغم الوعود الكبيرة.

ويكتفي حاليا الاتحاد الأوربي وبعض المؤسسات المالية على غرار البنك الدولي بتقديم حد أدنى من التعاون المالي والاقتصادي مع تونس، والاقتصار على تقديم قروض أو هبات بمبالغ محددة موجهة فقط إمّا لتمويل اقتناء مواد أساسية وغذائية من السوق العالمية مثل الحبوب والمحروقات، أو لتوفير خطوط تمويل لمساعدة المؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة..

ورغم أن الجانب الإيطالي كثّف من تحركاته السياسية والدبلوماسية في الآونة الأخيرة، في سعي محموم لانتزاع اتفاق بين تونس وصندوق النقد الدولي عبر إقناع الأوربيين بدعم ملف تونس والإسراع بإنقاذ الاقتصاد التونسي من الانهيار، إلا أن المسألة السياسية لم تغب يوما عن هذه التحركات.

بل إنها تجاوزت أحيانا حدود اللياقة الدبلوماسية، ولامست حدود التدخل في الشأن التونسي بما يشبه الإملاءات غير المباشرة في كيفية التعامل مع ظاهرة الهجرة غير النظامية على سبيل المثال، وهو الملف الذي بات يؤرق الايطاليين بشكل أول والأوربيين في مستوى ثان بسبب التخوفات من تزايد وتيرة رحلات الهجرة وتوقع بتدفقات كبيرة للمهاجرين عبر البحر في حال فقدان السيطرة على مراقبة السواحل التونسية.

ومؤخرا تضاعفت الاتصالات والزيارات الرسمية إلى تونس من قبل مسؤولين من الاتحاد الأوربي في محاولة لإقناع السلطات التونسية على أمرين، الأول يتعلق بالإسراع بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية "المؤلمة" اجتماعيا، والثانية ذات بعد سياسي يتعلق بوضع الحقوق والحريات ومستقبل الممارسة الديمقراطية في تونس..

وكان المفوّض الأوروبي للاقتصاد قد جدد خلال اللقاءات التي أجراها بداية الأسبوع الجاري مع رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن وعدد من الوزراء ومحافظ البنك المركزي، التأكيد على أهمية قيم الحرية والاندماج والديمقراطية في العلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي مشددا على أهمية توصل تونس لاتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي باعتباره شرطا للحصول على دعم الاتحاد الأوروبي وشركاء آخرين.

وقال جنتيلوني في فيديو نشرته رئاسة الحكومة أمس الأول، على صفحتها بموقع فايسبوك اثر لقاء جمعه بنجلاء بودن الاثنين "كانت لي (هذا اليوم) محادثات ايجابية جدا وبناءة مع رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيسة الحكومة وعدد من الوزراء ومحافظ البنك المركزي.. وهذه اللقاءات مكنتني من التأكيد على أهمية الشراكة الإستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وتونس وهي شراكة ترتكز على علاقات تاريخية وثقافية واقتصادية وجيوسياسية وتقاليد مشتركة ومستقبل مشترك”.

وكشف أنه تم التطرق خلال اللقاء مع الرئيس سعيد الى مسائل تتعلق بالهجرة، وقال في هذا الشأن: "من الواضح ان هناك حاجة لمواجهة هذه المعضلة بصفة مشتركة فلا يمكن مواجهة مثل ما يحصل في المتوسط من طرف تونس أو بلد واحد فحسب بل يجب أن تتعاضد مختلف الدول والاتحاد الأوروبي في ذلك.."

وكان جينتلوني، قد جدد بعد لقائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن، استعداد الاتحاد الأوروبي لدعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد مؤكدا أن التوصل إلى إتمام البرنامج مع الصندوق من شأنه أن يفتح الباب أمام دعم مالي واقتصادي أوروبي تجاه تونس.

وفي نفس الاتجاه، كان سفير فرنسا بتونس، أندريه باران، قد أكد أن فرنسا مستعدّة لتغطية حاجيات تونس الإضافية من التمويلات بعنوان سنتي 2023 و2024 وأن تمويلات بقيمة 250 مليون أورو متوفرة حاليا في انتظار صرفها لتغطية الفجوة في ميزانية البلاد.

وأعلن الدبلوماسي الفرنسي في حديث أدلى به إلى وكالة تونس إفريقيا للأنباء أنّ بلاده مستعدّة، أيضا، لتحفيز المموّلين الدوليين بهدف دعم تونس ومساعدتها على سداد حاجياتها من التمويلات الإضافية.

وتابع "في الأثناء فإنّ هذه المساعدة تبقى رهينة التنفيذ "الفعلي" لمخطط الإصلاحات، الذّي تمّ تقديمه إلى صندوق النقد الدولي".

رفيق بن عبد الله

مع ثقل الأزمة الاقتصادية وتكثّف الضغوطات الخارجية..  تنفيذ شروط صندوق النقد.. هل هو الخيار الوحيد أمام تونس؟

 

تونس- الصباح

بعد رواج أنباء عن إلغاء لقاء بين المفوض الأوربي للاقتصاد باولو جينتلوني مع الرئيس قيس سعيد، تأكد أن اللقاء انعقد بالفعل عشية الاثنين استنادا إلى تصريحات المفوض الأوربي، في غياب بلاغ رسمي عن رئاسة الجمهورية التونسية.

ويعكس هذا التضارب في الأنباء - ربما- موقفا من السلطات التونسية والرئيس سعيد نفسه من الضغوطات الرهيبة المسلطة على تونس منذ فترة غير قصيرة صادرة أساسا عن دول الاتحاد الأوربي، وصندوق النقد الدولي، لحثها على تنفيذ جملة من الإصلاحات تم الاتفاق في شأنها في أكتوبر من العام الماضي على مستوى الخبراء مقابل قرض ممدد بقيمة 1.9 مليار دولار.

وتعطلت عملية الموافقة النهائية على القرض الذي سيتم دفعه على أقساط، بسبب تأخر الجانب التونسي عن الالتزام بتنفيذ بعض الإصلاحات مثل تأخر المصادقة على مرسوم تنقيح قانون المؤسسات العمومية، والشروع في إصلاح منظومة الدعم.. لكن هذه الإصلاحات رفض معظمها اتحاد الشغل، بسبب تداعياتها السلبية على الفئات الاجتماعية الهشة والفقيرة، فضلا عن مزيد تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع التضخم، والتخوف من إمكانية فتح المجال أمام التفويت في بعض المؤسسات والمنشآت العمومية..

لكن في غياب حلول بديلة لتجنب هذه الإصلاحات وتوفير موارد مالية لسد العجز المتراكم للميزانية، ازداد الوضع الاقتصادي والاجتماعي سوءا..

وأمام تأخر الحسم في ملف تونس لدى صندوق النقد، انضاف مؤخرا ملف الهجرة غير النظامية الذي أصبح ورقة من ورقات التفاوض خاصة لدى الجانب التونسي في مواجهة الضغوطات الأورو أمريكية.. ما يحيل إلى الاستنتاج بأن تونس وجدت نفسها وبشكل غير معلن ترفع ورقة الهجرة أمام ورقة المساعدات الاقتصادية والمالية المشروطة من الخارج.. لكن إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الورقة مساعدة على التهرب من شروط صندوق النقد ومن الضغوطات الخارجية المسلطة على تونس؟

علما أن عديد المؤسسات المالية الدولية والدول التي عبّرت عن استعداداها لمساعدة تونس، اشترطت موافقة صندوق النقد على حزمة الإصلاحات قبل تقديم أي مساعدة مالية، بما فيها بعض الدول العربية والخليجية مثل قطر، والسعودية، والإمارات، والكويت، التي لم تراوح المحادثات الثنائية معها مكانها رغم الوعود الكبيرة.

ويكتفي حاليا الاتحاد الأوربي وبعض المؤسسات المالية على غرار البنك الدولي بتقديم حد أدنى من التعاون المالي والاقتصادي مع تونس، والاقتصار على تقديم قروض أو هبات بمبالغ محددة موجهة فقط إمّا لتمويل اقتناء مواد أساسية وغذائية من السوق العالمية مثل الحبوب والمحروقات، أو لتوفير خطوط تمويل لمساعدة المؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة..

ورغم أن الجانب الإيطالي كثّف من تحركاته السياسية والدبلوماسية في الآونة الأخيرة، في سعي محموم لانتزاع اتفاق بين تونس وصندوق النقد الدولي عبر إقناع الأوربيين بدعم ملف تونس والإسراع بإنقاذ الاقتصاد التونسي من الانهيار، إلا أن المسألة السياسية لم تغب يوما عن هذه التحركات.

بل إنها تجاوزت أحيانا حدود اللياقة الدبلوماسية، ولامست حدود التدخل في الشأن التونسي بما يشبه الإملاءات غير المباشرة في كيفية التعامل مع ظاهرة الهجرة غير النظامية على سبيل المثال، وهو الملف الذي بات يؤرق الايطاليين بشكل أول والأوربيين في مستوى ثان بسبب التخوفات من تزايد وتيرة رحلات الهجرة وتوقع بتدفقات كبيرة للمهاجرين عبر البحر في حال فقدان السيطرة على مراقبة السواحل التونسية.

ومؤخرا تضاعفت الاتصالات والزيارات الرسمية إلى تونس من قبل مسؤولين من الاتحاد الأوربي في محاولة لإقناع السلطات التونسية على أمرين، الأول يتعلق بالإسراع بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية "المؤلمة" اجتماعيا، والثانية ذات بعد سياسي يتعلق بوضع الحقوق والحريات ومستقبل الممارسة الديمقراطية في تونس..

وكان المفوّض الأوروبي للاقتصاد قد جدد خلال اللقاءات التي أجراها بداية الأسبوع الجاري مع رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن وعدد من الوزراء ومحافظ البنك المركزي، التأكيد على أهمية قيم الحرية والاندماج والديمقراطية في العلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي مشددا على أهمية توصل تونس لاتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي باعتباره شرطا للحصول على دعم الاتحاد الأوروبي وشركاء آخرين.

وقال جنتيلوني في فيديو نشرته رئاسة الحكومة أمس الأول، على صفحتها بموقع فايسبوك اثر لقاء جمعه بنجلاء بودن الاثنين "كانت لي (هذا اليوم) محادثات ايجابية جدا وبناءة مع رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيسة الحكومة وعدد من الوزراء ومحافظ البنك المركزي.. وهذه اللقاءات مكنتني من التأكيد على أهمية الشراكة الإستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وتونس وهي شراكة ترتكز على علاقات تاريخية وثقافية واقتصادية وجيوسياسية وتقاليد مشتركة ومستقبل مشترك”.

وكشف أنه تم التطرق خلال اللقاء مع الرئيس سعيد الى مسائل تتعلق بالهجرة، وقال في هذا الشأن: "من الواضح ان هناك حاجة لمواجهة هذه المعضلة بصفة مشتركة فلا يمكن مواجهة مثل ما يحصل في المتوسط من طرف تونس أو بلد واحد فحسب بل يجب أن تتعاضد مختلف الدول والاتحاد الأوروبي في ذلك.."

وكان جينتلوني، قد جدد بعد لقائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن، استعداد الاتحاد الأوروبي لدعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد مؤكدا أن التوصل إلى إتمام البرنامج مع الصندوق من شأنه أن يفتح الباب أمام دعم مالي واقتصادي أوروبي تجاه تونس.

وفي نفس الاتجاه، كان سفير فرنسا بتونس، أندريه باران، قد أكد أن فرنسا مستعدّة لتغطية حاجيات تونس الإضافية من التمويلات بعنوان سنتي 2023 و2024 وأن تمويلات بقيمة 250 مليون أورو متوفرة حاليا في انتظار صرفها لتغطية الفجوة في ميزانية البلاد.

وأعلن الدبلوماسي الفرنسي في حديث أدلى به إلى وكالة تونس إفريقيا للأنباء أنّ بلاده مستعدّة، أيضا، لتحفيز المموّلين الدوليين بهدف دعم تونس ومساعدتها على سداد حاجياتها من التمويلات الإضافية.

وتابع "في الأثناء فإنّ هذه المساعدة تبقى رهينة التنفيذ "الفعلي" لمخطط الإصلاحات، الذّي تمّ تقديمه إلى صندوق النقد الدولي".

رفيق بن عبد الله