إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منظمات حقوقية تستنكر تحفظات تونس على إلغاء عقوبة الإعدام والمرسوم عدد 54 ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري

تونس: الصباح

طالب الائتلاف المدني لمتابعة الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان، المتكون من تسعين جمعية ومنظمة حقوقية، أمس خلال ندوة صحفية عقدها بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بالعاصمة، الحكومة بالالتزام بتنفيذ التوصيات التي قبلتها الدولة التونسية بمناسبة الاستعراض الدوري الذي تم مؤخرا بجينيف، كما عبر عن استنكاره لتحفظ تونس على عدد كبير من التوصيات المقدمة لها ومنها بالخصوص إلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة جرائم تتعلق بأنظمة المعلومات والاتصالات إضافة إلى محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري والمساواة التامة بين النساء والرجال في الميراث والمساواة بين الزوجين وإلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية.

 وحيد الفرشيشي أستاذ القانون بجامعة قرطاج وعضو الائتلاف المدني للحريات الفردية بين أن تونس استعرضت تقريرها الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان في 8 نوفمبر 2022، وتمّ نقاش هذا التقرير وتقديم التوصيات لها من قبل 112 دولة من مختلف المجموعات السياسية والثقافية والجغرافية وبلغ عدد هذه التوصيات 283 توصيّة، وتعلقت بجميع المجالات سواء منها الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو الحقوق البيئية والحقوق في التنمية أو حقوق مختلف المجموعات التي تعاني من التمييز. وأضاف أن تونس قدمت في 24 مارس 2023 موقفها من التوصيات وقبلت بصفة نهائية 192 توصية في حين تحفظت أو قالت إنها أحيطت علما بـ 91 توصية. بخصوص عقوبة الإعدام وردت على تونس حسب قوله 13 توصية لكنها لم تقبل أي توصية تتعلق بإلغاء هذه العقوبة والحال أنه رغم انخراطها منذ 1992 في عدم تنفيذ العقوبة المذكورة مازال القضاء يصدر أحكاما بالإعدام. 

حرية التعبير في خطر

وتحدث محمد ياسين الجلاصي رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين عن التوصيات المتعلقة بحرية التعبير والصحافة وبين أنه تم قبول 10 توصيات فقط وتم رفض 3 توصيات تتعلق بتعديل المرسوم عدد 54 الذي دعت النقابة إلى سحبه، وبإحالة الصحفيين أمام القضاء العسكري وباعتماد الفصل 86 من مجلة الاتصالات عند إحالة الصحفيين على المحاكم وهذه النصوص تعتبر شكلا من أشكال الرقابة على عمل الصحفيين وتضييق على حرية التعبير ولم يخف النقيب قلقه الشديد من المخاطر التي تهدد حرية التعبير. وللتذكير فإن التوصيات التي قبلتها الدولة التونسية بمناسبة الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان الراجع بالنظر إلى منظمة الأمم المتحدة تعلقت بالحفاظ على الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري "الهايكا" والمرسوم عدد 115  لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر. وتم لفت انتباه تونس إلى ثلاث مسائل تتعلق بوقف متابعة الصحفيين والناشطات في مجال حقوق الإنسان على أساس المرسوم عدد 54  المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصالات وعلى أساس القانون الجنائي.

أما في ما يتعلق باستقلال القضاء فتلقت تونس أثناء الاستعراض الدوري الشامل 30 توصيّة تعلقت باستقلالية القضاء قبلت منها 17 توصية، وأرجأت التعبير عن موقفها من 12 توصية وأعلنت أنها توصلت فقط بتوصية واحدة. وتعلقت التوصيات المقبولة بصفة أوّلية بدعم استقلال القضاء وإرساء المحكمة الدستورية، وإقرار حماية القضاة عبر تبني نظام أساسي خاص بهم ودعم الإعانة العدلية. أمّا التوصيات التي أرجأت تونس الإجابة عنها فتتعلق كلّها بالقضاء العسكري ودوره في محاكمة المدنيين بما في ذلك الإعلاميين والإعلاميات والمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان. بينما لم تجب تونس عن توصية واحدة تعلقت بإعادة المجلس الأعلى للقضاء السابق.

وفي المقابل أشار جابر واجه ممثل الشبكة الأورومتوسطية للحقوق إلى ما وصفه بالمغالطات في إجابات تونس على التوصيات المتصلة باستقلال القضاء لأنه على أرض الواقع هناك حسب وصفه تدخل ممنهج في القضاء وترهيب للقضاة كما تم حل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس مؤقت فضلا عن إعفاء 57 قاضيا ورفض قرار المحكمة الإدارية المتعلق بإبطال قرارات الإعفاء تلك، كما لم يقع القيام بالحركة القضائية ولم يقع تركيز محكمة دستورية فضلا عما تضمنه خطاب رئيس الجمهورية من تهديد مباشر للقضاة الذين لا يطبقون توجيهاته ولاحظ واجه أن الدستور الجديد ألغى الفصل العاشر الذي أرسى قاعدة دستورية تتمثل في عدم محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري وهو تراجع خطير.

حرية التظاهر والحق في الصحة

وفي ما يتصل بحرية التنظم والتظاهر، توصلت تونس على حد قول أمين غالي، بثماني  توصيات حول حرية الجمعيات والحد من التضييق عليها سواء عند التكوين وأثناء ممارسة أنشطتها، إلى جانب تعقيدات الوصول إلى التمويل والمخاوف من تغيير مرسوم الجمعيات عدد 88 لسنة 2011 وذكر أن المجتمع المدني متمسك بها المرسوم نظرا لطابعه التحرري ولمطابقته للمعايير الدولية. وأضاف أن تونس تلقت توصيات أخرى بخصوص التضييقات التي تطال الناشطين في المجتمع المدني خلال مشاركتهم في مظاهرات سلمية ومرخص لها، والإيقافات التعسفية التي يتعرض لها المتظاهرون والمتظاهرات.

وبالنسبة إلى الحق في الصحة فتتلخص التوصيات على حد ذكر هادية بلحاج في توسيع التغطية الصحية لغير المنخرطين في منظومة التأمين على المرض، ومن بينهم المعطلين عن العمل والشباب والمهاجرين وهناك توصيات أخرى بالحد من عدم المساواة في توزيع الأطباء المتخصصين بين الجهات وضمان استمرارية توفر الأدوية الأساسية لجميع المواطنين وإعادة تنشيط البرنامج الوطني للصحة الجنسية والإنجابية ودمج التثقيف الجنسي في البرامج التعليمية والقضاء على التمييز ضد حاملي فيروس السيدا ومنع اختبارات العذرية دون موافقة الشخص المعني، وتشمل ذلك ملاحظات حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي.

أما في مجال الحقوق الثقافية فأشارت فاطمة فتني إلى أنه تم دعوة تونس إلى تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بطريقة شاملة والمصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفيما يتعلق بالحقوق البيئية، تلقت تونس ثلاث توصيات قبلتها جميعها، بما فيها تعزيز الحصول على الماء الصالح للشراب  وتعزيز النظام القانوني والمؤسساتي لحماية البيئة، وإدراج تغير المناخ والحقوق البيئية في مناهج حقوق الإنسان للأطفال والبالغين.

أين المساواة التامة؟

نائلة الزغلامي رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تطرقت خلال حديثها عن التوصيات المتعلقة بمكافحة التمييز ضد النساء عن عدم تفاعل الحكومة مع الكثير من التوصيات السباقة بمناسبة استعراض 2017 أو في إطار تقرير السيداو أو تقرير لجنة المساواة بنيويورك  وأضافت أن المشكل الحقيقي يتعلق بمدى تفاعل الحكومة التي ترأسها امرأة مع حقوق النساء وذكرت أن تونس تخلت عن توصيات مهمة تضمن المساواة التامة والفعلية في الميراث والمساواة بين الزوجين.. وفسرت الزغلامي أنه تم تمرير عدة قوانين لفائدة النساء لكن للأسف لم يقع رسم سياسات تضمن المساواة بين النساء والرجال ومكافحة التمييز كما لم يقع تنقيح مجلة الأحوال الشخصية التي مازالت تعتبر أن الأب هو رب العائلة ومازالت تتحدث عن المهر وتحرم الطفل المولود خارج الزواج من الميراث. وبالنسبة إلى مشاركة النساء في الحياة السياسية فلا ننسى حسب قولها أن النساء الديمقراطيات تتعرضن للحملات الممنهجة وأضافت أن المجتمع المدني سيواصل ممارسة دوره لكي يكون ضمانة للحقوق والحريات.

وللتذكير فقد وردت على تونس أثناء استعراضها الدّوري الشامل 34 توصية تتعلق بمكافحة التمييز ضد النساء وقبلت منها 28 فقط، وتعلقت التوصيات بالقضاء على التمييز ضد النساء وعلى العنف المسلط عليهنّ، وبتحقيق تساوي الفرص بين النساء والرّجال. ولكن لئن قبلت الدولة التونسية التوصيّات العامّة التي تحثها على منع التمييز ضد النساء والقضاء على العنف ضدهن وتحقيق المساواة في الفرص وكذلك التوصيات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بدفع الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية للنساء مع التركيز على النساء في الوسط الرّيفي وحماية النساء من العنف الزوجي فإنها تحفظت على المساواة التّامة والفعليّة بين النساء والرّجال سواء المساواة في الميراث أو المساواة بين الزوجين.

وفي علاقة بمسألة عدم التمييز على أساس الميول الجنسية والهويّة والتّعبيرات الجندريّة فتلقت تونس حسب ما أشارت إليه لينا العش 20 توصية قبلت منها 3 فقط وأحيطت علما بـ17 توصية حيث قبلت التوصيات المتصلة بالقضاء على كل الممارسات التمييزية المؤسسة على الميول الجنسية والهوية الجندرية ومعاقبة كل جريمة كراهية مبنية على الميول الجنسي والهوية والتعبيرات الجندرية لكنها في المقابل تحفظت على إلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية وهذا التناقض يبعث على الاستغراب. 

أما في ما يتصل بالتمييز والعنف القائم على لون البشرة والجنسية، أشارت سيرين الهمامي إلى أنه تم توجيه 14 توصية للدولة التونسية لكنها قبلت 5 فقط وهي تتعلق بتنفيذ الأحكام القانونية الحالية التي تحظر التمييز العنصري وخاصة القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2018 وإنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة التمييز العنصري وتوفير الموارد اللازمة لهذه اللجنة وتعزيز عملها لتحقيق التزامات تونس، لكن  في جميع التوصيات المتعلقة بإتباع إستراتيجية وطنية أكثر شمولية للسكان المهاجرين، بما في ذلك اعتماد قانون لجوء فقد أجابت عنها تونس بتحفظ بما في ذلك التوصية المتعلقة بالقضاء على انعدام الجنسية من خلال ضمان منح تسجيل الولادات لجميع الأطفال في تونس وحتى المهاجرين منهم واللاجئين .. وعبرت الهمامي عن أسفها لأنه لم يقع اتخاذ أي إجراء بشأن جميع التوصيات المتعلقة بالتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم وأضافت أن الحكومة أشارت إلى هذه التوصية وقامت بتدوينها لكن دون متابعة.

حالة الطوارئ

وبخصوص التوصيات بالعودة إلى المسار الديمقراطي سواء ما تعلق بإنهاء حالة الاستثناء والطوارئ وإرساء المحكمة الدستورية والهيئات الديمقراطية فلئن تم قبولها من طرف الدولة التونسية فإن المجتمع المدني حسب قول وحيد الفرشيشي يرفض المغالطات والتسويف لأن الحكومة عبرت في ما مضى عن التزامها بتنفيذ العديد من التوصيات لكنها لم تف بتعهداتها وأضاف أن تونس أجابت على التوصية المتعلقة بإلغاء الأمر 78 المتعلق بحالة الطوارئ أنها ستغيره بقانون أساسي وستعيد النظر في المشاريع التي تم تقديمها سابقا لمجلس نواب الشعب ويبدو أن هناك معركة كبيرة يجب على المجتمع المدني أن يستعد لها في المستقبل لأن مشروع قانون حالة الطوارئ مرتبط بمشروع آخر يتعلق بزجر الاعتداءات على الأمنيين.

وذكر أن تونس لم تصادق على اتفاقية اسطنبول حول العنف المنزلي، والاتفاقية عدد 190 لمنظمة العمل الدولي، لسنة 2019 المتعلقة بالعنف والتحرش في أماكن العمل، رغم أنها وردت في العديد من التوصيات المقدمة لها.

سعيدة بوهلال

منظمات حقوقية تستنكر تحفظات تونس على إلغاء عقوبة الإعدام والمرسوم عدد 54 ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري

تونس: الصباح

طالب الائتلاف المدني لمتابعة الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان، المتكون من تسعين جمعية ومنظمة حقوقية، أمس خلال ندوة صحفية عقدها بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بالعاصمة، الحكومة بالالتزام بتنفيذ التوصيات التي قبلتها الدولة التونسية بمناسبة الاستعراض الدوري الذي تم مؤخرا بجينيف، كما عبر عن استنكاره لتحفظ تونس على عدد كبير من التوصيات المقدمة لها ومنها بالخصوص إلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة جرائم تتعلق بأنظمة المعلومات والاتصالات إضافة إلى محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري والمساواة التامة بين النساء والرجال في الميراث والمساواة بين الزوجين وإلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية.

 وحيد الفرشيشي أستاذ القانون بجامعة قرطاج وعضو الائتلاف المدني للحريات الفردية بين أن تونس استعرضت تقريرها الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان في 8 نوفمبر 2022، وتمّ نقاش هذا التقرير وتقديم التوصيات لها من قبل 112 دولة من مختلف المجموعات السياسية والثقافية والجغرافية وبلغ عدد هذه التوصيات 283 توصيّة، وتعلقت بجميع المجالات سواء منها الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو الحقوق البيئية والحقوق في التنمية أو حقوق مختلف المجموعات التي تعاني من التمييز. وأضاف أن تونس قدمت في 24 مارس 2023 موقفها من التوصيات وقبلت بصفة نهائية 192 توصية في حين تحفظت أو قالت إنها أحيطت علما بـ 91 توصية. بخصوص عقوبة الإعدام وردت على تونس حسب قوله 13 توصية لكنها لم تقبل أي توصية تتعلق بإلغاء هذه العقوبة والحال أنه رغم انخراطها منذ 1992 في عدم تنفيذ العقوبة المذكورة مازال القضاء يصدر أحكاما بالإعدام. 

حرية التعبير في خطر

وتحدث محمد ياسين الجلاصي رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين عن التوصيات المتعلقة بحرية التعبير والصحافة وبين أنه تم قبول 10 توصيات فقط وتم رفض 3 توصيات تتعلق بتعديل المرسوم عدد 54 الذي دعت النقابة إلى سحبه، وبإحالة الصحفيين أمام القضاء العسكري وباعتماد الفصل 86 من مجلة الاتصالات عند إحالة الصحفيين على المحاكم وهذه النصوص تعتبر شكلا من أشكال الرقابة على عمل الصحفيين وتضييق على حرية التعبير ولم يخف النقيب قلقه الشديد من المخاطر التي تهدد حرية التعبير. وللتذكير فإن التوصيات التي قبلتها الدولة التونسية بمناسبة الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان الراجع بالنظر إلى منظمة الأمم المتحدة تعلقت بالحفاظ على الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري "الهايكا" والمرسوم عدد 115  لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر. وتم لفت انتباه تونس إلى ثلاث مسائل تتعلق بوقف متابعة الصحفيين والناشطات في مجال حقوق الإنسان على أساس المرسوم عدد 54  المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصالات وعلى أساس القانون الجنائي.

أما في ما يتعلق باستقلال القضاء فتلقت تونس أثناء الاستعراض الدوري الشامل 30 توصيّة تعلقت باستقلالية القضاء قبلت منها 17 توصية، وأرجأت التعبير عن موقفها من 12 توصية وأعلنت أنها توصلت فقط بتوصية واحدة. وتعلقت التوصيات المقبولة بصفة أوّلية بدعم استقلال القضاء وإرساء المحكمة الدستورية، وإقرار حماية القضاة عبر تبني نظام أساسي خاص بهم ودعم الإعانة العدلية. أمّا التوصيات التي أرجأت تونس الإجابة عنها فتتعلق كلّها بالقضاء العسكري ودوره في محاكمة المدنيين بما في ذلك الإعلاميين والإعلاميات والمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان. بينما لم تجب تونس عن توصية واحدة تعلقت بإعادة المجلس الأعلى للقضاء السابق.

وفي المقابل أشار جابر واجه ممثل الشبكة الأورومتوسطية للحقوق إلى ما وصفه بالمغالطات في إجابات تونس على التوصيات المتصلة باستقلال القضاء لأنه على أرض الواقع هناك حسب وصفه تدخل ممنهج في القضاء وترهيب للقضاة كما تم حل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس مؤقت فضلا عن إعفاء 57 قاضيا ورفض قرار المحكمة الإدارية المتعلق بإبطال قرارات الإعفاء تلك، كما لم يقع القيام بالحركة القضائية ولم يقع تركيز محكمة دستورية فضلا عما تضمنه خطاب رئيس الجمهورية من تهديد مباشر للقضاة الذين لا يطبقون توجيهاته ولاحظ واجه أن الدستور الجديد ألغى الفصل العاشر الذي أرسى قاعدة دستورية تتمثل في عدم محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري وهو تراجع خطير.

حرية التظاهر والحق في الصحة

وفي ما يتصل بحرية التنظم والتظاهر، توصلت تونس على حد قول أمين غالي، بثماني  توصيات حول حرية الجمعيات والحد من التضييق عليها سواء عند التكوين وأثناء ممارسة أنشطتها، إلى جانب تعقيدات الوصول إلى التمويل والمخاوف من تغيير مرسوم الجمعيات عدد 88 لسنة 2011 وذكر أن المجتمع المدني متمسك بها المرسوم نظرا لطابعه التحرري ولمطابقته للمعايير الدولية. وأضاف أن تونس تلقت توصيات أخرى بخصوص التضييقات التي تطال الناشطين في المجتمع المدني خلال مشاركتهم في مظاهرات سلمية ومرخص لها، والإيقافات التعسفية التي يتعرض لها المتظاهرون والمتظاهرات.

وبالنسبة إلى الحق في الصحة فتتلخص التوصيات على حد ذكر هادية بلحاج في توسيع التغطية الصحية لغير المنخرطين في منظومة التأمين على المرض، ومن بينهم المعطلين عن العمل والشباب والمهاجرين وهناك توصيات أخرى بالحد من عدم المساواة في توزيع الأطباء المتخصصين بين الجهات وضمان استمرارية توفر الأدوية الأساسية لجميع المواطنين وإعادة تنشيط البرنامج الوطني للصحة الجنسية والإنجابية ودمج التثقيف الجنسي في البرامج التعليمية والقضاء على التمييز ضد حاملي فيروس السيدا ومنع اختبارات العذرية دون موافقة الشخص المعني، وتشمل ذلك ملاحظات حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي.

أما في مجال الحقوق الثقافية فأشارت فاطمة فتني إلى أنه تم دعوة تونس إلى تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بطريقة شاملة والمصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفيما يتعلق بالحقوق البيئية، تلقت تونس ثلاث توصيات قبلتها جميعها، بما فيها تعزيز الحصول على الماء الصالح للشراب  وتعزيز النظام القانوني والمؤسساتي لحماية البيئة، وإدراج تغير المناخ والحقوق البيئية في مناهج حقوق الإنسان للأطفال والبالغين.

أين المساواة التامة؟

نائلة الزغلامي رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تطرقت خلال حديثها عن التوصيات المتعلقة بمكافحة التمييز ضد النساء عن عدم تفاعل الحكومة مع الكثير من التوصيات السباقة بمناسبة استعراض 2017 أو في إطار تقرير السيداو أو تقرير لجنة المساواة بنيويورك  وأضافت أن المشكل الحقيقي يتعلق بمدى تفاعل الحكومة التي ترأسها امرأة مع حقوق النساء وذكرت أن تونس تخلت عن توصيات مهمة تضمن المساواة التامة والفعلية في الميراث والمساواة بين الزوجين.. وفسرت الزغلامي أنه تم تمرير عدة قوانين لفائدة النساء لكن للأسف لم يقع رسم سياسات تضمن المساواة بين النساء والرجال ومكافحة التمييز كما لم يقع تنقيح مجلة الأحوال الشخصية التي مازالت تعتبر أن الأب هو رب العائلة ومازالت تتحدث عن المهر وتحرم الطفل المولود خارج الزواج من الميراث. وبالنسبة إلى مشاركة النساء في الحياة السياسية فلا ننسى حسب قولها أن النساء الديمقراطيات تتعرضن للحملات الممنهجة وأضافت أن المجتمع المدني سيواصل ممارسة دوره لكي يكون ضمانة للحقوق والحريات.

وللتذكير فقد وردت على تونس أثناء استعراضها الدّوري الشامل 34 توصية تتعلق بمكافحة التمييز ضد النساء وقبلت منها 28 فقط، وتعلقت التوصيات بالقضاء على التمييز ضد النساء وعلى العنف المسلط عليهنّ، وبتحقيق تساوي الفرص بين النساء والرّجال. ولكن لئن قبلت الدولة التونسية التوصيّات العامّة التي تحثها على منع التمييز ضد النساء والقضاء على العنف ضدهن وتحقيق المساواة في الفرص وكذلك التوصيات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بدفع الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية للنساء مع التركيز على النساء في الوسط الرّيفي وحماية النساء من العنف الزوجي فإنها تحفظت على المساواة التّامة والفعليّة بين النساء والرّجال سواء المساواة في الميراث أو المساواة بين الزوجين.

وفي علاقة بمسألة عدم التمييز على أساس الميول الجنسية والهويّة والتّعبيرات الجندريّة فتلقت تونس حسب ما أشارت إليه لينا العش 20 توصية قبلت منها 3 فقط وأحيطت علما بـ17 توصية حيث قبلت التوصيات المتصلة بالقضاء على كل الممارسات التمييزية المؤسسة على الميول الجنسية والهوية الجندرية ومعاقبة كل جريمة كراهية مبنية على الميول الجنسي والهوية والتعبيرات الجندرية لكنها في المقابل تحفظت على إلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية وهذا التناقض يبعث على الاستغراب. 

أما في ما يتصل بالتمييز والعنف القائم على لون البشرة والجنسية، أشارت سيرين الهمامي إلى أنه تم توجيه 14 توصية للدولة التونسية لكنها قبلت 5 فقط وهي تتعلق بتنفيذ الأحكام القانونية الحالية التي تحظر التمييز العنصري وخاصة القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2018 وإنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة التمييز العنصري وتوفير الموارد اللازمة لهذه اللجنة وتعزيز عملها لتحقيق التزامات تونس، لكن  في جميع التوصيات المتعلقة بإتباع إستراتيجية وطنية أكثر شمولية للسكان المهاجرين، بما في ذلك اعتماد قانون لجوء فقد أجابت عنها تونس بتحفظ بما في ذلك التوصية المتعلقة بالقضاء على انعدام الجنسية من خلال ضمان منح تسجيل الولادات لجميع الأطفال في تونس وحتى المهاجرين منهم واللاجئين .. وعبرت الهمامي عن أسفها لأنه لم يقع اتخاذ أي إجراء بشأن جميع التوصيات المتعلقة بالتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم وأضافت أن الحكومة أشارت إلى هذه التوصية وقامت بتدوينها لكن دون متابعة.

حالة الطوارئ

وبخصوص التوصيات بالعودة إلى المسار الديمقراطي سواء ما تعلق بإنهاء حالة الاستثناء والطوارئ وإرساء المحكمة الدستورية والهيئات الديمقراطية فلئن تم قبولها من طرف الدولة التونسية فإن المجتمع المدني حسب قول وحيد الفرشيشي يرفض المغالطات والتسويف لأن الحكومة عبرت في ما مضى عن التزامها بتنفيذ العديد من التوصيات لكنها لم تف بتعهداتها وأضاف أن تونس أجابت على التوصية المتعلقة بإلغاء الأمر 78 المتعلق بحالة الطوارئ أنها ستغيره بقانون أساسي وستعيد النظر في المشاريع التي تم تقديمها سابقا لمجلس نواب الشعب ويبدو أن هناك معركة كبيرة يجب على المجتمع المدني أن يستعد لها في المستقبل لأن مشروع قانون حالة الطوارئ مرتبط بمشروع آخر يتعلق بزجر الاعتداءات على الأمنيين.

وذكر أن تونس لم تصادق على اتفاقية اسطنبول حول العنف المنزلي، والاتفاقية عدد 190 لمنظمة العمل الدولي، لسنة 2019 المتعلقة بالعنف والتحرش في أماكن العمل، رغم أنها وردت في العديد من التوصيات المقدمة لها.

سعيدة بوهلال

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews