إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

عاطف بن حسين لـ"الصباح": الدراما التي لا تعالج العنف وكل أشكال الانحراف أخطر من الرصاص !

 

تونس-الصباح

أن يثير عمل درامي جدلا حول المستوى الفني فذلك أمر عادي بل من البديهيات، ولكن ان يكون مضمون العمل مندمجا في حياة المجموعة ومستفزا حد التراشق بين مؤيدين ورافضين منذ الحلقات الاولى فذلك ما يدعو إلى التأمل والتساؤل.. وها أن مسلسل "فلوجة" لسوسن الجمني على قناة الحوار التونسي الذي كان مصدر قلق وموجات انتقاد لاذع -في وقت قياسي- على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الاوساط التربوية، يصل به الأمر إلى المطالبة بإيقافه وإلغائه من البرمجة الرمضانية بتعلة المساس بالأخلاق وضرب المؤسسة التعليمية.. "الصباح" اتصلت بالفنان عاطف بن حسين باعتباره ملما بخبايا الميدان وأسرار المهنة، وهو المتقمص العديد من الشخصيات الهامة في الدراما التونسية فضلا عن خوض تجربة الإخراج في أكثر من عمل، عله يكشف لنا أسباب الانفعالات التي طالت مسلسل "فلوجة" وآراءه حول مضامين الأعمال الدرامية عامة..

عاطف بن حسين الذي خير الانسحاب طيلة السنوات الأخيرة رغم زخم الأعمال الفنية وتنوع أنماطها في المواسم الرمضانية ليولي اهتمامه بالمسرح.. انسحاب -حسب ما أكده للصباح- كان عن قناعة راسخة لانه يرفض ان يكون "موجودا في "المستنقع" وأن يساهم في نقل الرداءة " عكس العديد من الفنانين الذين تقمصوا أدوارا مختلفة في العديد من الأعمال سواء كانت درامية او كوميدية.. وهذا نص الحوار:

حوار :وليد عبداللاوي

*ما تقييمك للأعمال الدرامية في هذا الموسم.."فلوجة" على وجه الخصوص إثرعاصفة الانتقادات ؟

صدقا لم أتابع الأعمال الدرامية لهذه السنة ولكن فوجئت من بعض اللقطات لمسلسل "فلوجة" على مواقع التواصل الاجتماعي، نظرا لخطورة توجه مثل هذه الأعمال وعدم وعي المنتجين كما المخرجين بالفرق بين مسلسل يعالج الانحراف وبين مسلسل "منحرف" "يجمل" الانحراف عن طريق حسناوات أوشبان وسماء ..وهنا أقول وأؤكد: إن من يقف وراء هذه الأعمال أخطر من الغذاء المسموم لأنهم يغيبون أسباب تشكيل شخصيات المنحرف والحال أن الدراما مهمتها معالجة كل مظاهر الفساد والانخراط في عملية بناء مجتمع سليم، ثم لا يخفى على أحد أني قدمت أدوارا تجسد شخصيات عنيفة لكن الأهداف والرسائل كانت جلية وذات أبعاد توعوية ولو من خلال الإيحاءات والرموز.

*ولكن هناك من يرى أن الأعمال الدرامية الأخيرة على غرار "فلوجة" نقل لجانب محظور من الواقع التونسي ؟

-بداية، يجب أن نتفق على أن مبدأ الاحتمال في الأحداث الدرامية بأي عمل فني بإمكانه أن يجعل رؤية حقائق الأمور كما يمكن أن تكون أو كما يمكن أن نتبناها من زاوية شخصية ليعاد تركيبها وتقديمها لكن دون أن نلغي الواقع كليا وإلا سيصبح العمل غير جدير بالاهتمام، وحسب رايي صلة وقائع "فلوجة" بالمجتمع التونسي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تنوعه أمر بعيد عن الواقع ناهيك أن مخرجة المسلسل استلهمت تفاصيل الجو العام للإطار المدرسي من أعمال أمريكية خاصة فيما يتعلق بديكور غرف المراهقين.. للأسف هناك مشاهد وتفاعل بين الشخصيات من شأنها أن توهم الكثيرين بأنها تفضح عمق واقع معين لكن الأحداث -ولو طغى على جانب الحبكة الدرامية عنصر الخيال - فإنها تسلط الضوء على جانب مظلم من المجتمع عناصر مرجعيته غير قابلة للإقناع بما في ذلك علاقة الاستاذ بالتلميذ والتحرش داخل المؤسسة التربوية، فضلا عن استهلاك المخدرات أو "لاكسيك" lexiques المستعملة من طرف فئات منحرفة داخل المعهد.. الفن بالنسبة لي لا يمكن أن ينحصر في انتقاء مواضيع اجتماعية رغم غلبة الطابع الخيالي إنما ينحصر في صياغة الأفكار بطريقة حرة ليس بمنأى عن واقعنا.

*هل ترى أن مثل هذه الأعمال تمثل خطرا على الناشئة؟

-من المؤكد أنها تمثل خطرا جسيما على المجتمع بأسره، وأريد أن أنوه هنا إلى أمر خطير للغاية وهو أنّ توجه أغلب القنوات الخاصة يأتي تحت سيطرة شركات اتصال أجنبية تعتمد ضخ الكثير من الأموال من أجل ضرب قيم المجتمع وخلخلة المبادئ ونشر الأفكار المسمومة التي لا طائل من ورائها سوى المس من الأخلاق العامة. أقول هذا ليس من باب التشفي لأني لم أشارك في مثل هكذا أعمال بل لي الشرف أني لم أكن موجودا ولم أكن عنصرا في مسرح الجريمة، وإنما من باب التحذير والدعوة إلى الحذر من مثل هذه المسلسلات ..ولا أخفيكم حادثة تتعلق بابني الذي تأثر -شأنه في ذلك شأن العديد من الشبان والمراهقين- بمسلسل "اولاد مفيدة" أيما تأثر ليصل به الامر إلى وشم جزء كبير من جسده ورغم معاتبتي له لم يتجاوب مع نصائحي وهو أمر خطير باعتبار أن سنه يستوجب اليقظة والكثير من التوعية.

*من المسؤول عن  هذه الوضعية؟

-بلا شك الدولة التي يجب ألا تتجاهل خطورة هذه الانتاجات لان الدراما التي لا تعالج الانحراف بشتى انواعه أخطر من "الكرطوش".. لا يعني ذلك المطالبة بصنصرة الأعمال لكن يجب أن ينظم القطاع وأن يقنن والعمل على تغيير منهج العمل المفضي إلى تخمة الإنتاج في شهر رمضان لضمان المنافسة الشريفة وتعدد الأعمال القيمة على مدار السنة.

على الدولة أيضا تنظيم العلاقة بين شركات الاتصال والميديا التي تقوم بمنح الومضات الإشهارية للتلفزات والإشراف على العملية لأنها بتدبير عناصر "مفيوزية".. ذلك أن شركات سبر الآراء -على سبيل المثال- تقوم بتصنيف أعمال تلفزية معينة على أساس أنها المتصدرة من حيث الترتيب ونسب المشاهدة لتمنح أكبر نسبة من الاشهار شرط أن يقع التدخل في الخط التحريري وهو ما يعكس سلبا على الإنتاج.. ملاحظات خطيرة أسوقها طبعا بعد تجربة مريرة مع بعض الأطراف والحمدلله أني "منعت بجلدي". وحسب قناعاتي على كل فنان أن ينعتق من ذلك العالم المظلم.

*حسب رأيك هل تتوقع أن عملية "الإصلاح" و"التقنين" ممكنة؟

-بما أننا نتحدث عن ثاني أثقل صناعة في العالم وهي صناعة الدراما والمجال السمعي البصري المصنفة بعد صناعة الأسلحة أريد أن أشير إلى مسألة في غاية الأهمية وهي تقنين المسألة بين الهايكا والمركز الوطني للسينما والصورة والمجال السمعي والبصري وهو أمر يحيلنا إلى سؤال: لماذا تتجنب هذه الإدارة الإنتاج الدرامي التلفزيوني ما من شأنه أن يجمع افضل السيناريست مع ألمع المختصين في عالم الصورة؟

*هل من بوادر إيجابية تهم القطاع في المستقبل؟

-رغم قتامة الوضع عامة وحال الدولة المنهكة انا متفائل لأن القطاع ستطاله الكثير من التغييرات والمفاجآت إذ من غير المعقول ان يقود السفينة أشباه المخرجين وأن يواصلوا في التحكم بالذوق العام.

عاطف بن حسين لـ"الصباح":  الدراما التي لا تعالج العنف وكل أشكال الانحراف أخطر من الرصاص !

 

تونس-الصباح

أن يثير عمل درامي جدلا حول المستوى الفني فذلك أمر عادي بل من البديهيات، ولكن ان يكون مضمون العمل مندمجا في حياة المجموعة ومستفزا حد التراشق بين مؤيدين ورافضين منذ الحلقات الاولى فذلك ما يدعو إلى التأمل والتساؤل.. وها أن مسلسل "فلوجة" لسوسن الجمني على قناة الحوار التونسي الذي كان مصدر قلق وموجات انتقاد لاذع -في وقت قياسي- على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الاوساط التربوية، يصل به الأمر إلى المطالبة بإيقافه وإلغائه من البرمجة الرمضانية بتعلة المساس بالأخلاق وضرب المؤسسة التعليمية.. "الصباح" اتصلت بالفنان عاطف بن حسين باعتباره ملما بخبايا الميدان وأسرار المهنة، وهو المتقمص العديد من الشخصيات الهامة في الدراما التونسية فضلا عن خوض تجربة الإخراج في أكثر من عمل، عله يكشف لنا أسباب الانفعالات التي طالت مسلسل "فلوجة" وآراءه حول مضامين الأعمال الدرامية عامة..

عاطف بن حسين الذي خير الانسحاب طيلة السنوات الأخيرة رغم زخم الأعمال الفنية وتنوع أنماطها في المواسم الرمضانية ليولي اهتمامه بالمسرح.. انسحاب -حسب ما أكده للصباح- كان عن قناعة راسخة لانه يرفض ان يكون "موجودا في "المستنقع" وأن يساهم في نقل الرداءة " عكس العديد من الفنانين الذين تقمصوا أدوارا مختلفة في العديد من الأعمال سواء كانت درامية او كوميدية.. وهذا نص الحوار:

حوار :وليد عبداللاوي

*ما تقييمك للأعمال الدرامية في هذا الموسم.."فلوجة" على وجه الخصوص إثرعاصفة الانتقادات ؟

صدقا لم أتابع الأعمال الدرامية لهذه السنة ولكن فوجئت من بعض اللقطات لمسلسل "فلوجة" على مواقع التواصل الاجتماعي، نظرا لخطورة توجه مثل هذه الأعمال وعدم وعي المنتجين كما المخرجين بالفرق بين مسلسل يعالج الانحراف وبين مسلسل "منحرف" "يجمل" الانحراف عن طريق حسناوات أوشبان وسماء ..وهنا أقول وأؤكد: إن من يقف وراء هذه الأعمال أخطر من الغذاء المسموم لأنهم يغيبون أسباب تشكيل شخصيات المنحرف والحال أن الدراما مهمتها معالجة كل مظاهر الفساد والانخراط في عملية بناء مجتمع سليم، ثم لا يخفى على أحد أني قدمت أدوارا تجسد شخصيات عنيفة لكن الأهداف والرسائل كانت جلية وذات أبعاد توعوية ولو من خلال الإيحاءات والرموز.

*ولكن هناك من يرى أن الأعمال الدرامية الأخيرة على غرار "فلوجة" نقل لجانب محظور من الواقع التونسي ؟

-بداية، يجب أن نتفق على أن مبدأ الاحتمال في الأحداث الدرامية بأي عمل فني بإمكانه أن يجعل رؤية حقائق الأمور كما يمكن أن تكون أو كما يمكن أن نتبناها من زاوية شخصية ليعاد تركيبها وتقديمها لكن دون أن نلغي الواقع كليا وإلا سيصبح العمل غير جدير بالاهتمام، وحسب رايي صلة وقائع "فلوجة" بالمجتمع التونسي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تنوعه أمر بعيد عن الواقع ناهيك أن مخرجة المسلسل استلهمت تفاصيل الجو العام للإطار المدرسي من أعمال أمريكية خاصة فيما يتعلق بديكور غرف المراهقين.. للأسف هناك مشاهد وتفاعل بين الشخصيات من شأنها أن توهم الكثيرين بأنها تفضح عمق واقع معين لكن الأحداث -ولو طغى على جانب الحبكة الدرامية عنصر الخيال - فإنها تسلط الضوء على جانب مظلم من المجتمع عناصر مرجعيته غير قابلة للإقناع بما في ذلك علاقة الاستاذ بالتلميذ والتحرش داخل المؤسسة التربوية، فضلا عن استهلاك المخدرات أو "لاكسيك" lexiques المستعملة من طرف فئات منحرفة داخل المعهد.. الفن بالنسبة لي لا يمكن أن ينحصر في انتقاء مواضيع اجتماعية رغم غلبة الطابع الخيالي إنما ينحصر في صياغة الأفكار بطريقة حرة ليس بمنأى عن واقعنا.

*هل ترى أن مثل هذه الأعمال تمثل خطرا على الناشئة؟

-من المؤكد أنها تمثل خطرا جسيما على المجتمع بأسره، وأريد أن أنوه هنا إلى أمر خطير للغاية وهو أنّ توجه أغلب القنوات الخاصة يأتي تحت سيطرة شركات اتصال أجنبية تعتمد ضخ الكثير من الأموال من أجل ضرب قيم المجتمع وخلخلة المبادئ ونشر الأفكار المسمومة التي لا طائل من ورائها سوى المس من الأخلاق العامة. أقول هذا ليس من باب التشفي لأني لم أشارك في مثل هكذا أعمال بل لي الشرف أني لم أكن موجودا ولم أكن عنصرا في مسرح الجريمة، وإنما من باب التحذير والدعوة إلى الحذر من مثل هذه المسلسلات ..ولا أخفيكم حادثة تتعلق بابني الذي تأثر -شأنه في ذلك شأن العديد من الشبان والمراهقين- بمسلسل "اولاد مفيدة" أيما تأثر ليصل به الامر إلى وشم جزء كبير من جسده ورغم معاتبتي له لم يتجاوب مع نصائحي وهو أمر خطير باعتبار أن سنه يستوجب اليقظة والكثير من التوعية.

*من المسؤول عن  هذه الوضعية؟

-بلا شك الدولة التي يجب ألا تتجاهل خطورة هذه الانتاجات لان الدراما التي لا تعالج الانحراف بشتى انواعه أخطر من "الكرطوش".. لا يعني ذلك المطالبة بصنصرة الأعمال لكن يجب أن ينظم القطاع وأن يقنن والعمل على تغيير منهج العمل المفضي إلى تخمة الإنتاج في شهر رمضان لضمان المنافسة الشريفة وتعدد الأعمال القيمة على مدار السنة.

على الدولة أيضا تنظيم العلاقة بين شركات الاتصال والميديا التي تقوم بمنح الومضات الإشهارية للتلفزات والإشراف على العملية لأنها بتدبير عناصر "مفيوزية".. ذلك أن شركات سبر الآراء -على سبيل المثال- تقوم بتصنيف أعمال تلفزية معينة على أساس أنها المتصدرة من حيث الترتيب ونسب المشاهدة لتمنح أكبر نسبة من الاشهار شرط أن يقع التدخل في الخط التحريري وهو ما يعكس سلبا على الإنتاج.. ملاحظات خطيرة أسوقها طبعا بعد تجربة مريرة مع بعض الأطراف والحمدلله أني "منعت بجلدي". وحسب قناعاتي على كل فنان أن ينعتق من ذلك العالم المظلم.

*حسب رأيك هل تتوقع أن عملية "الإصلاح" و"التقنين" ممكنة؟

-بما أننا نتحدث عن ثاني أثقل صناعة في العالم وهي صناعة الدراما والمجال السمعي البصري المصنفة بعد صناعة الأسلحة أريد أن أشير إلى مسألة في غاية الأهمية وهي تقنين المسألة بين الهايكا والمركز الوطني للسينما والصورة والمجال السمعي والبصري وهو أمر يحيلنا إلى سؤال: لماذا تتجنب هذه الإدارة الإنتاج الدرامي التلفزيوني ما من شأنه أن يجمع افضل السيناريست مع ألمع المختصين في عالم الصورة؟

*هل من بوادر إيجابية تهم القطاع في المستقبل؟

-رغم قتامة الوضع عامة وحال الدولة المنهكة انا متفائل لأن القطاع ستطاله الكثير من التغييرات والمفاجآت إذ من غير المعقول ان يقود السفينة أشباه المخرجين وأن يواصلوا في التحكم بالذوق العام.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews