إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

خلافا لما كشفت عنه هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.. تونس لن تكون منتجا رئيسيا للطاقة وخارطة الصخور النفطية "غير المهيكلة" لا تستقطب الشركات البترولية..

-  "بودبوس" محور التقرير.. خزان نفطي كلسي غير قابل لتخزين النفط

من بين 1100 بئر نجد 150 فقط منتجة للبترول بتدفق متوسط جدا واستقطاب استثمارات جديد بات ضروريا

تونس-الصباح

أثار إعلان هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عن اكتشاف حوضين كبيرين للنفط والغاز يمتدان على مساحات شاسعة في ليبيا وتونس، منذ يومين، جدلا واسعا بين التونسيين حول حقيقة هذه المعطيات الجديدة التي من شانها أن تغير كليا المشهد الطاقي في تونس نحو الأفضل، وهو القطاع الأكثر غموضا من بين القطاعات الحيوية في البلاد ..

وبين ما نشرته الهيئة الأمريكية وما أوضحته العديد من المصادر المطلعة لـ"الصباح" حول هذا الموضوع، نتبين جليا أن هناك خلطا في المعلومات واختلافا في المعطيات التقنية بين الجانبين بالرغم من حقيقة الأرقام وخارطة توزيع الصخور البترولية على كامل الشريط الساحلي للبلاد، التي أعلن عنها المسح الجيولوجي للهيئة في تقريرها الأخير.

حيث أوضح التقرير وجود رواسب عملاقة تمتد على طول الساحل الشرقي التونسي مع جزء أصغر يقع على الشاطئ والباقي يقع قبالة الساحل، تمتد من شواطئ مدينة بنزرت وخليج تونس، بما يفيد أن النتائج الأولية تفيد أن هذه الرواسب تحتوي على ما مجموعه 4 تريليونات برميل من النفط و385 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي ما يعادل 1.47 تريليون برميل من الغاز الطبيعي المسال، طبعا بإضافة نتائج حقل آخر في خليج السدرة الليبي قبالة ساحل سرت.

كما أكد التقرير أنه من الممكن أن تصبح تونس منتجًا رئيسيًا للطاقة في شمال إفريقيا، وفي الوقت نفسه، تقدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن تونس لديها 23 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الصخري المؤكدة و 1.5 مليار برميل من موارد النفط الصخري القابلة للاستخراج تقنيًا.

بالمقابل، اعتبرت مصادر مطلعة لـ"الصباح" أن المسح الجيولوجي الذي قامت به الهيئة الأمريكية اعتمد على دراسة شاملة ضمت تونس وليبيا على نطاق جغرافي واسع، ولا يمكن أن نتحامل على مدى صحة هذه المعطيات، غير أن الأمر يختلف على مستوى حقيقة توفر مخزونات كبيرة وحقيقية من النفط في تونس باعتبار أن هناك فرقا بين مكامن النفط الحقيقية حيث نجد مكامن نفطية صخرية وأخرى نفطية كلسية على غرار خزان "بودبوس" محور التقرير، الذي يمتد من خليج سرت في ليبيا مرورا بخليج قابس ومناطق الساحل ليصل الى سواحل الوطن القبلي ..

كما أوضحت ذات مصادرنا أن هذا التوزيع المنجز في التقرير لا يؤكد حقيقة تواجد البترول في كامل خط توزيع الصخور الموجودة على كامل الشريط السالف ذكره، فقط هناك عدد معين من بين هذه الصخور سبق أن تم اكتشافه وهي آبار تنتج وتشتغل حاليا على نفس الخط وهي حقول عشتارت.. صدبعل.. أميلكار وادم...، في حين أن بقية الصخور لا تحتوي على بترول..

وفسرت لنا مصادر "الصباح" أن كل هذه الصخور التي لا تشتغل هي صخور غير مهيكلة بما يعرف تقنيا " non structurée"  أي صخور منبسطة وغير قابلة للتخزين جيولوجيا، والاهم أنها ليست مصادر مستقطبة للشركات البترولية باعتبارها غير مهيكلة ولا تحتوي على مكامن نفطية للتخزين وبالتالي ليست هدفا للمستثمرين على الإطلاق.

وأكدت مصادرنا بالمقابل، على أهمية اعتماد آليات أخرى لمعرفة حقيقة تواجد ثروات ومخزونات من البترول في تونس على غرار المسح الجيولو-فيزائي، او ما يعرف بالمسح  الزلزالي، باعتباره التقنية الوحيدة التي تمكننا من إيجاد خارطة تموقع هذه المكامن الجيولوجية القادرة على استيعاب النفط  على كامل تراب البلاد.

وحول حقيقة الآبار والحقول الموجودة في تونس، أكدت ذات المصادر الرسمية لـ"الصباح" أن خارطة الحقول تعد بالآلاف لكن عدد الآبار ليست هي نفسها عدد الحقول، فاليوم يوجد في تونس ما يناهز الـ1100 بئر في عدد منها نضب ولم يعد صالح للإنتاج، وبقيت فقط من بينها في حدود الـ150 بئرا منتجة فعليا بتدفق يعتبر متوسطا جدا..

وللتذكير فان هناك شركات بترولية عملاقة كانت قد أشارت الى هذه المخزونات من قبل بهدف الاستثمار في بعض من المناطق التي تتوفر فيها هذه الصخور على غرار شركة "شال" في سنة 2014 وتحديدا في ولاية القيروان، إلا أن اكتشاف كونها صخور غير مهيكلة حال دون استكمال هذا الاستثمار، بما يؤكد انه من الضروري الوقوف تقنيا عند حقيقة طبيعة هذه الصخور التي هي بعيدة كل البعد على أن تكون مخزونات بترولية.

كما سبق ومثل هذه التقارير التي على الأغلب ليست جديدة ان نشرت من قبل وتعود الى سنة 2011 تحديدا وغيرها من التقارير المشابهة التي أشارت الى أن تونس تسبح على بحار من البترول حتى أن السلطة التشريعية الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي آنذاك طرحها على طاولات المفاوضات وأسالت الكثير من الحبر وتمت إثارة الفصل 13 من الدستور باتجاه تفعيله وفق لتلك المعطيات التي جاءت بها هذه التقارير الدولية ...

وبحسب المعطيات المتوفرة لدينا، فانه في حال تأكد أن هذه المكامن والصخور التي تحدث عنها تقرير الهيئة الأمريكية على مستويات ثروات الغاز الصخري وهو الأقرب تواجد فيها من البترول، فان تونس لن تقدم على الاستثمار فيه باعتبار خطورته على البيئة وهذا ما أعلنت عنه تقريبا كل الحكومات المتعاقبة..

وبين المسح الجيولوجي الذي توصل الى تحديد خارطة الصخور النفطية الموجودة في تونس وصولا الى ليبيا، وبين تفسير الجانب التونسي، تتراجع الآمال لدى التونسيين في إمكانية أن تصبح تونس منتجًا رئيسيًا للطاقة في شمال إفريقيا، أو بلدا ثريا بالموارد الطبيعية النفطية.

عجز طاقي يتجاوز الـ50 بالمائة وتراجع في الإنتاج

فاليوم تونس مازالت تعاني عجزا طاقيا هيكليا لازمها منذ سنوات يعود الى سنة 2004، ليتجاوز الـ50 بالمائة مع تراجع كبير في الإنتاج الوطني مما اضطر الدولة الى الالتجاء الى الاستيراد الذي عمق أزمة الميزان الطاقي نحو الأسوأ وباتت البلاد تستورد المواد الطاقة بكميات كبيرة أنهكت الميزانية العمومية خاصة في السنوات التي تلت الثورة ...

وكآخر الأرقام الرسمية التي أصدرتها وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، فقد بلغ الإنتاج الوطني للنفط خلال سنة كامل سنة 2022 حوالي 1.7 مليون طن مكافئ نفط مسجلا بذلك انخفاضا بنسبة 13 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021 ، حيث بلغ 2 مليون طن مكافئ نفط.

كما بلغ إنتاج سوائل الغاز (بما في ذلك إنتاج معمل قابس) حوالي 109 آلاف طن مكافئ نفط خلال سنة 2022 ، مقابل 162 ألف طن مكافئ نفط خلال نفس الفترة من سنة 2021 ، مسجلا انخفاضا بنسبة 33 بالمائة.

وقد شهد قطاع استكشاف وإنتاج وتطوير المحروقات تحديات هامة خلال سنة 2020 من بينها تراجع سعر النفط في السوق العالمية والتداعيات الصحية لفيروس كورونا وخاصة التحركات الاجتماعية والتي أدت منذ 16 جويلية 2020 إلى الانخفاض التدريجي لمعدلات الإنتاج اليومي بالحقول الواقعة بالجنوب التونسي، ثم توقفها نهائيا بأغلب الحقول نظرا لنفاذ طاقة الخزن مع الإشارة إلى رجوع الإنتاج تدريجيا إثر إعادة فتح محطة الضخ بالكامور يوم 6 نوفمبر 2020.

ومع بداية سنة 2021، دخل امتياز حقل المنزل حيز الإنتاج كما تم الرفع من إنتاج حقل نوارة مما أثر بشكل ايجابي على إنتاج المحروقات مع العلم وأنه لم يجر خلال سنة 2022 حفر أي بئر استكشافية وبالمقابل تم حفر بئر تطويرية جديدة وانطلاق أشغال المسح الزلزالي بداية من 7 سبتمبر 2022 برخصتي حزوة والواحة.

وسجل إنتاج الغاز الطبيعي التجاري الجاف خلال سنة 2022 تراجعا مقارنة بسنة 2021 بنسبة 7 بالمائة، إذ بلغ حوالي 1.8 مليون طن موازي نفط مقابل 1.9 مليون طن موازي نفط سنة 2021. وشهدت كميات الإتاوة الجملية ارتفاعا بنسبة 8 بالمائة خلال سنة 2022 لتبلغ 1057 ألف طن مكافئ نفط كما شهدت الشراءات من الغاز الجزائري ارتفاعا بنسبة 3 بالمائة سنة 2022 لتبلغ 2362 ألف طن موازي نفط.

بلغ إنتاج الكهرباء خلال سنة 2022 حوالي 19516 جيغاوط ساعة مسجلة بذلك انخفاضا بنسبة 3 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة في حين سجل الإنتاج الموجه إلى الاستهلاك المحلي ارتفاعا بنسبة 5 بالمائة.

بالمقابل، بلغ الطلب على الغاز الطبيعي سنة 2022 ، 4.9 طن موازي نفط مسجلا بذلك انخفاضا بنسبة 4 بالمائة وذلك بالمقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2021 وقد سجل الطلب من هذه المواد إنتاج الكهرباء انخفاضا بنسبة 9 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021.

كما شهد استهلاك المواد البترولية ارتفاعا طفيفا بنسبة 0.4 بالمائة سنة 2022 بالمقارنة مع سنة 2021 وقد سجل استهلاك البنزين ارتفاعا بـ4 بالمائة، في حين شهد استهلاك الغازوال انخفاضا طفيفا بـنسبة 2 بالمائة وشهد كيروزان الطيران ارتفاعا هاما بنسبة 66 بالمائة سنة 2022.

واقع ازداد تأزما مع مغادرة الشركات البترولية

ومن أكثر الأسباب المباشرة التي عمقت من أزمة الوضع الطاقي في البلاد خاصة على مستوى نسق الاستثمارات، خروج كبرى الشركات البترولية الأجنبية المتمركزة منذ سنوات في تونس، كما هو معلوم لدى الجميع أن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ETAP تحصلت مؤخراً على امتياز استغلال كلي لحقل “ميسكار” قبالة صفاقس، بعد أن قررت شركة “رويال داتش شال” عدم التمديد في رخصة استغلال حقل “ميسكار ” للغاز الطبيعي، وقد تقدمت شركة “شال” بصفة رسميّة لوزارة الصناعة والطاقة والمناجم لإعلامها بقرار مغادرة تونس منذ شهر جوان 2022 وهو تاريخ انتهاء رخصة استغلال حقل ميسكار، بالإضافة الى طلبها التخلّي عن لزمة صدربعل في ولاية صفاقس في نفس الموعد المذكور وذلك قبل انتهاء الآجال المحددة في سنة 2035.

الى جانب نية مغادرة شركة "ايني" الايطالية تونس التي كانت تستغل عدد من الحقول في تونس من بينها حقل  "وادي زار" و"جبل كروز" والبرمة في صحراء ولاية تطاوين، وتعتبر شركة "ايني"  من أولى الشركات الأجنبية المستثمرة في "البترول" في البرمة في الجنوب التونسي ومن احد عمالقة المستثمرين في هذا المجال والتي ستواصل استثمارها في الطاقات المتجددة ...

وكانت هذه الشركة التي تعتبر الشريك الاستراتيجي لتونس منذ سنة 1960، قد قررت مغادرة البلاد منذ سنة 2012 بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج وتراجع أسعار برميل النفط على المستوى العالمي من جهة وبسبب م تغيير إستراتيجيتها العامة في قطاع الاستكشاف وإنتاج المحروقات من جهة أخرى.

ومثل قرار مغادرة كبرى الشركات البترولية في العالم التي تستثمر في تونس ضربة موجعة لقطاع يعاني من صعوبات كبيرة خاصة تلك التي تتعلق بالاستثمار باعتبار ان تونس اليوم ومن خلال الشركة التونسية للأنشطة البترولية ليست قادرة على عمليات الكشف والتنقيب على البترول والغاز بسبب التكاليف الباهظة التي تتطلبها مثل هذه الاستثمارات التي تصل في ما بين 10 و100مليار للاستثمار في حقل واحد فقط  بين البر والبحر.

كما اثر هذا الوضع سلبا على  قطاع الطاقة في البلاد، وزاد من أزمة هذه الشركات التي تعيش وضعا صعبا وتسجل سنويا خسائر جسيمة حتى أصبحت اليوم غير قادرة على مسايرتها، كما اثر قرار المغادرة لكبرى الشركات على التوازنات المالية للبلاد ..

ومع حقيقة الوضع الطاقي المتردي الذي تعيشه تونس، من غير المعقول الوقوف اليوم عند معطيات قديمة أو تقارير غير دقيقة في الكشف عن الثروات الطبيعية التي تتوفر في بلادنا، بل من الأجدر البحث عن آليات جديدة وتحفيزات هامة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي وجلب كبرى الشركات البترولية العالمية الى تونس وإرجاع قيمة العمل لدى التونسيين للترفيع من نسق الإنتاج وبالتالي ضمان الأمن الطاقي ..

وفاء بن محمد

خلافا لما كشفت عنه هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية..  تونس لن تكون منتجا رئيسيا للطاقة وخارطة الصخور النفطية "غير المهيكلة"  لا تستقطب الشركات البترولية..

-  "بودبوس" محور التقرير.. خزان نفطي كلسي غير قابل لتخزين النفط

من بين 1100 بئر نجد 150 فقط منتجة للبترول بتدفق متوسط جدا واستقطاب استثمارات جديد بات ضروريا

تونس-الصباح

أثار إعلان هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عن اكتشاف حوضين كبيرين للنفط والغاز يمتدان على مساحات شاسعة في ليبيا وتونس، منذ يومين، جدلا واسعا بين التونسيين حول حقيقة هذه المعطيات الجديدة التي من شانها أن تغير كليا المشهد الطاقي في تونس نحو الأفضل، وهو القطاع الأكثر غموضا من بين القطاعات الحيوية في البلاد ..

وبين ما نشرته الهيئة الأمريكية وما أوضحته العديد من المصادر المطلعة لـ"الصباح" حول هذا الموضوع، نتبين جليا أن هناك خلطا في المعلومات واختلافا في المعطيات التقنية بين الجانبين بالرغم من حقيقة الأرقام وخارطة توزيع الصخور البترولية على كامل الشريط الساحلي للبلاد، التي أعلن عنها المسح الجيولوجي للهيئة في تقريرها الأخير.

حيث أوضح التقرير وجود رواسب عملاقة تمتد على طول الساحل الشرقي التونسي مع جزء أصغر يقع على الشاطئ والباقي يقع قبالة الساحل، تمتد من شواطئ مدينة بنزرت وخليج تونس، بما يفيد أن النتائج الأولية تفيد أن هذه الرواسب تحتوي على ما مجموعه 4 تريليونات برميل من النفط و385 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي ما يعادل 1.47 تريليون برميل من الغاز الطبيعي المسال، طبعا بإضافة نتائج حقل آخر في خليج السدرة الليبي قبالة ساحل سرت.

كما أكد التقرير أنه من الممكن أن تصبح تونس منتجًا رئيسيًا للطاقة في شمال إفريقيا، وفي الوقت نفسه، تقدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن تونس لديها 23 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الصخري المؤكدة و 1.5 مليار برميل من موارد النفط الصخري القابلة للاستخراج تقنيًا.

بالمقابل، اعتبرت مصادر مطلعة لـ"الصباح" أن المسح الجيولوجي الذي قامت به الهيئة الأمريكية اعتمد على دراسة شاملة ضمت تونس وليبيا على نطاق جغرافي واسع، ولا يمكن أن نتحامل على مدى صحة هذه المعطيات، غير أن الأمر يختلف على مستوى حقيقة توفر مخزونات كبيرة وحقيقية من النفط في تونس باعتبار أن هناك فرقا بين مكامن النفط الحقيقية حيث نجد مكامن نفطية صخرية وأخرى نفطية كلسية على غرار خزان "بودبوس" محور التقرير، الذي يمتد من خليج سرت في ليبيا مرورا بخليج قابس ومناطق الساحل ليصل الى سواحل الوطن القبلي ..

كما أوضحت ذات مصادرنا أن هذا التوزيع المنجز في التقرير لا يؤكد حقيقة تواجد البترول في كامل خط توزيع الصخور الموجودة على كامل الشريط السالف ذكره، فقط هناك عدد معين من بين هذه الصخور سبق أن تم اكتشافه وهي آبار تنتج وتشتغل حاليا على نفس الخط وهي حقول عشتارت.. صدبعل.. أميلكار وادم...، في حين أن بقية الصخور لا تحتوي على بترول..

وفسرت لنا مصادر "الصباح" أن كل هذه الصخور التي لا تشتغل هي صخور غير مهيكلة بما يعرف تقنيا " non structurée"  أي صخور منبسطة وغير قابلة للتخزين جيولوجيا، والاهم أنها ليست مصادر مستقطبة للشركات البترولية باعتبارها غير مهيكلة ولا تحتوي على مكامن نفطية للتخزين وبالتالي ليست هدفا للمستثمرين على الإطلاق.

وأكدت مصادرنا بالمقابل، على أهمية اعتماد آليات أخرى لمعرفة حقيقة تواجد ثروات ومخزونات من البترول في تونس على غرار المسح الجيولو-فيزائي، او ما يعرف بالمسح  الزلزالي، باعتباره التقنية الوحيدة التي تمكننا من إيجاد خارطة تموقع هذه المكامن الجيولوجية القادرة على استيعاب النفط  على كامل تراب البلاد.

وحول حقيقة الآبار والحقول الموجودة في تونس، أكدت ذات المصادر الرسمية لـ"الصباح" أن خارطة الحقول تعد بالآلاف لكن عدد الآبار ليست هي نفسها عدد الحقول، فاليوم يوجد في تونس ما يناهز الـ1100 بئر في عدد منها نضب ولم يعد صالح للإنتاج، وبقيت فقط من بينها في حدود الـ150 بئرا منتجة فعليا بتدفق يعتبر متوسطا جدا..

وللتذكير فان هناك شركات بترولية عملاقة كانت قد أشارت الى هذه المخزونات من قبل بهدف الاستثمار في بعض من المناطق التي تتوفر فيها هذه الصخور على غرار شركة "شال" في سنة 2014 وتحديدا في ولاية القيروان، إلا أن اكتشاف كونها صخور غير مهيكلة حال دون استكمال هذا الاستثمار، بما يؤكد انه من الضروري الوقوف تقنيا عند حقيقة طبيعة هذه الصخور التي هي بعيدة كل البعد على أن تكون مخزونات بترولية.

كما سبق ومثل هذه التقارير التي على الأغلب ليست جديدة ان نشرت من قبل وتعود الى سنة 2011 تحديدا وغيرها من التقارير المشابهة التي أشارت الى أن تونس تسبح على بحار من البترول حتى أن السلطة التشريعية الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي آنذاك طرحها على طاولات المفاوضات وأسالت الكثير من الحبر وتمت إثارة الفصل 13 من الدستور باتجاه تفعيله وفق لتلك المعطيات التي جاءت بها هذه التقارير الدولية ...

وبحسب المعطيات المتوفرة لدينا، فانه في حال تأكد أن هذه المكامن والصخور التي تحدث عنها تقرير الهيئة الأمريكية على مستويات ثروات الغاز الصخري وهو الأقرب تواجد فيها من البترول، فان تونس لن تقدم على الاستثمار فيه باعتبار خطورته على البيئة وهذا ما أعلنت عنه تقريبا كل الحكومات المتعاقبة..

وبين المسح الجيولوجي الذي توصل الى تحديد خارطة الصخور النفطية الموجودة في تونس وصولا الى ليبيا، وبين تفسير الجانب التونسي، تتراجع الآمال لدى التونسيين في إمكانية أن تصبح تونس منتجًا رئيسيًا للطاقة في شمال إفريقيا، أو بلدا ثريا بالموارد الطبيعية النفطية.

عجز طاقي يتجاوز الـ50 بالمائة وتراجع في الإنتاج

فاليوم تونس مازالت تعاني عجزا طاقيا هيكليا لازمها منذ سنوات يعود الى سنة 2004، ليتجاوز الـ50 بالمائة مع تراجع كبير في الإنتاج الوطني مما اضطر الدولة الى الالتجاء الى الاستيراد الذي عمق أزمة الميزان الطاقي نحو الأسوأ وباتت البلاد تستورد المواد الطاقة بكميات كبيرة أنهكت الميزانية العمومية خاصة في السنوات التي تلت الثورة ...

وكآخر الأرقام الرسمية التي أصدرتها وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، فقد بلغ الإنتاج الوطني للنفط خلال سنة كامل سنة 2022 حوالي 1.7 مليون طن مكافئ نفط مسجلا بذلك انخفاضا بنسبة 13 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021 ، حيث بلغ 2 مليون طن مكافئ نفط.

كما بلغ إنتاج سوائل الغاز (بما في ذلك إنتاج معمل قابس) حوالي 109 آلاف طن مكافئ نفط خلال سنة 2022 ، مقابل 162 ألف طن مكافئ نفط خلال نفس الفترة من سنة 2021 ، مسجلا انخفاضا بنسبة 33 بالمائة.

وقد شهد قطاع استكشاف وإنتاج وتطوير المحروقات تحديات هامة خلال سنة 2020 من بينها تراجع سعر النفط في السوق العالمية والتداعيات الصحية لفيروس كورونا وخاصة التحركات الاجتماعية والتي أدت منذ 16 جويلية 2020 إلى الانخفاض التدريجي لمعدلات الإنتاج اليومي بالحقول الواقعة بالجنوب التونسي، ثم توقفها نهائيا بأغلب الحقول نظرا لنفاذ طاقة الخزن مع الإشارة إلى رجوع الإنتاج تدريجيا إثر إعادة فتح محطة الضخ بالكامور يوم 6 نوفمبر 2020.

ومع بداية سنة 2021، دخل امتياز حقل المنزل حيز الإنتاج كما تم الرفع من إنتاج حقل نوارة مما أثر بشكل ايجابي على إنتاج المحروقات مع العلم وأنه لم يجر خلال سنة 2022 حفر أي بئر استكشافية وبالمقابل تم حفر بئر تطويرية جديدة وانطلاق أشغال المسح الزلزالي بداية من 7 سبتمبر 2022 برخصتي حزوة والواحة.

وسجل إنتاج الغاز الطبيعي التجاري الجاف خلال سنة 2022 تراجعا مقارنة بسنة 2021 بنسبة 7 بالمائة، إذ بلغ حوالي 1.8 مليون طن موازي نفط مقابل 1.9 مليون طن موازي نفط سنة 2021. وشهدت كميات الإتاوة الجملية ارتفاعا بنسبة 8 بالمائة خلال سنة 2022 لتبلغ 1057 ألف طن مكافئ نفط كما شهدت الشراءات من الغاز الجزائري ارتفاعا بنسبة 3 بالمائة سنة 2022 لتبلغ 2362 ألف طن موازي نفط.

بلغ إنتاج الكهرباء خلال سنة 2022 حوالي 19516 جيغاوط ساعة مسجلة بذلك انخفاضا بنسبة 3 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة في حين سجل الإنتاج الموجه إلى الاستهلاك المحلي ارتفاعا بنسبة 5 بالمائة.

بالمقابل، بلغ الطلب على الغاز الطبيعي سنة 2022 ، 4.9 طن موازي نفط مسجلا بذلك انخفاضا بنسبة 4 بالمائة وذلك بالمقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2021 وقد سجل الطلب من هذه المواد إنتاج الكهرباء انخفاضا بنسبة 9 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021.

كما شهد استهلاك المواد البترولية ارتفاعا طفيفا بنسبة 0.4 بالمائة سنة 2022 بالمقارنة مع سنة 2021 وقد سجل استهلاك البنزين ارتفاعا بـ4 بالمائة، في حين شهد استهلاك الغازوال انخفاضا طفيفا بـنسبة 2 بالمائة وشهد كيروزان الطيران ارتفاعا هاما بنسبة 66 بالمائة سنة 2022.

واقع ازداد تأزما مع مغادرة الشركات البترولية

ومن أكثر الأسباب المباشرة التي عمقت من أزمة الوضع الطاقي في البلاد خاصة على مستوى نسق الاستثمارات، خروج كبرى الشركات البترولية الأجنبية المتمركزة منذ سنوات في تونس، كما هو معلوم لدى الجميع أن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ETAP تحصلت مؤخراً على امتياز استغلال كلي لحقل “ميسكار” قبالة صفاقس، بعد أن قررت شركة “رويال داتش شال” عدم التمديد في رخصة استغلال حقل “ميسكار ” للغاز الطبيعي، وقد تقدمت شركة “شال” بصفة رسميّة لوزارة الصناعة والطاقة والمناجم لإعلامها بقرار مغادرة تونس منذ شهر جوان 2022 وهو تاريخ انتهاء رخصة استغلال حقل ميسكار، بالإضافة الى طلبها التخلّي عن لزمة صدربعل في ولاية صفاقس في نفس الموعد المذكور وذلك قبل انتهاء الآجال المحددة في سنة 2035.

الى جانب نية مغادرة شركة "ايني" الايطالية تونس التي كانت تستغل عدد من الحقول في تونس من بينها حقل  "وادي زار" و"جبل كروز" والبرمة في صحراء ولاية تطاوين، وتعتبر شركة "ايني"  من أولى الشركات الأجنبية المستثمرة في "البترول" في البرمة في الجنوب التونسي ومن احد عمالقة المستثمرين في هذا المجال والتي ستواصل استثمارها في الطاقات المتجددة ...

وكانت هذه الشركة التي تعتبر الشريك الاستراتيجي لتونس منذ سنة 1960، قد قررت مغادرة البلاد منذ سنة 2012 بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج وتراجع أسعار برميل النفط على المستوى العالمي من جهة وبسبب م تغيير إستراتيجيتها العامة في قطاع الاستكشاف وإنتاج المحروقات من جهة أخرى.

ومثل قرار مغادرة كبرى الشركات البترولية في العالم التي تستثمر في تونس ضربة موجعة لقطاع يعاني من صعوبات كبيرة خاصة تلك التي تتعلق بالاستثمار باعتبار ان تونس اليوم ومن خلال الشركة التونسية للأنشطة البترولية ليست قادرة على عمليات الكشف والتنقيب على البترول والغاز بسبب التكاليف الباهظة التي تتطلبها مثل هذه الاستثمارات التي تصل في ما بين 10 و100مليار للاستثمار في حقل واحد فقط  بين البر والبحر.

كما اثر هذا الوضع سلبا على  قطاع الطاقة في البلاد، وزاد من أزمة هذه الشركات التي تعيش وضعا صعبا وتسجل سنويا خسائر جسيمة حتى أصبحت اليوم غير قادرة على مسايرتها، كما اثر قرار المغادرة لكبرى الشركات على التوازنات المالية للبلاد ..

ومع حقيقة الوضع الطاقي المتردي الذي تعيشه تونس، من غير المعقول الوقوف اليوم عند معطيات قديمة أو تقارير غير دقيقة في الكشف عن الثروات الطبيعية التي تتوفر في بلادنا، بل من الأجدر البحث عن آليات جديدة وتحفيزات هامة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي وجلب كبرى الشركات البترولية العالمية الى تونس وإرجاع قيمة العمل لدى التونسيين للترفيع من نسق الإنتاج وبالتالي ضمان الأمن الطاقي ..

وفاء بن محمد

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews