إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من بن علي وحكام الثورة وصولا إلى قيس سعيّد | الإيقافات والاعتقالات السياسية.. مقتضيات العدالة أم ضروريات المرحلة وكرسي الحكم!

تونس – الصباح

لا يخلو تاريخ دولة الوطنية منذ الاستقلال الى اليوم من المحاكمات ذات الطابع السياسي حتى ولو كانت تحت يافطات وعناوين مختلفة مثل الخيانة العظمى أو التآمر على أمن الدولة أو الفساد وسوء التصرّف، ولكن وبالنظر إلى طبيعة هذه المحاكمات والشخصيات المتهمة فيها يبقى دائما البعد السياسي مطروحا بقوة في أغلبها حتى ولو كانت هناك إجراءات قضائية سليمة في التعاطي مع هذه القضايا والملفات، ولكن السياقات السياسية والصراعات التي مرّت بها الدولة سواء في مراحل التغيير العميق في السلطة أو في علاقة بأحداث جسام أربكت النظام وقتها، دائما ما تؤكّد شبهة تسيّس هذه القضايا ولا تنفيها !

وبصرف النظر عن محاكمة اليوسفيين والتي كانت ذات طابع سياسي صرف لم ينكره النظام..، فان محاكمة الراحل أحمد بن صالح كانت أولى هذه المحاكمات التي اتخذت طابعا سياسيا واضحا رغم أن محاكمة وزيره على مغامرة التعاضد التي خاضها بمباركة النظام والزعيم بورقيبة ولكن عندما فشلت التجربة اختار بورقيبة أن يقدم كبش فداء رغم علاقته الوطيدة به وثقته المطلقة فيه وهو الذي جعل منه الوزير صاحب الوزارات المتعددة ولكن في النهاية نزع عنه كل مناصبه وأحاله على المحكمة العليا بتهمة الخيانة العظمى.

وبعد محاكمة بن صالح تتالت المحاكمات والإيقافات السياسية، سواء في علاقة بمجموعة برسبيكتيف والعامل التونسي مرورا بأحداث جانفي 1978 واعتقال الأمين العام لاتحاد الشغل الحبيب عاشور وقيادة الاتحاد الذين تم اتهامهم بارتكاب أفعال القصد منها تبديل هيئة الدولة..، ومحاكمة النقابيين حدثت مرة ثانية مع أحداث الخبر في 1984 حيث لم تتعاط المحكمة معها كعمل وحق نقابي مارسه النقابيون دفاعا على حقوق الشغالين ولكن تعاطت معها كاعتداء على أمن الدولة وهي تهم خطيرة وبعيدة عن ممارسة الحق النقابي ونفس السيناريو كان في أحداث الحوض المنجمي في 2008 حيث تمت محاكمة نشطاء وصحافيين ونقابيين بسبب الاحتجاج على خلفية مطالب نقابية.

احداث الخبز شهدت كذلك اقالة ومحاكمة ابرز وزير وقتها وهو ادريس قيقة وزير الداخلية، ثم كانت المحاكمة الأشهر وهي محاكمة الوزير الأول محمد مزالي الذي هرب للجزائر ومنها نحو باريس.

ومع تغيير7 نوفمبر كان هناك فصل جديد من المحاكمات ذات الطابع السياسي حيث تم إيقاف شخصيات سياسية وقيادات أمنية وعسكرية بتهم مختلفة لكن اغلبها كانت إيقافات تحفظية بعيدة عن تهم الفساد باعتبار نظافة اليد التي كانت تميز بورقيبة ووزرائه..، ولم يختلف الأمر كثيرا بعد الثورة حيث تمت إحالة أغلب وزراء ورموز نظام بن علي على القضاء بالإضافة الى أصهاره وشخصيات محسوبة على نظامه وموظفين ساميين بالدولة.

ومنذ اعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد لإجراءات 25 جويلية ظلت الإيقافات والاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية والقضائية تحت عنوان مكافحة الفساد والتصدّي الى التآمر على أمن الدولة، تثير الكثير من الشكوك بشأن نزاهتها ومصداقيتها خاصة وأن البعض رآها محاولة لتصفية المعارضة والخصوم السياسيين لرئيس الجمهورية..، وهذه التهمة لاحقت أيضا في وقت سابق رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد يوم أعلن ما اسماها "حربه على الفساد" حيث اعتبر البعض انها ليست الا حربا انتقائية كان هدفها تصفية خصومه وذرّ الرماد على العيون شملت عددا من كبار المهربين .

وفي الملف التالي سنستعرض أبرز الإيقافات ذات الطابع السياسي والتي شهدتها تونس في مراحل تحوّلاتها الكبرى ومراحل الصراع على السلطة.

ملف من إعداد : سفيان رجب - منية العرفاوي

 

7 نوفمبر.. والخوف من ولاء وزراء بورقيبة

ليلة 7 نوفمبر 1987 وعندما كان الوزير الأول ووزير الداخلية زين العابدين بن علي ومن معه في لحظاتهم الأخيرة للسيطرة على الحكم وعزل الرئيس الحبيب بورقيبة، كانت أولى الخطوات بعد أن جهزت الوثيقة الطبية الممضى عليها من قبل 7 دكاترة اثبتت عجز الزعيم عن الحكم ليتم عزله وفق الفصل 57 من الدستور الذي ينص على أن يتولى الوزير الأول رئاسة الجمهورية في حالة عجز أو وفاة رئيس الجمهورية؛ لذا كان ضرورياً وجود ما يثبت عجز الرئيس، وهو ما جهز له بن علي مع وزيرة الصحة سعاد اليعقوبي، إذ أعد تقريراً طبياً لإثبات العجز الصحي لبورقيبة.

وبعد أن قام الجنرال الحبيب عمار آمر الحرس الوطني وقتها بتطويق القصر الرئاسي بقرطاج واستبدال عناصر الأمن الرئاسي بعناصر من وحدة القوّات الخاصة بالحرس الوطني..، كانت المرحلة اللاحقة وهي إيقاف واعتقال عدد من وزراء بن علي ممن اثبتوا ولاءهم الدائم والأبدي للزعيم والذين يمكن ان يرفضوا ويقاوموا الانقلاب.

فجر 7 نوفمبر وقع التحفظ على عدة شخصيات موالية لبورقيبة ومن أبرزها الوزيران محمد الصياح ومنصور السخيري، ومحمود بلحسين مرافق الزعيم  ومحجوب بن علي  أحد المديرين السابقين للحزب الحاكم واحد المستشارين الأمنيين لبورقيبة.

انقلاب أو تحولّ 7 نوفمبر كان الهدف منه الإطاحة ببورقيبة بالقانون ودون سفك دماء، وكذلك قطع الطريق أمام انقلاب آخر يجهز في اليوم الموالي يقوده الإسلاميون وجهزوا له السلاح، وكانت الخطة تقتضي اغتيال الزعيم بورقيبة يوم الأحد 8 نوفمبر1987 بقمرت في ذكرى احتفال عيد الشجرة.

وفي ساعة متأخرة من مساء 6 نوفمبر1987، صدرت الأوامر لقوات مختصة من سلك الحرس للقبض على عدد من المقربين من بورقيبة ومنهم الحبيب بورقيبة الابن الذي تم إخلاء سبيله بعد وقت قصير من احتجازه بعد أن علم بن علي أن الهادي البكوش الشريك الأول في الانقلاب والوزير الأول بعده هو الذي أمر باحتجازه دون استشارته، خاصة أن بورقيبة الابن كان من اشد المقربين للأمريكيين وكان قد شغل منصب وزير الخارجية وكذلك سفيرا لتونس في واشنطن..، وفي اليوم نفسه ذهب البكوش والحبيب عمار لزيارة بورقيبة الابن في بيته وقدّما له اعتذارهما لما حصل.

محمد الصياح الشخصية الأقرب لبورقيبة ووزيره لكل المراحل ومدير الحزب الحاكم ومؤرخ بورقيبة والذي لعب دورا هاما في الحياة السياسية لأكثر من ربع قرن اعتقل بدوره ليلة الانقلاب وقد حاول إطلاق النار من بندقية صيد على الوحدة الخاصة التي كلفت باعتقاله وظل الصياح رهن الاعتقال مدة أسبوعين ثم وضع رهن الإقامة الجبرية ليبتعد بعدها نهائيا عن الحياة السياسية.

منصور السخيرى اقرب المقربين من بورقيبة وقتها باعتباره شغل واليا على المنستير من سنة 1977 إلى سبتمبر 1985 تاريخ تعيينه وزيرا مديرا للديوان الرئاسي ليصبح لاعبا مهما في قصر قرطاج خصوصا بعد طلاق بورقيبة من زوجته وسيلة وإبعاد الحبيب بورقيبة الابن.  وتحمله في أفريل 1986 لعدة حقائب منها حقيبة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري ثم في جوان 1986 عين كأحد ثلاثة أمناء عامين مساعدين للحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم إلى جانب زين العابدين بن علي وعمر الشاذلي، أضيفت إليه في 30 مارس 1987 حقيبة النقل والاتصالات، وفي 17 ماي عين أيضا كوزير للتجهيز والإسكان، أعتقل منصور السخيري فجر يوم 7 نوفمبر اثر تواجده في نزل بنفطة، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية بحراسة مسلحة داخل ثكنة العوينة وفي 18 نوفمبر 1987 أقيل من مهامه كأمين عام مساعد وعضو في الديوان السياسي للحزب وحوكم عام 1988 بتهم تتعلق بالفساد وظل معتقلا إلى نوفمبر 1989 تاريخ إطلاق سراحه بمناسبة الذكرى الثانية لتولي بن علي الحكم. ابتعد بعدها عن الحياة العامة إلى حين وفاته في فيفري 1994.

ومن بين الوجوه التي تم اعتقالها كذلك يوم 7 نوفمبر 1987 نذكر محمود بلحسين سكرتير بورقيبة الخاص منذ سنة 1937 وهو الذي يعرف الزعيم أكثر من أي مسؤول مقرب من بورقيبة. هو الذي يسكن معه في قصر قرطاج ويسبح معه في البحر، ومنذ 1955 تاريخ عودة الزعيم من المنافي يتناول معه يوميا الغداء والعشاء، بإرادة الزعيم وإصرار منه، وبقي محمود بلحسين في سجن 9 أفريل عامين بلا محاكمة حقيقية لأن زين العابدين بن علي يعتبره من ألد أعدائه الشخصيين ويتهمه بالتعاون مع الجنرال لاكوست رئيس المخابرات الفرنسية ويبعث اليه بتقارير سرية عن كل ما يقوم به الزعيم بورقيبة وما ينوي فعله وخاصة تقارير موجهة ضد بن علي لمنعه من الوصول للحكم. وعندما أطلق سراح محمود بلحسين عام 89 بتدخل من الحكومة الفرنسية عاد الى فرنسا التي يحمل جنسيتها وبقي هناك.

محجوب بن علي آمر الحرس الوطني في فترة الاستقلال وفترة تدعيم السيادة والاستقلال واحد المقربين جدا جدا من بورقيبة وعينه الأمنية الساهرة الذي تمكن زمن الاستعمار من الافلات من معتقل منزل بورقيبة ومن قبضة أعوان الجندرمة الفرنسية في إحدى الليالي، واعتصم بالجبال ليكون مجموعة من المناضلين يواجه بها جيش الاحتلال وكان له تأثير في مجرى الكفاح الوطني ضد الاستعمار آنذاك ومتعاون جدا مع بورقيبة في كفاحه ضد الاستعمار.

وهو الذي قال عنه الزعيم الحبيب بورقيبة في خطابة بالبالمريوم: "نهاية الكفاح الإيجابي كانت على أيدي هذه الزمرة من المجاهدين الأبطال التي كونها آمر الحرس الوطني محجوب بن علي إذ هاجموا مقهى تجمع المستعمرين بمنزل بورقيبة فانكسرت بذلك الهجوم شوكة طغيان وجبروت اليد الحمراء والاستعمار الفرنسي ووضعت حدّا لتشامخهم وتجاهل حكامهم لمطامح الشعب التونسي وإرادته للحياة".

قاد محجوب بن علي أعوان الحرس الوطني والمتطوعين في معارك الجلاء وكان يكرّر لهم هذا الشعار أثناء القتال: "الموت فداء الوطن ولا نستسلم للعدو مهما كانت قواته ومهما كانت نتائج المعركة".

الشخصية الأخرى التي كانت ضحية الاعتقال يوم 7 نوفمبر هي الجنرال نعمان ابن أخت بورقيبة والذي كان يشغل خطة آمر فوج الطيران آنذاك الذي قال لو علمت بالأمر قبل لحظات لأمرت بقصف قصر قرطاج.

هذا إلى جانب كل من الهادي عطية ومحمود شرشور وحسن قاسم كإجراء وقائي وُضعوا جميعا تحت الإقامة الجبرية بصفتهم مسؤولين سياسيين كان من شأنهم أن يقاوموا النظام الجديد، إضافة إلى محمّد الصيّاح حيث أنه كان معروف عنهم أنّهم حاولوا تنحية بن علي من الوزارة الأولى لتعويضه بمحمّد الصيّاح...

جميع الموقوفين مساء وفجر السابع من نوفمبر وضعوا قيد الإقامة الجبرية في خيمة مجهزة للغرض بثكنة العوينة.

الثورة.. ورموز نظام بن علي

لم ينل وزراء نظام بن علي نفس المعاملة، ففي حين بقي البعض منهم بعيدا تماما على أروقة القضاء رغم حجم نفوذه وقوته قبل 2011، قضى البعض الآخر سنوات طويلة في السجن قبل الإفراج عنه بسبب التهم الواهية التي أسندت له.

محاكمات وتتبعات عدلية شملت جل وزراء بن علي ومستشاريه في حين لم يقع تتبع رئيس برلمان بن علي فؤاد المبزّع بل على العكس من ذلك تولى منصب رئيس الجمهورية بعد الثورة على ضوء دستور 1959 رغم إيقاف العمل بهذا الدستور بعد أسابيع قليلة من الثورة.

كما أن آخر وزير اول في نظام بن علي وأول وزير أول بعد الثورة، محمد الغنوشي، بقي بعيدا عن المحاكمة ولم يدرج اسمه سوى في بعض الملفات البسيطة خاصة انه واصل رئاسة الحكومة بعد الثورة وكان تقريبا رجل ملفات وبعيدا نوعا ما عن مؤامرات ودسائس السياسة. نفس الشيء بالنسبة لوزير الخارجية الأسبق كمال مرجان الذي وجهت له فقط تهم تتعلق بجوازات السفر الديبلوماسية وكذلك وزير المالية رضا شلغوم الذي عاد مع حكومة الشاهد ليتقلد نفس المنصب كما ورد اسمه في وقت ما ليتولى رئاسة الحكومة.

في حين تم إيقاف وزير الداخلية رفيق الحاج قاسم واحالته على القضاء كما تم إيقاف وزير الدفاع رضا قريرة أيضا خمسة أيام قبل الافراج عنه ثم ملاحقته ثانيا وسجنه بتهم الفساد من سبتمبر 2011 حتى مارس 2014. وكذلك تم اطلاق سراح وزير الشؤون الدينية أبو بكر الاخزوري بعد مدة من إيقافه، وتمت محاكمة أسامة الرمضاني في حالة سراح وبالنسبة لوزير البيئة نذير حمادة تم الافراج عنه يوم 6 مارس 2018 بعد إيقافه في ملف قضية زوجات الوزراء بسيدي بوسعيد.

كما تم الافراج على مستشاري رئيس الجمهورية عبد العزيز بن ضياء وعبد الوهاب عبد الله، بعد ايقافهما لأشهر، ولزهر بوعوني وزير التعليم العالي والعدل الذي خضع للتحقيق بعد الثورة وصدرت ضده احكام بالسجن (6 سنوات( وأيضا محمد الغرياني آخر امين عام للتجمع المنحل الذي تم توقيفه في 11 أفريل 2011  بتهمة إساءة استخدام السلطة والاختلاس في إدارة التجمع، أطلق سراحه في 10 جويلية 2013 وتم منعه من الظهور في الأماكن العامة والغريب انه وفي ديسمبر 2020، عيّنه راشد الغنوشي رئيس البرلمان آنذاك مكلفًا بمأمورية ومستشار له في ديوان رئيس مجلس نواب.

كذلك  نال وزير الداخلية الأسبق عبد الله القلال وكاتب الدولة للأمن محمد علي القنزوعي أربع سنوات سجنا وذلك على خلفية دعوى تقدم بها 17 ضابطا في الجيش ضد التعذيب وتعود وقائعها إلى العام 1991 حين اتهم الضباط بمحاولة القيام بانقلاب على نظام بن علي. كما نال المستشار السابق برئاسة الجمهورية المنجي صفرة سنوات من السجن قبل اطلاق سراحه ، كما تم التخليّ عن التتبع بموجب قانون المصالحة الإدارية الذي طرحه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في حق وزير البيئة الأسبق نذير حمادة .

وتم اعتقال وزير التعليم العالي والبحث العلمي البشير التكاري في 11 جويلية 2011 في ملف اليخت المسروق المورط فيه كذلك عماد الطرابلسي قبل الافراج عنه في نوفمبر 2012.

كذلك الإبقاء على وزير أملاك الدولة زهير المظفر في حالة سراح بعد مثوله امام القضاء في افريل 2011  ثم سجنه مجددا قبل ان تقرر المحكمة يوم 10 جويلية 2013 الافراج عنه بكفالة  قيمتها 65 الف دينار في قضية نزاع حول أراضي.

وزير العدل والشباب والطفولة والخارجية والرياضة والسياحة والنقل وامين عام التجمع...، جميعها خطط تولاها الوزير الأسبق عبد الرحيم الزواري الذي تم إيقافه بعيد الثورة ثم افرج عنه لتتم ملاحقته بعد ذلك في عديد الملفات الأخرى آخرها الحكم عليه في مارس 2022 بالسجن 4 سنوات على ضوء الفصل 96 الشهير.


كما تقدمت مجموعة الـ 25 محاميا بقضايا ضد كل من مصطفى بوعزيز وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية الأسبق ومحمد رضا كشيش وزير مالية سابقا ومحمد المهدي مليكة وزير البيئة الأسبق والمستشار لدى الوزير الأول وسلوى العياشي اللبان وزيرة المرأة سابقا ومنصر الرويسي وزير الشؤون الاجتماعية سابقا وسميرة الخياش بلحاج وزيرة التجهيز والإسكان سابقا وتوفيق بكار محافظ البنك المركزي الأسبق
ووجهت لهذه المجموعة تهمة استغلال موظف عمومي لصفته لاستخلاص فائدة له لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو الإضرار بالإدارة وتم الاستماع اليهم وابقائهم بحالة سراح.

كذلك زار المحاكم ومراكز الإيقاف وحتى السجون كل من رافع دخيل وزير الشؤون الاجتماعية والاتصال وكمال حاج ساسي وحامد مليكة مستشار بن علي والحبيب عمار وزير الداخلية الأسبق وعبد السلام منصور وزير الفلاحة وعلي السرياطي مدير الامن الرئاسي القوي وغيرهم...

يوسف الشاهد.."بين تونس والفساد"

بعنوان مغر ومثير للاهتمام والتعاطف وضع رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد حربه على الفساد تحت عنوان: »بين تونس والفساد.. اخترت تونس«.

دون توقع وبطريقة مباغتة انطلق يوسف الشاهد واستنادا الى قانون الطوارئ في حملة إيقافات ضد رجال أعمال ومهربين كبار وذلك بتهم الفساد المالي والاعتداء على أمن الدولة، كما قامت الحكومة بمصادرة ممتلكات 8 رجال أعمال بتهمة تحقيق أرباح غير مشروعة بفضل علاقاتهم مع عائلة الرئيس المخلوع وأصهاره .

وكانت أكبر مفاجآت هذه الحملة، إيقاف رجل الأعمال شفيق جراية الذي يقبع الى اليوم في السجن وكان يعد وقت إيقافه أحد ابرز ممولي حزب نداء تونس المنقرض والذي كان ينتمي له يوسف الشاهد وهو ما أثار ريبة عميقة بشأن جدية هذه الإيقافات وما اذا كانت لها علاقة بتصفية حسابات وصراع الأجنحة المحتد وقتها داخل حزب النداء .

وفي تلك الإيقافات تم توجيه تهمة خطيرة لشفيق جراية رجل الكواليس والظل الذي تسرّب الى الاعلام والى الحياة السياسية من الأبواب الخلفية ولعب أدوارا خطيرة ما تزال الى اليوم محلّ اهتمام ومتابعة، حيث كشفت وقتها النيابة العمومية أن رجل الاعمال شفيق جراية متهم بالاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخيانة والمشاركة في ذلك والتخابر مع أطراف أجنبية وأساسا أطراف ليبية ووضع النفس تحت تصرّف جيش أجنبي.

وهذه القضية ما تزال جارية الى اليوم ولكن ما وضع حملة يوسف الشاهد محل شكوك بانها عملية تصفية سياسية تحت عنوان مغر للرأي العام مكافحة الفساد أن هناك شخصيات نافذة في الدولة والحياة السياسية وتم ذكرها في تقارير رقابية رسمية مثل تقرير دائرة المحاسبات وتقارير الهيئات الرقابية الحكومية ولكن لم يتم اعتماد تلك التقارير في تلك الحملة لتعقّب الفاسدين وناهبي المال العام..، لتنتهي تلك الحملة بعد أيام قليلة دون نتائج تكاد تذكر باستثناء عملية إيقاف شفيق جراية وهو ما وضع تلك الحملة في خانة تصفية الحسابات السياسية وليس مقاومة الفساد والتصدّي لمخرّبي البلاد.

25 جويلية.. تدابير استثنائية وإيقافات مزلزلة

لم يتردّد الرئيس قيس سعيد وفي لحظة الصفر أن يغامر سياسيا وبكل ما يملك من قوة ليعلن إجراءات 25 جويلية، إجراءات شكلت وقتها زلزالا سياسيا بأتم معنى الكلمة انتهى بسقوط حكومة هشام مشيشي وحلّ البرلمان برئاسة راشد الغنوشي بعد تفعيل الفصل 80 وإعلان حالة التدابير الاستثنائية..، ولكن هذا المسار الذي قوبل في البداية باحتجاج محتشم من أغلب الطيف السياسي سرعان ما بدأ يثير المخاوف والهواجس بشأنه في الداخل والخارج وخاصة مع تتالي موجة الاعتقالات والإيقافات والوضع تحت الإقامة الجبرية لشخصيات معارضة فتحت في شأنها ملفات قضائية من الوزن الثقيل .

وبعد موجة الإيقافات الأخيرة بتهمة التآمر على امن الدولة والتي طالت شخصيات سياسية معارضة ونشطاء وشخصيات عامة أصبحت المعارضة تتمسّك بقوة بسردية أن هذه الإيقافات لا علاقة لها بالتهم التي تحاول الأجهزة تثبيتها وانها مجرد محاكمات سياسية هدفها التنكيل بالخصوم ووضع كل معارضة قيد الإيقاف مع تأجيل التنفيذ فقط .

ومما يغذي الشكوك بشأن نزاهة تلك الإيقافات رغم ان القضايا ما تزال قيد التحقيقات القضائية ولم يقع البت فيها هو أن اغلب الشخصيات التي تم ايقافها عرفت بنقدها اللاذع لسياسات قيس سعيد وتوجهاته السياسية مثل لزهر العكرمي الوزير والقيادي السابق بحركة نداء تونس والمستشار السياسي ليوسف الشاهد والذي تم إيقافه يوم 13 فيفري الماضي فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة ومحاولة تبديل هيئة الدولة مثله مثل رضا بالحاج الذي تقلد بعد الثورة منصب كاتب عام الحكومة عندما كان الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي رئيسا مؤقتا للحكومة وقد تم إيقافه يوم 25 فيفري الماضي على خلفية نفس قضية التآمر ..

وعلى نفس قضية التآمر تمت إحالة وإيقاف نور الدين البحيري أحد أبرز قيادات حركة النهضة ووزير العدل السابق يوم 13 فيفري الماضي، وقد سبق أن تم توقيف البحيري منذ اشهر في اطار قضية تتعلق بشبهات إرهابية وكذلك تم وضعه تحت الإقامة الجبرية مع عدد آخر من الشخصيات مثل عميد المحامين السابق ورئيس هيئة مكافحة الفساد التي تم تجميد أعمالها، شوقي الطبيب وكذلك تم إيقاف القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي في 11 فيفري الماضي بسبب نفس القضية وهي قضية التآمر على أمن الدولة ومحاولة تبديل هيئة الدولة مع نشطاء سياسيين آخرين.

ومن الأسماء التي أثار ايقافها الكثير من الحبر وهو الذي طالما شغل الرأي العام ونُسجت حول نفوذه وقوته في الكواليس قصص وحكايات، نجد كمال لطيف الذي كان صديقا للرئيس الراحل زين العابدين بن علي ومنذ الثورة انطلق الحديث على كونه رجل الظل القوي والذي يملك شبكة علاقات قوية مع أغلب السياسيين والوزراء بما منحه سطوة ونفوذا.

وكمال لطيف المعروف بكونه رجل العلاقات النافذة هو أيضا رجل أعمال في المجال العقاري، تم إيقافه يوم 11 فيفري في نفس قضية التآمر، ومن الشخصيات التي يثير اليوم ايقافها كذلك الجدل نجد أيضا المدير العام لإذاعة "موزاييك" نور الدين بوطار والذي تم إيقافه يوم 13 فيفري في علاقة كذلك بقضية التآمر على أمن الدولة بالإضافة الى ما قيل عن شبهات فساد مالي تلاحقه ولكن محاموه يصرون أن إيقافه يأتي على خلفية الخط التحريري للمؤسسة والذي يقوم على نقد سياسات وتوجهات الرئيس قيس سعيد .

ومن الموقوفين أيضا على خلفية نفس قضية التآمر نجد أيضا الحبيب اللوز القيادي السابق وعضو المجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة وكذلك عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري وشقيق زعيم جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي وقد تم إيقافه يوم 22 فيفري الماضي.

نجد كذلك جوهر بن مبارك، أستاذ القانون الدستوري والناشط السياسي بجبهة الخلاص الذي تم إيقافه يوم 24 فيفري الماضي وكذلك القيادية بجبهة الخلاص المعارضة شيماء عيسى والتي تم ايقافها يوم 22 فيفري في ما يعرف أيضا بقضية التآمر، إلى جانب غازي الشواشي الذي قدّم استقالته من الأمانة العامة لحزب التيار الديمقراطي وتقلد منصب وزير أملاك الدولة في حكومة إلياس الفخفاخ، ولكن بعد إعلان إجراءات 25 جويلية أصبح من أشد المعارضين لسياسات قيس سعيد حيث تم إيقافه يوم 24 فيفري الماضي فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة ومحاولة تبديل هيئة الدولة مع نشطاء سياسيين آخرين.

وعلى خلفية نفس قضية التآمر تم إيقاف القيادي بحزب التكتل خيام التركي الذي تم ترشيحه لمنصب وزير المالية بعد الثورة لكن بسبب شبهة قضية فساد مالي تم استبعاد اسمه. وقبل سنوات طرح اسم خيام التركي كمرشح لرئاسة الحكومة خلفا لإلياس الفخفاخ وقد تم إيقافه في 11 فيفري الماضي.

وبعيدا عن قضية التآمر يقبع اليوم بالسجن كل من وزير الداخلية الأسبق والقيادي بحركة النهضة علي العريض الذي تم إيقافه يوم 19 ديسمبر الماضي فيما يعرف بقضية التسفير إلى بؤر القتال في سوريا.

كما تم إيقاف بشير العكرمي وكيل الجمهورية الأسبق والمكلف بالتحقيق في جريمة اغتيال شكري بلعيد وقد تم إيقافه يوم 12 فيفري الماضي  وأطلقت النيابة العمومية سراحه قبل أن يحجز فيما بعد بمستشفى الرازي للأمراض العقلية ومن التهم الموجهة اليه التستّر على القضايا الإرهابية.

وكذلك تم إيقاف النائب السابق بالبرلمان المنحل والقيادي بكتلة ائتلاف الكرامة راشد الخياري والذي تم إيقافه بتهم مختلفة تمس من سمعة الجيش والتآمر على أمن الدولة. وصدر ضده مؤخرا حكما بالسجن بـ6 أشهر. وكذلك تم إيقاف النائب السابق بالبرلمان وليد جلاد في 14 فيفري الماضي على خلفية قضية فساد مالي واقتصادي .

ومن السياسيين الذين يقبعون اليوم بالسجن لقضاء عقوبة سالبة للحرية نجد رئيس كتلة ائتلاف الكرامة والذي يعتبر من أشد منتقدي الرئيس حيث حكم عليه فيما يعرف بقضية مطار تونس قرطاج بالسجن 14 شهرا مع النفاذ العاجل مع منعه من مزاولة مهنة المحاماة من قبل المحكمة العسكرية طيلة 5 سنوات.

ومن الشخصيات السياسية التي هي رهن الإيقاف نجد محمد بن سالم الذي كان وزيرا للفلاحة وكان قياديا بحركة النهضة قبل الاستقالة منها والالتحاق بالحزب الجديد الذي اسسه عبد اللطيف المكي وقد تم إيقاف بن سالم يوم 3 مارس الماضي بالجنوب التونسي عندما كان يستعد لاجتياز الحدود الى القطر الليبي .

كذلك يخضع راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب المنحل ورئيس حركة النهضة للتحقيق في عديد الملفات منها خاصة ملف انستالينغو.

 ولئن لم يبت القضاء الى اليوم في كل هذه القضايا ولم تصدر أحكام نهائية في هذه المحاكمات باستثناء البعض منها وفي علاقة بسيف الدين مخلوف وراشد الخياري، فانه الى اليوم تشكك المعارضة في حقيقة التهم الموجهة لهؤلاء السياسيين والتي على خلفيتها تمت الإيقافات، رغم الحديث عن تهم ثقيلة مثل التآمر والاستعداد لتبديل هيئة الدولة..، كما أن أطرافا دولية حقوقية تشكك في قانونية هذه الإيقافات وتطالب بشكل متواصل بإطلاق سراح المعتقلين والذين تصفهم بمعتقلي الرأي .

هذه الإيقافات التي تأتي بعد كل تحول سياسي تؤكد ان السلطة مغرية لكن تبعاتها مجهولة وان المحاكم والقضايا تفتح بمجرد تغير الأنظمة والسياسات..، لكن سلطة القضاء واستقلاليته تبقى فوق كل اعتبار بعيدا عن كل الجوانب والخلفيات السياسية..، ومن اذنب في حق الدولة والوطن ينال جزاءه ومن ثبتت براءته فمكانه الحرية ورد الاعتبار.

من بن علي وحكام الثورة وصولا إلى قيس سعيّد | الإيقافات والاعتقالات السياسية.. مقتضيات العدالة أم ضروريات المرحلة وكرسي الحكم!

تونس – الصباح

لا يخلو تاريخ دولة الوطنية منذ الاستقلال الى اليوم من المحاكمات ذات الطابع السياسي حتى ولو كانت تحت يافطات وعناوين مختلفة مثل الخيانة العظمى أو التآمر على أمن الدولة أو الفساد وسوء التصرّف، ولكن وبالنظر إلى طبيعة هذه المحاكمات والشخصيات المتهمة فيها يبقى دائما البعد السياسي مطروحا بقوة في أغلبها حتى ولو كانت هناك إجراءات قضائية سليمة في التعاطي مع هذه القضايا والملفات، ولكن السياقات السياسية والصراعات التي مرّت بها الدولة سواء في مراحل التغيير العميق في السلطة أو في علاقة بأحداث جسام أربكت النظام وقتها، دائما ما تؤكّد شبهة تسيّس هذه القضايا ولا تنفيها !

وبصرف النظر عن محاكمة اليوسفيين والتي كانت ذات طابع سياسي صرف لم ينكره النظام..، فان محاكمة الراحل أحمد بن صالح كانت أولى هذه المحاكمات التي اتخذت طابعا سياسيا واضحا رغم أن محاكمة وزيره على مغامرة التعاضد التي خاضها بمباركة النظام والزعيم بورقيبة ولكن عندما فشلت التجربة اختار بورقيبة أن يقدم كبش فداء رغم علاقته الوطيدة به وثقته المطلقة فيه وهو الذي جعل منه الوزير صاحب الوزارات المتعددة ولكن في النهاية نزع عنه كل مناصبه وأحاله على المحكمة العليا بتهمة الخيانة العظمى.

وبعد محاكمة بن صالح تتالت المحاكمات والإيقافات السياسية، سواء في علاقة بمجموعة برسبيكتيف والعامل التونسي مرورا بأحداث جانفي 1978 واعتقال الأمين العام لاتحاد الشغل الحبيب عاشور وقيادة الاتحاد الذين تم اتهامهم بارتكاب أفعال القصد منها تبديل هيئة الدولة..، ومحاكمة النقابيين حدثت مرة ثانية مع أحداث الخبر في 1984 حيث لم تتعاط المحكمة معها كعمل وحق نقابي مارسه النقابيون دفاعا على حقوق الشغالين ولكن تعاطت معها كاعتداء على أمن الدولة وهي تهم خطيرة وبعيدة عن ممارسة الحق النقابي ونفس السيناريو كان في أحداث الحوض المنجمي في 2008 حيث تمت محاكمة نشطاء وصحافيين ونقابيين بسبب الاحتجاج على خلفية مطالب نقابية.

احداث الخبز شهدت كذلك اقالة ومحاكمة ابرز وزير وقتها وهو ادريس قيقة وزير الداخلية، ثم كانت المحاكمة الأشهر وهي محاكمة الوزير الأول محمد مزالي الذي هرب للجزائر ومنها نحو باريس.

ومع تغيير7 نوفمبر كان هناك فصل جديد من المحاكمات ذات الطابع السياسي حيث تم إيقاف شخصيات سياسية وقيادات أمنية وعسكرية بتهم مختلفة لكن اغلبها كانت إيقافات تحفظية بعيدة عن تهم الفساد باعتبار نظافة اليد التي كانت تميز بورقيبة ووزرائه..، ولم يختلف الأمر كثيرا بعد الثورة حيث تمت إحالة أغلب وزراء ورموز نظام بن علي على القضاء بالإضافة الى أصهاره وشخصيات محسوبة على نظامه وموظفين ساميين بالدولة.

ومنذ اعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد لإجراءات 25 جويلية ظلت الإيقافات والاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية والقضائية تحت عنوان مكافحة الفساد والتصدّي الى التآمر على أمن الدولة، تثير الكثير من الشكوك بشأن نزاهتها ومصداقيتها خاصة وأن البعض رآها محاولة لتصفية المعارضة والخصوم السياسيين لرئيس الجمهورية..، وهذه التهمة لاحقت أيضا في وقت سابق رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد يوم أعلن ما اسماها "حربه على الفساد" حيث اعتبر البعض انها ليست الا حربا انتقائية كان هدفها تصفية خصومه وذرّ الرماد على العيون شملت عددا من كبار المهربين .

وفي الملف التالي سنستعرض أبرز الإيقافات ذات الطابع السياسي والتي شهدتها تونس في مراحل تحوّلاتها الكبرى ومراحل الصراع على السلطة.

ملف من إعداد : سفيان رجب - منية العرفاوي

 

7 نوفمبر.. والخوف من ولاء وزراء بورقيبة

ليلة 7 نوفمبر 1987 وعندما كان الوزير الأول ووزير الداخلية زين العابدين بن علي ومن معه في لحظاتهم الأخيرة للسيطرة على الحكم وعزل الرئيس الحبيب بورقيبة، كانت أولى الخطوات بعد أن جهزت الوثيقة الطبية الممضى عليها من قبل 7 دكاترة اثبتت عجز الزعيم عن الحكم ليتم عزله وفق الفصل 57 من الدستور الذي ينص على أن يتولى الوزير الأول رئاسة الجمهورية في حالة عجز أو وفاة رئيس الجمهورية؛ لذا كان ضرورياً وجود ما يثبت عجز الرئيس، وهو ما جهز له بن علي مع وزيرة الصحة سعاد اليعقوبي، إذ أعد تقريراً طبياً لإثبات العجز الصحي لبورقيبة.

وبعد أن قام الجنرال الحبيب عمار آمر الحرس الوطني وقتها بتطويق القصر الرئاسي بقرطاج واستبدال عناصر الأمن الرئاسي بعناصر من وحدة القوّات الخاصة بالحرس الوطني..، كانت المرحلة اللاحقة وهي إيقاف واعتقال عدد من وزراء بن علي ممن اثبتوا ولاءهم الدائم والأبدي للزعيم والذين يمكن ان يرفضوا ويقاوموا الانقلاب.

فجر 7 نوفمبر وقع التحفظ على عدة شخصيات موالية لبورقيبة ومن أبرزها الوزيران محمد الصياح ومنصور السخيري، ومحمود بلحسين مرافق الزعيم  ومحجوب بن علي  أحد المديرين السابقين للحزب الحاكم واحد المستشارين الأمنيين لبورقيبة.

انقلاب أو تحولّ 7 نوفمبر كان الهدف منه الإطاحة ببورقيبة بالقانون ودون سفك دماء، وكذلك قطع الطريق أمام انقلاب آخر يجهز في اليوم الموالي يقوده الإسلاميون وجهزوا له السلاح، وكانت الخطة تقتضي اغتيال الزعيم بورقيبة يوم الأحد 8 نوفمبر1987 بقمرت في ذكرى احتفال عيد الشجرة.

وفي ساعة متأخرة من مساء 6 نوفمبر1987، صدرت الأوامر لقوات مختصة من سلك الحرس للقبض على عدد من المقربين من بورقيبة ومنهم الحبيب بورقيبة الابن الذي تم إخلاء سبيله بعد وقت قصير من احتجازه بعد أن علم بن علي أن الهادي البكوش الشريك الأول في الانقلاب والوزير الأول بعده هو الذي أمر باحتجازه دون استشارته، خاصة أن بورقيبة الابن كان من اشد المقربين للأمريكيين وكان قد شغل منصب وزير الخارجية وكذلك سفيرا لتونس في واشنطن..، وفي اليوم نفسه ذهب البكوش والحبيب عمار لزيارة بورقيبة الابن في بيته وقدّما له اعتذارهما لما حصل.

محمد الصياح الشخصية الأقرب لبورقيبة ووزيره لكل المراحل ومدير الحزب الحاكم ومؤرخ بورقيبة والذي لعب دورا هاما في الحياة السياسية لأكثر من ربع قرن اعتقل بدوره ليلة الانقلاب وقد حاول إطلاق النار من بندقية صيد على الوحدة الخاصة التي كلفت باعتقاله وظل الصياح رهن الاعتقال مدة أسبوعين ثم وضع رهن الإقامة الجبرية ليبتعد بعدها نهائيا عن الحياة السياسية.

منصور السخيرى اقرب المقربين من بورقيبة وقتها باعتباره شغل واليا على المنستير من سنة 1977 إلى سبتمبر 1985 تاريخ تعيينه وزيرا مديرا للديوان الرئاسي ليصبح لاعبا مهما في قصر قرطاج خصوصا بعد طلاق بورقيبة من زوجته وسيلة وإبعاد الحبيب بورقيبة الابن.  وتحمله في أفريل 1986 لعدة حقائب منها حقيبة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري ثم في جوان 1986 عين كأحد ثلاثة أمناء عامين مساعدين للحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم إلى جانب زين العابدين بن علي وعمر الشاذلي، أضيفت إليه في 30 مارس 1987 حقيبة النقل والاتصالات، وفي 17 ماي عين أيضا كوزير للتجهيز والإسكان، أعتقل منصور السخيري فجر يوم 7 نوفمبر اثر تواجده في نزل بنفطة، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية بحراسة مسلحة داخل ثكنة العوينة وفي 18 نوفمبر 1987 أقيل من مهامه كأمين عام مساعد وعضو في الديوان السياسي للحزب وحوكم عام 1988 بتهم تتعلق بالفساد وظل معتقلا إلى نوفمبر 1989 تاريخ إطلاق سراحه بمناسبة الذكرى الثانية لتولي بن علي الحكم. ابتعد بعدها عن الحياة العامة إلى حين وفاته في فيفري 1994.

ومن بين الوجوه التي تم اعتقالها كذلك يوم 7 نوفمبر 1987 نذكر محمود بلحسين سكرتير بورقيبة الخاص منذ سنة 1937 وهو الذي يعرف الزعيم أكثر من أي مسؤول مقرب من بورقيبة. هو الذي يسكن معه في قصر قرطاج ويسبح معه في البحر، ومنذ 1955 تاريخ عودة الزعيم من المنافي يتناول معه يوميا الغداء والعشاء، بإرادة الزعيم وإصرار منه، وبقي محمود بلحسين في سجن 9 أفريل عامين بلا محاكمة حقيقية لأن زين العابدين بن علي يعتبره من ألد أعدائه الشخصيين ويتهمه بالتعاون مع الجنرال لاكوست رئيس المخابرات الفرنسية ويبعث اليه بتقارير سرية عن كل ما يقوم به الزعيم بورقيبة وما ينوي فعله وخاصة تقارير موجهة ضد بن علي لمنعه من الوصول للحكم. وعندما أطلق سراح محمود بلحسين عام 89 بتدخل من الحكومة الفرنسية عاد الى فرنسا التي يحمل جنسيتها وبقي هناك.

محجوب بن علي آمر الحرس الوطني في فترة الاستقلال وفترة تدعيم السيادة والاستقلال واحد المقربين جدا جدا من بورقيبة وعينه الأمنية الساهرة الذي تمكن زمن الاستعمار من الافلات من معتقل منزل بورقيبة ومن قبضة أعوان الجندرمة الفرنسية في إحدى الليالي، واعتصم بالجبال ليكون مجموعة من المناضلين يواجه بها جيش الاحتلال وكان له تأثير في مجرى الكفاح الوطني ضد الاستعمار آنذاك ومتعاون جدا مع بورقيبة في كفاحه ضد الاستعمار.

وهو الذي قال عنه الزعيم الحبيب بورقيبة في خطابة بالبالمريوم: "نهاية الكفاح الإيجابي كانت على أيدي هذه الزمرة من المجاهدين الأبطال التي كونها آمر الحرس الوطني محجوب بن علي إذ هاجموا مقهى تجمع المستعمرين بمنزل بورقيبة فانكسرت بذلك الهجوم شوكة طغيان وجبروت اليد الحمراء والاستعمار الفرنسي ووضعت حدّا لتشامخهم وتجاهل حكامهم لمطامح الشعب التونسي وإرادته للحياة".

قاد محجوب بن علي أعوان الحرس الوطني والمتطوعين في معارك الجلاء وكان يكرّر لهم هذا الشعار أثناء القتال: "الموت فداء الوطن ولا نستسلم للعدو مهما كانت قواته ومهما كانت نتائج المعركة".

الشخصية الأخرى التي كانت ضحية الاعتقال يوم 7 نوفمبر هي الجنرال نعمان ابن أخت بورقيبة والذي كان يشغل خطة آمر فوج الطيران آنذاك الذي قال لو علمت بالأمر قبل لحظات لأمرت بقصف قصر قرطاج.

هذا إلى جانب كل من الهادي عطية ومحمود شرشور وحسن قاسم كإجراء وقائي وُضعوا جميعا تحت الإقامة الجبرية بصفتهم مسؤولين سياسيين كان من شأنهم أن يقاوموا النظام الجديد، إضافة إلى محمّد الصيّاح حيث أنه كان معروف عنهم أنّهم حاولوا تنحية بن علي من الوزارة الأولى لتعويضه بمحمّد الصيّاح...

جميع الموقوفين مساء وفجر السابع من نوفمبر وضعوا قيد الإقامة الجبرية في خيمة مجهزة للغرض بثكنة العوينة.

الثورة.. ورموز نظام بن علي

لم ينل وزراء نظام بن علي نفس المعاملة، ففي حين بقي البعض منهم بعيدا تماما على أروقة القضاء رغم حجم نفوذه وقوته قبل 2011، قضى البعض الآخر سنوات طويلة في السجن قبل الإفراج عنه بسبب التهم الواهية التي أسندت له.

محاكمات وتتبعات عدلية شملت جل وزراء بن علي ومستشاريه في حين لم يقع تتبع رئيس برلمان بن علي فؤاد المبزّع بل على العكس من ذلك تولى منصب رئيس الجمهورية بعد الثورة على ضوء دستور 1959 رغم إيقاف العمل بهذا الدستور بعد أسابيع قليلة من الثورة.

كما أن آخر وزير اول في نظام بن علي وأول وزير أول بعد الثورة، محمد الغنوشي، بقي بعيدا عن المحاكمة ولم يدرج اسمه سوى في بعض الملفات البسيطة خاصة انه واصل رئاسة الحكومة بعد الثورة وكان تقريبا رجل ملفات وبعيدا نوعا ما عن مؤامرات ودسائس السياسة. نفس الشيء بالنسبة لوزير الخارجية الأسبق كمال مرجان الذي وجهت له فقط تهم تتعلق بجوازات السفر الديبلوماسية وكذلك وزير المالية رضا شلغوم الذي عاد مع حكومة الشاهد ليتقلد نفس المنصب كما ورد اسمه في وقت ما ليتولى رئاسة الحكومة.

في حين تم إيقاف وزير الداخلية رفيق الحاج قاسم واحالته على القضاء كما تم إيقاف وزير الدفاع رضا قريرة أيضا خمسة أيام قبل الافراج عنه ثم ملاحقته ثانيا وسجنه بتهم الفساد من سبتمبر 2011 حتى مارس 2014. وكذلك تم اطلاق سراح وزير الشؤون الدينية أبو بكر الاخزوري بعد مدة من إيقافه، وتمت محاكمة أسامة الرمضاني في حالة سراح وبالنسبة لوزير البيئة نذير حمادة تم الافراج عنه يوم 6 مارس 2018 بعد إيقافه في ملف قضية زوجات الوزراء بسيدي بوسعيد.

كما تم الافراج على مستشاري رئيس الجمهورية عبد العزيز بن ضياء وعبد الوهاب عبد الله، بعد ايقافهما لأشهر، ولزهر بوعوني وزير التعليم العالي والعدل الذي خضع للتحقيق بعد الثورة وصدرت ضده احكام بالسجن (6 سنوات( وأيضا محمد الغرياني آخر امين عام للتجمع المنحل الذي تم توقيفه في 11 أفريل 2011  بتهمة إساءة استخدام السلطة والاختلاس في إدارة التجمع، أطلق سراحه في 10 جويلية 2013 وتم منعه من الظهور في الأماكن العامة والغريب انه وفي ديسمبر 2020، عيّنه راشد الغنوشي رئيس البرلمان آنذاك مكلفًا بمأمورية ومستشار له في ديوان رئيس مجلس نواب.

كذلك  نال وزير الداخلية الأسبق عبد الله القلال وكاتب الدولة للأمن محمد علي القنزوعي أربع سنوات سجنا وذلك على خلفية دعوى تقدم بها 17 ضابطا في الجيش ضد التعذيب وتعود وقائعها إلى العام 1991 حين اتهم الضباط بمحاولة القيام بانقلاب على نظام بن علي. كما نال المستشار السابق برئاسة الجمهورية المنجي صفرة سنوات من السجن قبل اطلاق سراحه ، كما تم التخليّ عن التتبع بموجب قانون المصالحة الإدارية الذي طرحه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في حق وزير البيئة الأسبق نذير حمادة .

وتم اعتقال وزير التعليم العالي والبحث العلمي البشير التكاري في 11 جويلية 2011 في ملف اليخت المسروق المورط فيه كذلك عماد الطرابلسي قبل الافراج عنه في نوفمبر 2012.

كذلك الإبقاء على وزير أملاك الدولة زهير المظفر في حالة سراح بعد مثوله امام القضاء في افريل 2011  ثم سجنه مجددا قبل ان تقرر المحكمة يوم 10 جويلية 2013 الافراج عنه بكفالة  قيمتها 65 الف دينار في قضية نزاع حول أراضي.

وزير العدل والشباب والطفولة والخارجية والرياضة والسياحة والنقل وامين عام التجمع...، جميعها خطط تولاها الوزير الأسبق عبد الرحيم الزواري الذي تم إيقافه بعيد الثورة ثم افرج عنه لتتم ملاحقته بعد ذلك في عديد الملفات الأخرى آخرها الحكم عليه في مارس 2022 بالسجن 4 سنوات على ضوء الفصل 96 الشهير.


كما تقدمت مجموعة الـ 25 محاميا بقضايا ضد كل من مصطفى بوعزيز وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية الأسبق ومحمد رضا كشيش وزير مالية سابقا ومحمد المهدي مليكة وزير البيئة الأسبق والمستشار لدى الوزير الأول وسلوى العياشي اللبان وزيرة المرأة سابقا ومنصر الرويسي وزير الشؤون الاجتماعية سابقا وسميرة الخياش بلحاج وزيرة التجهيز والإسكان سابقا وتوفيق بكار محافظ البنك المركزي الأسبق
ووجهت لهذه المجموعة تهمة استغلال موظف عمومي لصفته لاستخلاص فائدة له لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو الإضرار بالإدارة وتم الاستماع اليهم وابقائهم بحالة سراح.

كذلك زار المحاكم ومراكز الإيقاف وحتى السجون كل من رافع دخيل وزير الشؤون الاجتماعية والاتصال وكمال حاج ساسي وحامد مليكة مستشار بن علي والحبيب عمار وزير الداخلية الأسبق وعبد السلام منصور وزير الفلاحة وعلي السرياطي مدير الامن الرئاسي القوي وغيرهم...

يوسف الشاهد.."بين تونس والفساد"

بعنوان مغر ومثير للاهتمام والتعاطف وضع رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد حربه على الفساد تحت عنوان: »بين تونس والفساد.. اخترت تونس«.

دون توقع وبطريقة مباغتة انطلق يوسف الشاهد واستنادا الى قانون الطوارئ في حملة إيقافات ضد رجال أعمال ومهربين كبار وذلك بتهم الفساد المالي والاعتداء على أمن الدولة، كما قامت الحكومة بمصادرة ممتلكات 8 رجال أعمال بتهمة تحقيق أرباح غير مشروعة بفضل علاقاتهم مع عائلة الرئيس المخلوع وأصهاره .

وكانت أكبر مفاجآت هذه الحملة، إيقاف رجل الأعمال شفيق جراية الذي يقبع الى اليوم في السجن وكان يعد وقت إيقافه أحد ابرز ممولي حزب نداء تونس المنقرض والذي كان ينتمي له يوسف الشاهد وهو ما أثار ريبة عميقة بشأن جدية هذه الإيقافات وما اذا كانت لها علاقة بتصفية حسابات وصراع الأجنحة المحتد وقتها داخل حزب النداء .

وفي تلك الإيقافات تم توجيه تهمة خطيرة لشفيق جراية رجل الكواليس والظل الذي تسرّب الى الاعلام والى الحياة السياسية من الأبواب الخلفية ولعب أدوارا خطيرة ما تزال الى اليوم محلّ اهتمام ومتابعة، حيث كشفت وقتها النيابة العمومية أن رجل الاعمال شفيق جراية متهم بالاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخيانة والمشاركة في ذلك والتخابر مع أطراف أجنبية وأساسا أطراف ليبية ووضع النفس تحت تصرّف جيش أجنبي.

وهذه القضية ما تزال جارية الى اليوم ولكن ما وضع حملة يوسف الشاهد محل شكوك بانها عملية تصفية سياسية تحت عنوان مغر للرأي العام مكافحة الفساد أن هناك شخصيات نافذة في الدولة والحياة السياسية وتم ذكرها في تقارير رقابية رسمية مثل تقرير دائرة المحاسبات وتقارير الهيئات الرقابية الحكومية ولكن لم يتم اعتماد تلك التقارير في تلك الحملة لتعقّب الفاسدين وناهبي المال العام..، لتنتهي تلك الحملة بعد أيام قليلة دون نتائج تكاد تذكر باستثناء عملية إيقاف شفيق جراية وهو ما وضع تلك الحملة في خانة تصفية الحسابات السياسية وليس مقاومة الفساد والتصدّي لمخرّبي البلاد.

25 جويلية.. تدابير استثنائية وإيقافات مزلزلة

لم يتردّد الرئيس قيس سعيد وفي لحظة الصفر أن يغامر سياسيا وبكل ما يملك من قوة ليعلن إجراءات 25 جويلية، إجراءات شكلت وقتها زلزالا سياسيا بأتم معنى الكلمة انتهى بسقوط حكومة هشام مشيشي وحلّ البرلمان برئاسة راشد الغنوشي بعد تفعيل الفصل 80 وإعلان حالة التدابير الاستثنائية..، ولكن هذا المسار الذي قوبل في البداية باحتجاج محتشم من أغلب الطيف السياسي سرعان ما بدأ يثير المخاوف والهواجس بشأنه في الداخل والخارج وخاصة مع تتالي موجة الاعتقالات والإيقافات والوضع تحت الإقامة الجبرية لشخصيات معارضة فتحت في شأنها ملفات قضائية من الوزن الثقيل .

وبعد موجة الإيقافات الأخيرة بتهمة التآمر على امن الدولة والتي طالت شخصيات سياسية معارضة ونشطاء وشخصيات عامة أصبحت المعارضة تتمسّك بقوة بسردية أن هذه الإيقافات لا علاقة لها بالتهم التي تحاول الأجهزة تثبيتها وانها مجرد محاكمات سياسية هدفها التنكيل بالخصوم ووضع كل معارضة قيد الإيقاف مع تأجيل التنفيذ فقط .

ومما يغذي الشكوك بشأن نزاهة تلك الإيقافات رغم ان القضايا ما تزال قيد التحقيقات القضائية ولم يقع البت فيها هو أن اغلب الشخصيات التي تم ايقافها عرفت بنقدها اللاذع لسياسات قيس سعيد وتوجهاته السياسية مثل لزهر العكرمي الوزير والقيادي السابق بحركة نداء تونس والمستشار السياسي ليوسف الشاهد والذي تم إيقافه يوم 13 فيفري الماضي فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة ومحاولة تبديل هيئة الدولة مثله مثل رضا بالحاج الذي تقلد بعد الثورة منصب كاتب عام الحكومة عندما كان الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي رئيسا مؤقتا للحكومة وقد تم إيقافه يوم 25 فيفري الماضي على خلفية نفس قضية التآمر ..

وعلى نفس قضية التآمر تمت إحالة وإيقاف نور الدين البحيري أحد أبرز قيادات حركة النهضة ووزير العدل السابق يوم 13 فيفري الماضي، وقد سبق أن تم توقيف البحيري منذ اشهر في اطار قضية تتعلق بشبهات إرهابية وكذلك تم وضعه تحت الإقامة الجبرية مع عدد آخر من الشخصيات مثل عميد المحامين السابق ورئيس هيئة مكافحة الفساد التي تم تجميد أعمالها، شوقي الطبيب وكذلك تم إيقاف القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي في 11 فيفري الماضي بسبب نفس القضية وهي قضية التآمر على أمن الدولة ومحاولة تبديل هيئة الدولة مع نشطاء سياسيين آخرين.

ومن الأسماء التي أثار ايقافها الكثير من الحبر وهو الذي طالما شغل الرأي العام ونُسجت حول نفوذه وقوته في الكواليس قصص وحكايات، نجد كمال لطيف الذي كان صديقا للرئيس الراحل زين العابدين بن علي ومنذ الثورة انطلق الحديث على كونه رجل الظل القوي والذي يملك شبكة علاقات قوية مع أغلب السياسيين والوزراء بما منحه سطوة ونفوذا.

وكمال لطيف المعروف بكونه رجل العلاقات النافذة هو أيضا رجل أعمال في المجال العقاري، تم إيقافه يوم 11 فيفري في نفس قضية التآمر، ومن الشخصيات التي يثير اليوم ايقافها كذلك الجدل نجد أيضا المدير العام لإذاعة "موزاييك" نور الدين بوطار والذي تم إيقافه يوم 13 فيفري في علاقة كذلك بقضية التآمر على أمن الدولة بالإضافة الى ما قيل عن شبهات فساد مالي تلاحقه ولكن محاموه يصرون أن إيقافه يأتي على خلفية الخط التحريري للمؤسسة والذي يقوم على نقد سياسات وتوجهات الرئيس قيس سعيد .

ومن الموقوفين أيضا على خلفية نفس قضية التآمر نجد أيضا الحبيب اللوز القيادي السابق وعضو المجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة وكذلك عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري وشقيق زعيم جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي وقد تم إيقافه يوم 22 فيفري الماضي.

نجد كذلك جوهر بن مبارك، أستاذ القانون الدستوري والناشط السياسي بجبهة الخلاص الذي تم إيقافه يوم 24 فيفري الماضي وكذلك القيادية بجبهة الخلاص المعارضة شيماء عيسى والتي تم ايقافها يوم 22 فيفري في ما يعرف أيضا بقضية التآمر، إلى جانب غازي الشواشي الذي قدّم استقالته من الأمانة العامة لحزب التيار الديمقراطي وتقلد منصب وزير أملاك الدولة في حكومة إلياس الفخفاخ، ولكن بعد إعلان إجراءات 25 جويلية أصبح من أشد المعارضين لسياسات قيس سعيد حيث تم إيقافه يوم 24 فيفري الماضي فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة ومحاولة تبديل هيئة الدولة مع نشطاء سياسيين آخرين.

وعلى خلفية نفس قضية التآمر تم إيقاف القيادي بحزب التكتل خيام التركي الذي تم ترشيحه لمنصب وزير المالية بعد الثورة لكن بسبب شبهة قضية فساد مالي تم استبعاد اسمه. وقبل سنوات طرح اسم خيام التركي كمرشح لرئاسة الحكومة خلفا لإلياس الفخفاخ وقد تم إيقافه في 11 فيفري الماضي.

وبعيدا عن قضية التآمر يقبع اليوم بالسجن كل من وزير الداخلية الأسبق والقيادي بحركة النهضة علي العريض الذي تم إيقافه يوم 19 ديسمبر الماضي فيما يعرف بقضية التسفير إلى بؤر القتال في سوريا.

كما تم إيقاف بشير العكرمي وكيل الجمهورية الأسبق والمكلف بالتحقيق في جريمة اغتيال شكري بلعيد وقد تم إيقافه يوم 12 فيفري الماضي  وأطلقت النيابة العمومية سراحه قبل أن يحجز فيما بعد بمستشفى الرازي للأمراض العقلية ومن التهم الموجهة اليه التستّر على القضايا الإرهابية.

وكذلك تم إيقاف النائب السابق بالبرلمان المنحل والقيادي بكتلة ائتلاف الكرامة راشد الخياري والذي تم إيقافه بتهم مختلفة تمس من سمعة الجيش والتآمر على أمن الدولة. وصدر ضده مؤخرا حكما بالسجن بـ6 أشهر. وكذلك تم إيقاف النائب السابق بالبرلمان وليد جلاد في 14 فيفري الماضي على خلفية قضية فساد مالي واقتصادي .

ومن السياسيين الذين يقبعون اليوم بالسجن لقضاء عقوبة سالبة للحرية نجد رئيس كتلة ائتلاف الكرامة والذي يعتبر من أشد منتقدي الرئيس حيث حكم عليه فيما يعرف بقضية مطار تونس قرطاج بالسجن 14 شهرا مع النفاذ العاجل مع منعه من مزاولة مهنة المحاماة من قبل المحكمة العسكرية طيلة 5 سنوات.

ومن الشخصيات السياسية التي هي رهن الإيقاف نجد محمد بن سالم الذي كان وزيرا للفلاحة وكان قياديا بحركة النهضة قبل الاستقالة منها والالتحاق بالحزب الجديد الذي اسسه عبد اللطيف المكي وقد تم إيقاف بن سالم يوم 3 مارس الماضي بالجنوب التونسي عندما كان يستعد لاجتياز الحدود الى القطر الليبي .

كذلك يخضع راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب المنحل ورئيس حركة النهضة للتحقيق في عديد الملفات منها خاصة ملف انستالينغو.

 ولئن لم يبت القضاء الى اليوم في كل هذه القضايا ولم تصدر أحكام نهائية في هذه المحاكمات باستثناء البعض منها وفي علاقة بسيف الدين مخلوف وراشد الخياري، فانه الى اليوم تشكك المعارضة في حقيقة التهم الموجهة لهؤلاء السياسيين والتي على خلفيتها تمت الإيقافات، رغم الحديث عن تهم ثقيلة مثل التآمر والاستعداد لتبديل هيئة الدولة..، كما أن أطرافا دولية حقوقية تشكك في قانونية هذه الإيقافات وتطالب بشكل متواصل بإطلاق سراح المعتقلين والذين تصفهم بمعتقلي الرأي .

هذه الإيقافات التي تأتي بعد كل تحول سياسي تؤكد ان السلطة مغرية لكن تبعاتها مجهولة وان المحاكم والقضايا تفتح بمجرد تغير الأنظمة والسياسات..، لكن سلطة القضاء واستقلاليته تبقى فوق كل اعتبار بعيدا عن كل الجوانب والخلفيات السياسية..، ومن اذنب في حق الدولة والوطن ينال جزاءه ومن ثبتت براءته فمكانه الحرية ورد الاعتبار.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews