إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حكاياتهم .. صندوق القمامة !!

يرويها: أبوبكر الصغير

 

الرمي بالمهملات أو بقايا المنازل هو الإخفاء، لا نريد أن نعرف ماذا سيحدث بعد ذلك.

إن صندوق القمامة أو سلة المهملات شيء سحري حقا.

لم ينزعج الفرنسيون من الإضرابات والاحتجاجات وغلق الطرقات بقدر رعبهم من هذه الأكداس من القمامة في أحياء المدن، والتي تجمعت بسبب الإضرابات التي لجأ إليها جامعوها، لتغزو الجرذان وتنتشر الروائح الكريهة وتتحول شوارع باريس الى مصبات فواضل، بما يهدد بانتشار الأمراض .

في جانب من تاريخ تونس الحديث، تاريخ قمامة بما هو موصول بأحداث ارتبطت بها.

لم يهدّد حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بالسقوط تآمر الزعيم الراحل الآخر صالح بن يوسف ضدّه أو محاولات انقلابيين في بداية ستينات القرن الماضي أو كارثة التعاضد أو حتى ما حصل بمدينة قفصة من هجوم بتواطؤ قوى خارجية، بقدر ما جاءه التهديد الجدي من صندوق القمامة .

سأل بورقيبة السيد زكرياء بن مصطفى رئيس بلدية تونس وكان برتبة وزير: "صحيح اللي الناس يلوّحوا في الخبز في القمامة"؟ أكد له ذلك، ليتقرّر الترفيع في سعر الخبز وتنتفض البلاد (26 جانفي 1978) في ثورة غير مسبوقة لم تضع حدّا لها إلا تلك الجملة الشهيرة "نرجعو وين كنا .."، محملا الوزير الأول محمد مزالي مسؤولية ذاك الإجراء اللاّشعبي لافتا الى أن من أسماه بـ"وزير الزبلة" في إشارة إلى زكرياء بن مصطفى أعلمه بأنه يتم إلقاء الخبز في "الزبلة" !.

انتشر خلال السنوات الأخيرة مصطلح خطير وهو "التلفزة القمامة " télé- poubelle كذلك الإذاعة القمامة في إشارة بيّنة وواضحة إلى البرامج الهابطة التي تفتقر إلى المضامين ذات الجودة والقيمة وتحترم قيم وأخلاق المجتمعات والشعوب .

قامت خلال السنوات الأخيرة حملات تنتقد المشهد الإعلامي ومضامينه بما جعله مثيرا للجدل منددة بالمحتوى الضحل والمتواضع لبعض وسائل الإعلام التونسية.

إن مصطلح "التلفزة القمامة" ازدرائي وعامي يشير إلى البرامج الساقطة التي تم الحكم على أنها ذات قيمة ثقافية أقل أو معدومة مقارنة ببقية البرامج التلفزيونية المقدمة، والتي يتمثل هدفها الأساسي في الحصول على نسب مشاهدة عالية وتقييمات مرتفعة بأي ثمن من خلال المتاجرة بأعراض الناس واللعب على رائحة الفضيحة أو عن طريق اقتراح مواضيع تافهة لافتة للنظر ومذهلة ومثيرة، بناء على استغلال الغرائز البدائية وردود فعل المشاهد حولها .

يجمع الخبراء في مجال السمعي البصري انّ المهمّة الرئيسية لهذه القنوات، صحيح الترفيه والترويح عن النفس، لكن الأخطر من ذلك أنها تشغل أذهان الناس وتمنعهم من التفكير في واقعهم .

لكن الأخطر في كلّ هذا ما كشفته دراسة علمية حديثة أن هذا النوع من البرامج والمضامين السطحية والشعبية لها آثار ضارة بالفعل وتأثير سلبي على الحياة السياسية حتى عندما لا تتعامل مع السياسة على الإطلاق. يأتي هذا الاستنتاج إلينا من مصدر غير متوقع : The American Economic Review ، ربما أكثر المنشورات احتراما دوليا، هناك مقال للأساتذة روبين دورانتي وباولو بينوتي وأندريا تيسي بعنوان "الإرث السياسي للتلفزيون الترفيهي". استخلصوا في دراستهم أنّ المشاهدين الذين أدمنوا على متابعة مثل هذه البرامج التافهة أصيبوا بالغبن وهم أقل ذكاء من الناحية المعرفية مع وعي مدني ضعيف أقل من أقرانهم الذين لم يتابعوها.

مثال آخر قدمته الدراسة: الاختبارات النفسية التي خضعت لها مجموعة من الجنود الشباب من المناطق التي استقبلت هذه المضامين من البرامج أظهرت أداء أقل بنسبة 8 و25٪ من زملائهم الذين أكملوا دروسهم دون أن يتمكنوا من مشاهدتها.

وبالمثل، سجل الأطفال والمراهقون الذين شاهدوها درجات أقل بشكل ملحوظ في مادتي الرياضيات والقراءة كبالغين.

تأكد اليوم أن الغباء أيضا تتم صناعته تماما كما هو الذكاء الاصطناعي .

من المؤسف حقا انّه يمكننا هذه الأيام أن نجد الكثير من المواد المنزوعة الدسم، إلّا الغباء فدسمه يزداد أكثر وأكثر.

خلاصة القول أن الذكاء يعزل الأفراد، في حين أن الغباء يجمع الحشود !.

 

 

 حكاياتهم ..   صندوق القمامة !!

يرويها: أبوبكر الصغير

 

الرمي بالمهملات أو بقايا المنازل هو الإخفاء، لا نريد أن نعرف ماذا سيحدث بعد ذلك.

إن صندوق القمامة أو سلة المهملات شيء سحري حقا.

لم ينزعج الفرنسيون من الإضرابات والاحتجاجات وغلق الطرقات بقدر رعبهم من هذه الأكداس من القمامة في أحياء المدن، والتي تجمعت بسبب الإضرابات التي لجأ إليها جامعوها، لتغزو الجرذان وتنتشر الروائح الكريهة وتتحول شوارع باريس الى مصبات فواضل، بما يهدد بانتشار الأمراض .

في جانب من تاريخ تونس الحديث، تاريخ قمامة بما هو موصول بأحداث ارتبطت بها.

لم يهدّد حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بالسقوط تآمر الزعيم الراحل الآخر صالح بن يوسف ضدّه أو محاولات انقلابيين في بداية ستينات القرن الماضي أو كارثة التعاضد أو حتى ما حصل بمدينة قفصة من هجوم بتواطؤ قوى خارجية، بقدر ما جاءه التهديد الجدي من صندوق القمامة .

سأل بورقيبة السيد زكرياء بن مصطفى رئيس بلدية تونس وكان برتبة وزير: "صحيح اللي الناس يلوّحوا في الخبز في القمامة"؟ أكد له ذلك، ليتقرّر الترفيع في سعر الخبز وتنتفض البلاد (26 جانفي 1978) في ثورة غير مسبوقة لم تضع حدّا لها إلا تلك الجملة الشهيرة "نرجعو وين كنا .."، محملا الوزير الأول محمد مزالي مسؤولية ذاك الإجراء اللاّشعبي لافتا الى أن من أسماه بـ"وزير الزبلة" في إشارة إلى زكرياء بن مصطفى أعلمه بأنه يتم إلقاء الخبز في "الزبلة" !.

انتشر خلال السنوات الأخيرة مصطلح خطير وهو "التلفزة القمامة " télé- poubelle كذلك الإذاعة القمامة في إشارة بيّنة وواضحة إلى البرامج الهابطة التي تفتقر إلى المضامين ذات الجودة والقيمة وتحترم قيم وأخلاق المجتمعات والشعوب .

قامت خلال السنوات الأخيرة حملات تنتقد المشهد الإعلامي ومضامينه بما جعله مثيرا للجدل منددة بالمحتوى الضحل والمتواضع لبعض وسائل الإعلام التونسية.

إن مصطلح "التلفزة القمامة" ازدرائي وعامي يشير إلى البرامج الساقطة التي تم الحكم على أنها ذات قيمة ثقافية أقل أو معدومة مقارنة ببقية البرامج التلفزيونية المقدمة، والتي يتمثل هدفها الأساسي في الحصول على نسب مشاهدة عالية وتقييمات مرتفعة بأي ثمن من خلال المتاجرة بأعراض الناس واللعب على رائحة الفضيحة أو عن طريق اقتراح مواضيع تافهة لافتة للنظر ومذهلة ومثيرة، بناء على استغلال الغرائز البدائية وردود فعل المشاهد حولها .

يجمع الخبراء في مجال السمعي البصري انّ المهمّة الرئيسية لهذه القنوات، صحيح الترفيه والترويح عن النفس، لكن الأخطر من ذلك أنها تشغل أذهان الناس وتمنعهم من التفكير في واقعهم .

لكن الأخطر في كلّ هذا ما كشفته دراسة علمية حديثة أن هذا النوع من البرامج والمضامين السطحية والشعبية لها آثار ضارة بالفعل وتأثير سلبي على الحياة السياسية حتى عندما لا تتعامل مع السياسة على الإطلاق. يأتي هذا الاستنتاج إلينا من مصدر غير متوقع : The American Economic Review ، ربما أكثر المنشورات احتراما دوليا، هناك مقال للأساتذة روبين دورانتي وباولو بينوتي وأندريا تيسي بعنوان "الإرث السياسي للتلفزيون الترفيهي". استخلصوا في دراستهم أنّ المشاهدين الذين أدمنوا على متابعة مثل هذه البرامج التافهة أصيبوا بالغبن وهم أقل ذكاء من الناحية المعرفية مع وعي مدني ضعيف أقل من أقرانهم الذين لم يتابعوها.

مثال آخر قدمته الدراسة: الاختبارات النفسية التي خضعت لها مجموعة من الجنود الشباب من المناطق التي استقبلت هذه المضامين من البرامج أظهرت أداء أقل بنسبة 8 و25٪ من زملائهم الذين أكملوا دروسهم دون أن يتمكنوا من مشاهدتها.

وبالمثل، سجل الأطفال والمراهقون الذين شاهدوها درجات أقل بشكل ملحوظ في مادتي الرياضيات والقراءة كبالغين.

تأكد اليوم أن الغباء أيضا تتم صناعته تماما كما هو الذكاء الاصطناعي .

من المؤسف حقا انّه يمكننا هذه الأيام أن نجد الكثير من المواد المنزوعة الدسم، إلّا الغباء فدسمه يزداد أكثر وأكثر.

خلاصة القول أن الذكاء يعزل الأفراد، في حين أن الغباء يجمع الحشود !.

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews