إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين أمريكا وتونس| الديمقراطية كخيار في صراع العالم "متعدد الأقطاب"

 

لا يمكن قراءة تصريحات مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكي بربارا ليف، حول "إضعاف رئيس الجمهورية قيس سعيد لضوابط والتوازنات الديمقراطية" من خلال الإجراءات التي اتخذها بعد 25 جويلية 2021، خلال زيارتها الأخيرة لتونس، إلا من منظور الصراع الجيوسياسي الدولي بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وهو الصراع الذي تميزه واشنطن بالحرب ضد الديمقراطية.

كلام ليف لا يختلف كثيرا عن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن التي أكد فيها فيها أن تونس تتجه للمجهول اقتصاديا، بل ان قولتهما واحدة.

فليف التي انتقدت "أحد أصدقاء واشنطن" - في إشارة لتونس- لم تتوان عن انتقادات الاتجاه السياسي لتونس في مسار 25 جويلية، فيما يبدو أنها أبقت الباب مواربا أمام سعيد لاقتناص الفرصة للحصول على مساعدات شرط القيام بإصلاحات سياسية تراها واشنطن لازمة للحفاظ على البناء الديمقراطي، وتحقيق التوازن بين السلطات وهنا تتجه أنظار البيت الأبيض الناقدة على دستور 2022 الذي لم يخضع رأس السلطة التنفيذية للمساءلة أمام البرلمان، في وقت بات النظام السياسي نظام رئاسوي ويتحكم في جميع مفاصل الدولة ومختلف السلطات التي أطلق عليها اسم "وظائف".

ويبدو أن مثل هذا البناء السياسي تراه واشنطن مجانبا لنظرتها الديمقراطية الليبرالية التمثيلية، بل وتعتبرها ضربا لها، وضربا لسنوات من جهود "دمقرطة" الأنظمة العربية منذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي توج بثورات عربية بدأت من تونس، التي كان فيها الانتقال الديمقراطي معطلا بحكم اعتلاء سياسة التوافقات على سياسة الاستماع إلى الشعب.

بالنسبة لواشنطن فإن البناء القاعدي هو بناء يذكر بنظام المجلس العمالية السوفياتية بعيد الثورة البلشفية، وهي كذلك مثل للمجالس الثورية الماوية الصينية التي كان تركز على إستراتجية "الخطوة الكبرى" إلى الأمام والتي انطلقت في مراحلها الأولى من خلال تخصيص كل قوى الإنتاج في مصانع صهر المعادن المتجه لروسيا خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

ان هذه الأنظمة الهرمية التي حكمت في الدولتين ومازالت تحكم في الصين من خلال الحزب الشيوعي، تفرض تذويبا للصراع السياسي ضمن مطالب فئوية في إطار أضيق الدوائر التربية الجغرافية، وتحول كل مؤسسات الدولة من مسرح لإدارة الحوار السياسي، إلى مؤسسات تحقق المطالب الفئوية تمارس الحكم ضمن نظرة سياسية وفكرية واحدة يسطرها رأس السلطة، والذي يعرف ماذا يريد الشعب من خلال انتخابهم له مباشرة.

ولعل هذا واضح تمام الوضوح بالنسبة للنموذج الصيني الذي لم يتغير منذ سنة 1949، إلا انه مختلف قليلا بالنسبة لروسيا التي ترى ان سيادتها لا يمكن اختصارها الا في إرادة القيصر، ومن خلاله تعمل كل دوائر ومؤسسات الدولة لتحقيق إرادته المشروعة من خلال انتخاب الشعب له مباشرة.

إذن مثل هذه الأنواع من "الديمقراطية الشعبية" حسب تعبير هذه البلدان، لا يرضي البيت الأبيض الذي يسعى لضمان مواقعه والحفاظ عليها ضمن المشهد الجيوسياسي الجديد لما بعد الحرب الأوكرانية، ضمن "تحديد حدود العالم الديمقراطي" في عالم "متعدد الأقطاب" ترنو له كل من بكين موسكو.

نزار مقني

 

 بين أمريكا وتونس| الديمقراطية كخيار في صراع العالم "متعدد الأقطاب"

 

لا يمكن قراءة تصريحات مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكي بربارا ليف، حول "إضعاف رئيس الجمهورية قيس سعيد لضوابط والتوازنات الديمقراطية" من خلال الإجراءات التي اتخذها بعد 25 جويلية 2021، خلال زيارتها الأخيرة لتونس، إلا من منظور الصراع الجيوسياسي الدولي بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وهو الصراع الذي تميزه واشنطن بالحرب ضد الديمقراطية.

كلام ليف لا يختلف كثيرا عن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن التي أكد فيها فيها أن تونس تتجه للمجهول اقتصاديا، بل ان قولتهما واحدة.

فليف التي انتقدت "أحد أصدقاء واشنطن" - في إشارة لتونس- لم تتوان عن انتقادات الاتجاه السياسي لتونس في مسار 25 جويلية، فيما يبدو أنها أبقت الباب مواربا أمام سعيد لاقتناص الفرصة للحصول على مساعدات شرط القيام بإصلاحات سياسية تراها واشنطن لازمة للحفاظ على البناء الديمقراطي، وتحقيق التوازن بين السلطات وهنا تتجه أنظار البيت الأبيض الناقدة على دستور 2022 الذي لم يخضع رأس السلطة التنفيذية للمساءلة أمام البرلمان، في وقت بات النظام السياسي نظام رئاسوي ويتحكم في جميع مفاصل الدولة ومختلف السلطات التي أطلق عليها اسم "وظائف".

ويبدو أن مثل هذا البناء السياسي تراه واشنطن مجانبا لنظرتها الديمقراطية الليبرالية التمثيلية، بل وتعتبرها ضربا لها، وضربا لسنوات من جهود "دمقرطة" الأنظمة العربية منذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي توج بثورات عربية بدأت من تونس، التي كان فيها الانتقال الديمقراطي معطلا بحكم اعتلاء سياسة التوافقات على سياسة الاستماع إلى الشعب.

بالنسبة لواشنطن فإن البناء القاعدي هو بناء يذكر بنظام المجلس العمالية السوفياتية بعيد الثورة البلشفية، وهي كذلك مثل للمجالس الثورية الماوية الصينية التي كان تركز على إستراتجية "الخطوة الكبرى" إلى الأمام والتي انطلقت في مراحلها الأولى من خلال تخصيص كل قوى الإنتاج في مصانع صهر المعادن المتجه لروسيا خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

ان هذه الأنظمة الهرمية التي حكمت في الدولتين ومازالت تحكم في الصين من خلال الحزب الشيوعي، تفرض تذويبا للصراع السياسي ضمن مطالب فئوية في إطار أضيق الدوائر التربية الجغرافية، وتحول كل مؤسسات الدولة من مسرح لإدارة الحوار السياسي، إلى مؤسسات تحقق المطالب الفئوية تمارس الحكم ضمن نظرة سياسية وفكرية واحدة يسطرها رأس السلطة، والذي يعرف ماذا يريد الشعب من خلال انتخابهم له مباشرة.

ولعل هذا واضح تمام الوضوح بالنسبة للنموذج الصيني الذي لم يتغير منذ سنة 1949، إلا انه مختلف قليلا بالنسبة لروسيا التي ترى ان سيادتها لا يمكن اختصارها الا في إرادة القيصر، ومن خلاله تعمل كل دوائر ومؤسسات الدولة لتحقيق إرادته المشروعة من خلال انتخاب الشعب له مباشرة.

إذن مثل هذه الأنواع من "الديمقراطية الشعبية" حسب تعبير هذه البلدان، لا يرضي البيت الأبيض الذي يسعى لضمان مواقعه والحفاظ عليها ضمن المشهد الجيوسياسي الجديد لما بعد الحرب الأوكرانية، ضمن "تحديد حدود العالم الديمقراطي" في عالم "متعدد الأقطاب" ترنو له كل من بكين موسكو.

نزار مقني

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews