إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صباح الجمعة.. دكتور وسفير ومكوّن وحكاية أسود الزبد

 

يكتبها: محمد معمري

في كتاب "الإمتاع والمؤانسة" يروي لنا أبو حيان التوحيدي عند مجالسته للوزير الكثير من الحكايات للترفيه والاعتبار، وبعض هذه الحكايات الممتعة كأنها تعبير عما نعيشه الآن وهنا رغم إنها حصلت منذ قرون خلت، ومن هذه الحكايات التي رواها التوحيدي حكاية أسود الزبد في أيام الفتن، فقد تحدث جوابا للوزير عن الشطار والعيارين ذاكرا منهم ابن كبرويه وأبو الدود وأبو الذباب واسود الزبد، وسيتوقف عند قصة أسود الزبد حيث قال عنه "فمن غريب ما جرى أن اسود الزبد كان عبدا يأوي إلى قنطرة الزبد ويلتقط النوى ويستطعم من حضر ذلك المكان بلهو ولعب، وهو عريان لا يتوارى إلا بخرقة ولا يُؤبه به ولا يُبالي به، ومضى على هذا دهر، فلما حلّت النفرة أعني لما وقعت الفتنة وفشا الهرج والمرج، ورأى هذا الأسود من هو أضعف منه قد أخذ السيف وأعمله فطلب سيفا وشحذه ونهب وأغار وسلب وظهر منه شيطان في مسك الإنسان وصبُح وجهه وعذُب لفظه وحسن جسمه وعَشق وعُشق، والأيام تأتي بالغرائب والعجائب". هذا ما قاله التوحيدي وقد شاب نصه الكثير من الهزل مع سخرية ممزوجة بعنصرية تعتبر قولا عاديا في السياق الاجتماعي حينها خاصة عند التركيز على لون البشرة، لكن الأهم في تقديري أن المسألة تتعلق بضعف الدولة وانحلالها فكلما ضعفت الدولة ظهر أمثال أسود الزبد مما ينصبون أنفسهم حاكمين فاعلين .

والدول تضعف وتترهل نتيجة خصومات أبنائها ورغبة بعضهم السيطرة والتفرد بالحكم مثلما حصل على مرّ التاريخ، وقد عرفت بلادنا بعد 2011 ضعفا كبيرا للدولة، لكن في تقديري ضعف الدولة ليس بظاهرة تختص بها تونس بل هنالك تيار عالمي  تقوده قوى مالية كبرى ترى أن الدولة إن لم تندثر وتعوض بتنظيمات أخرى فيجب أن تحد صلاحياتها بشكل يصبح وجودها بمثابة منظم لحركة سيلان الرأسمال المال العالمي وتوابعه دون التدخل فيه بل دورها فقط مجرد تسهيل حركة المرور مقابل رسومات معينة تمنح لها .

نظرية أو وجهة نظر أو تمش سياسي وجد ضالته في الانترنت وما نتج عنها من تطور في الذكاء الاصطناعي الذي حوّل العالم إلى مجموعة من اللوغراتمات التي تحكم كل شيء، ومثل هذه التحولات الكبرى وخاصة في مجال التواصل بين كل سكان المعمورة تفرز ظواهر جديدة من قبل الدول الافتراضية مثل مملكة اطلنتطيس التي كثر الحديث عنها في تونس مؤخرا بسبب ورود اسم نائبة رئيس مجلس نواب الشعب في قائمة وزرائها المفترضين. وهو أمر لا أستغربه كثيرا لأن السؤال الرئيسي في اعتقادي الذي على الجميع طرحه اليوم، كيف تحولنا إلى كائنات افتراضية بمناصب وهمية وصفات علمية؟

فاليوم أصبح منصب السفير والدرجة العلمية دكتور والمدرب أو المكوّن من الصفات التي تمنح بشكل يدعو إلى الحيرة وأذكر هنا أن واحدة ممن عرفتهن في سياق مهني ما كانت لا تتمتع بأية مستوى علمي /درجة علمية تُذكر فؤجئت في إحدى المرات أنها تقدم على أساس أنها دكتورة، استغربت الأمر وحاولت البحث في خباياه فوجدت أن أحد الأكاديميات الخاصة العراقية منحتها الدكتوراه الفخرية فأصبحت دكتورة ومكوّنة تقدم دروسا في التدريب وقد تتحول إلى سفيرة هي الأخرى، الغريب في الأمر ومن متابعتي لهذه الظاهرة وجدت أن أغلب هذه الألقاب تُمنح من قبل جمعيات وأكاديميات عراقية خاصة بمقابل مالي، وإذا علمنا أن العراق ما بعد 2003  تعتبر من أكثر الدول انتشارا للفساد وخاصة في الدوائر الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بسبب التراجع المهول لدور الدولة وتدفق كبير للأموال الأجنبية على منظمات المجتمع لضمان الانتقال الديمقراطي نفهم ما حصل، وهو أمر مشابه إلى حدّ ما لما يحصل في تونس .

دكتور وسفير ومدرب.. ألقاب مملكة في غير موضعها.. كالهرّ يحكي انتفاخا صولة أسد.. رحم الله أبا حيان التوحيدي وعلي الحصري القيرواني .

صباح الجمعة..   دكتور وسفير ومكوّن وحكاية أسود الزبد

 

يكتبها: محمد معمري

في كتاب "الإمتاع والمؤانسة" يروي لنا أبو حيان التوحيدي عند مجالسته للوزير الكثير من الحكايات للترفيه والاعتبار، وبعض هذه الحكايات الممتعة كأنها تعبير عما نعيشه الآن وهنا رغم إنها حصلت منذ قرون خلت، ومن هذه الحكايات التي رواها التوحيدي حكاية أسود الزبد في أيام الفتن، فقد تحدث جوابا للوزير عن الشطار والعيارين ذاكرا منهم ابن كبرويه وأبو الدود وأبو الذباب واسود الزبد، وسيتوقف عند قصة أسود الزبد حيث قال عنه "فمن غريب ما جرى أن اسود الزبد كان عبدا يأوي إلى قنطرة الزبد ويلتقط النوى ويستطعم من حضر ذلك المكان بلهو ولعب، وهو عريان لا يتوارى إلا بخرقة ولا يُؤبه به ولا يُبالي به، ومضى على هذا دهر، فلما حلّت النفرة أعني لما وقعت الفتنة وفشا الهرج والمرج، ورأى هذا الأسود من هو أضعف منه قد أخذ السيف وأعمله فطلب سيفا وشحذه ونهب وأغار وسلب وظهر منه شيطان في مسك الإنسان وصبُح وجهه وعذُب لفظه وحسن جسمه وعَشق وعُشق، والأيام تأتي بالغرائب والعجائب". هذا ما قاله التوحيدي وقد شاب نصه الكثير من الهزل مع سخرية ممزوجة بعنصرية تعتبر قولا عاديا في السياق الاجتماعي حينها خاصة عند التركيز على لون البشرة، لكن الأهم في تقديري أن المسألة تتعلق بضعف الدولة وانحلالها فكلما ضعفت الدولة ظهر أمثال أسود الزبد مما ينصبون أنفسهم حاكمين فاعلين .

والدول تضعف وتترهل نتيجة خصومات أبنائها ورغبة بعضهم السيطرة والتفرد بالحكم مثلما حصل على مرّ التاريخ، وقد عرفت بلادنا بعد 2011 ضعفا كبيرا للدولة، لكن في تقديري ضعف الدولة ليس بظاهرة تختص بها تونس بل هنالك تيار عالمي  تقوده قوى مالية كبرى ترى أن الدولة إن لم تندثر وتعوض بتنظيمات أخرى فيجب أن تحد صلاحياتها بشكل يصبح وجودها بمثابة منظم لحركة سيلان الرأسمال المال العالمي وتوابعه دون التدخل فيه بل دورها فقط مجرد تسهيل حركة المرور مقابل رسومات معينة تمنح لها .

نظرية أو وجهة نظر أو تمش سياسي وجد ضالته في الانترنت وما نتج عنها من تطور في الذكاء الاصطناعي الذي حوّل العالم إلى مجموعة من اللوغراتمات التي تحكم كل شيء، ومثل هذه التحولات الكبرى وخاصة في مجال التواصل بين كل سكان المعمورة تفرز ظواهر جديدة من قبل الدول الافتراضية مثل مملكة اطلنتطيس التي كثر الحديث عنها في تونس مؤخرا بسبب ورود اسم نائبة رئيس مجلس نواب الشعب في قائمة وزرائها المفترضين. وهو أمر لا أستغربه كثيرا لأن السؤال الرئيسي في اعتقادي الذي على الجميع طرحه اليوم، كيف تحولنا إلى كائنات افتراضية بمناصب وهمية وصفات علمية؟

فاليوم أصبح منصب السفير والدرجة العلمية دكتور والمدرب أو المكوّن من الصفات التي تمنح بشكل يدعو إلى الحيرة وأذكر هنا أن واحدة ممن عرفتهن في سياق مهني ما كانت لا تتمتع بأية مستوى علمي /درجة علمية تُذكر فؤجئت في إحدى المرات أنها تقدم على أساس أنها دكتورة، استغربت الأمر وحاولت البحث في خباياه فوجدت أن أحد الأكاديميات الخاصة العراقية منحتها الدكتوراه الفخرية فأصبحت دكتورة ومكوّنة تقدم دروسا في التدريب وقد تتحول إلى سفيرة هي الأخرى، الغريب في الأمر ومن متابعتي لهذه الظاهرة وجدت أن أغلب هذه الألقاب تُمنح من قبل جمعيات وأكاديميات عراقية خاصة بمقابل مالي، وإذا علمنا أن العراق ما بعد 2003  تعتبر من أكثر الدول انتشارا للفساد وخاصة في الدوائر الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بسبب التراجع المهول لدور الدولة وتدفق كبير للأموال الأجنبية على منظمات المجتمع لضمان الانتقال الديمقراطي نفهم ما حصل، وهو أمر مشابه إلى حدّ ما لما يحصل في تونس .

دكتور وسفير ومدرب.. ألقاب مملكة في غير موضعها.. كالهرّ يحكي انتفاخا صولة أسد.. رحم الله أبا حيان التوحيدي وعلي الحصري القيرواني .

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews