إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممثل عن المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب: مدونة سلوك قوات الأمن الداخلي الجديدة ستبقى حبرا على ورق

 

 

تونس- الصباح

بالتزامن مع إعلان وزير الداخلية توفيق شرف الدين أول أمس عن خبر استقالته، فوجئ العديد من الناشطين في المجتمع المدني وخاصة المنظمات الحقوقية بصدور أمر رئاسي جديد يتعلق بالمصادقة على مدونة سلوك قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية دون تشريكهم في صياغتها أو على الأقل دعوتهم إلى إبداء الرأي في صيغتها النهائية قبل النشر.

وتنطبق أحكام هذه المدونة على جميع أعوان قوات الأمن الداخلي التابعين لوزارة الداخلية المنتمين الى سلك الأمن الوطني والشرطة الوطنية وسلك الحرس الوطني وسلك الحماية المدنية مهما كانت رتبهم أو خططهم الوظيفية أو القيادية أو وضعيتهم الإدارية. وكان مشروع المدونة عرض في ما مضى وتحديدا في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي على استشارة العموم وأثيرت بشأنه نقاشات ساخنة.

وعن رأيه في مضامين الأمر الرئاسي الجديد قال منذر الشارني ممثل المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب والناشط الحقوقي في تصريح لـ"الصباح":"كنا نتمنى لو أن وزارة الداخلية قامت بتشريك المجتمع المدني في نقاش الصيغة النهائية لمدونة السلوك إذ أننا تابعنا سابقا كلمة رئيس الجمهورية قيس سعيد التي تحدث فيها عن المدونة وكنا نعتقد أن الوزارة ستبادر بفتح باب المشاورات حولها مع الجمعيات والمنظمات الحقوقية لكنها لم تفعل وخيرت الاشتغال عليها بمفردها وهذا أمر غير مقبول لأن هذا النص لا يهم المؤسسة الأمنية فحسب بل يعني أيضا منظمات حقوق الإنسان والصحفيين وكان من الأفضل أن تكون هناك صيغة تشاركية للمدونة بما يجعلها قابلة للتنفيذ".

 وذكر الشارني أن أهم ما تضمنته مدونة سلوك قوات الأمن الداخلي هي أنها ضبطت قيم العمل الأمني وقواعد تدخل أعوان الأمن في مختلف الحالات وخاصة في الشارع عند التعاطي مع المواطن ومع المظاهرات ومع الصحفيين.

ويشار في هذا الصدد إلى أن المدونة نصت على قيم العمل الأمني وبمقتضاها يحترم الأمنيون عند ممارستهم لمهامهم أو بمناسبة القيام بها القيم النبيلة للوظيفة الأمنية وذلك خاصة بإعلاء الراية الوطنية والقيم الإنسانية النبيلة من خلال تفانيهم وإخلاصهم في العمل في إطار خدمة الوطن وحمايته والولاء المطلق له واحترام مؤسسات الدولة وتأدية مهامهم وفق التعليمات الصادرة لهم في الغرض في إطار احترام القانون وعلوية المصلحة الوطنية. كما عليهم الالتزام بالانضباط وبالسلوك القويم أثناء أوقات العمل وخارجها والالتزام بأداء مهامهم بتفان وحرفية في نطاق احترام القانون والتراتيب والضوابط الإدارية والحرص على أداء مهامهم بحرفية والعمل على تطوير مهاراتهم وإمكانياتهم بصفة مستمرة وتلبية نداءات الاستغاثة بالسرعة والحرفية المطلوبين والحرص على البذل والعطاء في أداء مهامهم من أجل حماية الأمن والنظام العام وحماية الأشخاص والمؤسسات والممتلكات وإنفاذ القانون دون تمييز في إطار احترام الحريات العامة والخاصة، وعليهم التحلي في جميع الحالات والوضعيات بالرصانة وضبط النفس تجاه الاستفزازات أو الضغوطات النفسية والقيام بمهامهم في إطار الحياد التام ودون تمييز في معاملة الأشخاص مهما كان جنسهم أو لونهم أو جنسيتهم أو وضعيتهم الاجتماعية أو انتماؤهم السياسي أو معتقداتهم الدينية. ويحجر على الأمنيين الانخراط أو تعاطي نشاط سياسي أو الإدلاء بآرائهم السياسية إلا طبقا للقانون كما يتعين عليهم الامتناع عن استغلال وظائفهم لخدمة أغراض أو أهداف أو مصالح حزبية أو فئوية أو جهوية أو شخصية أو عائلية ولا يجوز لهم التعهد بأي بحث أو مهمة تكون لهم فيها مصلحة شخصية بصفة مباشرة أو غير مباشرة وعليهم الالتزام بالنزاهة وتجنب الشبهات وتضارب المصالح وعدم الخضوع للإغراءات والتأثيرات والامتناع عن جميع أعمال الفساد التي من شأنها المساس بثقة العموم في صحة وسلامة الأداء والسلوك ومطابقته للضوابط التي تحكمه.

وأشار منذر الشارني إلى وجود العديد من الفصول الواردة في المدونة تحتاج إلى النقاش فعلى سبيل الذكر لا الحصر كانت النسخة القديمة لمشروع المدونة تنص على مفهوم الأمن الجمهوري لكن تم حذف هذه العبارة في الأمر الرئاسي الجديد، كما تم إلغاء "هيئة الأخلاقيات الأمنية" وهو ما يدعو إلى التساؤل كيف ستقع مراقبة حسن تطبيق المدونة وأين يتظلم المواطن عندما يشاهد خرقا لأحكامها وعدم احترام للمبادئ التي نصت عليها هذه المدونة فالأمر الجديد عوض هيئة الأخلاقيات الأمنية بعبارة الهياكل المخول لها قانونيا، وكان مشروع المدونة الذي وقع عرضه على استشارة العموم سنة 2016 نص في فصليه 47 و48 على أن يتم إحداث هيئة للأخلاقيات الأمنية تسهر على ضمان حسن تطبيق المدونة وتفعيل أحكامها على مستوى الممارسة الأمنية وتضبط مهام الهيئة وتركيبتها وطرق عملها وتنظيمها الإداري والمالي بمقتضى أمر حكومي.

نصوص مسقطة

وقال منذر الشارني إنه لا يمكن لمن يقرأ المدونة أن يعرف مدى إلزامية هذا النص القانوني وهل هناك جزاء يترتب عن مخالفة أحكام المدونة وكيف سيقع تنفيذها أم أنها ستبقى حبرا على ورق. وبين أنه من خلال التجربة أصبحت لديه قناعة راسخة في أن النصوص القانونية التي تصدر بطريقة فوقية لا تطبق، وأضاف أنه لا يظن أن العمل بهذه المدونة سينجح وسيكون مآلها الفشل وستبقى في النهاية حبرا على ورق مثلها مثل الكثير من النصوص الأخرى التي لم يقع تشريك المجتمع المدني في صياغتها.

وعن سؤال حول رأيه في الفصول المتعلقة بقواعد التعامل مع الصحفيين ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الواردة في مدونة السلوك أجاب الشارني أنه مع تنظيم قواعد التعاطي مع الصحافة، ولكن لا بد أن يتم الأخذ بعين الاعتبار حق المواطن في النفاذ إلى المعلومة فهذا الحق يقابله واجب محمول على الموظف العمومي وعلى وزارة الداخلية وهو الإفصاح عن المعلومة، وهناك واسطة بين الموظف العمومي وبين المواطن وهذه الواسطة هي الصحفي، وبالتالي لئن كان تنظيم تعامل الأمنيين مع الصحفيين ووسائل الإعلام يكتسي أهمية فيجب أن لا يؤدي ذلك إلى المساس بحق المواطن في النفاذ إلى المعلومة وبواجب الصحفي في تقديم المعلومة للمواطن.

وعبر محدثنا عن خشيته من أن تكون القواعد التي تم التنصيص عليها في مدونة السلوك مدخلا للحجب المقنع للمعلومة أو للمنع المقنع من النفاذ إليها من خلال جعل وصول الصحفي إليها صعب المنال. وفسر الشارني سبب مخاوفه هذه، بالإشارة الى أن وزارة الداخلية تراجعت خلال السنوات الأخيرة عن عقد ندوات صحفية والحال أن هناك ظرفية يحتاج فيها المواطن حقا إلى سماع المعلومات مباشرة من المصدر. ولاحظ أنه في غياب المعلومة تكثر الإشاعة وذكر أن وزارة الداخلية ربما أرادت من خلال مدونة السلوك معالجة السلبيات التي تسبب فيها بعض المنسوبين للنقابات الأمنية ولكن لا يمكن أن تكون رغبتها في تنظيم كيفية تعاطي الأمنيين مع الإعلام مطية لتمرير مدونة سلوك بطريقة فوقية ودون استشارة المجتمع المدني وخاصة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.

تغييب نقابة الصحفيين

وفي نفس السياق أكد عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ياسين البحري لـ "الصباح" أن الأمر الرئاسي الجديد المتعلق بالمصادقة على مدونة سلوك قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية الصادر يوم الجمعة في الرائد الرسمي لم يقع عرضه على النقابة لإبداء الرأي فيه وتقديم مقترحات بشأنه.

ويذكر أن الباب الثاني من هذه المدونة الوارد تحت عنوان في التعامل مع الصحفيين ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وتحديدا في الفصل 47 نص بصريح العبارة على أنه على الأمنيين تجنب نشر كتابات أو إلقاء محاضرات أو أخذ الكلمة في العموم أو الإدلاء بتصريحات إلى الصحافة سواء المكتوبة أو السمعية أو المرئية أو الالكترونية إلا بترخيص مسبق وفقا لمقتضيات القانون.

ونقرأ في نفس الباب ما يلي:"يمتنع الأمنيون عن التصريح جهرا أو بصفة غير مباشرة للعموم أم عبر وسائل الإعلام أو لمواقع التواصل الاجتماعي بكل ما من شأنه النيل من الأمن العام أو مؤسسات الدولة أو المساس من هيبة المؤسسة الأمنية".

كما نصت المدونة الجديدة في الفصل 46 على أن يحترم الأمني في كل الأحوال حرية الصحافة والإعلام ويعمل على تسهيل عمل الصحفي وتمكينه من ممارسة مهامه مع مراعاة مقتضيات القانون والتراتيب النافذة خاصة فيها يتعلق بسرية العمليات الأمنية أو الأبحاث أو التحقيقات..، وللتذكير في هذا السياق كانت صيغة هذا الفصل في مشروع المدونة التي عرضت سنة 2016 على استشارة العموم على النحو التالي: يحترم الأمني في كل الأحوال الحق في التعبير والتصوير وسعي وسائل الإعلام وراء الحصول على المعلومات ولا يمنعهم من ممارسة مهامهم إلا وفقا ملا تقتضيه القوانين والتراتيب النافذة خاصة فيما يتعلق بسرية العمليات أو الأبحاث أو التحقيقات.

ونص الفصل 49 من مدونة السلوك الصادرة أول أمس بمقتضى أمر رئاسي على أن يمتنع الأمنيون عن إفشاء الأسرار أو الوثائق المهنية أو تعمد التشهير أو القذف أو الحط من المعنويات في حق زملائهم أو المؤسسة الأمنية وذلك من خلال استعمال المواقع أو الارساليات الالكترونية أو التسجيلات المرئية أو السمعية أو تداولها أو الترويج لها أو ابداء تعليق في شأنها.

والمقصود بعبارة الحفاظ على السر المهني حسب المدونة هو واجب عدم الإفشاء بأي طريقة كانت للمعلومات أو المعطيات مهما كان نوعها أو محملها التي يتم الاطلاع عليها عند مباشرة المهام أو بمناسبة مباشرتها إلا في حالة الترخيص الصريح أو الواجب القانوني أو الإذن القضائي.

وللتذكير، تهدف مدونة سلوك قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية وحسب ما نص عليه الأمر الرئاسي الجديد "إلى تكريس المقاصد السامية للعمل الأمني القائمة على فرض سلطة القانون وحماية الأفراد والمجتمع وخدمتهم في كنف احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحماية الممتلكات العامة والخاصة ومراعاة مقتضيات الأمن القومي تماشيا مع أحكام الدستور والمعاهدات الدولية والقوانين المنظمة لعمل قوات الأمن الداخلي ومجموعة المبادئ المتعلقة بمجال إنفاذ القوانين. وبالتالي تم إلغاء عبارة المقاصد السامية للأمن الجمهوري".

ونصت المدونة على أن يحترم الأمنيون أثناء ممارستهم لمهامهم أو بمناسبة مباشرتهم لها جملة من المبادئ وهي سيادة القانون وعلوية حق الحياة واحترام الحقوق والحريات العامة والفردية واحترام كرامة الذات البشرية والحفاظ على سمعة المؤسسة الأمنية والسلك والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

ممثل عن المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب:  مدونة سلوك قوات الأمن الداخلي الجديدة ستبقى حبرا على ورق

 

 

تونس- الصباح

بالتزامن مع إعلان وزير الداخلية توفيق شرف الدين أول أمس عن خبر استقالته، فوجئ العديد من الناشطين في المجتمع المدني وخاصة المنظمات الحقوقية بصدور أمر رئاسي جديد يتعلق بالمصادقة على مدونة سلوك قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية دون تشريكهم في صياغتها أو على الأقل دعوتهم إلى إبداء الرأي في صيغتها النهائية قبل النشر.

وتنطبق أحكام هذه المدونة على جميع أعوان قوات الأمن الداخلي التابعين لوزارة الداخلية المنتمين الى سلك الأمن الوطني والشرطة الوطنية وسلك الحرس الوطني وسلك الحماية المدنية مهما كانت رتبهم أو خططهم الوظيفية أو القيادية أو وضعيتهم الإدارية. وكان مشروع المدونة عرض في ما مضى وتحديدا في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي على استشارة العموم وأثيرت بشأنه نقاشات ساخنة.

وعن رأيه في مضامين الأمر الرئاسي الجديد قال منذر الشارني ممثل المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب والناشط الحقوقي في تصريح لـ"الصباح":"كنا نتمنى لو أن وزارة الداخلية قامت بتشريك المجتمع المدني في نقاش الصيغة النهائية لمدونة السلوك إذ أننا تابعنا سابقا كلمة رئيس الجمهورية قيس سعيد التي تحدث فيها عن المدونة وكنا نعتقد أن الوزارة ستبادر بفتح باب المشاورات حولها مع الجمعيات والمنظمات الحقوقية لكنها لم تفعل وخيرت الاشتغال عليها بمفردها وهذا أمر غير مقبول لأن هذا النص لا يهم المؤسسة الأمنية فحسب بل يعني أيضا منظمات حقوق الإنسان والصحفيين وكان من الأفضل أن تكون هناك صيغة تشاركية للمدونة بما يجعلها قابلة للتنفيذ".

 وذكر الشارني أن أهم ما تضمنته مدونة سلوك قوات الأمن الداخلي هي أنها ضبطت قيم العمل الأمني وقواعد تدخل أعوان الأمن في مختلف الحالات وخاصة في الشارع عند التعاطي مع المواطن ومع المظاهرات ومع الصحفيين.

ويشار في هذا الصدد إلى أن المدونة نصت على قيم العمل الأمني وبمقتضاها يحترم الأمنيون عند ممارستهم لمهامهم أو بمناسبة القيام بها القيم النبيلة للوظيفة الأمنية وذلك خاصة بإعلاء الراية الوطنية والقيم الإنسانية النبيلة من خلال تفانيهم وإخلاصهم في العمل في إطار خدمة الوطن وحمايته والولاء المطلق له واحترام مؤسسات الدولة وتأدية مهامهم وفق التعليمات الصادرة لهم في الغرض في إطار احترام القانون وعلوية المصلحة الوطنية. كما عليهم الالتزام بالانضباط وبالسلوك القويم أثناء أوقات العمل وخارجها والالتزام بأداء مهامهم بتفان وحرفية في نطاق احترام القانون والتراتيب والضوابط الإدارية والحرص على أداء مهامهم بحرفية والعمل على تطوير مهاراتهم وإمكانياتهم بصفة مستمرة وتلبية نداءات الاستغاثة بالسرعة والحرفية المطلوبين والحرص على البذل والعطاء في أداء مهامهم من أجل حماية الأمن والنظام العام وحماية الأشخاص والمؤسسات والممتلكات وإنفاذ القانون دون تمييز في إطار احترام الحريات العامة والخاصة، وعليهم التحلي في جميع الحالات والوضعيات بالرصانة وضبط النفس تجاه الاستفزازات أو الضغوطات النفسية والقيام بمهامهم في إطار الحياد التام ودون تمييز في معاملة الأشخاص مهما كان جنسهم أو لونهم أو جنسيتهم أو وضعيتهم الاجتماعية أو انتماؤهم السياسي أو معتقداتهم الدينية. ويحجر على الأمنيين الانخراط أو تعاطي نشاط سياسي أو الإدلاء بآرائهم السياسية إلا طبقا للقانون كما يتعين عليهم الامتناع عن استغلال وظائفهم لخدمة أغراض أو أهداف أو مصالح حزبية أو فئوية أو جهوية أو شخصية أو عائلية ولا يجوز لهم التعهد بأي بحث أو مهمة تكون لهم فيها مصلحة شخصية بصفة مباشرة أو غير مباشرة وعليهم الالتزام بالنزاهة وتجنب الشبهات وتضارب المصالح وعدم الخضوع للإغراءات والتأثيرات والامتناع عن جميع أعمال الفساد التي من شأنها المساس بثقة العموم في صحة وسلامة الأداء والسلوك ومطابقته للضوابط التي تحكمه.

وأشار منذر الشارني إلى وجود العديد من الفصول الواردة في المدونة تحتاج إلى النقاش فعلى سبيل الذكر لا الحصر كانت النسخة القديمة لمشروع المدونة تنص على مفهوم الأمن الجمهوري لكن تم حذف هذه العبارة في الأمر الرئاسي الجديد، كما تم إلغاء "هيئة الأخلاقيات الأمنية" وهو ما يدعو إلى التساؤل كيف ستقع مراقبة حسن تطبيق المدونة وأين يتظلم المواطن عندما يشاهد خرقا لأحكامها وعدم احترام للمبادئ التي نصت عليها هذه المدونة فالأمر الجديد عوض هيئة الأخلاقيات الأمنية بعبارة الهياكل المخول لها قانونيا، وكان مشروع المدونة الذي وقع عرضه على استشارة العموم سنة 2016 نص في فصليه 47 و48 على أن يتم إحداث هيئة للأخلاقيات الأمنية تسهر على ضمان حسن تطبيق المدونة وتفعيل أحكامها على مستوى الممارسة الأمنية وتضبط مهام الهيئة وتركيبتها وطرق عملها وتنظيمها الإداري والمالي بمقتضى أمر حكومي.

نصوص مسقطة

وقال منذر الشارني إنه لا يمكن لمن يقرأ المدونة أن يعرف مدى إلزامية هذا النص القانوني وهل هناك جزاء يترتب عن مخالفة أحكام المدونة وكيف سيقع تنفيذها أم أنها ستبقى حبرا على ورق. وبين أنه من خلال التجربة أصبحت لديه قناعة راسخة في أن النصوص القانونية التي تصدر بطريقة فوقية لا تطبق، وأضاف أنه لا يظن أن العمل بهذه المدونة سينجح وسيكون مآلها الفشل وستبقى في النهاية حبرا على ورق مثلها مثل الكثير من النصوص الأخرى التي لم يقع تشريك المجتمع المدني في صياغتها.

وعن سؤال حول رأيه في الفصول المتعلقة بقواعد التعامل مع الصحفيين ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الواردة في مدونة السلوك أجاب الشارني أنه مع تنظيم قواعد التعاطي مع الصحافة، ولكن لا بد أن يتم الأخذ بعين الاعتبار حق المواطن في النفاذ إلى المعلومة فهذا الحق يقابله واجب محمول على الموظف العمومي وعلى وزارة الداخلية وهو الإفصاح عن المعلومة، وهناك واسطة بين الموظف العمومي وبين المواطن وهذه الواسطة هي الصحفي، وبالتالي لئن كان تنظيم تعامل الأمنيين مع الصحفيين ووسائل الإعلام يكتسي أهمية فيجب أن لا يؤدي ذلك إلى المساس بحق المواطن في النفاذ إلى المعلومة وبواجب الصحفي في تقديم المعلومة للمواطن.

وعبر محدثنا عن خشيته من أن تكون القواعد التي تم التنصيص عليها في مدونة السلوك مدخلا للحجب المقنع للمعلومة أو للمنع المقنع من النفاذ إليها من خلال جعل وصول الصحفي إليها صعب المنال. وفسر الشارني سبب مخاوفه هذه، بالإشارة الى أن وزارة الداخلية تراجعت خلال السنوات الأخيرة عن عقد ندوات صحفية والحال أن هناك ظرفية يحتاج فيها المواطن حقا إلى سماع المعلومات مباشرة من المصدر. ولاحظ أنه في غياب المعلومة تكثر الإشاعة وذكر أن وزارة الداخلية ربما أرادت من خلال مدونة السلوك معالجة السلبيات التي تسبب فيها بعض المنسوبين للنقابات الأمنية ولكن لا يمكن أن تكون رغبتها في تنظيم كيفية تعاطي الأمنيين مع الإعلام مطية لتمرير مدونة سلوك بطريقة فوقية ودون استشارة المجتمع المدني وخاصة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.

تغييب نقابة الصحفيين

وفي نفس السياق أكد عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ياسين البحري لـ "الصباح" أن الأمر الرئاسي الجديد المتعلق بالمصادقة على مدونة سلوك قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية الصادر يوم الجمعة في الرائد الرسمي لم يقع عرضه على النقابة لإبداء الرأي فيه وتقديم مقترحات بشأنه.

ويذكر أن الباب الثاني من هذه المدونة الوارد تحت عنوان في التعامل مع الصحفيين ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وتحديدا في الفصل 47 نص بصريح العبارة على أنه على الأمنيين تجنب نشر كتابات أو إلقاء محاضرات أو أخذ الكلمة في العموم أو الإدلاء بتصريحات إلى الصحافة سواء المكتوبة أو السمعية أو المرئية أو الالكترونية إلا بترخيص مسبق وفقا لمقتضيات القانون.

ونقرأ في نفس الباب ما يلي:"يمتنع الأمنيون عن التصريح جهرا أو بصفة غير مباشرة للعموم أم عبر وسائل الإعلام أو لمواقع التواصل الاجتماعي بكل ما من شأنه النيل من الأمن العام أو مؤسسات الدولة أو المساس من هيبة المؤسسة الأمنية".

كما نصت المدونة الجديدة في الفصل 46 على أن يحترم الأمني في كل الأحوال حرية الصحافة والإعلام ويعمل على تسهيل عمل الصحفي وتمكينه من ممارسة مهامه مع مراعاة مقتضيات القانون والتراتيب النافذة خاصة فيها يتعلق بسرية العمليات الأمنية أو الأبحاث أو التحقيقات..، وللتذكير في هذا السياق كانت صيغة هذا الفصل في مشروع المدونة التي عرضت سنة 2016 على استشارة العموم على النحو التالي: يحترم الأمني في كل الأحوال الحق في التعبير والتصوير وسعي وسائل الإعلام وراء الحصول على المعلومات ولا يمنعهم من ممارسة مهامهم إلا وفقا ملا تقتضيه القوانين والتراتيب النافذة خاصة فيما يتعلق بسرية العمليات أو الأبحاث أو التحقيقات.

ونص الفصل 49 من مدونة السلوك الصادرة أول أمس بمقتضى أمر رئاسي على أن يمتنع الأمنيون عن إفشاء الأسرار أو الوثائق المهنية أو تعمد التشهير أو القذف أو الحط من المعنويات في حق زملائهم أو المؤسسة الأمنية وذلك من خلال استعمال المواقع أو الارساليات الالكترونية أو التسجيلات المرئية أو السمعية أو تداولها أو الترويج لها أو ابداء تعليق في شأنها.

والمقصود بعبارة الحفاظ على السر المهني حسب المدونة هو واجب عدم الإفشاء بأي طريقة كانت للمعلومات أو المعطيات مهما كان نوعها أو محملها التي يتم الاطلاع عليها عند مباشرة المهام أو بمناسبة مباشرتها إلا في حالة الترخيص الصريح أو الواجب القانوني أو الإذن القضائي.

وللتذكير، تهدف مدونة سلوك قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية وحسب ما نص عليه الأمر الرئاسي الجديد "إلى تكريس المقاصد السامية للعمل الأمني القائمة على فرض سلطة القانون وحماية الأفراد والمجتمع وخدمتهم في كنف احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحماية الممتلكات العامة والخاصة ومراعاة مقتضيات الأمن القومي تماشيا مع أحكام الدستور والمعاهدات الدولية والقوانين المنظمة لعمل قوات الأمن الداخلي ومجموعة المبادئ المتعلقة بمجال إنفاذ القوانين. وبالتالي تم إلغاء عبارة المقاصد السامية للأمن الجمهوري".

ونصت المدونة على أن يحترم الأمنيون أثناء ممارستهم لمهامهم أو بمناسبة مباشرتهم لها جملة من المبادئ وهي سيادة القانون وعلوية حق الحياة واحترام الحقوق والحريات العامة والفردية واحترام كرامة الذات البشرية والحفاظ على سمعة المؤسسة الأمنية والسلك والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews