إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في الديمقراطية الشكلية والديمقراطية الحقيقية وكيف فشلت الديمقراطية التشاركية ؟

 

بقلم:نوفل سلامة

ما فتئ الرئيس قيس سعيد منذ تسلمه السلطة وحتى قبل ذلك لما كان فاعلا مجتمعيا وناشطا سياسيا مستقلا قبل انتخابه رئيسا للدولة يتحدث عن انتهاء الديمقراطية التمثيلية ومنتجاتها من أحزاب سياسية وأجسام وسيطة من أعلام ونقابات وجمعيات مجتمع مدني وكل البناء الديمقراطي الذي قام عليه تنظيم الدول الحديثة التي تعتمد الديمقراطية آلية للحكم وقد تعمق حديثه عن نقد منظومة الديمقراطية في نسختها الحالية المطبقة في العالم بعد وصوله إلى الحكم حيث يعتبر أن مسار التاريخ وروح العصر اليوم يرشد بانتهاء صلاحية منظومة الديمقراطية القائمة على آلية الانتخابات على القائمات وعلى تمثيل الشعب من خلال الأحزاب السياسية وعلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع في المواعيد الانتخابية والقيام بالتصويت الحر والنزيه لاختيار من يمثله في مجلس نواب الشعب الإطار الوحيد الذي يجسد فيه الشعب إرادته وتفعيل رغباته وانتظاراته والإطار الذي يدور فيه النقاش السياسي العام وتطرح فيه كل الخلافات والمشاريع التي تحقق إرادة الناس في شتى المجالات منها المجال التنموي على اعتبار وأن هذه الآلية هي أرقى إجراء وصل إليه العقل البشري لإدارة الحكم وإدارة الخلافات وإدارة الشأن العام بطريقة سلمية يتم بواسطتها التداول على الحكم والسلطة بدل الاقتتال والمغالبة والتناحر.

وتحليل الرئيس قيس سعيد وموقفه من منظومة الديمقراطية التمثيلية قد عبر عنه في عديد المناسبات وفي كل خروج إعلامي له حيث غالبا ما يعيد الحديث عن الديمقراطية التي رافقت الانتقال الديمقراطي الذي عرفته تونس بعد الثورة ويصفها بالشكلية التي لم تكن معبرة حقيقة عن صوت الشعب ولم تمثل إرادته الحرة وإنما هي ديمقراطية مغشوشة تم التوافق عليها قد أوصلت إلى الحكم والسلطة الكثير من المتحيلين وأصحاب المصالح من رجال المال والأعمال ولوبيات الفساد والمهربين والمتحكمين في شبكات التجارة وكل الذين يتلاعبون بقوت الشعب ويسرقون خيرات البلاد ويتلاعبون بمصير المجموعة الوطنية وهذه الديمقراطية التمثيلية قد وظفت المال واشترت الأصوات واستغلت وضع الناس الاجتماعي وفقرهم وبؤسهم ولم تكن أداة حقيقية وصادقة للتعبير عن هموم الأفراد ومشاغلهم لذلك يرفضها الرئيس قيس سعيد ويرفض معها كل مخرجاتها ومنتجاتها ويجعل له قطيعة مع كل منظومة الأحزاب وكل الأجسام الوسيطة التي يعتبرها فاسدة هي الأخرى وهي نتاج لمنظومة ديمقراطية فاسدة حان الوقت للتخلص منها واستبدالها بأخرى تعبر تعبيرا حقيقيا على إرادة الشعب وتمثل حقيقة الأفراد والرئيس قيس سعيد في هذا الموقف لا يحيد عن التوجه العالمي الذي بدأ يظهر منذ فترة وإنما هو منخرط في هذا المسار الجديد و الذي بدأ صوته يعلو في نقد منظومة الديمقراطية التمثيلية وكشف عن نفسه بكل وضوح في الحرب الروسية الأطلسية وما صرح به الرئيس بوتين من كونه يخوض حربا من أجل تشكيل نظام عالم جديد تكون بديلا عن النظام العالمي الحالي و تشكيل وعي سياسي جديد من خارج منظومة الديمقراطية التمثيلية التي تسود العالم اليوم و تقودها أمريكا والتي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية وهو يتماهى مع كل الكتابات التي بدأت تظهر في العالم الغربي والتي تتحدث عن نهاية الديمقراطية وعن أزمة خانقة تعيشها منظومة الديمقراطية التمثيلية وهي أدبيات تعترف بأن هذا النظام قد وصل إلى مداه ومنتهاه وبأنه نظام حكم قد فشل في إسعاد الانسان ولم يحقق له الرفاه الموعود .

إن أزمة الديمقراطية التمثيلية ليست بالجديدة ولكن ازداد الحديث عنها في الفترة الأخيرة مع صعود التيار الشعبوي والطرح الفكري الذي يقدمه من خلال نظرية الديمقراطية المباشرة التي يعتبرها هي الديمقراطية الحقيقية التي تعبر بصدق عن الشعب وإرادته الحرة ممثلة في البناء القاعدي والانتخاب على الأفراد بدل القائمات وعملية تصعيد النواب من الأسفل إلى الأعلى أي من المحلي إلى المركز مرورا بالجهوي مع امكانية سحب الوكالة عن النائب اذا ما أخل بوعوده الانتخابية تجاه ناخبيه وهو تصور لا يؤمن بالأجسام الوسيطة من إعلام وغيرها ولا بالأحزاب السياسية ولا بالنقابات ويلغي فكرة السلطة حيث أن البرلمان والقضاء وحتى الحكومة وهياكلها كلها وظائف في خدمة الدولة التي هي بدورها في خدمة الشعب.

في مواجهة التقد الموجه إلى الديمقراطية التمثيلية وفي محاولة لتدارك الاخلالات والمأزق الذي تعيشه هذه المنظومة التي تعتبر مفخرة عصر الأنوار الأوروبي حاول بعض منظريها انقاذها وضخ دماء جديدة فيها من خلال إصلاحها من داخلها وإعادة انتاجها و تشكيلها من خلال فكرة الديمقراطية التشاركية التي تقوم على فكرة المشاركة الواسعة للناخبين في التوجيه وفي إدارة الشأن العام وفسح المجال للشعب في المشاركة في أخذ القرار ومتابعته وكيفية تدبيره وتشريك المواطنين في إيجاد الحل للقضايا المطروحة التي تعنيه بصفة مباشرة من خلال النقاش العام الذي يدور على النطاق المحلي.

المشكل في فكرة الديمقراطية التشاركية التي يراد لها أن تكون بديلا عن الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية المباشرة في كونها تلقى مقاومة عنيفة من طرف الإدارة ومن طرف الكثير من الفاعلين السياسيين ويتم التعرض لها من أجل إفشالها وهذا ما حصل فعلا حيث عرفت تونس بعد الثورة وخلال السنوات الأولى من مرحلة الانتقال الديمقراطي تجربة نوعية للديمقراطية التشاركية من خلال المجالس البلدية ومن خلال فكرة الميزانية التشاركية التي تسمح للمواطنين بمناقشة ميزانية البلدية ومناقشة البرامج وإقرار المشاريع التي يراها مهمة له وذلك من خلال 10 أو 15 بالمائة من الميزانية بعد أن كانت المشاريع والبرامج يحددها مهندسو الادارة وهي تجربة سمحت للمواطن بالتدرب على العمل البلدي وعلى الديمقراطية المواطنية هذه التجربة تم الاجهاز عليها وقبرها من قبل الادارة وبفعل الماسكين بالإدارة التي رفضت مشاركة المواطن في اتخاذ القرار وعرقلت حضور المواطن في النقاش البلدي واعتبرت أن المواطن ليس مؤهلا لمثل هذا الدور وأن المشاريع البلدية هي شأن الدولة وشأن بلدي يحدد في الأطر والهياكل البلدية وهو نفس الموقف الذي نجده يحيلنا على رأي الفيلسوف سقراط من مشاركة العامة في الشأن السياسي حينما اعتبر أن ديمقراطية أثينا التي تسمح لعامة الناس بالمشاركة في الحكم هي ديمقراطية تجعل الحكم من نصيب الأغلبية من الاسكافيين والبنائين والباعة المتجولين وهي بذلك نظام فاسد.

 

 

في الديمقراطية الشكلية والديمقراطية الحقيقية وكيف فشلت الديمقراطية التشاركية ؟

 

بقلم:نوفل سلامة

ما فتئ الرئيس قيس سعيد منذ تسلمه السلطة وحتى قبل ذلك لما كان فاعلا مجتمعيا وناشطا سياسيا مستقلا قبل انتخابه رئيسا للدولة يتحدث عن انتهاء الديمقراطية التمثيلية ومنتجاتها من أحزاب سياسية وأجسام وسيطة من أعلام ونقابات وجمعيات مجتمع مدني وكل البناء الديمقراطي الذي قام عليه تنظيم الدول الحديثة التي تعتمد الديمقراطية آلية للحكم وقد تعمق حديثه عن نقد منظومة الديمقراطية في نسختها الحالية المطبقة في العالم بعد وصوله إلى الحكم حيث يعتبر أن مسار التاريخ وروح العصر اليوم يرشد بانتهاء صلاحية منظومة الديمقراطية القائمة على آلية الانتخابات على القائمات وعلى تمثيل الشعب من خلال الأحزاب السياسية وعلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع في المواعيد الانتخابية والقيام بالتصويت الحر والنزيه لاختيار من يمثله في مجلس نواب الشعب الإطار الوحيد الذي يجسد فيه الشعب إرادته وتفعيل رغباته وانتظاراته والإطار الذي يدور فيه النقاش السياسي العام وتطرح فيه كل الخلافات والمشاريع التي تحقق إرادة الناس في شتى المجالات منها المجال التنموي على اعتبار وأن هذه الآلية هي أرقى إجراء وصل إليه العقل البشري لإدارة الحكم وإدارة الخلافات وإدارة الشأن العام بطريقة سلمية يتم بواسطتها التداول على الحكم والسلطة بدل الاقتتال والمغالبة والتناحر.

وتحليل الرئيس قيس سعيد وموقفه من منظومة الديمقراطية التمثيلية قد عبر عنه في عديد المناسبات وفي كل خروج إعلامي له حيث غالبا ما يعيد الحديث عن الديمقراطية التي رافقت الانتقال الديمقراطي الذي عرفته تونس بعد الثورة ويصفها بالشكلية التي لم تكن معبرة حقيقة عن صوت الشعب ولم تمثل إرادته الحرة وإنما هي ديمقراطية مغشوشة تم التوافق عليها قد أوصلت إلى الحكم والسلطة الكثير من المتحيلين وأصحاب المصالح من رجال المال والأعمال ولوبيات الفساد والمهربين والمتحكمين في شبكات التجارة وكل الذين يتلاعبون بقوت الشعب ويسرقون خيرات البلاد ويتلاعبون بمصير المجموعة الوطنية وهذه الديمقراطية التمثيلية قد وظفت المال واشترت الأصوات واستغلت وضع الناس الاجتماعي وفقرهم وبؤسهم ولم تكن أداة حقيقية وصادقة للتعبير عن هموم الأفراد ومشاغلهم لذلك يرفضها الرئيس قيس سعيد ويرفض معها كل مخرجاتها ومنتجاتها ويجعل له قطيعة مع كل منظومة الأحزاب وكل الأجسام الوسيطة التي يعتبرها فاسدة هي الأخرى وهي نتاج لمنظومة ديمقراطية فاسدة حان الوقت للتخلص منها واستبدالها بأخرى تعبر تعبيرا حقيقيا على إرادة الشعب وتمثل حقيقة الأفراد والرئيس قيس سعيد في هذا الموقف لا يحيد عن التوجه العالمي الذي بدأ يظهر منذ فترة وإنما هو منخرط في هذا المسار الجديد و الذي بدأ صوته يعلو في نقد منظومة الديمقراطية التمثيلية وكشف عن نفسه بكل وضوح في الحرب الروسية الأطلسية وما صرح به الرئيس بوتين من كونه يخوض حربا من أجل تشكيل نظام عالم جديد تكون بديلا عن النظام العالمي الحالي و تشكيل وعي سياسي جديد من خارج منظومة الديمقراطية التمثيلية التي تسود العالم اليوم و تقودها أمريكا والتي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية وهو يتماهى مع كل الكتابات التي بدأت تظهر في العالم الغربي والتي تتحدث عن نهاية الديمقراطية وعن أزمة خانقة تعيشها منظومة الديمقراطية التمثيلية وهي أدبيات تعترف بأن هذا النظام قد وصل إلى مداه ومنتهاه وبأنه نظام حكم قد فشل في إسعاد الانسان ولم يحقق له الرفاه الموعود .

إن أزمة الديمقراطية التمثيلية ليست بالجديدة ولكن ازداد الحديث عنها في الفترة الأخيرة مع صعود التيار الشعبوي والطرح الفكري الذي يقدمه من خلال نظرية الديمقراطية المباشرة التي يعتبرها هي الديمقراطية الحقيقية التي تعبر بصدق عن الشعب وإرادته الحرة ممثلة في البناء القاعدي والانتخاب على الأفراد بدل القائمات وعملية تصعيد النواب من الأسفل إلى الأعلى أي من المحلي إلى المركز مرورا بالجهوي مع امكانية سحب الوكالة عن النائب اذا ما أخل بوعوده الانتخابية تجاه ناخبيه وهو تصور لا يؤمن بالأجسام الوسيطة من إعلام وغيرها ولا بالأحزاب السياسية ولا بالنقابات ويلغي فكرة السلطة حيث أن البرلمان والقضاء وحتى الحكومة وهياكلها كلها وظائف في خدمة الدولة التي هي بدورها في خدمة الشعب.

في مواجهة التقد الموجه إلى الديمقراطية التمثيلية وفي محاولة لتدارك الاخلالات والمأزق الذي تعيشه هذه المنظومة التي تعتبر مفخرة عصر الأنوار الأوروبي حاول بعض منظريها انقاذها وضخ دماء جديدة فيها من خلال إصلاحها من داخلها وإعادة انتاجها و تشكيلها من خلال فكرة الديمقراطية التشاركية التي تقوم على فكرة المشاركة الواسعة للناخبين في التوجيه وفي إدارة الشأن العام وفسح المجال للشعب في المشاركة في أخذ القرار ومتابعته وكيفية تدبيره وتشريك المواطنين في إيجاد الحل للقضايا المطروحة التي تعنيه بصفة مباشرة من خلال النقاش العام الذي يدور على النطاق المحلي.

المشكل في فكرة الديمقراطية التشاركية التي يراد لها أن تكون بديلا عن الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية المباشرة في كونها تلقى مقاومة عنيفة من طرف الإدارة ومن طرف الكثير من الفاعلين السياسيين ويتم التعرض لها من أجل إفشالها وهذا ما حصل فعلا حيث عرفت تونس بعد الثورة وخلال السنوات الأولى من مرحلة الانتقال الديمقراطي تجربة نوعية للديمقراطية التشاركية من خلال المجالس البلدية ومن خلال فكرة الميزانية التشاركية التي تسمح للمواطنين بمناقشة ميزانية البلدية ومناقشة البرامج وإقرار المشاريع التي يراها مهمة له وذلك من خلال 10 أو 15 بالمائة من الميزانية بعد أن كانت المشاريع والبرامج يحددها مهندسو الادارة وهي تجربة سمحت للمواطن بالتدرب على العمل البلدي وعلى الديمقراطية المواطنية هذه التجربة تم الاجهاز عليها وقبرها من قبل الادارة وبفعل الماسكين بالإدارة التي رفضت مشاركة المواطن في اتخاذ القرار وعرقلت حضور المواطن في النقاش البلدي واعتبرت أن المواطن ليس مؤهلا لمثل هذا الدور وأن المشاريع البلدية هي شأن الدولة وشأن بلدي يحدد في الأطر والهياكل البلدية وهو نفس الموقف الذي نجده يحيلنا على رأي الفيلسوف سقراط من مشاركة العامة في الشأن السياسي حينما اعتبر أن ديمقراطية أثينا التي تسمح لعامة الناس بالمشاركة في الحكم هي ديمقراطية تجعل الحكم من نصيب الأغلبية من الاسكافيين والبنائين والباعة المتجولين وهي بذلك نظام فاسد.