إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ملفات "الصباح" | بعد دعوته للانعقاد: البرلمان الجديد.. بين الموجود والمنشود

تونس-الصباح

بعد تصريح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للانتخابات التشريعية 2022 وصدور أمر رئاسي بدعوة مجلس نواب الشعب الجديد إلى الانعقاد يفتح قصر باردو أبوابه يوم الاثنين 13 مارس الجاري أمام النواب الجدد الذين أمطروا ناخبيهم بفيض من الوعود، فما الذي سيضيفه هذا المجلس لتونس؟ وهل سيبادر بمقترحات بناءة وحلول فعلية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد أم أنه سيبقى في الربوة ويختار موقع المتفرج مكتفيا بالأدوار المحدودة التي أسندها إياه الدستور.

فبمقتضى دستور 25 جويلية يمارس مجلس نواب الشعب لمدة خمس سنوات الوظيفة التشريعية، ولكن هذه الوظيفية لا يمارسها بمفرده وإنما بمعية مجلس نيابي ثان وهو المجلس الوطني للجهات والأقاليم. ونظرا إلى عدم صدور القانون المنظم للعلاقة بين المجلسين بعد، فإن الرؤية على حد وصف عدد من أعضاء المجالس النيابية السابقة قبل الثورة وبعدها مازالت غامضة جدا، لأن الدستور لم يضبط صلاحيات كل مجلس بدقة، ولعل الشيء الوحيد الواضح إلى حد اللحظة حسب رأيهم هو أنه يجب عرض المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية على المجلس الوطني للجهات والأقاليم، ويجب المصادقة على قانون الماليّة ومخططات التنمية بالأغلبية المطلقة لكل من المجلسين، وهو ما يعني أنه ليس بالإمكان تمرير قانون مالية أو مخطط تنموي إلا بعد انتصاب المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وحتى صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية فقد أوكلها الدستور بصفة صريحة لمجلس الجهات والأقاليم، وليس لمجلس نواب الشعب، واكتفى الدستور بالإشارة إلى أن كل نائب بمجلس نواب الشعب باستطاعته أن يتوجه لأعضاء الحكومة بأسئلة كتابية أو شفاهية ويمكن للمجلس أن يدعو الحكومة أو عضوا من الحكومة للحوار معها، علما وأنه بإمكان أي عضو من أعضاء مجلس الجهات والأقاليم هو الآخر التوجه بأسئلة كتابية وشفاهية لأعضاء الحكومة مثلما يمكن لمجلس الجهات والأقاليم دعوة الحكومة أو عضوا منها للحوار معها حول السياسة التي تم إتباعها والنتائج التي وقع تحقيقها أو النتائج التي يجري العمل من أجل تحقيقها، وحتى لائحة اللوم ضد الحكومة فلا يستطيع مجلس نواب الشعب توجيهها بمفرده بل يجب أن تكون العريضة بمعية المجلس الوطني للجهات والأقاليم.

وحسب رأي بعض النواب القدامى، فإن الدستور الجديد قلص من صلاحيات البرلمان بصفة واضحة، وحتى المهمة التشريعية فكادت أن تقتصر على تمرير المشاريع التي تقترحها السلطة التنفيذية، أما حرية النواب فتم تقييدها بشكل غير مسبوق على حد وصفهم فضلا عن وضع النائب تحت الضغط بسبب إقرار آلية سحب الوكالة.. وفسروا أنه جاء في الدستور أن مجلس نواب الشعب يمارس الوظيفة التشريعيّة في حدود الاختصاصات المخوّلة له في الدستور، ولرئيس الجمهورية حق عرض مشاريع القوانين، ولمشاريع الرئيس أولوية النظر، كما يختص الرئيس بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين المالية، ولرئيس الجمهورية أيضا أن يعرض على الاستفتاء أي مشروع قانون يتعلق بتنظيم السلط العمومية أو يرمي إلى المصادقة على معاهدة يمكن أن يكون لها تأثير على سير المؤسسات.

وبالنسبة إلى أعضاء مجلس نواب الشعب فلهم الحق فقط في عرض مقترحات القوانين شريطة أن تكون مقدّمة من عشرة نوّاب على الأقلّ، كما أن مقترحات القوانين ومقترحات التنقيح التي يتقدم بها النوّاب لا تكون مقبولة إذا كان من شأنها الإخلال بالتوازنات المالية للدولة.

وحجر الدستور على أعضاء مجلس نواب الشعب ممارسة أيّ نشاط بمقابل أو دونه ومنعهم من الالتحاق بكتل أخرى في حال انسحابهم من الكتل التي كانوا ينتمون إليها عند بداية المدة النيابية، وبالنسبة إلى الوكالة فهي قابلة للسحب، وقد أشار المرسوم الانتخابي الصادر منتصف سبتمبر الماضي إلى إمكانية سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية في صورة إخلاله بواجب النزاهة أو تقصيره البين في القيام بواجباته النيابية أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الانتخابي الذي تقدم به عند الترشح.

خوف من سحب الوكالة

ولعل السؤال الحارق الذي طرحه النواب السابقون هو ما هي الجهة المخول لها إعمال السلطة التقديرية والحكم على النائب إن كان فعلا قد أخل وقصر ولم يبذل العناية المطلوبة؟ فهل أن الأمر موكول لرئيس الجمهورية وأين مبدأ الفصل بين السلط في هذه الحالة؟ أم أن هيئة الانتخابات هي التي ستقوم بهذا الدور؟ ولكن كيف للهيئة التي تدعي أنها مستقلة ومحايدة أن تقحم نفسها في اللعبة السياسية؟ وأما الحصانة بما هي ضمانة تحول دون تتبع النائب أو إيقافه أو محاكمته، فالنائب، حسب تفسيرهم، يتمتع بها لأجل آراء يبديها أو اقتراحات يتقدم بها أو أعمال تدخل في إطار مهام نيابته داخل المجلس وفق ما نص عليه الدستور، وهذا يعني ضمنيا حسب رأي أحد النواب السابقين أنه عندما يقدم أي شخص شكوى ضد نائب لأنه انزعج من رأي عبر عنه النائب المذكور في منبر إعلامي أو في أحد مواقع التواصل الاجتماعي أو في أي مكان آخر خارج المجلس فما على النائب سوى مواجهة مصيره إذ لا يحق له أن يعتصم بالحصانة، وحتى داخل المجلس فهو لا يتمتّع بالحصانة البرلمانية بالنّسبة إلى جرائم القذف والثلب وتبادل العنف كما لا يتمتع بها أيضا في صورة تعطيله للسّير العادي لأعمال المجلس.. وفي المحصلة، فإن النواب الجدد حسب رأي بعض من سبقوهم، سيجدون أنفسهم في وضع غير مريح لأن الأرض يمكن أن تتحرك تحت أقدامهم في أي لحظة، وسيجدون أنفسهم في مجلس محدود الصلاحيات ومتحكم فيه من قبل رئيس الجمهورية لذلك فإنهم لا ينتظرون منه أن يستنبط الحلول لمشاكل البلاد ولا يتوقعون منه تقديم الإضافة غير مناقشة مشاريع القوانين في كنف الهدوء والتصويت عليها.

لكن رغم إلغاء صلاحياته الانتخابية والحد من صلاحياته الرقابية فيتعين على النواب حسب ما أشار إليه رئيس جمعية البرلمانيين التونسيين التركيز على الوظيفة التشريعية التي منحهم إياها الدستور وتوفير الإمكانيات اللازمة والآليات الكفيلة لدفع الوظيفة التشريعية..

وتبعا لإلغاء صلاحيات مجلس نواب الشعب الانتخابية يرى وحيد الفرشيشي الجامعي المختص في القانون أنه من الضروري أن يعمل المجلس النيابي على تنقيح القوانين الأساسية المنظمة للهيئات الدستورية الصادرة في الرائد الرسمي.

إعداد: سعيدة بوهلال

 

الأزهر الضيفي: سنرى عمليات سحب الوكالة في الدوائر التي فيها "عروشية"

 

أشار الأزهر الضيفي النائب السابق ورئيس لجنة الحصانة، ومقرر اللجنة السياسية والعلاقات الخارجية وحقوق الإنسان بمجلس النواب في عهد بن علي، إلى أن مجلس نواب الشعب الجديد لم يعد سلطة تشريعية بل أصبح وظيفة تشريعية إذ نص دستور 25 جويلية 2022 في فصله 67 على أن يمارس مجلس نواب الشعب الوظيفة التشريعية في حدود الاختصاصات المخولة له في هذا الدستور، وجاء في الفصل 79 أن المجلس يصادق على القوانين الأساسية بالأغلبية المطلقة للأعضاء وعلى القوانين العادية بأغلبية الأعضاء الحاضرين على أن لا تقل هذه الأغلبية عن ثلث أعضاء المجلس، ولكن اختصاصات المجلس النيابي لم يضبطها الدستور بشكل واضح حسب تعبيره، فالمجلس يصادق على قانون المالية لكن بالنسبة إلى ميزانية الدولة فلم ينص الدستور على كونها من وظائف المجلس النظر فيها والمصادقة عليها مثل قانون المالية. ولاحظ الضيفي أن الدستور أشار الى أن المجلس يصادق على مشاريع قوانين المالية وغلق الميزانية طبق الشروط المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانية أما بالنسبة الى ميزانية الدولة فهي من اختصاص المجلس الوطني للجهات والأقاليم إذ نص الفصل 84 من الدستور على أن تعرض وجوبا على المجلس الوطني للجهات والأقاليم المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية لضمان التوازن بين الجهات والأقاليم، ولم يرد في الدستور أن الميزانية تعرض وجوبا على مجلس نواب الشعب وأن المجلس النيابي يصادق عليها.

وبين الضيفي أنه إضافة إلى عدم وضوح اختصاصات مجلس نواب الشعب المرتقب فإن الفصل 85 من الدستور يدعو إلى التساؤل إن كان لمجلس النواب دور رقابي أم لا، فالفصل 85 نص على أن يمارس مجلس الجهات والأقاليم صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية، وبتجريده من صلاحياته الرقابية لم تعد لمجلس نواب الشعب وظائف كثيرة كما كان عليه الحال في المجالس النيابية السابقة، كما أن النائب لم تعد له علاقة بالمخطط التنموي المحلي والجهوي والوطني ولكن رغم ذلك فهو بمقتضى الدستور يحاسب، إذ تسحب منه الوكالة عن طريق عريضة يقدمها ناخبون في الدائرة الانتخابية التي ترشح عنها، ويمكن أن يكون سبب سحب الوكالة تقصيره في تحقيق التنمية في دائرته، وبالتالي النائب يعاقب بسبب مسائل ليست من اختصاصه وليست من صميم وظيفته وهذا غير منطقي، ونبه النائب السابق إلى أن آلية سحب الوكالة ستستعمل بكثافة في الجهات التي قامت فيها الانتخابات التشريعية على أساس العروشية، ففي السابق كان الداعمون للأحزاب يطلبون من الناخبين خلال الحملة أن يصوتوا لمرشحي أحزابهم لكن في الانتخابات الأخيرة التي تمت على الأفراد وليس على القائمات الحزبية لوحظ خلال الحملة استعمال أسماء العروش وعبارة "صوت لولد عمي" بشكل لافت، ففي غياب الأحزاب السياسية القوية حسب رأي الضيفي تعود نعرة العروشية التي اعتقد التونسيون أنهم تخلصوا منها منذ عهد بورقيبة.. كما أن العروشية تعود عندما يغيب التوافق ويختل التوازن، وهذا التوازن مفقود بسبب التوزيع الجديد للدوائر الانتخابية، فمن قام بتحديد الدوائر لم يقرأ التاريخ بما فيه من تناقضات.

وأمام هذه المعضلة، يتعين على مجلس نواب الشعب الجديد حسب قول الضيفي، تحديد اختصاصاته بدقة في نظامه الداخلي لأن المجلس من المفروض أن يكون هو المشرع، لكن في الوضع الراهن لا يحق لنوابه تقديم مشاريع قوانين وكل ما هو متاح لهم هو تقديم مقترحات قوانين إذ نص الدستور على أنه لرئيس الجمهورية حق عرض مشاريع القوانين، وللنواب حق عرض مقترحات القوانين شريطة أن تكون مقدمة من عشرة نواب على الأقل، والأولوية في كل الحالات لمشاريع رئيس الجمهورية، وحتى الحصانة التي يمتع بها النائب فهي حسب ما فسر النائب السابق تنسحب على المهام النيابية داخل المجلس وليس خارجه لأن الدستور نص على أنه لا يمكن تتبع النائب أو إيقافه أو محاكمته لأجل أراء يبديها أو اقتراحات يتقدم بها أو أعمال تدخل في إطار مهام نيابته داخل المجلس. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حسب قوله، بل حد الدستور الجديد من الحصانة داخل المجلس أيضا، وذلك بتنصيصه على حرمان النائب منها في حال الثلب والقذف وتبادل العنف وتعطيل السير العادي لأعمال المجلس، وبالتالي تم اعتبار المجلس وظيفة والنائب موظف متحكم فيه من قبل السلطة التنفيذية داخل المجلس وخارجه، فالوظيفة والموظف في العادة من مشمولات السلطة التنفيذية، وأضاف أن الدستور لم يتحدث إطلاقا عن العلاقات الخارجية للمجلس النيابي كما لم ينصص على أسماء اللجان البرلمانية وعلى المعارضة، والأمر موكول اليوم للنواب أنفسهم إذ يتعين عليهم الانكباب على إعداد نظام داخلي ويسمح لمجلسهم بإقامة علاقات خارجية ويتم من خلاله تمكين اللجان من أدوار رقابية وتمكين النواب من صلاحيات المساءلة الحقيقية أي أنه عليهم التحلي بالجرأة عند صياغة النظام الداخلي للمجلس، واستدرك الضيفي قائلا :"لكن لا ننسى أن رئيس الجمهورية يمكنه أن يرفض نشر النظام الداخلي في الرائد الرسمي كما أنه بعد تركيز المحكمة الدستورية سيكون لزاما على المجلس عرض نظامه الداخلي على هذه المحكمة". وأضاف أنه بالنظر الى الصلاحيات المحدودة جدا للمجلس فهو لا ينتظر من نوابه أن يقدموا إضافة لجهاتهم أو أن يحلوا مشاكلها.

 

كلثوم بدر الدين: من المهم جدا وضع مدونة سلوك النائب وإدراجها في النظام الداخلي للمجلس

 

قالت كلثوم بدر الدين عضو المجلس الوطني التأسيسي وعضو مجلس نواب الشعب عن كتلة حركة النهضة في المدة النيابية الأولى التي ترأسها محمد الناصر ورئيسة لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية إن الدستور الجديد عندما تحدث عن مجلس نواب الشعب، لم يتحدث عن سلطة تشريعية وإنما عن وظيفة تشريعية وهذه الوظيفة تسند له بموجب وكالة من الشعب، بينما في دستور 2014 كانت هناك السلطة التشريعية والشعب يمارس هذه السلطة التشريعية عبر ممثليه بمجلس نواب الشعب وبالتالي لم تكن هناك وكالة محددة بشروط وبالإمكان سحبها من النواب.. وفسرت بدر الدين أن الشغور في مجلس نواب الشعب كان يحصل في حالات الوفاة والعجز التام والاستقالة وفقدان العضوية أو إسقاطها ولم يكن هناك فقدان للعضوية بموجب سحب الوكالة كما هو عليه الحال اليوم.

ولاحظت النائبة السابقة عن كتلة حركة النهضة أنه إضافة إلى سحب الوكالة فإن صلاحيات مجلس نواب الشعب في الدستور الجديد ليست واضحة، أما مجال تدخل النائب فهو ضيق للغاية، وحتى المسائل الجهوية فإنها أسندت للغرفة النيابية الثانية التي لا أحد يعرف متى سيقع تركزيها والمقصود هنا المجلس الوطني للجهات والأقاليم، فالقانون المنظم لهذا المجلس الثاني لم يصدر ومهام هذا المجلس هي الأخرى غير واضحة بما فيه الكفاية.

وأضافت كلثوم بدر الدين أنه تمت تجربة نظام الغرفتين في السابق في عهد بن علي، حيث كان هناك إلى جانب مجلس النواب، مجلس المستشارين.. كما كان هناك مجلس دستوري ينظر في دستورية مشاريع القوانين لكن في الوقت الراهن لا توجد جهة تراقب دستورية القوانين لأنه لم يقع تركيز المحكمة الدستورية وحتى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين التي كانت موجودة في ما مضى فقد تم إلغاؤها بمقتضى الأمر عدد 117 لسنة 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية، وبالتالي هناك فراغ قانوني حول دستورية القوانين والمراسيم التي أصدرها رئيس الجمهورية.

وعن سؤال حول ما إذا كان بإمكان مجلس نواب الشعب الجديد في نظامه الداخلي أن يمنح هياكله صلاحيات غير التي نص عليها الدستور، أجابت النائبة السابقة أن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب السابق تم وضعه سنة 2015 وتبين بالممارسة أنه لا يخلو من النقائص ومن بين هذه النقائص غياب مدونة سلوك النائب، لذلك تم الاشتغال على صياغة هذه المدونة لفترة طويلة خلال المدة النيابية الأولى لمجلس نواب الشعب وتم إعداد مقترحات تعديل للنظام الداخلي للمجلس لكنها لم تمرر، وبعد انتخابات 2019 واصلت لجنة النظام الداخلي النظر في تنقيحات النظام الداخلي بهدف إصلاحه لكن عملها توقف والسؤال المطروح هو هل أن البرلمان الجديد سيواصل العمل الذي انطلقت فيه اللجنة المذكورة والذي لم يقع استكماله أم أنه سيخير الانطلاق في إعداد نظامه الداخلي من ورقة بيضاء؟ وأضافت أنه يمكن للمجلس أن يعتبر أن نظامه الداخلي يقوم مقام القانون و يحدد القانون صلاحيات المجلس بدقة ويضبط صلاحيات اللجان بما فيها الصلاحيات الرقابية بوضوح، وذكرت أنه في السابق عندما تم النظر في مقترحات تعديل النظام الداخلي كان هناك اتجاه نحو سن قانون ينظم لجان التحقيق البرلمانية ويضبط مهام هذه اللجان وصلاحياتها وقد تم منحها صلاحيات واسعة للبحث والحري لكن مشروع هذا القانون لم ير النور. وبينت كلثوم بدر الدين أنها لا تعرف إن كان البرلمان الجديد سيعتمد ذلك المشروع الذي بقي في الرفوف أم أنه لن ينظر إليه. وإلى جانب ضبط صلاحيات اللجان البرلمانية بما فيها لجان التحقيق تم في ما مضى حسب تأكيدها الاشتغال على مقترحات تتعلق بالاستقلالية المالية والإدارية لمجلس نواب الشعب لأن المجلس واجه إشكاليات كبيرة بسبب عدم وجود نص قانوني يتعلق بالاستقلالية المالية والإدارية وقد أثير في وقت من الأوقات جدل حول ما إذا كان من حق رئيس المجلس محمد الناصر ضبط الامتيازات والمنح المسندة للنواب وتحديد الزيادات في أجور الموظفين وقد تزامن هذا الجدل مع احتجاجات مطلبية نفذها الموظفون تحت قبة البرلمان وفي النهاية فإن رئاسة الحكومة هي التي حددت قيمة تلك الزيادات وليس مجلس نواب الشعب.

 

المنجي الحرباوي: على النواب الجدد ألا يخذلوا الشعب

 

منجي الحرباوي النائب السابق عن كتلة نداء تونس خلال المدة النيابية الأولى لمجلس نواب الشعب بين أن تونس بعد صدور دستور 25 جويلية 2022، دخلت في منظومة سياسية جديدة ونظام حكم جديد، وفي إطار هذه المنظومة وهذا النظام فإن دور البرلمان يختلف تماما عن دوره في المنظومة السابقة التي جاء بها دستور 2014. وأضاف أن مجلس نواب الشعب بالدستور الجديد أصبحت لديه صلاحيات محدودة، فإلى جانب حرمانه من دوره الانتخابي تم التقليص في دوره التشريعي فهو ينظر في مشاريع القوانين التي تعرضها رئاسة الجمهورية، وبالنسبة الى المبادرات التشريعية التي يقترحها النواب فكيفية التعاطي معها غير واضح في الدستور والمطلوب تخصيص فصول في النظام الداخلي للمبادرات التشريعية المقدمة من طرف النواب.

وبين الحرباوي أن المجلس النيابي في المنظومة السياسية الجديدة لم يعد كما في السابق محور العملية السياسية، فاليوم أصبح رئيس الجمهورية هو محور العملية السياسية، ولهذا السبب فإنه كناشط سياسي لا ينتظر من البرلمان الجديد الكثير إذ أن المجلس ستكون مهمته الأساسية النظر في مشاريع قوانين يقدمها رئيس الجمهورية والمصادقة عليها، وفي ما مضى كان البرلمان بمقتضى دستور 2014 وبمقتضى نظامه الداخلي مصدر التشريع وليس هذا فقط بل كان يضطلع بدور رقابي إذ كان يراقب الحكومة ويصوت منح الثقة للحكومة ويصادق عليها وبهذه الكيفية كان طرفا أساسيا في تعيين السلطة التنفيذية، وتعيين الحكومة كان يتم بالضرورة عبر البرلمان لكن هذه المهمة السياسية الثقيلة انتفت، كما كان المجلس حسب قوله يراقب الحكومة من خلال مساءلتها ومراقبة أولوياتها وأدائها ونتائجها لكن بالدستور الجديد أصبحت الرقابة محدودة إذ تم التنصيص فيه على إمكانية دعوة الحكومة وعضوا منها للحوار وعلى إمكانية توجيه النائب أسئلة كتابية أو شفاهية للوزراء ولكن الوزير ليس مجبرا على الإجابة عنها.

كما لاحظ الحرباوي أن النائب في السابق كان له دور تمثيلي فهو يمثل جهته ويمثل الشعب بأسره فالنائب هو نائب عن الشعب كافة لكم بالدستور الجديد تمت إضافة مؤسسة ثانية وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم وأصبح مجلس نواب الشعب يتقاسم الدور التمثيلي مع المجلس الوطني للجهات والأقاليم وبالتالي هناك فرق كبير بين البرلمان السابق والبرلمان الجديد، ولكل هذه الأسباب فإنه حسب تعبيره ليست لديه انتظارات كبيرة من المجلس الجديد لكنه في قرارة نفسه يتمنى أن يكون هذا المجلس في مستوى تطلعات الشعب التونسي وفي مستوى الاستحقاقات الوطنية خاصة ما تعلق منها بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي، ويريده أن يكون أكثر جدية من المجلس النيابي المنحل. وأضاف الحرباوي أنه يأمل في أن يكون النواب الجدد في مستوى انتظارات ناخبيهم وأن لا يخذلوا الشعب، فرغم أن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت ضعيفة فليس هناك من خيار أمام النواب الجدد سوى أن يكونوا في مستوى تطلعات التونسيين وعليهم بأن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة ويعملوا بجدية من أجل تغيير صورة المجلس وتحسين هذه الصورة وهذا لا يتحقق إلا من خلال تحلي النواب بالجدية و خاصة الاشتغال على الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وأيضا من خلال إعادة النظر في بعض القوانين التي لم تعد ملائمة للتطورات وللأوضاع التي تعيشها البلاد في جميع المستويات، وبالتالي هناك عمل شاق ينتظر النواب الجدد في علاقة بتعديل الكثير من النصوص القانونية.

وأضاف الحرباوي أنه توجد مشاكل أخرى مطروحة على النواب الجدد مردها حملة التشويه التي طالت العمل السياسي والأحزاب بشكل عام، وفسر أنه بالنظر إلى قائمة الفائزين في الانتخابات التشريعية نجد أن المستقلين يشكلون الأغلبية ولكن بالتجربة لا يمكن للمجلس النيابي أن يعمل في ظل غياب كتل نيابية وازنة وتنظيمات حزبية تسندها لأن العمل الحزبي هو أساس العمل السياسي، وبالتالي حتى وإن كان النائب مستقلا فهذا لا يعني الاستقالة من العمل السياسي والمقصود أن النواب الجدد مطالبون بإعطاء صورة جديدة للعمل السياسي خاصة في علاقة بالتنظيمات السياسية وفي مقدمتها الأحزاب. وتساءل النائب السابق إن كان النواب الجدد مستعدين للدخول في كتل برلمانية وهم يعلمون منذ البداية أن الدستور الجديد حجر عليهم السياحة الحزبية أي الانتقال من كتلة إلى أخرى؟ وهل أن الكتلة البرلمانية ستكون أساس العمل السياسي أم سيكون هناك عمل سياسي مواز للعمل البرلماني؟؟

 

فؤاد ثامر: المجلس النيابي سيكون صوريا

 

بين فؤاد ثامر النائب السابق بالمجلس الوطني التأسيسي عن الكتلة الديمقراطية والنائب السابق بمجلس نواب الشعب المنحل عن كتلة حزب قلب تونس والذي أعلن لاحقا استقالته من هذا الحزب أن مجلس نواب الشعب الجديد سيكون مجلسا صوريا لأن غاية رئيس الجمهورية منه هي فقط تسويق صورة للخارج مفادها أن تونس بعد 25 جويلية عرفت انتخابات تشريعية أفرزت مؤسسة سياسية، ولكن في الحقيقة لن تكون هذه المؤسسة فاعلة، وأضاف أنه لهذا السبب هو لا ينتظر من مجلس نواب الشعب الجديد شيئا، فهذا المجلس ليست له علاقة بالمواطن والتنمية وسيكون مخيبا لآمال التونسيين.

وذكر أن التركيبة الفسيفسائية للمجلس النيابي ستكون لها انعكاسات سلبية على عمله، فالمجلس النيابي السابق كان يعاب عليه التشتت لكن اليوم نجد أن المجلس يتركب من أفراد لا يعرفون بعضهم البعض وفضلا عن ذلك فإنه فاقد للشرعية والمشروعية نظرا لضعف نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أفرزته.

وعن سؤال حول أولويات المجلس النيابي الجديد والملفات التي يتعين عليه فتحها أجاب ثامر أن المجلس المرتقب لن يفتح أي ملف لأن رئيس الجمهورية سبقه وفتح كل الملفات فالرئيس وضع دستورا جديدا للبلاد كما يريد، ومرر المسائل الهامة وفي مقدمتها القانون الانتخابي بمراسيم وكذلك قانون المالية مرره بمرسوم، وحتى بعد انتصاب المجلس النيابي فإن هذا المجلس لن يتمكن من تمرير قوانين المالية لأن قانون المالية هو أيضا من اختصاص المجلس الوطني للجهات والأقاليم. كما أشار النائب السابق فؤاد ثامر إلى أن المجلس النيابي في السابق كان يتمتع بوظيفة انتخابية فهو ينتخب الهيئات الدستورية وبعض الهيئات الأخرى كما كان أعضاء المجلس ممثلين في المجالس الجهوية وبالتالي كان لهم دور في مسألة التنمية في جهاتهم وهذا الدور لم يعد الآن موجودا وهو ما يعني أن النائب عندما يتصل بالوالي في إطار عمله النيابي في جهته يمكن لهذا الأخير أن يرفض الاستماع إليه. ويرى فواد ثامر أن آلية سحب الوكالة ستكون سيفا يضعه رئيس الجمهورية على رقاب النواب الذين يختلفون معه في الرأي.

وتعقيبا عن استفسار آخر حول تبعات تحجير السياحة الحزبية في الدستور الجديد، أشار ثامر إلى أن السياحة الحزبية كانت فعلا معضلة لكن اليوم أصبح الانضمام الى كتل أو الانسحاب منها لا معنى له لأن النائب عندما كان في السابق ينظم إلى كتلة فذلك إما من أجل أن يكون له دور في تشكيل الحكومة والتصويت على منحها الثقة والضغط عليها لاحقا لكي تقوم بخيارات تشريعية معينة أو من أجل أن يعارض الحكومة لكن في المجلس الجديد حتى وإن لم ينتم النائب إلى كتلة نيابية فإن وضعه لن يكون مختلفا عمن انتمى الى كتلة وذلك على مستوى النجاعة في العمل النيابي وربما الفرق الوحيد بينهما هو التوقيت المخصص للمداخلات خلال الجلسات العامة لأن النائب الذي يكون في كتلة يسند له توقيت أطول من غير المنتمي.

وأضاف النائب السابق أنه لا جدوى من انتماء النواب الى كتل برلمانية إذا لم يكن هناك تجانس بينهم وهذا التجانس غير متوفر في النواب الجدد فكل واحد منهم قادم من "دشرة" حسب وصفه، ولا يوجد برنامج مشترك أو فكرة جامعة بينهم. وذكر أنه حتى في صورة تكوين كتل برلمانية فإن أول امتحان ستواجهه هذه الكتل سيكون بمناسبة توزيع المناصب والمسؤوليات في هياكل المجلس كما ستواجه الكتل لاحقا امتحانا صعبا كلما عرض على المجلس مشروع قانون يكتسي صبغة خلافية ..

 وخلص ثامر إلى أن المجلس الجديد فيه غياب لافت للمرأة والأحزاب السياسية لأن جل الأحزاب قاطعت الانتخابات التشريعية، وهذا المجلس حسب رأيه لن يقدم حلولا للأزمة السياسية الراهنة بل لن يقدم أي حل للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وسيكون فقط مجرد واجهة لتمرير مشاريع رئيس الجمهورية.

 

لطفي النابلي: حتى بعد تنصيب المجلس.. سيتواصل العمل بالمراسيم

 

يرى لطفي النابلي النائب السابق خلال المدة النيابية الأولى لمجلس نواب الشعب عن كتلة نداء تونس ثم عن كتلة الائتلاف الوطني التي ترأسها مصطفى بن أحمد أن مجلس نواب الشعب الجديد لن تكون له فاعلية ولن يستطيع الخوض في كل الملفات خاصة الاقتصادية منها والمالية لأنه بمقتضى دستور 2022 لا يمكن للمجلس النيابي المصادقة على مشاريع قوانين تتعلق بالمسائل المالية إلا بوجود غرفة ثانية وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وفي غياب المجلس الثاني سيتواصل إصدار النصوص القانونية ذات العلاقة بالمسائل المالية بمراسيم.

وأضاف النابلي أن المشكل الكبير المطروح اليوم هو غياب الرؤية، إذ أنه لا أحد من المهتمين بالشأن العام لديه معطيات حول المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي جاء به الدستور، ولا أحد يدري متى سيتم إصدار القانون المتعلق بهذا المجلس، ومتى سيتم إجراء انتخابات أعضائه، ومتى سيقع تركيزه، وما هي صلاحياته، وبالتالي فإن الوضع التشريعي مازال مبتورا ولم يكتمل، ولهذا السبب فهو رغم تجربته النيابية، لا يعرف ما هي نوعية المواضيع المطروحة على مجلس نواب الشعب الجديد خاصة وأن صلاحيات هذا المجلس محدودة جدا لأن رئيس الجمهورية استأثر بالقسط الأكبر من الصلاحيات والمجلس النيابي في النهاية وكما أراده واضع الدستور هو مجلس خاضع لسلطة رئاسة الجمهورية.

وباستفساره إن كان يتعين على النواب وضع نظام داخلي لمجلسهم يتيح لهم هامشا أكبر من الحرية، أجاب النابلي أنه لا بد من التذكير بأن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب ليس قانونا عاديا أو قانونا أساسيا وبالتالي لا يمكن لهذا النص أن يستوعب مسائل هي من مشمولات القانون والنظام الداخلي يهم بالأساس تنظيم المجلس من الداخل وذكر أن العمل في مجلس نواب الشعب كان في ما مضى يرتكز على الكتل، والكتل تقف وراءها أحزاب سياسية وائتلافات حزبية لكن اليوم تم انتخاب أعضاء المجلس الجديد على الأفراد وأغلبهم ليست لهم انتماءات حزبية ولا أحد يعرف إلى اليوم من منهم سينتمي الى كتل وكم هو عدد هذه الكتل وما هو العدد المطلوب من النواب لتكوين كتلة فهناك مسائل لا بد أن يتم ضبطها بمقتضى النظام الداخلي للمجلس وعند صدور هذا النص في الرائد الرسمي ربما تتضح الرؤية نوعا ما. وفسر النابلي أن هيكلة المجلس النيابي الجديد غير واضحة وتوجهات نوابه غير واضحة والمجموعة التي تمثل أغلبية فيه هي الأخرى غير واضحة لأن حراك 25 جويلية الذي ادعى أنه فاز بأغلبية المقاعد، قياداته اختلفوا حول عدد هذه المقاعد وبالتالي لا توجد معطيات دقيقة من شأنها أن تساعد المتابع للشأن السياسي أن يحلل بطريقة موضوعية وأن لا يفتي في أشياء لا يعرفها فبغياب المعطيات تكون الخارطة السياسية غير واضحة واليوم الخارطة السياسية للمجلس النيابي ضبابية وحتى إن كان المجلس مجلسا تشريعيا ليس أكثر، فإنه أحببنا أم كرهنا يبقى لديه بعد سياسي، والسؤال الذي مازال دون إجابة هو ما مدى قربه أو بعده من رئاسة الجمهورية فالإجابة عن هذا السؤال مهمة للغاية لأنها تحدد مستقبل المجلس السياسي لكن في الوقت الراهن مازالت الأمور غامضة وهناك ضبابية مطلقة تحيط بالمجلس النيابي الجديد ولا أحد يعلم من سيكون رئيس المجلس وهل سيتم انتخابه بدعم من رئيس الجمهورية أم لا لأنه في سنة 2014 كان لرئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي دور كبير في انتخاب رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر.

 

الأستاذ وحيد الفرشيشي: إلغاء الصلاحيات الانتخابية للمجلس يستوجب تنقيح قوانين الهيئات الدستورية

 

نظرا لانتفاء الصلاحيات الانتخابية لمجلس نواب الشعب فيجب على البرلمان الجديد أن يصوت على مشاريع قوانين تعديلية للقوانين الأساسية المتعلقة بهيئة حقوق الإنسان وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة والهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.. هذا ما أشار إليه الأستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس في تصريح خاطف لـ"الصباح" فهذه الهيئات حسب تفسيره صدرت بخصوصها قوانين في الرائد الرسمي ولكنها لم تركز ويمكن للمجلس النيابي الجديد أن يعتبر هذه الهيئات قد سقطت بمرور الزمن ويمكنه أيضا أن يعدل قوانينها في صورة رغبته في الإبقاء عليها، كما أنه في علاقة بالهيئات فان المجلس النيابي وفق القوانين المنظمة لتلك الهيئات مطالب بمتابعة تقاريرها لكن هذه المهمة وبمقتضى الدستور الجديد لم تعد موجودة ولكن يمكن للمجلس أن يبقي عليها في إطار نظامه الداخلي ونفس الشيء بالنسبة إلى المجلس الأعلى للقضاء، فالدستور الجديد لم ينص على الجهة التي تضبط ميزانية هذا المجلس، كما يجب على البرلمان الجديد أن يصوت على قانون جديد للمجلس الأعلى للقضاء وإلا فإنه سيتم الإبقاء على المجلس المؤقت كما أن السؤال المطروح حسب قول الجامعي هو هل سيستمع مجلس النواب إلى المجلس الأعلى للقضاء بمناسبة نقاش ميزانية الدولة وتحديدا ميزانية المجلس الأعلى للقضاء مثلما كان يحدث مع البرلمان السابق ولم يكن النقاش وقتها يقتصر على الجانب المالي وإنما كان يذهب إلى مسائل في العمق.

ولاحظ الأستاذ وحيد الفرشيشي أن إلغاء الدور الانتخابي لمجلس نواب الشعب يطرح مشكلا كبيرا لكن المشكل الأكبر يتمثل في مسؤولية رئيس الجمهورية أمام المجلس، فالدستور الجديد لم يتحدث عن هذه المسؤولية والسؤال المطروح هو كيف للمجلس أن يتجاوز هذا المشكل، فالمجلس يناقش ميزانية رئاسة الجمهورية لكن هذه الميزانية لا توضع عادة بصفة تفصيلية كما هو الشأن بالنسبة إلى ميزانيات الوزارات وبالتالي هل يمكن للمجلس مساءلة رئيس الجمهورية بمناسبة نقاش ميزانية الرئاسة.

كما بين الفرشيشي أنه لا يمكن أن ننسى أن الأولوية هي لمشاريع القوانين المقدمة من قبل رئيس الجمهورية ثم أن الرئيس يمكنه أن يشرع قوانين عبر الاستفتاءات وبالتالي إذا أزعجه مجلس نواب الشعب فيمكنه الذهاب الى الاستفتاء.

وتحدث الجامعي عن مشكل أعمق وهو يتعلق بغياب التوازن بين السلط فهذا التوازن في الدستور الجديد منخرم ويتعين على مجلس نواب الشعب تجاوز هذا المشكل مثلما عليه تجاوز المشكل المتعلق بالتفرقة بين السلطة فهذه التفرقة لم تعد موجودة لأن رئيس الجمهورية يتدخل في تعيين القضاة في المحكمة الدستورية.

 

جمال الدين خماخم: من الضروري تأمين الاستقلالية الإدارية والمالية للبرلمان.. وتأهيله

 

في حديثه عن مجلس نواب الشعب بين جمال الدين خماخم رئيس جمعية البرلمانيين التونسيين أن دستور 2022 أرسى نظاما سياسيا جديدا وهو نظام جمهوري وهو يختلف تماما عن نظام دستور 2014 الذي كرس نظاما برلمانيا يقترب بشكل كبير إلى النظام المجلسي لذلك فإن المقارنة بين الدستورين هي مقارنة بين نظامين مختلفين.

ولئن حافظ الدستور الجديد على الوظيفة التشريعية للمجلس وهي الأهم حسب رأي خماخم فإن الوظيفة الرقابية تبدو قد ضعفت مقارنة بالنظام البرلماني لدستور 2014 وهو طبيعي في نظام جمهوري. وأضاف أنه لذلك ينبغي التركيز على توفير الإمكانيات الضرورية والآليات الكفيلة بدفع الوظيفة التشريعية وهي وظيفة عانت دائما قبل 2011 وبعدها من عديد النقائص ومازالت هذه النقائص قائمة و ينبغي معالجتها لتمكين المجلس الجديد من العمل بنجاعة.

وقال رئيس جمعية البرلمانيين التونسيين هناك عناصر أساسية من شأنها توفير الظروف الملائمة لنجاعة عمل المجلس أولها تأمين الاستقلالية الإدارية والمالية لمجلس نواب الشعب، وفسر في هذا الصدد أنه من المهم مواصلة العمل على تأمين الاستقلالية الإدارية والمالية باستحثاث نسق إصدار النصوص القانونية اللازمة وتكوين لجان التفكير ولجان صياغة النصوص وتنظيم استشارات مع الهياكل الحكومية المعنية وخاصة رئاسة الحكومة ومكونات المجتمع المدني على مستوى مجلس نواب الشعب وخارجه.

وأشار إلى أن الاستقلالية الإدارية والمالية للمجلس، لئن لم يتم بيانها بالدستور الجديد، فإنّ القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية أفرد مجلس نواب الشعب بأحكام خاصة، اذ اعتبره مهمة خاصة ضمن فصله 19 واستثناه من تطبيق جملة من الأحكام التي تخضع لها بقية مؤسسات الدولة، كما أفرد المجلس في فصله 43 بأحكام خاصة تضمن استقلالية إعداد وعرض مشروع ميزانيته ومناقشتها، أما في جانب التنفيذ فقد أحال القانون إلى قرارات من رئيس المجلس في مجال ضبط إجراءات التصرف في ميزانية المجلس، ومنح رئيس المجلس صلاحيات إصدار كافة التدابير والقرارات المتصلة بالوضعيات الإدارية والمالية لأعوان المجلس وأعضائه. وذكر خماخم أن الفصل 51 من ذلك القانون أعفى مجلس نواب الشعب من الخضوع إلى تأشيرة مراقب المصاريف العمومية ومن تطبيق أحكام الأمر المنظم للصفقات العمومية مقابل إلزامه باحترام جملة من المبادئ فيما يتصل بشراءاته والطلبات التي ينجزها.

ولاحظ الخبير الذي أجاب عن أسئلتنا كتابيا أن هذه الاستقلالية تكتسي أهمية كبرى باعتبارها تجنب المجلس الخضوع أو التبعية للسلطة التنفيذية من ناحية، وتوفر له، من ناحية أخرى، حرية، على الأقل جزئيًا، خارج أطر القواعد القانونية للقانون العام وتمكنها من الامتثال لقواعد خاصة بها. وأضاف أن لهذه الاستقلالية، في جميع المجالس بالعالم، ميزة مشتركة وهي أنه لا يتمّ حظر التعاون مع الحكومة، لذلك يتميز الفصل بين السلطات التي تستمد منها في غالبية البرلمانات بأنها "فصل مرن للسلطات" أو "فصل للسلطات في إطار التعاون ".

وبالتالي فإن استقلالية مجلس نواب الشعب هي جزء من التنظيم المؤسسي للدولة التي ينتمي إليها البرلمان. والغرض من هذه الاستقلالية حسب قوله هو السماح للمجلس بممارسة الصلاحيات الموكولة إليه بالدستور بحرية وبالتالي، تكون الاستقلالية وظيفية تؤدي إلى إمكانية قيام مجلس النواب بتحديد طريقة تنظيمه وإجراءاته، وانتخاب هياكله الخاصة، لا سيما لجانه، ووضع نظامه الداخلي.

تأهيل المجلس

ويتمثل العنصر الثاني الذي من شأنه أن يوفر الظروف الملائمة لضمان نجاعة عمل مجلس نواب الشعب حسب ما أشار إليه جمال الدين خماخم في تأهيل المجلس وتطرف في هذا الخصوص إلى ثلاثة مسائل وهي التنظيم الداخلي لإدارة المجلس وتوضيح وضعية النائب ودعم قدرات النائب.

ففي ما يتعلق بالتنظيم الداخلي لإدارة المجلس فأشار إلى أهمية وضع أدلة إجراءات للإدارة المالية والموارد البشرية والصفقات، ووضع نظام أساسي عام للوظيفة العمومية البرلمانية لإدارة كامل شؤون الموارد البشرية بالبرلمان، وتدعيم آليات مساعدة البرلمانيين في القيام بوظيفتهم التشريعية بالخصوص بوضع نظام انتداب وتأجير المساعدين البرلمانيين وتطوير تكوين المستشارين البرلمانيين بإدارة المجلس، إضافة إلى مراجعة الهيكل التنظيمي للمجلس حتى يتم توضيح المهام والصلاحيات بما من شأنه تأمين نجاعة الأعمال والتدخلات في مجال دعم النواب.

وذكر أنه لا بد أيضا من توضيح وضعية النائب سواء فيما يتعلق بتأجيره أو بصلاحياته أو حمايته الاجتماعية وهو ما يتطلب أولا صياغة قانون أساسي خاص بأعضاء مجلس نواب الشعب وثانيا وضع نظام أساسي لضبط صلاحيات أعضاء مجلس نواب الشعب وحمايتهم الاجتماعية وتأجيرهم وامتيازاتهم وثالثا وضع منظومة تتعلق بحماية أماكن الدخول والأمن الداخلي للبنايات وبدخول قوات الأمن لحرم المجلس.

أما في ما يتعلق بدعم قدرات النائب ليتمكن من القيام بوظائفه فلا بد حسب رأي الخبير من توفير مستشارين ومساعدين برلمانيين بالعدد والمؤهلات المتعارف عليها دوليا، وتوفير المقرات الملائمة التي تمكن النواب من العمل بأريحية، إلى جانب دعم التكوين والتدريب للنواب.

 

 

 

 

 

 

 

ملفات "الصباح" | بعد دعوته للانعقاد:  البرلمان الجديد.. بين الموجود والمنشود

تونس-الصباح

بعد تصريح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للانتخابات التشريعية 2022 وصدور أمر رئاسي بدعوة مجلس نواب الشعب الجديد إلى الانعقاد يفتح قصر باردو أبوابه يوم الاثنين 13 مارس الجاري أمام النواب الجدد الذين أمطروا ناخبيهم بفيض من الوعود، فما الذي سيضيفه هذا المجلس لتونس؟ وهل سيبادر بمقترحات بناءة وحلول فعلية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد أم أنه سيبقى في الربوة ويختار موقع المتفرج مكتفيا بالأدوار المحدودة التي أسندها إياه الدستور.

فبمقتضى دستور 25 جويلية يمارس مجلس نواب الشعب لمدة خمس سنوات الوظيفة التشريعية، ولكن هذه الوظيفية لا يمارسها بمفرده وإنما بمعية مجلس نيابي ثان وهو المجلس الوطني للجهات والأقاليم. ونظرا إلى عدم صدور القانون المنظم للعلاقة بين المجلسين بعد، فإن الرؤية على حد وصف عدد من أعضاء المجالس النيابية السابقة قبل الثورة وبعدها مازالت غامضة جدا، لأن الدستور لم يضبط صلاحيات كل مجلس بدقة، ولعل الشيء الوحيد الواضح إلى حد اللحظة حسب رأيهم هو أنه يجب عرض المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية على المجلس الوطني للجهات والأقاليم، ويجب المصادقة على قانون الماليّة ومخططات التنمية بالأغلبية المطلقة لكل من المجلسين، وهو ما يعني أنه ليس بالإمكان تمرير قانون مالية أو مخطط تنموي إلا بعد انتصاب المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وحتى صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية فقد أوكلها الدستور بصفة صريحة لمجلس الجهات والأقاليم، وليس لمجلس نواب الشعب، واكتفى الدستور بالإشارة إلى أن كل نائب بمجلس نواب الشعب باستطاعته أن يتوجه لأعضاء الحكومة بأسئلة كتابية أو شفاهية ويمكن للمجلس أن يدعو الحكومة أو عضوا من الحكومة للحوار معها، علما وأنه بإمكان أي عضو من أعضاء مجلس الجهات والأقاليم هو الآخر التوجه بأسئلة كتابية وشفاهية لأعضاء الحكومة مثلما يمكن لمجلس الجهات والأقاليم دعوة الحكومة أو عضوا منها للحوار معها حول السياسة التي تم إتباعها والنتائج التي وقع تحقيقها أو النتائج التي يجري العمل من أجل تحقيقها، وحتى لائحة اللوم ضد الحكومة فلا يستطيع مجلس نواب الشعب توجيهها بمفرده بل يجب أن تكون العريضة بمعية المجلس الوطني للجهات والأقاليم.

وحسب رأي بعض النواب القدامى، فإن الدستور الجديد قلص من صلاحيات البرلمان بصفة واضحة، وحتى المهمة التشريعية فكادت أن تقتصر على تمرير المشاريع التي تقترحها السلطة التنفيذية، أما حرية النواب فتم تقييدها بشكل غير مسبوق على حد وصفهم فضلا عن وضع النائب تحت الضغط بسبب إقرار آلية سحب الوكالة.. وفسروا أنه جاء في الدستور أن مجلس نواب الشعب يمارس الوظيفة التشريعيّة في حدود الاختصاصات المخوّلة له في الدستور، ولرئيس الجمهورية حق عرض مشاريع القوانين، ولمشاريع الرئيس أولوية النظر، كما يختص الرئيس بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين المالية، ولرئيس الجمهورية أيضا أن يعرض على الاستفتاء أي مشروع قانون يتعلق بتنظيم السلط العمومية أو يرمي إلى المصادقة على معاهدة يمكن أن يكون لها تأثير على سير المؤسسات.

وبالنسبة إلى أعضاء مجلس نواب الشعب فلهم الحق فقط في عرض مقترحات القوانين شريطة أن تكون مقدّمة من عشرة نوّاب على الأقلّ، كما أن مقترحات القوانين ومقترحات التنقيح التي يتقدم بها النوّاب لا تكون مقبولة إذا كان من شأنها الإخلال بالتوازنات المالية للدولة.

وحجر الدستور على أعضاء مجلس نواب الشعب ممارسة أيّ نشاط بمقابل أو دونه ومنعهم من الالتحاق بكتل أخرى في حال انسحابهم من الكتل التي كانوا ينتمون إليها عند بداية المدة النيابية، وبالنسبة إلى الوكالة فهي قابلة للسحب، وقد أشار المرسوم الانتخابي الصادر منتصف سبتمبر الماضي إلى إمكانية سحب الوكالة من النائب في دائرته الانتخابية في صورة إخلاله بواجب النزاهة أو تقصيره البين في القيام بواجباته النيابية أو عدم بذله العناية المطلوبة لتحقيق البرنامج الانتخابي الذي تقدم به عند الترشح.

خوف من سحب الوكالة

ولعل السؤال الحارق الذي طرحه النواب السابقون هو ما هي الجهة المخول لها إعمال السلطة التقديرية والحكم على النائب إن كان فعلا قد أخل وقصر ولم يبذل العناية المطلوبة؟ فهل أن الأمر موكول لرئيس الجمهورية وأين مبدأ الفصل بين السلط في هذه الحالة؟ أم أن هيئة الانتخابات هي التي ستقوم بهذا الدور؟ ولكن كيف للهيئة التي تدعي أنها مستقلة ومحايدة أن تقحم نفسها في اللعبة السياسية؟ وأما الحصانة بما هي ضمانة تحول دون تتبع النائب أو إيقافه أو محاكمته، فالنائب، حسب تفسيرهم، يتمتع بها لأجل آراء يبديها أو اقتراحات يتقدم بها أو أعمال تدخل في إطار مهام نيابته داخل المجلس وفق ما نص عليه الدستور، وهذا يعني ضمنيا حسب رأي أحد النواب السابقين أنه عندما يقدم أي شخص شكوى ضد نائب لأنه انزعج من رأي عبر عنه النائب المذكور في منبر إعلامي أو في أحد مواقع التواصل الاجتماعي أو في أي مكان آخر خارج المجلس فما على النائب سوى مواجهة مصيره إذ لا يحق له أن يعتصم بالحصانة، وحتى داخل المجلس فهو لا يتمتّع بالحصانة البرلمانية بالنّسبة إلى جرائم القذف والثلب وتبادل العنف كما لا يتمتع بها أيضا في صورة تعطيله للسّير العادي لأعمال المجلس.. وفي المحصلة، فإن النواب الجدد حسب رأي بعض من سبقوهم، سيجدون أنفسهم في وضع غير مريح لأن الأرض يمكن أن تتحرك تحت أقدامهم في أي لحظة، وسيجدون أنفسهم في مجلس محدود الصلاحيات ومتحكم فيه من قبل رئيس الجمهورية لذلك فإنهم لا ينتظرون منه أن يستنبط الحلول لمشاكل البلاد ولا يتوقعون منه تقديم الإضافة غير مناقشة مشاريع القوانين في كنف الهدوء والتصويت عليها.

لكن رغم إلغاء صلاحياته الانتخابية والحد من صلاحياته الرقابية فيتعين على النواب حسب ما أشار إليه رئيس جمعية البرلمانيين التونسيين التركيز على الوظيفة التشريعية التي منحهم إياها الدستور وتوفير الإمكانيات اللازمة والآليات الكفيلة لدفع الوظيفة التشريعية..

وتبعا لإلغاء صلاحيات مجلس نواب الشعب الانتخابية يرى وحيد الفرشيشي الجامعي المختص في القانون أنه من الضروري أن يعمل المجلس النيابي على تنقيح القوانين الأساسية المنظمة للهيئات الدستورية الصادرة في الرائد الرسمي.

إعداد: سعيدة بوهلال

 

الأزهر الضيفي: سنرى عمليات سحب الوكالة في الدوائر التي فيها "عروشية"

 

أشار الأزهر الضيفي النائب السابق ورئيس لجنة الحصانة، ومقرر اللجنة السياسية والعلاقات الخارجية وحقوق الإنسان بمجلس النواب في عهد بن علي، إلى أن مجلس نواب الشعب الجديد لم يعد سلطة تشريعية بل أصبح وظيفة تشريعية إذ نص دستور 25 جويلية 2022 في فصله 67 على أن يمارس مجلس نواب الشعب الوظيفة التشريعية في حدود الاختصاصات المخولة له في هذا الدستور، وجاء في الفصل 79 أن المجلس يصادق على القوانين الأساسية بالأغلبية المطلقة للأعضاء وعلى القوانين العادية بأغلبية الأعضاء الحاضرين على أن لا تقل هذه الأغلبية عن ثلث أعضاء المجلس، ولكن اختصاصات المجلس النيابي لم يضبطها الدستور بشكل واضح حسب تعبيره، فالمجلس يصادق على قانون المالية لكن بالنسبة إلى ميزانية الدولة فلم ينص الدستور على كونها من وظائف المجلس النظر فيها والمصادقة عليها مثل قانون المالية. ولاحظ الضيفي أن الدستور أشار الى أن المجلس يصادق على مشاريع قوانين المالية وغلق الميزانية طبق الشروط المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانية أما بالنسبة الى ميزانية الدولة فهي من اختصاص المجلس الوطني للجهات والأقاليم إذ نص الفصل 84 من الدستور على أن تعرض وجوبا على المجلس الوطني للجهات والأقاليم المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية لضمان التوازن بين الجهات والأقاليم، ولم يرد في الدستور أن الميزانية تعرض وجوبا على مجلس نواب الشعب وأن المجلس النيابي يصادق عليها.

وبين الضيفي أنه إضافة إلى عدم وضوح اختصاصات مجلس نواب الشعب المرتقب فإن الفصل 85 من الدستور يدعو إلى التساؤل إن كان لمجلس النواب دور رقابي أم لا، فالفصل 85 نص على أن يمارس مجلس الجهات والأقاليم صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية، وبتجريده من صلاحياته الرقابية لم تعد لمجلس نواب الشعب وظائف كثيرة كما كان عليه الحال في المجالس النيابية السابقة، كما أن النائب لم تعد له علاقة بالمخطط التنموي المحلي والجهوي والوطني ولكن رغم ذلك فهو بمقتضى الدستور يحاسب، إذ تسحب منه الوكالة عن طريق عريضة يقدمها ناخبون في الدائرة الانتخابية التي ترشح عنها، ويمكن أن يكون سبب سحب الوكالة تقصيره في تحقيق التنمية في دائرته، وبالتالي النائب يعاقب بسبب مسائل ليست من اختصاصه وليست من صميم وظيفته وهذا غير منطقي، ونبه النائب السابق إلى أن آلية سحب الوكالة ستستعمل بكثافة في الجهات التي قامت فيها الانتخابات التشريعية على أساس العروشية، ففي السابق كان الداعمون للأحزاب يطلبون من الناخبين خلال الحملة أن يصوتوا لمرشحي أحزابهم لكن في الانتخابات الأخيرة التي تمت على الأفراد وليس على القائمات الحزبية لوحظ خلال الحملة استعمال أسماء العروش وعبارة "صوت لولد عمي" بشكل لافت، ففي غياب الأحزاب السياسية القوية حسب رأي الضيفي تعود نعرة العروشية التي اعتقد التونسيون أنهم تخلصوا منها منذ عهد بورقيبة.. كما أن العروشية تعود عندما يغيب التوافق ويختل التوازن، وهذا التوازن مفقود بسبب التوزيع الجديد للدوائر الانتخابية، فمن قام بتحديد الدوائر لم يقرأ التاريخ بما فيه من تناقضات.

وأمام هذه المعضلة، يتعين على مجلس نواب الشعب الجديد حسب قول الضيفي، تحديد اختصاصاته بدقة في نظامه الداخلي لأن المجلس من المفروض أن يكون هو المشرع، لكن في الوضع الراهن لا يحق لنوابه تقديم مشاريع قوانين وكل ما هو متاح لهم هو تقديم مقترحات قوانين إذ نص الدستور على أنه لرئيس الجمهورية حق عرض مشاريع القوانين، وللنواب حق عرض مقترحات القوانين شريطة أن تكون مقدمة من عشرة نواب على الأقل، والأولوية في كل الحالات لمشاريع رئيس الجمهورية، وحتى الحصانة التي يمتع بها النائب فهي حسب ما فسر النائب السابق تنسحب على المهام النيابية داخل المجلس وليس خارجه لأن الدستور نص على أنه لا يمكن تتبع النائب أو إيقافه أو محاكمته لأجل أراء يبديها أو اقتراحات يتقدم بها أو أعمال تدخل في إطار مهام نيابته داخل المجلس. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حسب قوله، بل حد الدستور الجديد من الحصانة داخل المجلس أيضا، وذلك بتنصيصه على حرمان النائب منها في حال الثلب والقذف وتبادل العنف وتعطيل السير العادي لأعمال المجلس، وبالتالي تم اعتبار المجلس وظيفة والنائب موظف متحكم فيه من قبل السلطة التنفيذية داخل المجلس وخارجه، فالوظيفة والموظف في العادة من مشمولات السلطة التنفيذية، وأضاف أن الدستور لم يتحدث إطلاقا عن العلاقات الخارجية للمجلس النيابي كما لم ينصص على أسماء اللجان البرلمانية وعلى المعارضة، والأمر موكول اليوم للنواب أنفسهم إذ يتعين عليهم الانكباب على إعداد نظام داخلي ويسمح لمجلسهم بإقامة علاقات خارجية ويتم من خلاله تمكين اللجان من أدوار رقابية وتمكين النواب من صلاحيات المساءلة الحقيقية أي أنه عليهم التحلي بالجرأة عند صياغة النظام الداخلي للمجلس، واستدرك الضيفي قائلا :"لكن لا ننسى أن رئيس الجمهورية يمكنه أن يرفض نشر النظام الداخلي في الرائد الرسمي كما أنه بعد تركيز المحكمة الدستورية سيكون لزاما على المجلس عرض نظامه الداخلي على هذه المحكمة". وأضاف أنه بالنظر الى الصلاحيات المحدودة جدا للمجلس فهو لا ينتظر من نوابه أن يقدموا إضافة لجهاتهم أو أن يحلوا مشاكلها.

 

كلثوم بدر الدين: من المهم جدا وضع مدونة سلوك النائب وإدراجها في النظام الداخلي للمجلس

 

قالت كلثوم بدر الدين عضو المجلس الوطني التأسيسي وعضو مجلس نواب الشعب عن كتلة حركة النهضة في المدة النيابية الأولى التي ترأسها محمد الناصر ورئيسة لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية إن الدستور الجديد عندما تحدث عن مجلس نواب الشعب، لم يتحدث عن سلطة تشريعية وإنما عن وظيفة تشريعية وهذه الوظيفة تسند له بموجب وكالة من الشعب، بينما في دستور 2014 كانت هناك السلطة التشريعية والشعب يمارس هذه السلطة التشريعية عبر ممثليه بمجلس نواب الشعب وبالتالي لم تكن هناك وكالة محددة بشروط وبالإمكان سحبها من النواب.. وفسرت بدر الدين أن الشغور في مجلس نواب الشعب كان يحصل في حالات الوفاة والعجز التام والاستقالة وفقدان العضوية أو إسقاطها ولم يكن هناك فقدان للعضوية بموجب سحب الوكالة كما هو عليه الحال اليوم.

ولاحظت النائبة السابقة عن كتلة حركة النهضة أنه إضافة إلى سحب الوكالة فإن صلاحيات مجلس نواب الشعب في الدستور الجديد ليست واضحة، أما مجال تدخل النائب فهو ضيق للغاية، وحتى المسائل الجهوية فإنها أسندت للغرفة النيابية الثانية التي لا أحد يعرف متى سيقع تركزيها والمقصود هنا المجلس الوطني للجهات والأقاليم، فالقانون المنظم لهذا المجلس الثاني لم يصدر ومهام هذا المجلس هي الأخرى غير واضحة بما فيه الكفاية.

وأضافت كلثوم بدر الدين أنه تمت تجربة نظام الغرفتين في السابق في عهد بن علي، حيث كان هناك إلى جانب مجلس النواب، مجلس المستشارين.. كما كان هناك مجلس دستوري ينظر في دستورية مشاريع القوانين لكن في الوقت الراهن لا توجد جهة تراقب دستورية القوانين لأنه لم يقع تركيز المحكمة الدستورية وحتى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين التي كانت موجودة في ما مضى فقد تم إلغاؤها بمقتضى الأمر عدد 117 لسنة 2021 المتعلق بالتدابير الاستثنائية، وبالتالي هناك فراغ قانوني حول دستورية القوانين والمراسيم التي أصدرها رئيس الجمهورية.

وعن سؤال حول ما إذا كان بإمكان مجلس نواب الشعب الجديد في نظامه الداخلي أن يمنح هياكله صلاحيات غير التي نص عليها الدستور، أجابت النائبة السابقة أن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب السابق تم وضعه سنة 2015 وتبين بالممارسة أنه لا يخلو من النقائص ومن بين هذه النقائص غياب مدونة سلوك النائب، لذلك تم الاشتغال على صياغة هذه المدونة لفترة طويلة خلال المدة النيابية الأولى لمجلس نواب الشعب وتم إعداد مقترحات تعديل للنظام الداخلي للمجلس لكنها لم تمرر، وبعد انتخابات 2019 واصلت لجنة النظام الداخلي النظر في تنقيحات النظام الداخلي بهدف إصلاحه لكن عملها توقف والسؤال المطروح هو هل أن البرلمان الجديد سيواصل العمل الذي انطلقت فيه اللجنة المذكورة والذي لم يقع استكماله أم أنه سيخير الانطلاق في إعداد نظامه الداخلي من ورقة بيضاء؟ وأضافت أنه يمكن للمجلس أن يعتبر أن نظامه الداخلي يقوم مقام القانون و يحدد القانون صلاحيات المجلس بدقة ويضبط صلاحيات اللجان بما فيها الصلاحيات الرقابية بوضوح، وذكرت أنه في السابق عندما تم النظر في مقترحات تعديل النظام الداخلي كان هناك اتجاه نحو سن قانون ينظم لجان التحقيق البرلمانية ويضبط مهام هذه اللجان وصلاحياتها وقد تم منحها صلاحيات واسعة للبحث والحري لكن مشروع هذا القانون لم ير النور. وبينت كلثوم بدر الدين أنها لا تعرف إن كان البرلمان الجديد سيعتمد ذلك المشروع الذي بقي في الرفوف أم أنه لن ينظر إليه. وإلى جانب ضبط صلاحيات اللجان البرلمانية بما فيها لجان التحقيق تم في ما مضى حسب تأكيدها الاشتغال على مقترحات تتعلق بالاستقلالية المالية والإدارية لمجلس نواب الشعب لأن المجلس واجه إشكاليات كبيرة بسبب عدم وجود نص قانوني يتعلق بالاستقلالية المالية والإدارية وقد أثير في وقت من الأوقات جدل حول ما إذا كان من حق رئيس المجلس محمد الناصر ضبط الامتيازات والمنح المسندة للنواب وتحديد الزيادات في أجور الموظفين وقد تزامن هذا الجدل مع احتجاجات مطلبية نفذها الموظفون تحت قبة البرلمان وفي النهاية فإن رئاسة الحكومة هي التي حددت قيمة تلك الزيادات وليس مجلس نواب الشعب.

 

المنجي الحرباوي: على النواب الجدد ألا يخذلوا الشعب

 

منجي الحرباوي النائب السابق عن كتلة نداء تونس خلال المدة النيابية الأولى لمجلس نواب الشعب بين أن تونس بعد صدور دستور 25 جويلية 2022، دخلت في منظومة سياسية جديدة ونظام حكم جديد، وفي إطار هذه المنظومة وهذا النظام فإن دور البرلمان يختلف تماما عن دوره في المنظومة السابقة التي جاء بها دستور 2014. وأضاف أن مجلس نواب الشعب بالدستور الجديد أصبحت لديه صلاحيات محدودة، فإلى جانب حرمانه من دوره الانتخابي تم التقليص في دوره التشريعي فهو ينظر في مشاريع القوانين التي تعرضها رئاسة الجمهورية، وبالنسبة الى المبادرات التشريعية التي يقترحها النواب فكيفية التعاطي معها غير واضح في الدستور والمطلوب تخصيص فصول في النظام الداخلي للمبادرات التشريعية المقدمة من طرف النواب.

وبين الحرباوي أن المجلس النيابي في المنظومة السياسية الجديدة لم يعد كما في السابق محور العملية السياسية، فاليوم أصبح رئيس الجمهورية هو محور العملية السياسية، ولهذا السبب فإنه كناشط سياسي لا ينتظر من البرلمان الجديد الكثير إذ أن المجلس ستكون مهمته الأساسية النظر في مشاريع قوانين يقدمها رئيس الجمهورية والمصادقة عليها، وفي ما مضى كان البرلمان بمقتضى دستور 2014 وبمقتضى نظامه الداخلي مصدر التشريع وليس هذا فقط بل كان يضطلع بدور رقابي إذ كان يراقب الحكومة ويصوت منح الثقة للحكومة ويصادق عليها وبهذه الكيفية كان طرفا أساسيا في تعيين السلطة التنفيذية، وتعيين الحكومة كان يتم بالضرورة عبر البرلمان لكن هذه المهمة السياسية الثقيلة انتفت، كما كان المجلس حسب قوله يراقب الحكومة من خلال مساءلتها ومراقبة أولوياتها وأدائها ونتائجها لكن بالدستور الجديد أصبحت الرقابة محدودة إذ تم التنصيص فيه على إمكانية دعوة الحكومة وعضوا منها للحوار وعلى إمكانية توجيه النائب أسئلة كتابية أو شفاهية للوزراء ولكن الوزير ليس مجبرا على الإجابة عنها.

كما لاحظ الحرباوي أن النائب في السابق كان له دور تمثيلي فهو يمثل جهته ويمثل الشعب بأسره فالنائب هو نائب عن الشعب كافة لكم بالدستور الجديد تمت إضافة مؤسسة ثانية وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم وأصبح مجلس نواب الشعب يتقاسم الدور التمثيلي مع المجلس الوطني للجهات والأقاليم وبالتالي هناك فرق كبير بين البرلمان السابق والبرلمان الجديد، ولكل هذه الأسباب فإنه حسب تعبيره ليست لديه انتظارات كبيرة من المجلس الجديد لكنه في قرارة نفسه يتمنى أن يكون هذا المجلس في مستوى تطلعات الشعب التونسي وفي مستوى الاستحقاقات الوطنية خاصة ما تعلق منها بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي، ويريده أن يكون أكثر جدية من المجلس النيابي المنحل. وأضاف الحرباوي أنه يأمل في أن يكون النواب الجدد في مستوى انتظارات ناخبيهم وأن لا يخذلوا الشعب، فرغم أن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت ضعيفة فليس هناك من خيار أمام النواب الجدد سوى أن يكونوا في مستوى تطلعات التونسيين وعليهم بأن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة ويعملوا بجدية من أجل تغيير صورة المجلس وتحسين هذه الصورة وهذا لا يتحقق إلا من خلال تحلي النواب بالجدية و خاصة الاشتغال على الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وأيضا من خلال إعادة النظر في بعض القوانين التي لم تعد ملائمة للتطورات وللأوضاع التي تعيشها البلاد في جميع المستويات، وبالتالي هناك عمل شاق ينتظر النواب الجدد في علاقة بتعديل الكثير من النصوص القانونية.

وأضاف الحرباوي أنه توجد مشاكل أخرى مطروحة على النواب الجدد مردها حملة التشويه التي طالت العمل السياسي والأحزاب بشكل عام، وفسر أنه بالنظر إلى قائمة الفائزين في الانتخابات التشريعية نجد أن المستقلين يشكلون الأغلبية ولكن بالتجربة لا يمكن للمجلس النيابي أن يعمل في ظل غياب كتل نيابية وازنة وتنظيمات حزبية تسندها لأن العمل الحزبي هو أساس العمل السياسي، وبالتالي حتى وإن كان النائب مستقلا فهذا لا يعني الاستقالة من العمل السياسي والمقصود أن النواب الجدد مطالبون بإعطاء صورة جديدة للعمل السياسي خاصة في علاقة بالتنظيمات السياسية وفي مقدمتها الأحزاب. وتساءل النائب السابق إن كان النواب الجدد مستعدين للدخول في كتل برلمانية وهم يعلمون منذ البداية أن الدستور الجديد حجر عليهم السياحة الحزبية أي الانتقال من كتلة إلى أخرى؟ وهل أن الكتلة البرلمانية ستكون أساس العمل السياسي أم سيكون هناك عمل سياسي مواز للعمل البرلماني؟؟

 

فؤاد ثامر: المجلس النيابي سيكون صوريا

 

بين فؤاد ثامر النائب السابق بالمجلس الوطني التأسيسي عن الكتلة الديمقراطية والنائب السابق بمجلس نواب الشعب المنحل عن كتلة حزب قلب تونس والذي أعلن لاحقا استقالته من هذا الحزب أن مجلس نواب الشعب الجديد سيكون مجلسا صوريا لأن غاية رئيس الجمهورية منه هي فقط تسويق صورة للخارج مفادها أن تونس بعد 25 جويلية عرفت انتخابات تشريعية أفرزت مؤسسة سياسية، ولكن في الحقيقة لن تكون هذه المؤسسة فاعلة، وأضاف أنه لهذا السبب هو لا ينتظر من مجلس نواب الشعب الجديد شيئا، فهذا المجلس ليست له علاقة بالمواطن والتنمية وسيكون مخيبا لآمال التونسيين.

وذكر أن التركيبة الفسيفسائية للمجلس النيابي ستكون لها انعكاسات سلبية على عمله، فالمجلس النيابي السابق كان يعاب عليه التشتت لكن اليوم نجد أن المجلس يتركب من أفراد لا يعرفون بعضهم البعض وفضلا عن ذلك فإنه فاقد للشرعية والمشروعية نظرا لضعف نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أفرزته.

وعن سؤال حول أولويات المجلس النيابي الجديد والملفات التي يتعين عليه فتحها أجاب ثامر أن المجلس المرتقب لن يفتح أي ملف لأن رئيس الجمهورية سبقه وفتح كل الملفات فالرئيس وضع دستورا جديدا للبلاد كما يريد، ومرر المسائل الهامة وفي مقدمتها القانون الانتخابي بمراسيم وكذلك قانون المالية مرره بمرسوم، وحتى بعد انتصاب المجلس النيابي فإن هذا المجلس لن يتمكن من تمرير قوانين المالية لأن قانون المالية هو أيضا من اختصاص المجلس الوطني للجهات والأقاليم. كما أشار النائب السابق فؤاد ثامر إلى أن المجلس النيابي في السابق كان يتمتع بوظيفة انتخابية فهو ينتخب الهيئات الدستورية وبعض الهيئات الأخرى كما كان أعضاء المجلس ممثلين في المجالس الجهوية وبالتالي كان لهم دور في مسألة التنمية في جهاتهم وهذا الدور لم يعد الآن موجودا وهو ما يعني أن النائب عندما يتصل بالوالي في إطار عمله النيابي في جهته يمكن لهذا الأخير أن يرفض الاستماع إليه. ويرى فواد ثامر أن آلية سحب الوكالة ستكون سيفا يضعه رئيس الجمهورية على رقاب النواب الذين يختلفون معه في الرأي.

وتعقيبا عن استفسار آخر حول تبعات تحجير السياحة الحزبية في الدستور الجديد، أشار ثامر إلى أن السياحة الحزبية كانت فعلا معضلة لكن اليوم أصبح الانضمام الى كتل أو الانسحاب منها لا معنى له لأن النائب عندما كان في السابق ينظم إلى كتلة فذلك إما من أجل أن يكون له دور في تشكيل الحكومة والتصويت على منحها الثقة والضغط عليها لاحقا لكي تقوم بخيارات تشريعية معينة أو من أجل أن يعارض الحكومة لكن في المجلس الجديد حتى وإن لم ينتم النائب إلى كتلة نيابية فإن وضعه لن يكون مختلفا عمن انتمى الى كتلة وذلك على مستوى النجاعة في العمل النيابي وربما الفرق الوحيد بينهما هو التوقيت المخصص للمداخلات خلال الجلسات العامة لأن النائب الذي يكون في كتلة يسند له توقيت أطول من غير المنتمي.

وأضاف النائب السابق أنه لا جدوى من انتماء النواب الى كتل برلمانية إذا لم يكن هناك تجانس بينهم وهذا التجانس غير متوفر في النواب الجدد فكل واحد منهم قادم من "دشرة" حسب وصفه، ولا يوجد برنامج مشترك أو فكرة جامعة بينهم. وذكر أنه حتى في صورة تكوين كتل برلمانية فإن أول امتحان ستواجهه هذه الكتل سيكون بمناسبة توزيع المناصب والمسؤوليات في هياكل المجلس كما ستواجه الكتل لاحقا امتحانا صعبا كلما عرض على المجلس مشروع قانون يكتسي صبغة خلافية ..

 وخلص ثامر إلى أن المجلس الجديد فيه غياب لافت للمرأة والأحزاب السياسية لأن جل الأحزاب قاطعت الانتخابات التشريعية، وهذا المجلس حسب رأيه لن يقدم حلولا للأزمة السياسية الراهنة بل لن يقدم أي حل للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وسيكون فقط مجرد واجهة لتمرير مشاريع رئيس الجمهورية.

 

لطفي النابلي: حتى بعد تنصيب المجلس.. سيتواصل العمل بالمراسيم

 

يرى لطفي النابلي النائب السابق خلال المدة النيابية الأولى لمجلس نواب الشعب عن كتلة نداء تونس ثم عن كتلة الائتلاف الوطني التي ترأسها مصطفى بن أحمد أن مجلس نواب الشعب الجديد لن تكون له فاعلية ولن يستطيع الخوض في كل الملفات خاصة الاقتصادية منها والمالية لأنه بمقتضى دستور 2022 لا يمكن للمجلس النيابي المصادقة على مشاريع قوانين تتعلق بالمسائل المالية إلا بوجود غرفة ثانية وهي المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وفي غياب المجلس الثاني سيتواصل إصدار النصوص القانونية ذات العلاقة بالمسائل المالية بمراسيم.

وأضاف النابلي أن المشكل الكبير المطروح اليوم هو غياب الرؤية، إذ أنه لا أحد من المهتمين بالشأن العام لديه معطيات حول المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي جاء به الدستور، ولا أحد يدري متى سيتم إصدار القانون المتعلق بهذا المجلس، ومتى سيتم إجراء انتخابات أعضائه، ومتى سيقع تركيزه، وما هي صلاحياته، وبالتالي فإن الوضع التشريعي مازال مبتورا ولم يكتمل، ولهذا السبب فهو رغم تجربته النيابية، لا يعرف ما هي نوعية المواضيع المطروحة على مجلس نواب الشعب الجديد خاصة وأن صلاحيات هذا المجلس محدودة جدا لأن رئيس الجمهورية استأثر بالقسط الأكبر من الصلاحيات والمجلس النيابي في النهاية وكما أراده واضع الدستور هو مجلس خاضع لسلطة رئاسة الجمهورية.

وباستفساره إن كان يتعين على النواب وضع نظام داخلي لمجلسهم يتيح لهم هامشا أكبر من الحرية، أجاب النابلي أنه لا بد من التذكير بأن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب ليس قانونا عاديا أو قانونا أساسيا وبالتالي لا يمكن لهذا النص أن يستوعب مسائل هي من مشمولات القانون والنظام الداخلي يهم بالأساس تنظيم المجلس من الداخل وذكر أن العمل في مجلس نواب الشعب كان في ما مضى يرتكز على الكتل، والكتل تقف وراءها أحزاب سياسية وائتلافات حزبية لكن اليوم تم انتخاب أعضاء المجلس الجديد على الأفراد وأغلبهم ليست لهم انتماءات حزبية ولا أحد يعرف إلى اليوم من منهم سينتمي الى كتل وكم هو عدد هذه الكتل وما هو العدد المطلوب من النواب لتكوين كتلة فهناك مسائل لا بد أن يتم ضبطها بمقتضى النظام الداخلي للمجلس وعند صدور هذا النص في الرائد الرسمي ربما تتضح الرؤية نوعا ما. وفسر النابلي أن هيكلة المجلس النيابي الجديد غير واضحة وتوجهات نوابه غير واضحة والمجموعة التي تمثل أغلبية فيه هي الأخرى غير واضحة لأن حراك 25 جويلية الذي ادعى أنه فاز بأغلبية المقاعد، قياداته اختلفوا حول عدد هذه المقاعد وبالتالي لا توجد معطيات دقيقة من شأنها أن تساعد المتابع للشأن السياسي أن يحلل بطريقة موضوعية وأن لا يفتي في أشياء لا يعرفها فبغياب المعطيات تكون الخارطة السياسية غير واضحة واليوم الخارطة السياسية للمجلس النيابي ضبابية وحتى إن كان المجلس مجلسا تشريعيا ليس أكثر، فإنه أحببنا أم كرهنا يبقى لديه بعد سياسي، والسؤال الذي مازال دون إجابة هو ما مدى قربه أو بعده من رئاسة الجمهورية فالإجابة عن هذا السؤال مهمة للغاية لأنها تحدد مستقبل المجلس السياسي لكن في الوقت الراهن مازالت الأمور غامضة وهناك ضبابية مطلقة تحيط بالمجلس النيابي الجديد ولا أحد يعلم من سيكون رئيس المجلس وهل سيتم انتخابه بدعم من رئيس الجمهورية أم لا لأنه في سنة 2014 كان لرئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي دور كبير في انتخاب رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر.

 

الأستاذ وحيد الفرشيشي: إلغاء الصلاحيات الانتخابية للمجلس يستوجب تنقيح قوانين الهيئات الدستورية

 

نظرا لانتفاء الصلاحيات الانتخابية لمجلس نواب الشعب فيجب على البرلمان الجديد أن يصوت على مشاريع قوانين تعديلية للقوانين الأساسية المتعلقة بهيئة حقوق الإنسان وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة والهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.. هذا ما أشار إليه الأستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس في تصريح خاطف لـ"الصباح" فهذه الهيئات حسب تفسيره صدرت بخصوصها قوانين في الرائد الرسمي ولكنها لم تركز ويمكن للمجلس النيابي الجديد أن يعتبر هذه الهيئات قد سقطت بمرور الزمن ويمكنه أيضا أن يعدل قوانينها في صورة رغبته في الإبقاء عليها، كما أنه في علاقة بالهيئات فان المجلس النيابي وفق القوانين المنظمة لتلك الهيئات مطالب بمتابعة تقاريرها لكن هذه المهمة وبمقتضى الدستور الجديد لم تعد موجودة ولكن يمكن للمجلس أن يبقي عليها في إطار نظامه الداخلي ونفس الشيء بالنسبة إلى المجلس الأعلى للقضاء، فالدستور الجديد لم ينص على الجهة التي تضبط ميزانية هذا المجلس، كما يجب على البرلمان الجديد أن يصوت على قانون جديد للمجلس الأعلى للقضاء وإلا فإنه سيتم الإبقاء على المجلس المؤقت كما أن السؤال المطروح حسب قول الجامعي هو هل سيستمع مجلس النواب إلى المجلس الأعلى للقضاء بمناسبة نقاش ميزانية الدولة وتحديدا ميزانية المجلس الأعلى للقضاء مثلما كان يحدث مع البرلمان السابق ولم يكن النقاش وقتها يقتصر على الجانب المالي وإنما كان يذهب إلى مسائل في العمق.

ولاحظ الأستاذ وحيد الفرشيشي أن إلغاء الدور الانتخابي لمجلس نواب الشعب يطرح مشكلا كبيرا لكن المشكل الأكبر يتمثل في مسؤولية رئيس الجمهورية أمام المجلس، فالدستور الجديد لم يتحدث عن هذه المسؤولية والسؤال المطروح هو كيف للمجلس أن يتجاوز هذا المشكل، فالمجلس يناقش ميزانية رئاسة الجمهورية لكن هذه الميزانية لا توضع عادة بصفة تفصيلية كما هو الشأن بالنسبة إلى ميزانيات الوزارات وبالتالي هل يمكن للمجلس مساءلة رئيس الجمهورية بمناسبة نقاش ميزانية الرئاسة.

كما بين الفرشيشي أنه لا يمكن أن ننسى أن الأولوية هي لمشاريع القوانين المقدمة من قبل رئيس الجمهورية ثم أن الرئيس يمكنه أن يشرع قوانين عبر الاستفتاءات وبالتالي إذا أزعجه مجلس نواب الشعب فيمكنه الذهاب الى الاستفتاء.

وتحدث الجامعي عن مشكل أعمق وهو يتعلق بغياب التوازن بين السلط فهذا التوازن في الدستور الجديد منخرم ويتعين على مجلس نواب الشعب تجاوز هذا المشكل مثلما عليه تجاوز المشكل المتعلق بالتفرقة بين السلطة فهذه التفرقة لم تعد موجودة لأن رئيس الجمهورية يتدخل في تعيين القضاة في المحكمة الدستورية.

 

جمال الدين خماخم: من الضروري تأمين الاستقلالية الإدارية والمالية للبرلمان.. وتأهيله

 

في حديثه عن مجلس نواب الشعب بين جمال الدين خماخم رئيس جمعية البرلمانيين التونسيين أن دستور 2022 أرسى نظاما سياسيا جديدا وهو نظام جمهوري وهو يختلف تماما عن نظام دستور 2014 الذي كرس نظاما برلمانيا يقترب بشكل كبير إلى النظام المجلسي لذلك فإن المقارنة بين الدستورين هي مقارنة بين نظامين مختلفين.

ولئن حافظ الدستور الجديد على الوظيفة التشريعية للمجلس وهي الأهم حسب رأي خماخم فإن الوظيفة الرقابية تبدو قد ضعفت مقارنة بالنظام البرلماني لدستور 2014 وهو طبيعي في نظام جمهوري. وأضاف أنه لذلك ينبغي التركيز على توفير الإمكانيات الضرورية والآليات الكفيلة بدفع الوظيفة التشريعية وهي وظيفة عانت دائما قبل 2011 وبعدها من عديد النقائص ومازالت هذه النقائص قائمة و ينبغي معالجتها لتمكين المجلس الجديد من العمل بنجاعة.

وقال رئيس جمعية البرلمانيين التونسيين هناك عناصر أساسية من شأنها توفير الظروف الملائمة لنجاعة عمل المجلس أولها تأمين الاستقلالية الإدارية والمالية لمجلس نواب الشعب، وفسر في هذا الصدد أنه من المهم مواصلة العمل على تأمين الاستقلالية الإدارية والمالية باستحثاث نسق إصدار النصوص القانونية اللازمة وتكوين لجان التفكير ولجان صياغة النصوص وتنظيم استشارات مع الهياكل الحكومية المعنية وخاصة رئاسة الحكومة ومكونات المجتمع المدني على مستوى مجلس نواب الشعب وخارجه.

وأشار إلى أن الاستقلالية الإدارية والمالية للمجلس، لئن لم يتم بيانها بالدستور الجديد، فإنّ القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية أفرد مجلس نواب الشعب بأحكام خاصة، اذ اعتبره مهمة خاصة ضمن فصله 19 واستثناه من تطبيق جملة من الأحكام التي تخضع لها بقية مؤسسات الدولة، كما أفرد المجلس في فصله 43 بأحكام خاصة تضمن استقلالية إعداد وعرض مشروع ميزانيته ومناقشتها، أما في جانب التنفيذ فقد أحال القانون إلى قرارات من رئيس المجلس في مجال ضبط إجراءات التصرف في ميزانية المجلس، ومنح رئيس المجلس صلاحيات إصدار كافة التدابير والقرارات المتصلة بالوضعيات الإدارية والمالية لأعوان المجلس وأعضائه. وذكر خماخم أن الفصل 51 من ذلك القانون أعفى مجلس نواب الشعب من الخضوع إلى تأشيرة مراقب المصاريف العمومية ومن تطبيق أحكام الأمر المنظم للصفقات العمومية مقابل إلزامه باحترام جملة من المبادئ فيما يتصل بشراءاته والطلبات التي ينجزها.

ولاحظ الخبير الذي أجاب عن أسئلتنا كتابيا أن هذه الاستقلالية تكتسي أهمية كبرى باعتبارها تجنب المجلس الخضوع أو التبعية للسلطة التنفيذية من ناحية، وتوفر له، من ناحية أخرى، حرية، على الأقل جزئيًا، خارج أطر القواعد القانونية للقانون العام وتمكنها من الامتثال لقواعد خاصة بها. وأضاف أن لهذه الاستقلالية، في جميع المجالس بالعالم، ميزة مشتركة وهي أنه لا يتمّ حظر التعاون مع الحكومة، لذلك يتميز الفصل بين السلطات التي تستمد منها في غالبية البرلمانات بأنها "فصل مرن للسلطات" أو "فصل للسلطات في إطار التعاون ".

وبالتالي فإن استقلالية مجلس نواب الشعب هي جزء من التنظيم المؤسسي للدولة التي ينتمي إليها البرلمان. والغرض من هذه الاستقلالية حسب قوله هو السماح للمجلس بممارسة الصلاحيات الموكولة إليه بالدستور بحرية وبالتالي، تكون الاستقلالية وظيفية تؤدي إلى إمكانية قيام مجلس النواب بتحديد طريقة تنظيمه وإجراءاته، وانتخاب هياكله الخاصة، لا سيما لجانه، ووضع نظامه الداخلي.

تأهيل المجلس

ويتمثل العنصر الثاني الذي من شأنه أن يوفر الظروف الملائمة لضمان نجاعة عمل مجلس نواب الشعب حسب ما أشار إليه جمال الدين خماخم في تأهيل المجلس وتطرف في هذا الخصوص إلى ثلاثة مسائل وهي التنظيم الداخلي لإدارة المجلس وتوضيح وضعية النائب ودعم قدرات النائب.

ففي ما يتعلق بالتنظيم الداخلي لإدارة المجلس فأشار إلى أهمية وضع أدلة إجراءات للإدارة المالية والموارد البشرية والصفقات، ووضع نظام أساسي عام للوظيفة العمومية البرلمانية لإدارة كامل شؤون الموارد البشرية بالبرلمان، وتدعيم آليات مساعدة البرلمانيين في القيام بوظيفتهم التشريعية بالخصوص بوضع نظام انتداب وتأجير المساعدين البرلمانيين وتطوير تكوين المستشارين البرلمانيين بإدارة المجلس، إضافة إلى مراجعة الهيكل التنظيمي للمجلس حتى يتم توضيح المهام والصلاحيات بما من شأنه تأمين نجاعة الأعمال والتدخلات في مجال دعم النواب.

وذكر أنه لا بد أيضا من توضيح وضعية النائب سواء فيما يتعلق بتأجيره أو بصلاحياته أو حمايته الاجتماعية وهو ما يتطلب أولا صياغة قانون أساسي خاص بأعضاء مجلس نواب الشعب وثانيا وضع نظام أساسي لضبط صلاحيات أعضاء مجلس نواب الشعب وحمايتهم الاجتماعية وتأجيرهم وامتيازاتهم وثالثا وضع منظومة تتعلق بحماية أماكن الدخول والأمن الداخلي للبنايات وبدخول قوات الأمن لحرم المجلس.

أما في ما يتعلق بدعم قدرات النائب ليتمكن من القيام بوظائفه فلا بد حسب رأي الخبير من توفير مستشارين ومساعدين برلمانيين بالعدد والمؤهلات المتعارف عليها دوليا، وتوفير المقرات الملائمة التي تمكن النواب من العمل بأريحية، إلى جانب دعم التكوين والتدريب للنواب.