إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حكاياتهم .. ماذا عساهم يفعلون ..!.

 

بقلم: أبوبكر الصغير

بالرغم من كل هذا الرعب المتهور في الساحات والشوارع والخوف الذي صار يتجول كعاهرة تخفي صنعتها في أزقة مدينة مغلقة، يخرجون، يحتجون يصرخون ويتوعدون .

هنالك حادثة غالبا ما استحضرها، طرفة أفضل ما تجسّد حالة تلبّست بنا .

قرّر رجلان، بعد سهرة حمراء طويلة في إحدى الجزر، العودة الى منزلهما في أحد المراكب، راحا يجدفان طوال الليل، طالت بهما المسافة، ظنّا أنّهما ضلاّ الطريق .

لمّا طلع الصباح، قال أحدهم لصديقه الآخر: لقد بقينا في مكاننا ولم نغادر الجزيرة، نسينا فكّ الحبل الذي يربط القارب باليابسة !!.

بيننا الكثير من هو في مثل حال هذين الرجلين، هناك من رهن وربط عقله بموقف أو فكرة، أو حتى مشروع أو أجندة أو شيخ أو رئيس حزب أو تنظيم، بقي يراوح مكانه سجينا لها .

اذكر انّه قبل سنوات، قامت في مصر حملة تعبئة تحت مسمّى "حتى آخر سجين" من أجل حرية السجناء خاصة من الإسلاميين والإخوان وأطياف سياسية أخرى .

جرت تعبئة داخلية وخارجية، لكن بدون نتيجة، لم تلق أي تجاوب من قبل السلطات ولم تثمر الحملة حرية لسجين واحد .

فعلا إن المناضل الحقوقي يهتم بكثرة المناصرين ولا بقلة الناصرين، يهمه فقط أن يحمل الحقيقة ويدافع عنها .

النضال السياسي هو التزام جماعي لصالح قضية قريبة من قلب الإنسان، بالتالي، فإنه يمنح وقته لقضية أو لمنظمة أو حزب كمتطوع، بهدف تعزيز وتحدي وحتى حشد المواطنين لأهدافها.

هذا المناضل، الملتزم الذي طموحه كمكافأة فورية، مجد بطله فقط.

هذا المتشذب السياسي، الانفرادي المحاط بعدم المبالاة، لديه إيمان رجل المنجم الذي يبقى يعتقد أن ثروة في تلك الصّخرة التي يطرقها ..

أن لديه تقديسا للزعيم، للقائد، للقوي، للمتحدث، للمثقف، هذه القاعدة المتشددة تخلق الظروف لعدم اعترافها.

ليست أقل المفارقات أن نلاحظ إلى أي مدى يشكو هذا المناضل الشعبي من عدم الاستماع إليه! من عدم حتى تشريكه في صنع القرار .

في الواقع، على عكس الالتزامات الأخرى، فإن الالتزام السياسي ليس مترادفًا: فهو لا يوفر المعاملة بالمثل. يمكن للمرء أن يضحي بكلّ شيء وأن يكرس نفسه بشكل جيد ولا يحصل حتى على مكافأة رمزية.

يمكننا حتى أن نقول إن التفاني المفرط يقلقنا وأنه قد يكون أضمن طريقة للبقاء غير مرئي.

انّ هذا المناضل الملتزم غالبا ما يكون شخصا حالما، طيّبا، لطيفا، حتى لو غضب، فسوف يعود في النهاية الى مربّع النضال الأول، ومع ذلك، ينتهي الأمر به أحيانا الى النقمة والاختفاء بتكتم، لترك الميدان لحالمين آخرين جدد .

هناك ترسيم واضح للحدود بين الخير والآخرين، بين الأشخاص الأذكياء والفاعلين والمثقفين، الذين يمكنهم الاقتراب من الأشخاص المهمين دون المخاطرة بالتلعثم، والآخرين المؤهلين على انفراد بملازمة وصفية: عدواني، مجنون، غبي، غير مثقف بدرجة كافية .

إن الشيء الوحيد الذي ينمو مع العمر هو القدرة على الانفصال لا على النضال والمقاومة .

هؤلاء الذين يثابرون في الحراك والنضال والسعي وراء عودة الى مرحلة مضت سواء بالنزول الى الشارع أو التظاهر أو الاعتصام أو الكتابة كما هو الحال هذه الأيام وجمع التوقيعات حول العرائض، في حقيقة الأمر هم يجهلون أن الفشل ليس في عدم النجاح، بل في جهل الأسباب الحقيقية لعدم النجاح هذا، فالمرء لا يغرق لأنه سقط في النهر، بل لبقائه مغمورا تحت سطح الماء .

 

 

حكاياتهم ..   ماذا عساهم يفعلون ..!.

 

بقلم: أبوبكر الصغير

بالرغم من كل هذا الرعب المتهور في الساحات والشوارع والخوف الذي صار يتجول كعاهرة تخفي صنعتها في أزقة مدينة مغلقة، يخرجون، يحتجون يصرخون ويتوعدون .

هنالك حادثة غالبا ما استحضرها، طرفة أفضل ما تجسّد حالة تلبّست بنا .

قرّر رجلان، بعد سهرة حمراء طويلة في إحدى الجزر، العودة الى منزلهما في أحد المراكب، راحا يجدفان طوال الليل، طالت بهما المسافة، ظنّا أنّهما ضلاّ الطريق .

لمّا طلع الصباح، قال أحدهم لصديقه الآخر: لقد بقينا في مكاننا ولم نغادر الجزيرة، نسينا فكّ الحبل الذي يربط القارب باليابسة !!.

بيننا الكثير من هو في مثل حال هذين الرجلين، هناك من رهن وربط عقله بموقف أو فكرة، أو حتى مشروع أو أجندة أو شيخ أو رئيس حزب أو تنظيم، بقي يراوح مكانه سجينا لها .

اذكر انّه قبل سنوات، قامت في مصر حملة تعبئة تحت مسمّى "حتى آخر سجين" من أجل حرية السجناء خاصة من الإسلاميين والإخوان وأطياف سياسية أخرى .

جرت تعبئة داخلية وخارجية، لكن بدون نتيجة، لم تلق أي تجاوب من قبل السلطات ولم تثمر الحملة حرية لسجين واحد .

فعلا إن المناضل الحقوقي يهتم بكثرة المناصرين ولا بقلة الناصرين، يهمه فقط أن يحمل الحقيقة ويدافع عنها .

النضال السياسي هو التزام جماعي لصالح قضية قريبة من قلب الإنسان، بالتالي، فإنه يمنح وقته لقضية أو لمنظمة أو حزب كمتطوع، بهدف تعزيز وتحدي وحتى حشد المواطنين لأهدافها.

هذا المناضل، الملتزم الذي طموحه كمكافأة فورية، مجد بطله فقط.

هذا المتشذب السياسي، الانفرادي المحاط بعدم المبالاة، لديه إيمان رجل المنجم الذي يبقى يعتقد أن ثروة في تلك الصّخرة التي يطرقها ..

أن لديه تقديسا للزعيم، للقائد، للقوي، للمتحدث، للمثقف، هذه القاعدة المتشددة تخلق الظروف لعدم اعترافها.

ليست أقل المفارقات أن نلاحظ إلى أي مدى يشكو هذا المناضل الشعبي من عدم الاستماع إليه! من عدم حتى تشريكه في صنع القرار .

في الواقع، على عكس الالتزامات الأخرى، فإن الالتزام السياسي ليس مترادفًا: فهو لا يوفر المعاملة بالمثل. يمكن للمرء أن يضحي بكلّ شيء وأن يكرس نفسه بشكل جيد ولا يحصل حتى على مكافأة رمزية.

يمكننا حتى أن نقول إن التفاني المفرط يقلقنا وأنه قد يكون أضمن طريقة للبقاء غير مرئي.

انّ هذا المناضل الملتزم غالبا ما يكون شخصا حالما، طيّبا، لطيفا، حتى لو غضب، فسوف يعود في النهاية الى مربّع النضال الأول، ومع ذلك، ينتهي الأمر به أحيانا الى النقمة والاختفاء بتكتم، لترك الميدان لحالمين آخرين جدد .

هناك ترسيم واضح للحدود بين الخير والآخرين، بين الأشخاص الأذكياء والفاعلين والمثقفين، الذين يمكنهم الاقتراب من الأشخاص المهمين دون المخاطرة بالتلعثم، والآخرين المؤهلين على انفراد بملازمة وصفية: عدواني، مجنون، غبي، غير مثقف بدرجة كافية .

إن الشيء الوحيد الذي ينمو مع العمر هو القدرة على الانفصال لا على النضال والمقاومة .

هؤلاء الذين يثابرون في الحراك والنضال والسعي وراء عودة الى مرحلة مضت سواء بالنزول الى الشارع أو التظاهر أو الاعتصام أو الكتابة كما هو الحال هذه الأيام وجمع التوقيعات حول العرائض، في حقيقة الأمر هم يجهلون أن الفشل ليس في عدم النجاح، بل في جهل الأسباب الحقيقية لعدم النجاح هذا، فالمرء لا يغرق لأنه سقط في النهر، بل لبقائه مغمورا تحت سطح الماء .