لم يستغرق وزير الخارجية الجديد نبيل عمّار، وقتا، للبدء في ممارسة مهامه كوزير للديبلوماسية التونسية في سياقات بدت منذ ساعات وصوله الأولى لمنصبه مضطربة ومتقلبة، فبعد تعيينه مباشرة كان زلزال تركيا وسوريا يتصدّر الحدث الدولي، وكان لزاما على تونس أن يكون لها موقف ديبلوماسي من تلك المأساة الإنسانية وفعلا كان موقف رئاسة الجمهورية والخارجية، بداية لموقف أعمق وأهم في علاقة بالعلاقات التونسية السورية وبالتمثيل الديبلوماسي المعلّق منذ 2012.
ولم يهدأ، بعد ذلك، نبيل عمّار حيث كان لزاما عليه أن يوضّح موقف الدولة التونسية أمام الانتقادات الدولية رفيعة المستوى وذلك على خلفية موجة الإيقافات الأخيرة التي تم تنفيذها ضد عدد من السياسيين والنشطاء ورجال الأعمال بتهمة التآمر على أمن الدولة.. وما ان تم تجاوز الجدل الذي أثير بمناسبة ملف الإيقافات، حتى تفجّر جدل أكثر حدة وتبعات خطيرة وذلك بعد تصريح رئيس الدولة قيس سعيد في علاقة بالأفارقة جنوب الصحراء ووجد وزير الخارجية نبيل عمّار في "مواجهة" كل العالم للتوضيح والتفسير ودرء كل الاتهامات التي لاحقت تونس ووصفتها بكونها دولة عنصرية ..
"كلا، مسألة الاعتذار غير مطروحة، لم نؤذ أحدا". بهذه الجملة حسم نبيل عمار الموقف التونسي في علاقة بقضية أفارقة جنوب الصحراء.. لن تقدم تونس اعتذارها ولكن مهمة نبيل عمار تبدو عسيرة في محو آثار ذلك التصريح أو الصورة التي انطبعت على تونس في أذهان العالم، هذا بالإضافة الى المشاكل الداخلية التي تتخبّط فيها الديبلوماسية التونسية ومن ذلك الشغورات في مواقع مختلفة وفي بعثات قنصلية وديبلوماسية هامة وتأخّر الحركة الديبلوماسية ونسق عمل الخارجية وفاعليته ومدى نجاعته في الدفاع عن مصالح الدولة التونسية في الخارج وإضفاء حيوية على العمل الديبلوماسي الاقتصادي الذي تحتاجه تونس اليوم وبشدة في ظرف اقتصادي سيء.
ملفات حرجة وحساسة ..
شغل، نبيل عمار، سابقا منصب سفير تونس في لندن بين سنوات 2012 و2017، وكان يشغل منذ أكتوبر 2020، وإلى حين إعلان قرار تعيينه وزيرا للخارجية، منصب سفير فوق العادة ومفوضا للجمهورية التونسية لدى مملكة بلجيكا ولدى الاتحاد الأوروبي. وكان تعيينه وزيرا للخارجية التونسية مفاجئا، خلفا لعثمان الجرندي الذي سقطت معه الديبلوماسية التونسية في نوع من الرتابة والتكلّس ولم تحسن إدارة بعض المعارك الديبلوماسية رغم بعض المحاولات ..
ولعل من أعقد الملفات اليوم التي يواجهها نبيل عمار هو ملف الأفارقة جنوب الصحراء حيث اضطر الى تحركات إعلامية وديبلوماسية واسعة للتخفيف من وقع تصريح الدولة متمسكا بأن "اتهام تونس بالعنصرية أمر لا يستقيم ومرفوض ويمّس من صورتها" وفق تصريحه الأخير في الندوة الصحفية التي عقدتها الوزارة في الغرض، حيث أكد على أن تونس دولة ذات سيادة، لها قوانينها التي تحرص على تطبيقها، على غرار قانون إقامة الأجانب وهي مسؤولة على سلامة كل من يعيش على أراضيها واعتبر أن ما يحدث بخصوص موضوع الهجرة من حملات وفق تعبيره هو "بفعل فاعل"، مؤّكدا "وجود حملة في الإطار باعتبار أّن موضوع الهجرة ترتبط به عديد، الجوانب"، وأضاف أن تونس واجهت ما وصفه بـ"ماكينات لها إمكانيات كبيرة في الخارج ولها امتداد داخلي"، وفق تعبيره كما أشار الوزير نبيل عمار الى جملة من التحركات قامت بها الوزارة ومنها مقابلة سفراء البلدان الإفريقية. عمّار شدّد أيضا على أن "تونس تريد فقط تطبيق القانون بخصوص موضوع المهاجرين الأفارقة في تونس، ومن يُصدّق غير ذلك فهو يستغلّ هذه القضية لضرب صورة تونس والتشويش" طالبا من الشعب التونسي أن يكون مسؤولا على صورة بلاده ويعمل على مواجهة هذه الأزمة.
وقبل ذلك وفي حوار لفرانس 24 أكد نبيل عمار على رفضه كل الاتهامات الصادرة على خلفية تصريحات رئيس الجمهورية بشأن المهاجرين الأفارقة، والتي اعتبرها الاتحاد الإفريقي "صادمة". مشير الى أن "الإقرار بوجود مُشكل لا يعني تحريضا على الكراهية على الإطلاق وهذا تفسير خاطئ ولا أساس له من الصحة".
من الملفات المهمة التي هي على طاولة الوزير هو ملف العلاقات التونسية السورية حيث بحث نبيل عمار مند أيام قليلة مع نظيره السوري فيصل مقداد وبشكل رسمي معلن، سبل عودة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي. وأعلنت وزارة الخارجية التونسية، في بيان لها تلقى، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، يوم 4 مارس الجاري مكالمة هاتفية من نظيره السوري الدكتور فيصل المقداد، نقل له فيها تحيات وتقدير السيد بشار الأسد، رئيس جمهورية سوريا العربية إلى أخيه سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد، وأثنى المقداد على وقوف تونس مع سوريا خلال الزلزال الأخير الذي ضرب شمال هذه الدولة الشقيقة.
وأضاف بيان الخارجية أن هذه المحادثة مثلت مناسبة جدد فيها الوزيران الرغبة في عودة العلاقات الثنائية الأخوية بين تونس وسوريا إلى مسارها الطبيعي ولا سيما من خلال رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي وتبادل زيارات مسؤولي البلدين..
ومن المتوقع أن يشهد هذا الملف تطورا هاما خلال الأيام القادمة من خلال قطع مرحلة البرود الديبلوماسي وإعادة التمثيل الديبلوماسي من خلال تعيين سفير لتونس بدمشق وتعيين سفير سوري بتونس .
ومن القضايا التي ما زالت تطرح إشكالا وتحاول الديبلوماسية التونسية توضيحها ورفع اللبس بشأنها هي قضية الإيقافات الأخيرة على خلفية التآمر ودور بعض السفارات الأجنبية في إسناد أطراف سياسية في تونس حيث علّق وزير الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمار، في وقت سابق على بعض المواقف الدولية الرافضة لموجة الإيقافات الأخيرة التي شهدتها تونس وشملت شخصيات بارزة في المشهد التونسي من سياسيين معارضين ورجال أعمال وقضاة وغيرهم. حيث اعتبر نبيل عمار أن تصريحات بعض الجهات الأجنبية بخصوص الإيقافات الأخيرة متسرّعة وغير دقيقة ومجانبة للصواب وتمس من استقلالية القضاء التونسي. كما عبّر الوزير عن استغرابه ورفضه ما اعتبره "تدخلا في شؤون تونس ومحاولات التأثير على سير قضائها" حسب تقديره. مشيرا الى أنّ "الإيقافات الأخيرة كانت بسبب قضايا خطيرة تتعلق بالأمن القومي للدولة التونسية ولا علاقة لها بالنشاط السياسي أو الحقوقي أو الإعلامي"، على حد قوله.
واليوم تطرح قضايا الإيقافات أمورا حساسة باعتبار علاقة بعض السفارات بهذه القضية التي هي اليوم من أنظار القضاء وتتطلب في التعامل معها ديبلوماسيا الكثير من الحنكة والرصانة .
وفي كل ذلك لا تبدو مهمة نبيل عمار في كل هذه السياقات والأعباء المحمولة عليه، سهلة أو يسيرة وهو يحاول اليوم أن يبدو في صورة الوزير القوي والمدافع الشرس عن صورة تونس وسمعتها ومصالحها ولكن ذلك يتطلب الكثير من الانتباه والحذر الديبلوماسي والأهم الكثير من الانسجام بينه وبين رئيس الدولة قيس سعيد الذي يقود بحكم وظيفته الديبلوماسية التونسية ويحدد طبيعة علاقاتها الدولية .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
لم يستغرق وزير الخارجية الجديد نبيل عمّار، وقتا، للبدء في ممارسة مهامه كوزير للديبلوماسية التونسية في سياقات بدت منذ ساعات وصوله الأولى لمنصبه مضطربة ومتقلبة، فبعد تعيينه مباشرة كان زلزال تركيا وسوريا يتصدّر الحدث الدولي، وكان لزاما على تونس أن يكون لها موقف ديبلوماسي من تلك المأساة الإنسانية وفعلا كان موقف رئاسة الجمهورية والخارجية، بداية لموقف أعمق وأهم في علاقة بالعلاقات التونسية السورية وبالتمثيل الديبلوماسي المعلّق منذ 2012.
ولم يهدأ، بعد ذلك، نبيل عمّار حيث كان لزاما عليه أن يوضّح موقف الدولة التونسية أمام الانتقادات الدولية رفيعة المستوى وذلك على خلفية موجة الإيقافات الأخيرة التي تم تنفيذها ضد عدد من السياسيين والنشطاء ورجال الأعمال بتهمة التآمر على أمن الدولة.. وما ان تم تجاوز الجدل الذي أثير بمناسبة ملف الإيقافات، حتى تفجّر جدل أكثر حدة وتبعات خطيرة وذلك بعد تصريح رئيس الدولة قيس سعيد في علاقة بالأفارقة جنوب الصحراء ووجد وزير الخارجية نبيل عمّار في "مواجهة" كل العالم للتوضيح والتفسير ودرء كل الاتهامات التي لاحقت تونس ووصفتها بكونها دولة عنصرية ..
"كلا، مسألة الاعتذار غير مطروحة، لم نؤذ أحدا". بهذه الجملة حسم نبيل عمار الموقف التونسي في علاقة بقضية أفارقة جنوب الصحراء.. لن تقدم تونس اعتذارها ولكن مهمة نبيل عمار تبدو عسيرة في محو آثار ذلك التصريح أو الصورة التي انطبعت على تونس في أذهان العالم، هذا بالإضافة الى المشاكل الداخلية التي تتخبّط فيها الديبلوماسية التونسية ومن ذلك الشغورات في مواقع مختلفة وفي بعثات قنصلية وديبلوماسية هامة وتأخّر الحركة الديبلوماسية ونسق عمل الخارجية وفاعليته ومدى نجاعته في الدفاع عن مصالح الدولة التونسية في الخارج وإضفاء حيوية على العمل الديبلوماسي الاقتصادي الذي تحتاجه تونس اليوم وبشدة في ظرف اقتصادي سيء.
ملفات حرجة وحساسة ..
شغل، نبيل عمار، سابقا منصب سفير تونس في لندن بين سنوات 2012 و2017، وكان يشغل منذ أكتوبر 2020، وإلى حين إعلان قرار تعيينه وزيرا للخارجية، منصب سفير فوق العادة ومفوضا للجمهورية التونسية لدى مملكة بلجيكا ولدى الاتحاد الأوروبي. وكان تعيينه وزيرا للخارجية التونسية مفاجئا، خلفا لعثمان الجرندي الذي سقطت معه الديبلوماسية التونسية في نوع من الرتابة والتكلّس ولم تحسن إدارة بعض المعارك الديبلوماسية رغم بعض المحاولات ..
ولعل من أعقد الملفات اليوم التي يواجهها نبيل عمار هو ملف الأفارقة جنوب الصحراء حيث اضطر الى تحركات إعلامية وديبلوماسية واسعة للتخفيف من وقع تصريح الدولة متمسكا بأن "اتهام تونس بالعنصرية أمر لا يستقيم ومرفوض ويمّس من صورتها" وفق تصريحه الأخير في الندوة الصحفية التي عقدتها الوزارة في الغرض، حيث أكد على أن تونس دولة ذات سيادة، لها قوانينها التي تحرص على تطبيقها، على غرار قانون إقامة الأجانب وهي مسؤولة على سلامة كل من يعيش على أراضيها واعتبر أن ما يحدث بخصوص موضوع الهجرة من حملات وفق تعبيره هو "بفعل فاعل"، مؤّكدا "وجود حملة في الإطار باعتبار أّن موضوع الهجرة ترتبط به عديد، الجوانب"، وأضاف أن تونس واجهت ما وصفه بـ"ماكينات لها إمكانيات كبيرة في الخارج ولها امتداد داخلي"، وفق تعبيره كما أشار الوزير نبيل عمار الى جملة من التحركات قامت بها الوزارة ومنها مقابلة سفراء البلدان الإفريقية. عمّار شدّد أيضا على أن "تونس تريد فقط تطبيق القانون بخصوص موضوع المهاجرين الأفارقة في تونس، ومن يُصدّق غير ذلك فهو يستغلّ هذه القضية لضرب صورة تونس والتشويش" طالبا من الشعب التونسي أن يكون مسؤولا على صورة بلاده ويعمل على مواجهة هذه الأزمة.
وقبل ذلك وفي حوار لفرانس 24 أكد نبيل عمار على رفضه كل الاتهامات الصادرة على خلفية تصريحات رئيس الجمهورية بشأن المهاجرين الأفارقة، والتي اعتبرها الاتحاد الإفريقي "صادمة". مشير الى أن "الإقرار بوجود مُشكل لا يعني تحريضا على الكراهية على الإطلاق وهذا تفسير خاطئ ولا أساس له من الصحة".
من الملفات المهمة التي هي على طاولة الوزير هو ملف العلاقات التونسية السورية حيث بحث نبيل عمار مند أيام قليلة مع نظيره السوري فيصل مقداد وبشكل رسمي معلن، سبل عودة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي. وأعلنت وزارة الخارجية التونسية، في بيان لها تلقى، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، يوم 4 مارس الجاري مكالمة هاتفية من نظيره السوري الدكتور فيصل المقداد، نقل له فيها تحيات وتقدير السيد بشار الأسد، رئيس جمهورية سوريا العربية إلى أخيه سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد، وأثنى المقداد على وقوف تونس مع سوريا خلال الزلزال الأخير الذي ضرب شمال هذه الدولة الشقيقة.
وأضاف بيان الخارجية أن هذه المحادثة مثلت مناسبة جدد فيها الوزيران الرغبة في عودة العلاقات الثنائية الأخوية بين تونس وسوريا إلى مسارها الطبيعي ولا سيما من خلال رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي وتبادل زيارات مسؤولي البلدين..
ومن المتوقع أن يشهد هذا الملف تطورا هاما خلال الأيام القادمة من خلال قطع مرحلة البرود الديبلوماسي وإعادة التمثيل الديبلوماسي من خلال تعيين سفير لتونس بدمشق وتعيين سفير سوري بتونس .
ومن القضايا التي ما زالت تطرح إشكالا وتحاول الديبلوماسية التونسية توضيحها ورفع اللبس بشأنها هي قضية الإيقافات الأخيرة على خلفية التآمر ودور بعض السفارات الأجنبية في إسناد أطراف سياسية في تونس حيث علّق وزير الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمار، في وقت سابق على بعض المواقف الدولية الرافضة لموجة الإيقافات الأخيرة التي شهدتها تونس وشملت شخصيات بارزة في المشهد التونسي من سياسيين معارضين ورجال أعمال وقضاة وغيرهم. حيث اعتبر نبيل عمار أن تصريحات بعض الجهات الأجنبية بخصوص الإيقافات الأخيرة متسرّعة وغير دقيقة ومجانبة للصواب وتمس من استقلالية القضاء التونسي. كما عبّر الوزير عن استغرابه ورفضه ما اعتبره "تدخلا في شؤون تونس ومحاولات التأثير على سير قضائها" حسب تقديره. مشيرا الى أنّ "الإيقافات الأخيرة كانت بسبب قضايا خطيرة تتعلق بالأمن القومي للدولة التونسية ولا علاقة لها بالنشاط السياسي أو الحقوقي أو الإعلامي"، على حد قوله.
واليوم تطرح قضايا الإيقافات أمورا حساسة باعتبار علاقة بعض السفارات بهذه القضية التي هي اليوم من أنظار القضاء وتتطلب في التعامل معها ديبلوماسيا الكثير من الحنكة والرصانة .
وفي كل ذلك لا تبدو مهمة نبيل عمار في كل هذه السياقات والأعباء المحمولة عليه، سهلة أو يسيرة وهو يحاول اليوم أن يبدو في صورة الوزير القوي والمدافع الشرس عن صورة تونس وسمعتها ومصالحها ولكن ذلك يتطلب الكثير من الانتباه والحذر الديبلوماسي والأهم الكثير من الانسجام بينه وبين رئيس الدولة قيس سعيد الذي يقود بحكم وظيفته الديبلوماسية التونسية ويحدد طبيعة علاقاتها الدولية .