أثار اختيار عدد من رجالات التعليم في مستوياته المختلفة الإعلان على صفحاتهم الرسمية على شبكات التواصل الاجتماعي عن رفضهم الامتثال لما دعت له النقابة العامة للتعليم الثانوي والنقابة العامة للتعليم الأساسي وذلك بعدم إجراء اختبارات الثلاثي الثاني وحجب الأعداد عن الإدارة والتلاميذ والتلويح بالدخول في إضرابات واعتصامات، ردود أفعال عديدة. خاصة أن هذا القرار كان سببا في إثارة الجدل في أوساط واسعة لاسيما بالنسبة لأولياء التلاميذ وتفاعلت معه عديد الجهات الأخرى على اعتبار أنه تعد على حقوق هذه الشريحة من المجتمع وحرمانها من حقها في التعلم والتقييم من ناحية، وتهديد لمستقبل الأجيال من ناحية أخرى واتهام هذه النقابات باتخاذها التلاميذ "رهينة" في الصراع القائم بينها وبين سلطة الإشراف حول جملة من المطالب المادية والاجتماعية سبق أن فسرها لسعد اليعقوبي، كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بمماطلة وزارة التربية والحكومة في التعاطي مع الملفات والمطالب المطروحة وعدم الاستجابة لمطالب قطاع التعليم الثانوي وعدم تفعيل الاتفاقيات منذ سنة 2019 إضافة إلى عدم الاستجابة إلى المطالب الواردة في اللائحة المهنية للقطاع وأهمها تحسين الوضع المادي للأستاذ وتحسين ملف التشغيل الهش وتسوية وضعيات الأساتذة النواب.
فيما أعلن العض الآخر من المربين عن انسلاخه من هذه النقابات وعدم الاستجابة للدعوات النقابية والتمرد عليها على اعتبار أن ذلك يتنزل في إطار "الاستجابة لنداء الواجب والضمير"، وفق ما فسره البعض في تأكيد مواصلة القيام بسير الدروس بنسق عادي إضافة إلى إجراء الاختبارات ومنح الأعداد للإدارة والتلاميذ على حد السواء. وقد وجدت مثل هذه المبادرات التفاعل الواسع في أوساط المربين بدرجة أولى بعد دخول عدد كبير من المربين على خط الرفض والتمرد على إرادة النقابات ووجدت الترحيب من قبل الأولياء الذين تنفسوا الصعداء بعد الضغط الكبير الذي عاشوه في الفترة الأخيرة بسبب تأكيد لسعد اليعقوبي مؤخرا على التمسّك بمواصلة حجب أعداد الثلاثي الثاني، في انتظار اللجوء إلى أشكال نضالية أخرى.
إذ تجاوزت تداعيات الأزمة القائمة في القطاع التربوي في تونس اليوم باختلاف أصنافه، الفئات المجتمعية المعنية مباشرة بالتعليم لتتعداه وتؤثر في مختلف الأوساط الاجتماعية خاصة أمام صيحات الفزع التي ما انفكت تطلقها عديد الجهات ومفادها تأكيد تراجع مستوى التعليم في بلادنا الذي تجلى بالأساس في تدني مستوى التلميذ والخريجين على حد السواء. يأتي ذلك بعد أن كان مستوى التعليم في تونس يصنف في مستويات متقدمة دوليا وانعكس ذلك إيجابيا فيما يجده حاملي الشهائد العليا من أبناء المؤسسات التعليمية في تونس من قبول وحظوة على مستوى عالمي في مختلف الاختصاصات العلمية والتقنية وغيرها.
ولئن اعتبر البعض أن ما أقدم عليه بعض المربين من تمرد ورفض صريح لقرارات النقابة الأساسية للتعليم الثانوي، يعد بادرة "صحية" لمدى تكريس حرية الاختيار والقرار والمضير بعيدا عن منطق "القطيع" لاسيما أن جل من أعلنوا عن عدم الاستجابة لمطالب الهياكل القطاعية، برروا ذلك بأن مصلحة التلميذ والولي الذي يعاني الويلات والصعوبات في هذه المرحلة تحديدا، أولى من أي مطالب ونضالات، إلا أن البعض الآخر اعتبرها بادرة إحداث "شرخ" خطير في مستوى العمل النقابي بما يجعل هذه الهياكل مهددة لاسيما في ظل السياقات السياسية الراهنة. على اعتبار أن القرارات والخطوات التصعيدية للنقابات الأساسية منذ بداية الموسم الدراسي الحالي، وإن كان تحت عناوين مطلب قطاعية اجتماعية ومادية إلا أنه يتنزل في إطار الصراع السياسي القائم.
وما يعزز مخاوف البعض من تأثير القرارات الفردية لبعض الأساتذة بعدم الاستجابة لحجب أعداد الثلاثي الثاني، والمضي في ممارسة المهنة التربوية بعيدا عن أجندا النقابات، هو توسع دائرة المنساقين وراء هذا التمشي من ناحية، وتزامن ذلك مع تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيد مؤخرا بأنه "سيتم قفي القريب العاجل الانطلاق في إصلاح جذري للمنظومة التربوية بكافة مراحلها لأنه لا يمكن إدخال إصلاح على مرحلة دون أن يتنزل هذا الإصلاح في تصور كامل لعملية إصلاح التعليم في تونس وذلك بعد إنشاء المجلس الأعلى للتربية والتعليم". كان ذاك أثناء لقاء منذ أيام قليلة مع وزر التربية محمد علي البوغديري.
ويذكر أنه تم نهاية شهر جانفي الماضي تعيين محمد علي البوغديري وزيرا للتربية بعد إقالة الوزير السابق فتحي السلاوتي. ونزلت عديد القراءات اختيار سعيد البوغديري لهذه الحقيبة وفي هذه المرحلة تحديدا لعدة اعتبارات لعل من أبرزها أنه أحد قياديي الاتحاد العام التونسي للشغل سابقا باعتبار انه سبق أن شغل خطة أمين عام مساعد، وأن تمرسه على العمل النقابي يرشحه لقدرته على التعاطي مع الملفات العالقة وحل الأزمة التي تمسك النقابات الأساسية بخيوطها بعد تواصل ظاهرة "الشد والجذب" بين النقابات والوزارة التي أثرت سلبيا على الوضع التربوي، قبل المرور إلى إعداد العدة لتكوين المجلس الأعلى للتربية الذي تم التنصيص عليه في دستور 2022 والدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المؤسسة الدستورية في إصلاح منظومة التربية والتعليم، فيما تذهب قراءات أخرى إلى أن هذا الاختيار تمهيد "لاختراق" المنظمة الشغيلة بناء على "القطيعة" والاختلاف بين الوزير الحالي والقيادة الحالية للاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره من الشق الرافض للفضل 20 الذي يعد لبنة لتنصيب التركيبة الحالية للمكتب التنفيذي للاتحاد بقيادة أمينه العام نورالدين الطبوبي.
علما أنه تم منذ مدة الإعلان عن تأسيس نقابة وطنية مستقلة للتعليم بتونس خاصة بمعلمي وأساتذة التعليم الابتدائي والثانوي ورغم ما وجدته من حظوة وترحيب من قبل البعض، فإن البعض الآخر استنكر ذلك واعتبرها بادرة أخرى لـ"ضرب" صرح النقابات التابعة للاتحاد، وفتح الطريق أمام هياكل بديلة لتكون طرفا في ملف الإصلاحات التربوية والمسارات ذات العلاقة في المستقبل القريب.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
أثار اختيار عدد من رجالات التعليم في مستوياته المختلفة الإعلان على صفحاتهم الرسمية على شبكات التواصل الاجتماعي عن رفضهم الامتثال لما دعت له النقابة العامة للتعليم الثانوي والنقابة العامة للتعليم الأساسي وذلك بعدم إجراء اختبارات الثلاثي الثاني وحجب الأعداد عن الإدارة والتلاميذ والتلويح بالدخول في إضرابات واعتصامات، ردود أفعال عديدة. خاصة أن هذا القرار كان سببا في إثارة الجدل في أوساط واسعة لاسيما بالنسبة لأولياء التلاميذ وتفاعلت معه عديد الجهات الأخرى على اعتبار أنه تعد على حقوق هذه الشريحة من المجتمع وحرمانها من حقها في التعلم والتقييم من ناحية، وتهديد لمستقبل الأجيال من ناحية أخرى واتهام هذه النقابات باتخاذها التلاميذ "رهينة" في الصراع القائم بينها وبين سلطة الإشراف حول جملة من المطالب المادية والاجتماعية سبق أن فسرها لسعد اليعقوبي، كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بمماطلة وزارة التربية والحكومة في التعاطي مع الملفات والمطالب المطروحة وعدم الاستجابة لمطالب قطاع التعليم الثانوي وعدم تفعيل الاتفاقيات منذ سنة 2019 إضافة إلى عدم الاستجابة إلى المطالب الواردة في اللائحة المهنية للقطاع وأهمها تحسين الوضع المادي للأستاذ وتحسين ملف التشغيل الهش وتسوية وضعيات الأساتذة النواب.
فيما أعلن العض الآخر من المربين عن انسلاخه من هذه النقابات وعدم الاستجابة للدعوات النقابية والتمرد عليها على اعتبار أن ذلك يتنزل في إطار "الاستجابة لنداء الواجب والضمير"، وفق ما فسره البعض في تأكيد مواصلة القيام بسير الدروس بنسق عادي إضافة إلى إجراء الاختبارات ومنح الأعداد للإدارة والتلاميذ على حد السواء. وقد وجدت مثل هذه المبادرات التفاعل الواسع في أوساط المربين بدرجة أولى بعد دخول عدد كبير من المربين على خط الرفض والتمرد على إرادة النقابات ووجدت الترحيب من قبل الأولياء الذين تنفسوا الصعداء بعد الضغط الكبير الذي عاشوه في الفترة الأخيرة بسبب تأكيد لسعد اليعقوبي مؤخرا على التمسّك بمواصلة حجب أعداد الثلاثي الثاني، في انتظار اللجوء إلى أشكال نضالية أخرى.
إذ تجاوزت تداعيات الأزمة القائمة في القطاع التربوي في تونس اليوم باختلاف أصنافه، الفئات المجتمعية المعنية مباشرة بالتعليم لتتعداه وتؤثر في مختلف الأوساط الاجتماعية خاصة أمام صيحات الفزع التي ما انفكت تطلقها عديد الجهات ومفادها تأكيد تراجع مستوى التعليم في بلادنا الذي تجلى بالأساس في تدني مستوى التلميذ والخريجين على حد السواء. يأتي ذلك بعد أن كان مستوى التعليم في تونس يصنف في مستويات متقدمة دوليا وانعكس ذلك إيجابيا فيما يجده حاملي الشهائد العليا من أبناء المؤسسات التعليمية في تونس من قبول وحظوة على مستوى عالمي في مختلف الاختصاصات العلمية والتقنية وغيرها.
ولئن اعتبر البعض أن ما أقدم عليه بعض المربين من تمرد ورفض صريح لقرارات النقابة الأساسية للتعليم الثانوي، يعد بادرة "صحية" لمدى تكريس حرية الاختيار والقرار والمضير بعيدا عن منطق "القطيع" لاسيما أن جل من أعلنوا عن عدم الاستجابة لمطالب الهياكل القطاعية، برروا ذلك بأن مصلحة التلميذ والولي الذي يعاني الويلات والصعوبات في هذه المرحلة تحديدا، أولى من أي مطالب ونضالات، إلا أن البعض الآخر اعتبرها بادرة إحداث "شرخ" خطير في مستوى العمل النقابي بما يجعل هذه الهياكل مهددة لاسيما في ظل السياقات السياسية الراهنة. على اعتبار أن القرارات والخطوات التصعيدية للنقابات الأساسية منذ بداية الموسم الدراسي الحالي، وإن كان تحت عناوين مطلب قطاعية اجتماعية ومادية إلا أنه يتنزل في إطار الصراع السياسي القائم.
وما يعزز مخاوف البعض من تأثير القرارات الفردية لبعض الأساتذة بعدم الاستجابة لحجب أعداد الثلاثي الثاني، والمضي في ممارسة المهنة التربوية بعيدا عن أجندا النقابات، هو توسع دائرة المنساقين وراء هذا التمشي من ناحية، وتزامن ذلك مع تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيد مؤخرا بأنه "سيتم قفي القريب العاجل الانطلاق في إصلاح جذري للمنظومة التربوية بكافة مراحلها لأنه لا يمكن إدخال إصلاح على مرحلة دون أن يتنزل هذا الإصلاح في تصور كامل لعملية إصلاح التعليم في تونس وذلك بعد إنشاء المجلس الأعلى للتربية والتعليم". كان ذاك أثناء لقاء منذ أيام قليلة مع وزر التربية محمد علي البوغديري.
ويذكر أنه تم نهاية شهر جانفي الماضي تعيين محمد علي البوغديري وزيرا للتربية بعد إقالة الوزير السابق فتحي السلاوتي. ونزلت عديد القراءات اختيار سعيد البوغديري لهذه الحقيبة وفي هذه المرحلة تحديدا لعدة اعتبارات لعل من أبرزها أنه أحد قياديي الاتحاد العام التونسي للشغل سابقا باعتبار انه سبق أن شغل خطة أمين عام مساعد، وأن تمرسه على العمل النقابي يرشحه لقدرته على التعاطي مع الملفات العالقة وحل الأزمة التي تمسك النقابات الأساسية بخيوطها بعد تواصل ظاهرة "الشد والجذب" بين النقابات والوزارة التي أثرت سلبيا على الوضع التربوي، قبل المرور إلى إعداد العدة لتكوين المجلس الأعلى للتربية الذي تم التنصيص عليه في دستور 2022 والدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المؤسسة الدستورية في إصلاح منظومة التربية والتعليم، فيما تذهب قراءات أخرى إلى أن هذا الاختيار تمهيد "لاختراق" المنظمة الشغيلة بناء على "القطيعة" والاختلاف بين الوزير الحالي والقيادة الحالية للاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره من الشق الرافض للفضل 20 الذي يعد لبنة لتنصيب التركيبة الحالية للمكتب التنفيذي للاتحاد بقيادة أمينه العام نورالدين الطبوبي.
علما أنه تم منذ مدة الإعلان عن تأسيس نقابة وطنية مستقلة للتعليم بتونس خاصة بمعلمي وأساتذة التعليم الابتدائي والثانوي ورغم ما وجدته من حظوة وترحيب من قبل البعض، فإن البعض الآخر استنكر ذلك واعتبرها بادرة أخرى لـ"ضرب" صرح النقابات التابعة للاتحاد، وفتح الطريق أمام هياكل بديلة لتكون طرفا في ملف الإصلاحات التربوية والمسارات ذات العلاقة في المستقبل القريب.