إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

على وقع مجزرة جنين2 .. بعد قرار برشلونة إلغاء التوأمة مع تل أبيب وقرار جنوب إفريقيا خفض العلاقات مع إسرائيل.. لماذا يغيب الموقف العربي؟...

 

تونس –الصباح

 

حداد غضب ودعوات للانتقام للشهداء على وقع المجزرة الإسرائيلية في مخيم جنين..، يتكرر السيناريو من الحوارة إلى نابلس وجنين وقبل ذلك غزة وتتكرر التنديدات وصرخات السلطة الفلسطينية بضرورة وقف الحرب المفتوحة التي تستهدف الشعب الفلسطيني ومنحه الحماية الدولية المطلوبة..، في كل مرة تمر الجريمة في انتظار عملية فدائية انتقامية جديدة تستهدف الاحتلال وتحرك الآلة العسكرية الهمجية.. المثير بعد هجمة أول أمس أن برلمان جنوب إفريقيا قرر خفض العلاقات مع إسرائيل في محاولة لردع الاحتلال خطوة على أهميتها فقد لا تغير من سياسات الاحتلال على الأقل حتى هذه المرحلة لا سيما مع تواتر الإنباء عن توجه أربع عواصم عربية وإسلامية للتطبيع على جثث الضحايا ..

-من برشلونة إلى جوهانسبورغ ..

على وقع قرار بلدية برشلونة إيقاف التوأمة مع تل أبيب بسبب الجرائم المقترفة في حق الشعب الفلسطيني وقرار برلمان جنوب إفريقيا خفض العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل على خلفية مجزرة جنين الثانية أول أمس والتي انتهت باغتيال ستة فلسطينيين فيما تنفتح عواصم إسلامية على سلطة الاحتلال وتندفع نحو التطبيع مقابل غياب قرار عربي يمكن أن يشكل ضاغطا أو يفرمل خطط الاحتلال يمكن القول أن البدائل متاحة في التعاطي مع جرائم الجيش الإسرائيلي لمن اختار ذلك واستعد لمواجهة التحدي، فالأكيد وبعيدا عن لغة العاطفة والانسياق وراء الأوهام أن الجرائم ثابتة وموثقة وهي ترقى إلى جرائم الحرب التي يتعين ملاحقة ومحاسبة ومحاكمة مرتكبيها وفق القانون الدولي وما تفرضه اتفاقيات جنيف الرابعة لا سيما في ظل التصعيد الخطير الحاصل في الضفة الغربية المحتلة ولكنها هذه المواقف تحتاج إلى إرادة والإرادة تبقى مرتبطة بتوفر المواقف الواضحة إزاء ما يجري في مخيم جنين من إرهاب الدولة..، ولا شك أن المشاهد والصور والأحداث الدموية المتواترة من مخيم جنين تشهد على بشاعة وفظاعة الجريمة ولكن أيضا على غطرسة مرتكبها..، حالة الغضب الشعبي والحداد المعلن في جنين قد لا يعكس قتامة وخطورة ما يحدث واحتمالات تطور المشهد نحو حرب مفتوحة بين الاحتلال وبين الفصائل الفلسطينية المتأهبة مع تكرار العدوان الذي يتجاوز في كل مرة حدود ما يمكن وصفه بالخطوط الحمراء ...

بالأمس أعلن برلمان جنوب إفريقيا يقرّ خفض العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل على خلفية الانتهاك الممنهج لحقوق الفلسطينيين.. موقف لا يمكن اعتباره بالمفاجئ في بلد الزعيم مانديلا الذي رفض العنصرية المقيتة والذي يرفض تكرار جرائم نظام الابرتييد على الفلسطينيين..، والاكيد أن برلمان جنوب إفريقيا سيواجه بسبب هذا القرار الانتقادات والإدانات والضغوطات من نفس القوى التي كانت بالأمس القريب ترفض نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا تماما كما حدث ويحدث مع رئيسة بلدية برشلونة ادا كولاو التي اتخذت قرارها بتعليق برنامج التوأمة مع تل أبيب والتي تم توقيعها عام 1998 وهي تأتي بعد مطالبة أكثر من 100 منظمة وأكثر من 4 آلاف مواطن، بالدفاع عن حقوق الإنسان في فلسطين، الأمر الذي دفعها لإبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في رسالة  بقرار تجميد العلاقة المؤسسية بين برشلونة وتل أبيب وقالت المسؤولة الاسبانية في ذلك "لقد قررت أن أعلق مؤقتًا العلاقات مع دولة إسرائيل ومع المؤسسات الرسمية لهذه الدولة ولا سيما اتفاقيات التوأمة مع بلدية تل أبيب، إلى أن تنهي السلطات الإسرائيلية الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان الفلسطيني”... وهي رسالة على درجة من الأهمية ولا تخل من مسؤولية سياسية وتاريخية وإنسانية وأخلاقية تكاد تكون نادرة في عالم يحتكم لسلطة الأقوى وينتصر للجلاد على حساب الضحية..، ولعل أكثر ما يمكن أن يزعج السلطات الإسرائيلية أن تتكرر هذه الخطوة أو تتحول إلى عدوى لتعزيز المطالب بمقاطعة المستوطنات وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على سلطة الاحتلال بما يفرض عزلها وتطويقها وربما يدفعها لا حقا إلى التخلي عن ممارساتها ...

-حرب مفتوحة ضد الفلسطينيين

لا خلاف أن ما تقترفه الآلة العسكرية الإسرائيلية تحت أنظار العالم من قتل واغتيال للشباب وتعمد للقتل البطيء واستهداف للأطفال ومن تهويد للمقدسات وسرقة للأرض ومن اسر للنشطاء ينطبق عليه شروط التطهير العرقي للفلسطينيين..، الواقع أن قرار بلدية برشلونة هو الأول من نوعه في هذه المرحلة وهو لا ينطلق من فراغ ولكنه يحتكم إلى جملة من الممارسات الإجرامية الموثقة التي بدأ العالم يكتشف معها ظلم وغطرسة النظام العدواني الذي يقاومه الشعب الفسطيني منذ عقود..، وقد أكد قرار بلدية برشلونة أن "النظام الذي تطبقه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة يتعارض مع القانون الدولي على النحو المحدد في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"..، وكان من الطبيعي بل من المتوقع أن تفتح سلطات الاحتلال نيران الاتهامات لرئيسة البلدية على اعتبار أنها  "معاديًا للسامية" وهي تهمة جاهزة لكل الحالات، ومطلوبة في كل الأحداث.. وبالعودة إلى قرار برلمان جنوب إفريقيا أمس بالتزامن مع جريمة جنين بخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بسبب الاعتداءات والانتهاكات فقد تقدم به "حزب الحرية الوطني" الذي اعتبر أنه لو كان مانديلا على قيد الحياة  فانه سيفخر بهذا الموقف وهو الذي كان دوما يردد "أنّ حريتنا غير مكتملة دون حرية الفلسطينيين"..، ولعله من المهم الإشارة إلى أن القرار حظي بدعم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم والذي اقر بأنه "تم إقامة دولة إسرائيل من خلال تهجير الفلسطينيين وقتلهم. ولإحكام قبضتها على السلطة، أقامت نظام الفصل العنصري للسيطرة على الفلسطينيين وإدارتهم..، وجاء في بيان البرلمان في جنوب إفريقيا أنه "صفتنا مواطنين في جنوب أفريقيا، فإننا نرفض الوقوف مكتوفي الأيدي بينما ترتكب جريمة الفصل العنصري مرة أخرى"... وسيكون من المهم مجددا التوقف عند قرار البرلمان في جنوب إفريقيا لا سيما بالنظر إلى ما تشهده القارة الإفريقية من اختراق وزحف لكيان الاحتلال الإسرائيلي لتوسيع الشراكات مع الدول الإفريقية ودفع قطار التطبيع إلى ابعد محطة ممكنة..، وتبقى الخطوة على رمزيتها مهمة في تذكير الاحتلال بان هناك دوما شعوب وحكومات تتحلى بالحد الأدنى من المسؤولية والإرادة في رفض الضغوطات ورفع الحصانة عن الاحتلال وأنه لا يمكن مهما بلغ نفوذ سلطة الاحتلال أن يحول الأنظار أو يكمم أفواه الجميع عن الجرائم التي تحمل توقيعه..

وليس من المستبعد أن يتفاقم التصعيد وأن تتحول جريمة نابلس إلى حرب مفتوحة انتقاما للضحايا ..وهو ما لحوت به مختلف الفصائل الفلسطينية التي نعت الشهداء الستة أمس بعد العملية الهمجية التي أقدمت عليها سلطات الاحتلال باستخدام قوات عسكرية كبيرة قدرت بنحو 40 آلية عسكرية مدعومة بقوات خاصة قد تسلل جنودها إلى مخيم جنين بزي مدني، ومحاصرة المخيم مستعملة الطائرات والمسيرات في تحديد أهدافها وملاحقة النشطاء الفلسطينيين في إطار سياسة العقوبات الجماعية التي ينتهجها الاحتلال وبدعم وتأييد رئيس الوزراء ناتنياهو الذي أشاد بأداء قواته..

ولا يبدو حتى هذه المرحلة أن صرخات السلطة الفلسطينية ودعواتها للإدارة الأمريكية بوقف العدوان يمكن أن تحقق مبتغاها أو تحول دون مواصلة عملية التدمير للمخيم.. إذ أن ردود الأفعال الأمريكية لم تتجاوز بيانات التعبير عن القلق والدعوات للتهدئة  في إصرار على المساواة بين الضحية والجلاد ...

إلى ذلك قد لا يكون من الصعب قراءة تطورات المشهد الذي يبدو مفتوحا على مزيد التصعيد مع ظهور ما بات يعرف بمجموعة عرين الأسود الفدائية التي جعلت لها من مخيم جنين معقلا والتي يبدو أنها أصبحت هدفا معلنا للجيش الإسرائيلي الذي بدأ عملية ملاحقة وتصفية هذه المجموعة الفدائية التي لا يبدو أنها تنضوي تحت مظلة أي فصيل أو حركة ولكن يبدو أنها اختارت النضال ضد الاحتلال بما توفر لها من إمكانيات وإرادة في محاولة لردع جرائم الاحتلال.

- خيارات المقاومة لمواجهة الحرب الشاملة

تدرك مجموعة "عرين الأسود" وغيرها من رجال المقاومة أن قدرات الاحتلال وإمكانياته على رصد النشطاء وتعقبهم رهيبة وأن إسرائيل تطوق المنطقة بالرادارات وكاميرات الرصد وأن كل شبر في فلسطين المحتلة خاضع للمراقبة وهو ما يعني أنهم مستعدون للموت وللتضحية وأنهم يدركون جيدا أن إمكانية الاختفاء عن أنظار الاحتلال قد تستمر بضعة أيام ولكن لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية ومع ذلك فإنهم يتمسكون بخيار المواجهة والمقاومة ويدركون أن رصاص الاحتلال ملاحقهم ولو بعد حين..

في خضم هذا المشهد الدموي وهذا الترهيب المستمر من الاحتلال تواترت بعض البيانات العربية لإدانة ما حدث في مخيم جنين.. وتعددت مناشدة الاحتلال وقف خروقاته من جانب جامعة الدول العربية والبرلمان العربي والمؤتمر الإسلامي وفي ذلك اضعف الإيمان.. ولا يمكن توقع أكثر من ذلك أو الذهاب إلى حد إعلان موقف عربي يطالب الدول المطبعة لا بإلغاء علاقاتها مع الاحتلال ولكن على الأقل بتعليق ذلك وربط العودة إلى مسار التطبيع بوقف مخططات الاحتلال ...

-قطار التطبيع يواصل العبور..

المثير فعلا انه في خضم المشهد الدموي والتصعيد الإرهابي الإسرائيلي الحاصل فان وسائل الإعلام العبرية تعلن عن تحركات لوزارة الخارجية الإسرائيلية ووزير الخارجية، إيلي كوهين، واتصالات مع أربع دول عربية وإسلامية، وبينها موريتانيا، علما وأن نواقشوط أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، في 1999، وقطعت هذه العلاقات في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة، في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009...إلى جانب الصومال والنيجر وإندونيسيا، بهدف تطبيع علاقات معها وضمها إلى "اتفاقيات أبراهام"...المصادر الإسرائيلية تتحدث عن تقدم في الكواليس لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ومسؤولين في الإدارة الأميركية، بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفانفي هذا الاتجاه.. ويبدو وبحسب الصحف العبرية أن الاتصالات بين إسرائيل وموريتانيا متقدمة جدا، وأن الخارجية الإسرائيلية طلبت من ألمانيا أن تستخدم علاقاتها من أجل دفع اتصالات بين إسرائيل وموريتانيا والنيجر.

ويبدو أن جسور التواصل مع الصومال متقدمة أيضا بعد أن عبر الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، عن اهتمامه بعلاقات مع إسرائيل... واهتمام إسرائيلي بالصومال مرده موقعها الاستراتيجي بين خليج عدن والمحيط الهندي ومدخل البحر الأحمر...

المسألة الأكثر غرابة وإثارة للتساؤلات تتعلق باندونيسيا التي تبحث فيها إسرائيل عن منفذ لتطبيع العلاقات تتجاوز إطار التجارة والتكنولوجيا والسياحة إلى التطبيع السياسي والاعتراف المتبادل..، والى هنا يبدو وان

نتائج هذه الاتصالات مع الدول الأربع ستتضح أكثر خلال الأسابيع القليلة القادمة وتحديدا بعد رمضان... ولكن ليس من الواضح ما إذا يمكن أن يؤثر التصعيد الميداني الحاصل على عملية التطبيع أم أن جرائم الاحتلال يمكن أن تقف سدا دون عبور قطار التطبيع إلى هذه الدول الأربع ...

اسيا العتروس 

على وقع مجزرة جنين2 ..   بعد قرار برشلونة إلغاء التوأمة مع تل أبيب وقرار جنوب إفريقيا خفض العلاقات مع إسرائيل.. لماذا يغيب الموقف العربي؟...

 

تونس –الصباح

 

حداد غضب ودعوات للانتقام للشهداء على وقع المجزرة الإسرائيلية في مخيم جنين..، يتكرر السيناريو من الحوارة إلى نابلس وجنين وقبل ذلك غزة وتتكرر التنديدات وصرخات السلطة الفلسطينية بضرورة وقف الحرب المفتوحة التي تستهدف الشعب الفلسطيني ومنحه الحماية الدولية المطلوبة..، في كل مرة تمر الجريمة في انتظار عملية فدائية انتقامية جديدة تستهدف الاحتلال وتحرك الآلة العسكرية الهمجية.. المثير بعد هجمة أول أمس أن برلمان جنوب إفريقيا قرر خفض العلاقات مع إسرائيل في محاولة لردع الاحتلال خطوة على أهميتها فقد لا تغير من سياسات الاحتلال على الأقل حتى هذه المرحلة لا سيما مع تواتر الإنباء عن توجه أربع عواصم عربية وإسلامية للتطبيع على جثث الضحايا ..

-من برشلونة إلى جوهانسبورغ ..

على وقع قرار بلدية برشلونة إيقاف التوأمة مع تل أبيب بسبب الجرائم المقترفة في حق الشعب الفلسطيني وقرار برلمان جنوب إفريقيا خفض العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل على خلفية مجزرة جنين الثانية أول أمس والتي انتهت باغتيال ستة فلسطينيين فيما تنفتح عواصم إسلامية على سلطة الاحتلال وتندفع نحو التطبيع مقابل غياب قرار عربي يمكن أن يشكل ضاغطا أو يفرمل خطط الاحتلال يمكن القول أن البدائل متاحة في التعاطي مع جرائم الجيش الإسرائيلي لمن اختار ذلك واستعد لمواجهة التحدي، فالأكيد وبعيدا عن لغة العاطفة والانسياق وراء الأوهام أن الجرائم ثابتة وموثقة وهي ترقى إلى جرائم الحرب التي يتعين ملاحقة ومحاسبة ومحاكمة مرتكبيها وفق القانون الدولي وما تفرضه اتفاقيات جنيف الرابعة لا سيما في ظل التصعيد الخطير الحاصل في الضفة الغربية المحتلة ولكنها هذه المواقف تحتاج إلى إرادة والإرادة تبقى مرتبطة بتوفر المواقف الواضحة إزاء ما يجري في مخيم جنين من إرهاب الدولة..، ولا شك أن المشاهد والصور والأحداث الدموية المتواترة من مخيم جنين تشهد على بشاعة وفظاعة الجريمة ولكن أيضا على غطرسة مرتكبها..، حالة الغضب الشعبي والحداد المعلن في جنين قد لا يعكس قتامة وخطورة ما يحدث واحتمالات تطور المشهد نحو حرب مفتوحة بين الاحتلال وبين الفصائل الفلسطينية المتأهبة مع تكرار العدوان الذي يتجاوز في كل مرة حدود ما يمكن وصفه بالخطوط الحمراء ...

بالأمس أعلن برلمان جنوب إفريقيا يقرّ خفض العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل على خلفية الانتهاك الممنهج لحقوق الفلسطينيين.. موقف لا يمكن اعتباره بالمفاجئ في بلد الزعيم مانديلا الذي رفض العنصرية المقيتة والذي يرفض تكرار جرائم نظام الابرتييد على الفلسطينيين..، والاكيد أن برلمان جنوب إفريقيا سيواجه بسبب هذا القرار الانتقادات والإدانات والضغوطات من نفس القوى التي كانت بالأمس القريب ترفض نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا تماما كما حدث ويحدث مع رئيسة بلدية برشلونة ادا كولاو التي اتخذت قرارها بتعليق برنامج التوأمة مع تل أبيب والتي تم توقيعها عام 1998 وهي تأتي بعد مطالبة أكثر من 100 منظمة وأكثر من 4 آلاف مواطن، بالدفاع عن حقوق الإنسان في فلسطين، الأمر الذي دفعها لإبلاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في رسالة  بقرار تجميد العلاقة المؤسسية بين برشلونة وتل أبيب وقالت المسؤولة الاسبانية في ذلك "لقد قررت أن أعلق مؤقتًا العلاقات مع دولة إسرائيل ومع المؤسسات الرسمية لهذه الدولة ولا سيما اتفاقيات التوأمة مع بلدية تل أبيب، إلى أن تنهي السلطات الإسرائيلية الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان الفلسطيني”... وهي رسالة على درجة من الأهمية ولا تخل من مسؤولية سياسية وتاريخية وإنسانية وأخلاقية تكاد تكون نادرة في عالم يحتكم لسلطة الأقوى وينتصر للجلاد على حساب الضحية..، ولعل أكثر ما يمكن أن يزعج السلطات الإسرائيلية أن تتكرر هذه الخطوة أو تتحول إلى عدوى لتعزيز المطالب بمقاطعة المستوطنات وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على سلطة الاحتلال بما يفرض عزلها وتطويقها وربما يدفعها لا حقا إلى التخلي عن ممارساتها ...

-حرب مفتوحة ضد الفلسطينيين

لا خلاف أن ما تقترفه الآلة العسكرية الإسرائيلية تحت أنظار العالم من قتل واغتيال للشباب وتعمد للقتل البطيء واستهداف للأطفال ومن تهويد للمقدسات وسرقة للأرض ومن اسر للنشطاء ينطبق عليه شروط التطهير العرقي للفلسطينيين..، الواقع أن قرار بلدية برشلونة هو الأول من نوعه في هذه المرحلة وهو لا ينطلق من فراغ ولكنه يحتكم إلى جملة من الممارسات الإجرامية الموثقة التي بدأ العالم يكتشف معها ظلم وغطرسة النظام العدواني الذي يقاومه الشعب الفسطيني منذ عقود..، وقد أكد قرار بلدية برشلونة أن "النظام الذي تطبقه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة يتعارض مع القانون الدولي على النحو المحدد في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"..، وكان من الطبيعي بل من المتوقع أن تفتح سلطات الاحتلال نيران الاتهامات لرئيسة البلدية على اعتبار أنها  "معاديًا للسامية" وهي تهمة جاهزة لكل الحالات، ومطلوبة في كل الأحداث.. وبالعودة إلى قرار برلمان جنوب إفريقيا أمس بالتزامن مع جريمة جنين بخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بسبب الاعتداءات والانتهاكات فقد تقدم به "حزب الحرية الوطني" الذي اعتبر أنه لو كان مانديلا على قيد الحياة  فانه سيفخر بهذا الموقف وهو الذي كان دوما يردد "أنّ حريتنا غير مكتملة دون حرية الفلسطينيين"..، ولعله من المهم الإشارة إلى أن القرار حظي بدعم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم والذي اقر بأنه "تم إقامة دولة إسرائيل من خلال تهجير الفلسطينيين وقتلهم. ولإحكام قبضتها على السلطة، أقامت نظام الفصل العنصري للسيطرة على الفلسطينيين وإدارتهم..، وجاء في بيان البرلمان في جنوب إفريقيا أنه "صفتنا مواطنين في جنوب أفريقيا، فإننا نرفض الوقوف مكتوفي الأيدي بينما ترتكب جريمة الفصل العنصري مرة أخرى"... وسيكون من المهم مجددا التوقف عند قرار البرلمان في جنوب إفريقيا لا سيما بالنظر إلى ما تشهده القارة الإفريقية من اختراق وزحف لكيان الاحتلال الإسرائيلي لتوسيع الشراكات مع الدول الإفريقية ودفع قطار التطبيع إلى ابعد محطة ممكنة..، وتبقى الخطوة على رمزيتها مهمة في تذكير الاحتلال بان هناك دوما شعوب وحكومات تتحلى بالحد الأدنى من المسؤولية والإرادة في رفض الضغوطات ورفع الحصانة عن الاحتلال وأنه لا يمكن مهما بلغ نفوذ سلطة الاحتلال أن يحول الأنظار أو يكمم أفواه الجميع عن الجرائم التي تحمل توقيعه..

وليس من المستبعد أن يتفاقم التصعيد وأن تتحول جريمة نابلس إلى حرب مفتوحة انتقاما للضحايا ..وهو ما لحوت به مختلف الفصائل الفلسطينية التي نعت الشهداء الستة أمس بعد العملية الهمجية التي أقدمت عليها سلطات الاحتلال باستخدام قوات عسكرية كبيرة قدرت بنحو 40 آلية عسكرية مدعومة بقوات خاصة قد تسلل جنودها إلى مخيم جنين بزي مدني، ومحاصرة المخيم مستعملة الطائرات والمسيرات في تحديد أهدافها وملاحقة النشطاء الفلسطينيين في إطار سياسة العقوبات الجماعية التي ينتهجها الاحتلال وبدعم وتأييد رئيس الوزراء ناتنياهو الذي أشاد بأداء قواته..

ولا يبدو حتى هذه المرحلة أن صرخات السلطة الفلسطينية ودعواتها للإدارة الأمريكية بوقف العدوان يمكن أن تحقق مبتغاها أو تحول دون مواصلة عملية التدمير للمخيم.. إذ أن ردود الأفعال الأمريكية لم تتجاوز بيانات التعبير عن القلق والدعوات للتهدئة  في إصرار على المساواة بين الضحية والجلاد ...

إلى ذلك قد لا يكون من الصعب قراءة تطورات المشهد الذي يبدو مفتوحا على مزيد التصعيد مع ظهور ما بات يعرف بمجموعة عرين الأسود الفدائية التي جعلت لها من مخيم جنين معقلا والتي يبدو أنها أصبحت هدفا معلنا للجيش الإسرائيلي الذي بدأ عملية ملاحقة وتصفية هذه المجموعة الفدائية التي لا يبدو أنها تنضوي تحت مظلة أي فصيل أو حركة ولكن يبدو أنها اختارت النضال ضد الاحتلال بما توفر لها من إمكانيات وإرادة في محاولة لردع جرائم الاحتلال.

- خيارات المقاومة لمواجهة الحرب الشاملة

تدرك مجموعة "عرين الأسود" وغيرها من رجال المقاومة أن قدرات الاحتلال وإمكانياته على رصد النشطاء وتعقبهم رهيبة وأن إسرائيل تطوق المنطقة بالرادارات وكاميرات الرصد وأن كل شبر في فلسطين المحتلة خاضع للمراقبة وهو ما يعني أنهم مستعدون للموت وللتضحية وأنهم يدركون جيدا أن إمكانية الاختفاء عن أنظار الاحتلال قد تستمر بضعة أيام ولكن لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية ومع ذلك فإنهم يتمسكون بخيار المواجهة والمقاومة ويدركون أن رصاص الاحتلال ملاحقهم ولو بعد حين..

في خضم هذا المشهد الدموي وهذا الترهيب المستمر من الاحتلال تواترت بعض البيانات العربية لإدانة ما حدث في مخيم جنين.. وتعددت مناشدة الاحتلال وقف خروقاته من جانب جامعة الدول العربية والبرلمان العربي والمؤتمر الإسلامي وفي ذلك اضعف الإيمان.. ولا يمكن توقع أكثر من ذلك أو الذهاب إلى حد إعلان موقف عربي يطالب الدول المطبعة لا بإلغاء علاقاتها مع الاحتلال ولكن على الأقل بتعليق ذلك وربط العودة إلى مسار التطبيع بوقف مخططات الاحتلال ...

-قطار التطبيع يواصل العبور..

المثير فعلا انه في خضم المشهد الدموي والتصعيد الإرهابي الإسرائيلي الحاصل فان وسائل الإعلام العبرية تعلن عن تحركات لوزارة الخارجية الإسرائيلية ووزير الخارجية، إيلي كوهين، واتصالات مع أربع دول عربية وإسلامية، وبينها موريتانيا، علما وأن نواقشوط أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، في 1999، وقطعت هذه العلاقات في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة، في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009...إلى جانب الصومال والنيجر وإندونيسيا، بهدف تطبيع علاقات معها وضمها إلى "اتفاقيات أبراهام"...المصادر الإسرائيلية تتحدث عن تقدم في الكواليس لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ومسؤولين في الإدارة الأميركية، بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفانفي هذا الاتجاه.. ويبدو وبحسب الصحف العبرية أن الاتصالات بين إسرائيل وموريتانيا متقدمة جدا، وأن الخارجية الإسرائيلية طلبت من ألمانيا أن تستخدم علاقاتها من أجل دفع اتصالات بين إسرائيل وموريتانيا والنيجر.

ويبدو أن جسور التواصل مع الصومال متقدمة أيضا بعد أن عبر الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، عن اهتمامه بعلاقات مع إسرائيل... واهتمام إسرائيلي بالصومال مرده موقعها الاستراتيجي بين خليج عدن والمحيط الهندي ومدخل البحر الأحمر...

المسألة الأكثر غرابة وإثارة للتساؤلات تتعلق باندونيسيا التي تبحث فيها إسرائيل عن منفذ لتطبيع العلاقات تتجاوز إطار التجارة والتكنولوجيا والسياحة إلى التطبيع السياسي والاعتراف المتبادل..، والى هنا يبدو وان

نتائج هذه الاتصالات مع الدول الأربع ستتضح أكثر خلال الأسابيع القليلة القادمة وتحديدا بعد رمضان... ولكن ليس من الواضح ما إذا يمكن أن يؤثر التصعيد الميداني الحاصل على عملية التطبيع أم أن جرائم الاحتلال يمكن أن تقف سدا دون عبور قطار التطبيع إلى هذه الدول الأربع ...

اسيا العتروس