إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تقاطعت حوله المعارضة والسلطة والهياكل والمنظمات .. الشارع "الملجأ" لحسم موازين القوى

تونس – الصباح
من المفارقات التي ميزت الحقبة السياسية في تونس ما بعد 2011 وتكرست بشكل لافت في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021، باعتبارهما محطتين فارقتين في تاريخ تونس، اللجوء للشارع بين الفينة والأخرى والمراهنة على هذا العامل لعدة أسباب ودوافع بعنوان الاحتجاج أو التحرك. والأمر لم يكن حكرا على القوى المعارضة أو مكونات الطبقة السياسية دون سواها بل تحول الشارع إلى ملاذ للسلطة والمعارضة والمنظمات والهياكل القطاعية والمدنية على حد السواء، كلما انسدت الآفاق وعَظُمَت "الأزمة". لتقتحم هذه "الأجسام" و"القوى" و"التنظيمات" هذا الفضاء الرحب، الذي يعد ملاذا للطبقات الشعبية للتحرك والاحتجاج والتعبير عن مطالبها وبث تطلعاتها، وليس الهدف من ذلك مشاركتها هواجسها ومشاغلها وإنما للاستنجاد بدعمها وطمعا في مساندتها في أغلب الأحيان.
ولئن يرحب البعض بمثل هذه "النواميس" وينزّلها في خانة السنن والممارسات الصحية في تونس الجديدة على اعتبار أنها تجسيدا للديمقراطية ومثالا حيا يؤكد مدى توفر مناخ الحريات لدى هذه الأنظمة لاسيما أن الدستور التونسي في نسخه المختلفة ينص على ذلك ويحفظ هذا الحق لكل التونسيين في التظاهر، فإن قراءة الوضع والمسألة اليوم تختلف لعدة اعتبارات لعل أبرزها اختلاف السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من ناحية والدوافع والعوامل والأهداف التي تكمن وراء مثل هذه التحركات والتظاهر والاحتجاج.
وبات واضحا لدى الجميع أن مراهنة كل جهة على الشارع تحت أي عنوان كان، يعد تحركا فيه مغازلة صريحة للطبقات الشعبية ودعوة للاستقراء بها لأن الصراعات هي المحركات الأساسية لمثل هذه المناسبات. وذلك في محاولة لاستنهاض همم الشعب واستدراجه إلى صفوفها في الصراعات القائمة تحت عناوين وشعارات مختلفة ومتعددة، بحثا عن الشرعية الشعبية من ناحية واستعراضا للقوى من ناحية أخرى.
يأتي ذلك في الوقت الذي تنتظر الطبقات الشعبية تنظيم مثل هذه التحركات والوقفات الاحتجاجية للدفاع عن مطالبه المشروع وحقوقه المفقودة وانتظاراته العالقة والتي تصب كلها في خانة الدفاع عن حق هذه الطبقات الفقيرة والمهمشة والعاطلة عن العمل في الحياة والعيش الكريم،إذ لم يتحقق شيء من هذا القبيل.
لتنقلب بذلك المقاييس وتتحول المعادلة، بعد أن أصبحت القوى السياسية المتنفذة منها أو الفاعلة في مواقع القرار والحكم أو خارجها في المعارضة هي من تبادر إلى اللجوء إلى الشارع وتستنجد بالقوى الشعبية لتكون حزاما لها، وهو تقريبا ما تجسد في العشرية الماضية. ليتكرر "السيناريو" نفسه تقريبا في السنوات الأخيرة، رغم تردي الوضع في تونس خاصة بعد التأثير السلبي الواسع لتداعيات الأزمة الصحي "كوفيد 19"، وتراكم مخلفات المنظومة الحاكمة في فترة ما بعد الثورة بعد إغراق المالية العمومية بالديون وتفشي الفساد الذي نخر مؤسسات الدولة إضافة إلى نهب ثرواتها، وفق ما تؤكده عديد الجهات الرسمية من بينها تقارير البنك المركزي والملفات المطروحة على أنظار القضاء.
ولم يخرج التحرك الذي نظمه الاتحاد العام التونسي للشغل يوم أمس في الساحة الرمز وسط العاصمة عن بقية التحركات المبنية على السياقات السياسية والاجتماعية التي ميزت نفس الحقبة. والأمر نفسه تقريبا بالنسبة للتحركات الاحتجاجية الأخرى التي دعت لها حركة النهضة اليوم أو غيرها من الأحزاب المعارضة لمسار ما بعد 25 جويلية وسياسة رئيس الجمهورية قيس سعيد في إدارة دواليب الدولة. خاصة أن هذا الأخير، أي سعيد، يواصل رفضه الرضوخ للمطالب المرفوعة ورفع "الفيتو" تجاه مشاركة مكونات المشهد السياسي وبقية المنظمات الوطنية، الحوار ومخرجات القرار في هذه المرحلة الاستثنائية، لترتفع حدة الاحتقان في أوساط معارضيه بالأساس بعد دخول السلطة التنفيذية في تنفيذ وتفعيل ما هددت ولوحت به في عديد المناسبات السابقة والمتمثلة في المحاسبة باعتبارها أحد أبرز مطالب 25 جويلية 2021. لتعود بذلك هذه التحركات في وسط العاصمة وتحديدا في شارع الحبيب بورقيبة بعد الهبة الجماعية للقوى السياسية المعارضة بجميع أطيافها إلى نفس المكان يوم 14 جانفي الماضي، في محاولة أخرى للاستثمار في "الشارع" لاسيما أن ذلك المكان الرمز اعتاد على استقطاب أعداد كبيرة من التونسيين للاحتفال بالذكرى السنوية لسقوط نظام الراحل زين العابدين بن علي. إذ تجمع عديد القراءات على أنها شائكة وعصيبة وصعبة على أكثر من صعيد.
 ويذكر أن اللجوء إلى الشارع وتحديدا بعض الأماكن والفضاءات الرمز في تونس ما بعد 2011 لم تكن للتظاهر والتحرك في تونس، اليوم لم تكن مسألة تقتصر على القوى السياسية والمنظمات المعارضة للمسار الإصلاحي الذي يقوده رئيس الجمهورية، بل انخرط فيها أيضا قيس سعيد وأنصاره على غرار ما تم يوم 13 جانفي الماضي بعد الجولة التي قام بها وسط نفس الشارع. وهو ما أثار ردود أفعال وقراءات عديدة خاصة أن رئيس الجمهورية له صلاحيات كل السلطات ولا يحتاج إلى مثل تلك المبارزات في الشارع لتحديد موازين القوى.
ولعل في تباين القراءات وردود الأفعال الاستنكارية تجاه الدعوات لمثل هذه التحركات في الشارع التونسي وحالة الاحتقان والاستنكار والرفض الواسعة لها من قبل فئات أخرى من المواطنين يعود بالأساس إلى انتفاء الصبغة التضامنية والحقوقية والإنسانية والاجتماعية للجهات الداعية لها، سواء تعلق الأمر بالأحزاب والقوى السياسية أو المنظمات الوطنية أو غيرها من الهياكل القطاعية، مع مطالب القواعد الشعبية وانتظاراتها لواقع وأوضاع اقتصادية واجتماعية أفضل خاصة أمام غلاء الأسعار وتوسع دوائر البطالة والفقر وتردي الخدمات في التعليم والنقل والصحة وتفاقم المشاكل السياسية. مما ساهم في تعميق الهوة بين الطبقات السياسية والمنظمات الوطنية والهياكل القطاعية والمدنية من ناحية وبين الطبقات الشعبية التي ترنو وتبحث عن الحياة والعيش الكريم بعيدا عن هوس السياسة والسلطة والسياسيين.
 
نزيهة الغضباني
 
 
 
 
 
 
 تقاطعت حوله المعارضة والسلطة والهياكل والمنظمات .. الشارع "الملجأ" لحسم موازين القوى
تونس – الصباح
من المفارقات التي ميزت الحقبة السياسية في تونس ما بعد 2011 وتكرست بشكل لافت في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021، باعتبارهما محطتين فارقتين في تاريخ تونس، اللجوء للشارع بين الفينة والأخرى والمراهنة على هذا العامل لعدة أسباب ودوافع بعنوان الاحتجاج أو التحرك. والأمر لم يكن حكرا على القوى المعارضة أو مكونات الطبقة السياسية دون سواها بل تحول الشارع إلى ملاذ للسلطة والمعارضة والمنظمات والهياكل القطاعية والمدنية على حد السواء، كلما انسدت الآفاق وعَظُمَت "الأزمة". لتقتحم هذه "الأجسام" و"القوى" و"التنظيمات" هذا الفضاء الرحب، الذي يعد ملاذا للطبقات الشعبية للتحرك والاحتجاج والتعبير عن مطالبها وبث تطلعاتها، وليس الهدف من ذلك مشاركتها هواجسها ومشاغلها وإنما للاستنجاد بدعمها وطمعا في مساندتها في أغلب الأحيان.
ولئن يرحب البعض بمثل هذه "النواميس" وينزّلها في خانة السنن والممارسات الصحية في تونس الجديدة على اعتبار أنها تجسيدا للديمقراطية ومثالا حيا يؤكد مدى توفر مناخ الحريات لدى هذه الأنظمة لاسيما أن الدستور التونسي في نسخه المختلفة ينص على ذلك ويحفظ هذا الحق لكل التونسيين في التظاهر، فإن قراءة الوضع والمسألة اليوم تختلف لعدة اعتبارات لعل أبرزها اختلاف السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من ناحية والدوافع والعوامل والأهداف التي تكمن وراء مثل هذه التحركات والتظاهر والاحتجاج.
وبات واضحا لدى الجميع أن مراهنة كل جهة على الشارع تحت أي عنوان كان، يعد تحركا فيه مغازلة صريحة للطبقات الشعبية ودعوة للاستقراء بها لأن الصراعات هي المحركات الأساسية لمثل هذه المناسبات. وذلك في محاولة لاستنهاض همم الشعب واستدراجه إلى صفوفها في الصراعات القائمة تحت عناوين وشعارات مختلفة ومتعددة، بحثا عن الشرعية الشعبية من ناحية واستعراضا للقوى من ناحية أخرى.
يأتي ذلك في الوقت الذي تنتظر الطبقات الشعبية تنظيم مثل هذه التحركات والوقفات الاحتجاجية للدفاع عن مطالبه المشروع وحقوقه المفقودة وانتظاراته العالقة والتي تصب كلها في خانة الدفاع عن حق هذه الطبقات الفقيرة والمهمشة والعاطلة عن العمل في الحياة والعيش الكريم،إذ لم يتحقق شيء من هذا القبيل.
لتنقلب بذلك المقاييس وتتحول المعادلة، بعد أن أصبحت القوى السياسية المتنفذة منها أو الفاعلة في مواقع القرار والحكم أو خارجها في المعارضة هي من تبادر إلى اللجوء إلى الشارع وتستنجد بالقوى الشعبية لتكون حزاما لها، وهو تقريبا ما تجسد في العشرية الماضية. ليتكرر "السيناريو" نفسه تقريبا في السنوات الأخيرة، رغم تردي الوضع في تونس خاصة بعد التأثير السلبي الواسع لتداعيات الأزمة الصحي "كوفيد 19"، وتراكم مخلفات المنظومة الحاكمة في فترة ما بعد الثورة بعد إغراق المالية العمومية بالديون وتفشي الفساد الذي نخر مؤسسات الدولة إضافة إلى نهب ثرواتها، وفق ما تؤكده عديد الجهات الرسمية من بينها تقارير البنك المركزي والملفات المطروحة على أنظار القضاء.
ولم يخرج التحرك الذي نظمه الاتحاد العام التونسي للشغل يوم أمس في الساحة الرمز وسط العاصمة عن بقية التحركات المبنية على السياقات السياسية والاجتماعية التي ميزت نفس الحقبة. والأمر نفسه تقريبا بالنسبة للتحركات الاحتجاجية الأخرى التي دعت لها حركة النهضة اليوم أو غيرها من الأحزاب المعارضة لمسار ما بعد 25 جويلية وسياسة رئيس الجمهورية قيس سعيد في إدارة دواليب الدولة. خاصة أن هذا الأخير، أي سعيد، يواصل رفضه الرضوخ للمطالب المرفوعة ورفع "الفيتو" تجاه مشاركة مكونات المشهد السياسي وبقية المنظمات الوطنية، الحوار ومخرجات القرار في هذه المرحلة الاستثنائية، لترتفع حدة الاحتقان في أوساط معارضيه بالأساس بعد دخول السلطة التنفيذية في تنفيذ وتفعيل ما هددت ولوحت به في عديد المناسبات السابقة والمتمثلة في المحاسبة باعتبارها أحد أبرز مطالب 25 جويلية 2021. لتعود بذلك هذه التحركات في وسط العاصمة وتحديدا في شارع الحبيب بورقيبة بعد الهبة الجماعية للقوى السياسية المعارضة بجميع أطيافها إلى نفس المكان يوم 14 جانفي الماضي، في محاولة أخرى للاستثمار في "الشارع" لاسيما أن ذلك المكان الرمز اعتاد على استقطاب أعداد كبيرة من التونسيين للاحتفال بالذكرى السنوية لسقوط نظام الراحل زين العابدين بن علي. إذ تجمع عديد القراءات على أنها شائكة وعصيبة وصعبة على أكثر من صعيد.
 ويذكر أن اللجوء إلى الشارع وتحديدا بعض الأماكن والفضاءات الرمز في تونس ما بعد 2011 لم تكن للتظاهر والتحرك في تونس، اليوم لم تكن مسألة تقتصر على القوى السياسية والمنظمات المعارضة للمسار الإصلاحي الذي يقوده رئيس الجمهورية، بل انخرط فيها أيضا قيس سعيد وأنصاره على غرار ما تم يوم 13 جانفي الماضي بعد الجولة التي قام بها وسط نفس الشارع. وهو ما أثار ردود أفعال وقراءات عديدة خاصة أن رئيس الجمهورية له صلاحيات كل السلطات ولا يحتاج إلى مثل تلك المبارزات في الشارع لتحديد موازين القوى.
ولعل في تباين القراءات وردود الأفعال الاستنكارية تجاه الدعوات لمثل هذه التحركات في الشارع التونسي وحالة الاحتقان والاستنكار والرفض الواسعة لها من قبل فئات أخرى من المواطنين يعود بالأساس إلى انتفاء الصبغة التضامنية والحقوقية والإنسانية والاجتماعية للجهات الداعية لها، سواء تعلق الأمر بالأحزاب والقوى السياسية أو المنظمات الوطنية أو غيرها من الهياكل القطاعية، مع مطالب القواعد الشعبية وانتظاراتها لواقع وأوضاع اقتصادية واجتماعية أفضل خاصة أمام غلاء الأسعار وتوسع دوائر البطالة والفقر وتردي الخدمات في التعليم والنقل والصحة وتفاقم المشاكل السياسية. مما ساهم في تعميق الهوة بين الطبقات السياسية والمنظمات الوطنية والهياكل القطاعية والمدنية من ناحية وبين الطبقات الشعبية التي ترنو وتبحث عن الحياة والعيش الكريم بعيدا عن هوس السياسة والسلطة والسياسيين.
 
نزيهة الغضباني