بقلم : رشيــــــــــــد الذوادي
*في ظلال هذا المشهد قد تثار قضايا شائكة .. ويكون للنص التاريخي وللحكي أيضا، دور مهم وشهادات عن العصور.
في البداية أقول :
مصر مازالت منارة للفكر والإبداع !.. وأنشطة ثقافية وإقبال جماهيري ملحوظ .. وصلاح جاهين يتصدر المشهد.. المملكة الأردنية الهاشمية ضيف شرف على المعرض في دورته الرابعة والخمسين.. والمعرض شهد تدشين مشروع مكتبة الأسرة الرقمية.
وفي ندوة أدبية عن أدب الطفل تحمل اسم كامل كيلاني ؛ تحدث نجله أمين كامل كيلاني عن والده قائلا : كان والدي يحلم دائما أن يصبح اديبا للأطفال ؛ حيث كان يحاول أن يزرع حبّ اللغة العربية في قلوب أطفال العرب ؛ لأنه أحبّ لغة العرب بصدق ودافع عنها مرارا في كتاباته في صحيفة الأهرام).
"جمال عبد الناصر .. سيرة حياة"، كتاب جديد عن الزعيم في 300 صفحة للدكتورة هدى عبد الناصر ابنة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .. علما وأنها أمضت 25 عاما الأخيرة تجمع تراث والدها، وتوثق تفاصيل حياته وخلفيات مواقفه وقراراته. حسب ما ذكره لي الصديق محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر الأسبق.
وفي أجواء هذا المعرض وفي إحدى أماسيه الأدبية الشائقة أدار الدكتور خالد عاشور ندوة أدبية حضرها سعادة سفير تونس في مصر الأستاذ محمد بن يوسف والدكتور أحمد بهي الدين رئيس الهيئة العامة للكتاب .. وفيها تحدثت عن كتابي الجديد الصادر أخيرا في تونس والحامل لعنوان : "تونس .. ومصر في أصداء الأيام! ..".
وقد استهل خالد عاشور حديثه بقوله : ما أصعب أن يتحدث الإنسان عن مصر، وتحديدا عن القاهرة) ودورها في حركة التنوير والنضال العربي.. فالقاهرة كمركز فكري في المشرق ؛ توحي دوما بملاحم النضال وبالتاريخ الممتد، وبالمسافات الفاصلة بين الأجيال، وبكل ما ينجز حاليا من إضافات ومنابر شامخة تسمح لمن يشاهدها ليقول : إن القاهرة بلد الشموخ العربي، والموطن العجيب ؛ الذي اصطفاه القائد جوهر الصقلي) القادم من إفريقية ومن المهدية تحديدا ؛ ليكون موطنا لريادة أجيال تعاقبت، وتميزت بالذكاء والدفء ؛ فكان إنشاء مدن هامة، ومصانع، ومآذن، وشوارع، وأمكنة تاريخية ذات مجد تليد !..
والحديث عن القاهرة المعزية ؛ هو حديث شائق وفسيح، ويوحي بالتنويه برجالات وبقدرات فائقة. وبالقصور الشامخة والسقوف ؛ التي تزينت بالنقوش الذهبية الجميلة، والألوان البديعية، وبالنافورات الرخامية، والطيور ذات الأصوات الجميلة، والريش البديع، وبـخان الخليلي ؛ الذي تتصدر شهرته الآن قائمة الأماكن المفضلة لزوار القاهرة من شتى بقاع العالم، وأضيف له في الأعوام الأخيرة مقهى رائق يحمل اسم الأديب العالمي الكبير نجيب محفوظ ؛ الذي أطلق اسم الخان.. على واحدة من أهم رواياته.
والقاهرة العزيزة على الجميع – وإذا ما أردنا الحديث عنها - أقول : هي مدينة الريادة في الفن والأدب، وكل ما يرى فيها يوحي بعبقرية الأجيال .. ومن هذه الأنشطة هذه الأمسيات الأدبية ؛ التي تقام الآن في معرض الكتاب في دورته الرابعة والخمسين .. وما حضورنا فيه؛ إلا دليلا واضحا على عمق الصداقة والإخاء بين بلدين شقيقين هما تونس ومصر والذي قيل عنهما منذ القدم : هما شعب واحد .. وعاشا على الودّ والصفاء !.. وكلما انطلق الفرح في مدائن وادي النيل !.. انطلق الهتاف في مدائن وادي مجردة !..
بالنسبة لكتاب "تونس .. ومصر في أصداء الأيام !.." أقول : تثير فينا الحياة ما ظلّ دائما كبيرا في أعيينا، وفي عيون الآخرين !.. والحياة) بوصفها حدثا في الأزمان ؛ لم تتوقف قط أمام عقال الكلمات !.. فقد كرمها العشب، والحجر، والبحر، والقلم، والشعر ؛ لتكون دوما تسخو بالمتعة، وتثير الجدل في تشبيك العلاقات على أسس التحشيد وإدماج قوة الناس ببعضها ؛ ولكي تبقى خير شاهد على العصور الممتدة.
وهنا أأكّد .. أن الشعر جعل منها متحفا لأصدائه، ومن زخمه تناثرت الذكريات، وكانت الأشواق والهموم، والمعاني الخالدات.. وعن كل ما بقي فينا بعد الذكرى والشهادة ؛ ممّا غمر الزرع، وأنبت البذار الصالحة العائدة إلى الأرض .. وكان هذا تمشيا صائبا على خطى قادة فكر أجلاء صانوا المبادئ، وألهموا الأجيال من شباب العالم .. ومن هؤلاء كان بابلو نيرودا القائل : "ومن الموت نولد من جديد !.."
وفي ظل هذه السياقات : حدث ما حدث .. وكان ما جرى .. ولذا فلا غرو إذا ما رأينا ناظم حكمت يقول في حكمه : "نحن نمضي ؛ لكننا لا نموت !.." .. فتلكم هي قصة الحياة في ألوانها وأسرارها وخفاياها، وفيما قرأناه عنها وعرفناه.. هي ماضية بالإنسان في دفاترها، وفيما يحفل به المتن في سياقاته وإيحاءاته. وفي توظيف ما يتحرك فيه الفكر الواعي؛ لكي ندرك الحدّ الفاصل بين الكتابة الجادة ومسلتزمات حدودها، ولنستمتع أيضا بما نقرؤه في شتى مضامين المعرفة ؛ لنستعدّ ولنأخذ المواقف الجدية ضد من مثلوا لنا ثنائيات ضدية أو مسعى إلى تأسيس ممارسات نقدية هدفها إقلاق راحة الثابت أو إحداث جدار من الصمت.
وفي ظلال هذا المشهد قد تثار قضايا شائكة .. ويكون للنص التاريخي وللحكي أيضا، دور مهم وشهادات عن العصور. في كل ما جرى ؛ بوصفهما يفتحان لك العالم ؛ لتحيا فيه على مستوى دقة الملاحظة والحكمة ؛ .. ولذا يتاح لي أن أقول عن الحياة وأطوارها : هي قصة لم تكتمل بعد ؛ وماضية بنا مع حركة الفعل وطروحاته.. ، وأن الكتاب العرب ونقادهم تركوا لنا زادا معرفيا وقضايا، وأماني غاليات في هذا الشأن مازلنا إلى الآن نعتز بها ؛ لنؤكد حضورنا في المشهد الإنساني وفي محافل الفكر التواق الى ما هو أفضل.. ونحن كعرب كنّا موفقين في التوثيق، وفي العبور من الذات القلقة إلى الصفحات المنسية عن جهاد النخب الفكرية ودورها في تنشئة الأجيال ومناصرة الرجال الأوفياء لأوطانهم.
فهكذا كنّا وأمسينا.. ومضينا .. مع ما جدّ من أحداث في بلدين شقيقين عاشا على المودة والصدق وهما تونس بلد آبن خلدون.. والشابي، ومصر بلد طه حسين، وعباس محمود العقاد، ونجيب محفوظ وآخرين !..
اعتبارا لخاصيات الكتابة نوهت قائلا عن الأقلام :.. فنحن إذا ما عشنا دوما مع الأقلام والكتب ؛ فلكونهما آلية في الزاد المعرفي والمبادئ والنظريات . . ولذا كان فرضا مقضيا علينا ؛ أن نفتخر بأقلام الأمة العربية وبتراثها الأصيل ؛ الذي صانته الكتب وكتبته الأقلام في سائر ألوان المعارف، وأن نستفيد من وصايا الحرف والكلمة ومن الكتاب تحديدا ؛ بوصفه جسرا للتواصل.. وإليه تتجه أجيالنا إلى دراسة التراث وتقييم أنساقه ومشاربه .. وحتى إلى الطروحات الفكرية المستفادة من الكتب والتي تصطرع فيها المبادئ المتينة والنظريات المختلفة ؛ لكي نمشي نحو ماهو مفيد وناجع في حياتنا، ولنكون أوفياء لتراث الأجداد وللرجال ؛ الذين خدموا الأمة بحق واقتدار أمثال ابن رشد، والغزالي، والتوحيدي، وابن خلدون في القديم .. وفي العصر الحديث كان منهم ساطع الحصري، وطه حسين، وعباس محمود العقاد، والشابي، وعلي البلهوان، والطاهر الحداد، ومحمد الفاضل آبن عاشور ومحمود درويش، والبشير بن سلامة، وتوفيق بكار، وجابر عصفور، وهشام جعيط، وجميلة الماجري، وأبو القاسم محمد كرو، وعز الدين المدني، والدكتور الحبيب الجنحاني..
إذن.. فنحن دوما في طور المساءلة.. وتحتم علينا أن نقرأ ؛ لنرى في نتاجات هؤلاء ؛ المتعة في الكتابة وفي إدراك التعلق بالمثل ؛ إضافة إلى الحرص على أداء المسؤولية، وتصنيف ما يؤخذ بعين الاعتبار في تطوير المعرفة والمعيار السوسيولوجي الاجتماعي في واقع قد يكون أحيانا متقلبا ؛ لكنه يدعو
إلى التخلص من الوهن العقلي..
وفي الكتاب تتعرفون على أوضاع البلدين، وتستوعبون مضامين هادفة يرقى بها الذوق والعقل.. والكاتب ترونه من خلال النصوص، وفي تجليات سردياته حازما في نقل الوقائع وتحليل الأحداث المثيرة للجدل، وتجدونه أيضا متقصيا أسرار عشقه للبلدين .. ورؤيته ؛ هي فاحصة لمطالب أجيال الغدّ، وتوقه كان دوما ملحا في التعريف بنضالات الأدباء والسياسيين؛ الذين استنارت الأجيال بفكرهم.
وفي الكتاب ؛ ترون صورا من التشويق والتنويه بالآثار الإسلامية في أشكال العمارة الفاطمية المتواجدة في كل من المهدية والقاهرة المعزية، وإحالات إلى أيام المجد التليد ؛ التي يفاخر بها العرب حينما آرتبط الفكر التونسي بفكر جديد وارد عليه من الأزهر الشريف.. وهنا كان ارتباط فكر بفكر، وإسهامات أعلام كبار من الذين تخرجوا من الزيتونة والأزهر.. للطرفين فكانت الاستفادة ونمو المودة.
وفي اضاءات سريعة عن الكتاب أقول : وفي فصوله تجدون ما ينوه بأصالة الشعبين على امتداد التاريخ الواسع، وعن ما عزز جوانب الودّ والصداقة المتينة.. فالأرض هي الأرض.. والمبادئ هي .. هي ولا تتجزأ، ولم تمت بمضي الأزمان.. بل بقيت صامدة في وجدان الشجعان وفي أقلام الأدباء الطيبين.
