"في الخارج لو كان لديك حق ستأخذه، أما هنا فحق ولد البلاد مهدور" كلمات حفزت الآلاف من الشباب على الهجرة وصورت لهم "الخارج" على أنه الجنة الموعودة التي لا يظلم فيها أحد ولا يقهر الشيء الذي يفتح شهيتهم ويغريهم بالعيش في تلك البلدان وترك أوطانهم بحثا عن إمكانيات وفرص عمل عجزت بلدانهم عن توفيرها.
ومع ذلك فإن أغلب الذين هاجروا من أوطانهم لم يكن حبا في الهجرة ولكن هربا من الوضع البائس الذي عاشوه في بلدانهم الأصلية فتجدهم ينتظرون يوم الرحيل مدججين بأحلام علها تتحقق في غير أوطانهم.
وفي زمن ليس بالبعيد كانت أقصى أحلام الفتيات لقاء فارس الأحلام وتأسيس عائلة وعادة ما يكون فارس الأحلام من الأقرباء أو المحيطين ولكن اليوم تحول الزواج في برنامج الكثيرات الى محطة اخيرة تسبقها رحلة طويلة لتحقيق الطموحات والعمل والراتب المحترم والسيارة وغيرها من الاهداف الشخصية التي أصبحت تراود أي فتاة منذ الصغر وحتى وان فكرت في الزواج فتجدها تحلم بزوج "يطير" بها من موطنها الى بلد اخر علها تحقق فيه احلامها.
حلم الهجرة لا يراود الفتيات فقط وانما هو حلم مشترك بينهن والشبان الشبان والكهول وكل الشرائح العمرية والفئات الاجتماعية فالكل يبحث عن منفذ لـ"الهرب" من واقع مر ولكن ليس كل "الهاربين" يجدون ضالتهم في غير بلدانهم فعدد كبير منهم تحطمت أحلامهم بعد وصولهم بوقت قصير وكانت نهاياتهم مأساوية وغير متوقعة وانتهت رحلة أحلامهم الوردية نهايات دموية وقتلوا اما على يد الشريك أو "المافيا" او في ظروف غامضة لتبقى أرواحهم عالقة تبحث عن العدالة وكأن رحلتهم بين الموت والحياة تأبى الاستقرار والسكينة..
"الصباح" سلطت الضوء من خلال الملف التالي على المهاجرين الذين فارقوا الحياة في المهجر وبعضهم قضوا نحبهم نتيجة جرائم ظلت غامضة الى اليوم كما تطرقت الى عدد المهاجرين التونسيين في مختلف بلدان العالم ومهنهم والفئات العمرية التي خيرت مغادرة الوطن..
إعداد :مفيدة القيزاني
أخبار تكاد تتناقلها يوميا وسائل إعلام اجنبية حول ملابسات وفاة مهاجر او مهاجرة تونسية "مقتولا" وآخرها خبر تداولته وسائل اعلام بلجيكية
يتحدث عن وفاة مهاجرة تونسية تبلغ من العمر 46 عاما داخل مركز للشرطة بالعاصمة البلجيكية بروكسل، وقد رجحت بعض المصادر ان الوفاة كانت نتيجة انتحار وهو ما رفضته عائلة ومحامية الفقيدة بشدة بخصوص رواية الانتحار التي ادعتها السلطات البلجيكية وتداولتها بعض وسائل الإعلام المحلية.
والمرأة تدعى "سرور" وهي أم لشاب يبلغ من العمر 19 عاما، وتعمل في القطاع التطوعي، كانت قد اعتقلت قبل ساعات قليلة قبل وفاتها، وقامت الشرطة بنقلها إلى السجن قبل أن تقوم بالانتحار هناك ولم تكشف المصادر عن السبب وراء اعتقال الضحية.
وبحسب رواية السلطات للعائلة، فإن الضحية انتحرت بخنق نفسها بواسطة القميص الذي كانت ترتديه.
لكن "سلمى خليفة" محامية عائلة الضحية، شددت على رفض هذه الرواية قائلة في هذا الصدد إن "الأسرة لا تؤمن إطلاقا بفرضية الانتحار، قيل لهم إنها خنقت نفسها بسترتها وهذا مستحيل".
وقالت محامية الضحية إن صور ومقاطع كاميرات المراقبة هي التي ستكون العنصر الأساسي في معرفة ملابسات الوفاة.
وفي جانفي الماضي أثار رفض السلطات الإيطالية تسليم مهاجر تونسي قُتل بدافع عنصري موجة استنكار واسعة وتداولت صفحات اجتماعية فيديو لعائلة الضحية مروان سليمان بعدما قامت بإغلاق الطريق الرئيسية في ولاية سوسة بسبب رفض إيطاليا تسليم جثمان نجلها الذي قُتل بداية شهر جانفي المنقضي و"عدم تجاوب" السلطات التونسية مع الطلبات المتكررة للعائلة للمساعدة في استعادة جثمان مروان والتحقيق في حادثة مقتله.
وقال النائب السابق والناشط المختص بقضايا الهجرة، مجدي الكرباعي، "المهاجر مروان سليمان تم تعنيفه بشدة من قبل ثلاثة أشخاص لمجرد أنه قام بتهنئة فتاة كانت تحتفل بعيد ميلادها في أحد مراكز الترفيه، وهو ما تسبب بوفاته، وللأسف، ليس هناك أي معلومات عن ترحيل الجثمان منذ مقتل الضحية لحد الآن".
كما أشار الكرباعي إلى غياب الممثلين الدبلوماسيين التونسيين في إيطاليا، قائلا "منذ ستة أشهر ليس لدينا سفير في إيطاليا، ومنذ أكثر من سنة ليس لدينا قناصل في كل من روما وميلانو وباليرمو ونابولي، مع العلم أن إيطاليا الشريك الأول اقتصاديا لتونس ولكن لا توجد فيها تمثيليات دبلوماسية، وهذا شيء مخجل، سواء من ناحية سيادة الدولة أو من الناحية الاقتصادية، فضلا عن أن مصالح التونسيين معطلة، وخاصة أن هناك نسبة كبيرة من المهاجرين النظاميين والسريين يدخلون إلى إيطاليا بشكل دوري، كما أن نسبة المشاكل الاجتماعية التي يتعرض لها المهاجرون هناك كبيرة جدا، حيث لا توجد إحاطة أو متابعة من قبل السلطات التونسية لهؤلاء المهاجرين، وهذا ما تؤكده وفاة الشاب مروان جراء حادثة عنصرية، وعدم تحرك السلطات التونسية لتعيين محامٍ من أجل الدفاع عن حق العائلة في معرفة الحقيقة، وكذلك معاقبة مرتكبي هذه الجريمة.
شبهة تعذيب..
الشاب التونسي وسام عبد اللطيف توفي وحامت حول وفاته شبهة تعذيب من قبل الشرطة الإيطالية في أحد مراكز الحجز والترحيل.
وقد اعتبرت عائلة الشاب وسام عبد اللطيف أن وفاة ابنها غير طبيعية مطالبة السلطات الإيطالية بمعرفة الحقيقة والعدالة في هذا الملف.
وقد دُفن وسام عبد اللطيف في مسقط رأسه بمدينة قبلي بعد شهر من تاريخ وفاته، إثر استكمال التحقيقات في أسباب الوفاة التي انتهت وفق السلطات الإيطالية إلى الإقرار بأنها كانت وفاة عادية نتيجة سكتة قلبية.
فيما أكد كل من: محامون بلا حدود والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للدفاع عن الحقوق الفردية في ندوة صحفية أن المهاجرين التونسيين في مراكز الحجز والترحيل في إيطاليا يقيمون في ظروف كارثية وغير إنسانية ومنتهكة لجميع الحقوق والكرامة البشرية.
كما أنّ عائلة الفقيد لم تقتنع بنتائج التحقيق، وأكدت أنّ ابنها توفي في ظروف مشبوهة بسبب سوء المعاملة بمركز الترحيل في "بونتي جاليريا" بمدينة روما، معتبرة أن ابنها لم يمت بطريقة عادية، بل تعرّض للتنكيل وسوء المعاملة والتمييز على أساس جنسيته التونسية، خلافاً لبقية الجنسيات التي هاجرت بطريقة سرية.
وفاة أم تونسية داخل شقتها في ألمانيا واعتقال زوجها..
في قضية يشتبه الادعاء العام في أنها قد تكون مرتبطة بالعنف المنزلي، توفيت امرأة تونسية تدعى "حنان" في مدينة أويسكيرشن الألمانية متأثرة بجراحها إثر شجار مع زوجها.
وقد أثارت الواقعة جدلا حول ارتفاع حالات العنف المنزلي في ألمانيا.
وتشير المعطيات ان المرأة لفظت انفاسها في مدينة أويسكرشن القريبة من مدينة بون غربي ألمانيا، بعد "خصام مع زوجها".
والضحية تبلغ من العمر 25 سنة وتنحدر من مدينة سيدي بوزيد وخلّفت الضحية وراءها ابناً يبلغ من العمر سنتين.
كما لقي مهاجر تونسي حتفه بعد حادث مرور قاتل بمدينة ألتامورا الواقعة في جنوب ايطاليا في مقاطعة باري.
والفقيد عامل ليلي أصيل منطقة اولاد فرج الله من معتمدية بوحجلة ولاية القيروان ويبلغ من العمر 49 عاما، و تفيد بعض المعطيات حول الحادث أن الهالك كان يسير مترجلا في اتجاه محطة للنقل عندما داهمته سيارة من الخلف كانت تسير بسرعة فائقة وصدمته بقوة ممّا أدّى الى اصابته بجروح بالغة الخطورة.
وقد وقع التفطن له من قبل بعض أصحاب المحلات بعد وقت وجيز من الحادثة في حين فرّ سائق السيارة الى وجهة غير معلومة، ليقع نقله اثر ذلك الى المستشفى في محاولة لاسعافه، الا أنه فارق الحياة.
إصابة برصاصة..
وفي ذات السياق لقي مهاجر تونسي غير نظامي حتفه بعد إصابته برصاصة عون امن ايطالي في احد المباني بمدينة ألبا أدرياتيكا في مقاطعة "تيرامو" في إقليم" أبروتسو" في جنوب إيطاليا.
وتفيد المعطيات المتوفرة عن جريمة الحال التي اهتز لها سكان المبنى والمهاجرون أن دورية أمنية تحولت للمبنى في إطار عملية أمنية متعلقة بالمخدرات فتسلح الضحية بسكين وحاول إصابة احد الأعوان وقبل أن تصل السكين إلى عون الامن كانت رصاصة احد عناصر الشرطة أسرع لتصيبه حيث لفظ أنفاسه متأثرا بالإصابة وذلك رغم تدخلات رجال الإنقاذ الذين تم الاستنجاد بهم مباشرة بعد حدوث الواقعة.
التونسي الضحية يدعى حكيم الهادي يبلغ من العمر 37 سنة نقلت جثته للتشريح بالمستشفى في "سانت أوميرو" لتحديد أسباب الوفاة والتي أكدت تقارير أمنية أولية أنها نتيجة طلق ناري من مسدس وفي إطار دفاع عن الأمن عن نفسه بعد أن هاجمه الضحية بالسكين.
كما بينت الصحافة الايطالية أن المداهمة أسفرت عن حجز كمية 300 غرام من الكوكايين مقسمة الى جرعات صالحة للاستهلاك وقد تولى زميل الضحية إلقائها من النافذة بعد التفطن لعملية المداهمة الأمنية للشقة.
وفي ذات السياق جدت في المانيا جريمة بشعة راحت ضحيتها مواطنة تونسية أصيلة مدينة بوسالم من ولاية جندوبة على يد زوجها التونسي الحامل للجنسية الألمانية.
ويُذكر أن مدينة ليمبورغ الألمانية شهدت جريمة بشعة راحت ضحيتها امرأة تونسية عمرها 31 عاما، وأم لطفلين حيث أقدم زوجها على دهسها بالسيارة وتكسير رأسها بأداة حادة على مرأى من المارّة.
نهاية مأساوية..
ومن النهايات المأساوية نهاية حياة شاب تونسي بطريقة صادمة حيث اهتزت مدينة سانت بريو الفرنسية يوم الأحد 22 جانفي 2023 على وقع جريمة نكراء تمثلت في إقدام مواطن تونسي يبلغ من العمر 24 عاما على قتل زوجته الفرنسية البالغة من العمر 22 عاما وابنهما البالغ من العمر 3 سنوات وحماته رميا بالرصاص، قبل أن ينتحر بالطريقة ذاتها.
وبحسب مواقع فرنسية ونقلا عن النتائج التي توصلت إليها التحقيقات فإن الجاني يدعى (ط.ن) يعمل فني كهرباء مقيم بفرنسا منذ سنة 2020 بطريقة قانونية، بعد أن عقد قرانه على المجني عليها بتونس في ظروف عادية سنة 2019 وكان قد تعرف إليها سنة 2016 عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وهو معروف لدى المصالح الأمنية الفرنسية التي راسلت نظيرتها التونسية لاستقاء مزيد المعلومات بشأنه، كان على أبواب الطلاق مع زوجته بعد أن باشرا الإجراءات منذ منتصف شهر ديسمبر الماضي.
القاتل تحول يوم الواقعة إلى منزل أصهاره متسلحا بمسدس صوب منه 7 طلقات نارية إحداها أصابت رأس زوجته، ولم ينج من هذه ''المجزرة'' المروعة سوى حماته وجدة زوجته اللتين كانتا بمسرح الجريمة ووصفت حالتيهما بالحرجة تبعا لإصابتها بالأعيرة النارية ما سبب لهما نزيفا حادا، وقد تم إخضاعهما لتدخل جراحي دقيق.
وقد فارق الشاب الحياة دون ان يعرف احد سبب اقدامه على ارتكاب هذه المجزرة في حق نفسه وحق عائلته.
566 ألف مهاجر تونسي من بينهم 388 ألف من الرجال و178 ألف من النساء
تعد تونس من البلدان الأوائل المصدرة للمهاجرين سواء بطريقة نظامية او بطريقة غير نظامية ووفق المرصد الوطني للهجرة فقد قدرت منظمة الهجرة الدولية عدد المهاجرين في العالم بـ281 مليون نسمة أي ما يعادل 3,6 بالمائة من سكان العالم سنة 2020.
وقد شهدت ظاهرة الهجرة، خلال العشريتين الأخيرتين، تطورا رغم تراجع نسق تدفق المهاجرين خلال السنوات الأخيرة جراء انتشار جائحة "كوفيد-19".
ولم تكن تونس بمنأى عن هذا المشهد، لا سيما منذ سنة 2011، حيث عرفت البلاد تدفقات هجرية مختلفة.
ولفهم ورصد ظاهرة الهجرة كان لابد من إيجاد معطيات ذات مصداقية وتشمل مختلف فئات المهاجرين ويعتبر "المسح الوطني للهجرة الدولية" الذي قام بإنجازه المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع المرصد الوطني للهجرة، بدعم من المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، المسح الأول من نوعه، ويهدف أساسا الى توفير بيانات ومؤشرات من شأنها دعم نظام المعلومات في مجال الهجرة ويكون بالتالي خطوة هامة وأساسية لإرساء حوكمة أكثر نجاعة في مجال الهجرة، فنتائج هذا المسح هي أداة قيمة لتحليل الظاهرة وصياغة السياسات ووضع استراتيجيات من أجل هجرة امنة، منظمة ونظامية.
وشمل "المسح الوطني للهجرة الدولية" ثلاث فئات من المهاجرين: المهاجر الحالي والمهاجر العائد والمقيم الأجنبي في تونس، بالإضافة الى المواطن التونسي المقيم الذي لم يسبق له الهجرة لمعرفة آرائه ونواياه فيما يخص الهجرة خارج تونس.
ويعتبر غير مهاجر، في إطار المسح الوطني للهجرة الدولية، كل شخص تونسي الجنسية مقيم بتونس بلغ من العمر 15 سنة فما فوق، وصرح بأنه لم يُقِم أكثر من ثلاثة أشهر في بلد بالخارج.
وقد أفضت النتائج الى أن قرابة خُمس غير المهاجرين صرح بأن له نية الهجرة خارج تونس وقد مكن المسح من تحديد خصائص هؤلاء، اذ أن من ينوي الهجرة هو غالبا شاب، عمره بين 15 و24 سنة، أعزب، متعلم وعاطل عن العمل، يقطن بإقليم تونس الكبرى، او بالوسط الشرقي او بالجنوب الشرقي للبلاد، ويُعتبر البحث عن شغل وإيجاد فرص للعيش الكريم من أهم دوافعه للهجرة.
الوجهات المفضلة..
وتبقى الدول الأوروبية، وبالأساس فرنسا، إيطاليا وألمانيا، الوجهة المفضلة لـقرابة سبعة أشخاص من عشرة لهم نية الهجرة وتبقى الهجرة حلما يراود البعض وحقيقة يسعى البعض الآخر لتحقيقها، حيث أن 14,3 بالمائة فقط من بين الذين عبروا عن نيتهم في مغادرة البلاد صرحوا بأنهم قاموا بخطوات فعلية لتحضير مشروع الهجرة.
المهاجرون الحاليون..
ووفق المرصد فإنه يعتبر مهاجرا حاليا كل شخص تونسي الجنسية بلغ من العمر 15 سنة فما فوق، كان قد أقام بتونس ويقيم حاليا في الخارج لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر.
واستنادا الى هذا التعريف، يقدر عدد المهاجرين التونسيين الحاليين بحوالي 566 ألف شخص (388 ألف من الرجال و178 ألف من النساء).
يُقيم ثلاثة ارباعهم بثلاث دول أوروبية: فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وأما عن مكان اقامتهم الأصلية بتونس فيتمركز ثلاثة أرباعهم بإقليم الشمال الشرقي وتونس الكبرى والوسط الشرقي وغادر نصف المهاجرين الحاليين تقريبا من أجل البحث عن عمل وتحسين دخلهم أما التجمع الأسري فكان السبب الرئيسي لمغادرة ثلثي المهاجرات.
الفئات العمرية..
ووفق المرصد فتتميز الهيكلة العمرية للمهاجرين الحاليين بغالبية نسبية لفئة الشباب، حيث أن أربعة مهاجرين من 10 تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، وتنطبق هذه الهيكلة على كلا الجنسين كما أن المهاجر الحالي يتمتع بمستوى تعليم أفضل مقارنة بالسكان المقيمين بتونس، حيث ان مهاجرا من ثلاثة له مستوى تعليم عالي، بينما تمثل نسبة المهاجرين من غير المتعلمين اقلية (3.3 بالمائة)، وقد عرفت هجرة ذوي المستوى التعليمي العالي تسارعا في نسقها خلال السنوات الأخيرة، فعلى سبيل الذكر، غادر 39000 مهندس و3300 طبيب البلاد بين 2015 و2020 من أجل فرص عمل بالخارج.
واثناء اجراء المسح، 55.5 بالمائة من المهاجرين الحاليين صرحوا انهم يزاولون نشاط مهني في بلد المهجر (68.1 بالمائة من بين رجال مقابل 28.2 بالمائة من بين النساء)، في حين كانت هذه النسبة قبل الجائحة تقدر بـ 63.4 بالمائة وهو ما يبرز الأثر السلبي للأزمة الصحية على نشاط التونسيين هناك. أما أهم القطاعات المشغلة للمهاجرين الحاليين فتتمثل أساسا في قطاع البناء (17 بالمائة) والايواء والمطاعم (13.7 بالمائة) والتجارة (8.7 بالمائة) ثم يأتي بعد ذلك قطاع الصناعة التحويلية (8.1 بالمائة) والفلاحة والصيد البحري (7 بالمائة)
فيما يخص الاستثمارات بتونس، صرح واحد على عشرة مهاجرين حاليين أنه قام باستثمار في تونس، وهي نسبة ترتفع بتقدم عمر المهاجر. وتتعلق هذه الاستثمارات أساسا بمجالات البناء والعقارات والفلاحة والتجارة، الا ان تنفيذ هذه المشاريع يواجه العديد من الصعوبات في تونس والمتمثلة، حسب تصريح المهاجرين، في الإجراءات الإدارية المعقدة ومحدودية رأس المال، والفساد والمحسوبية، فضلاً عن ضعف المساعدات المالية والحوافز الضريبية في تونس.
والجدير بالملاحظة، ان نصف المهاجرين الحاليين قاموا بالهجرة خلال العشريتين الأخيرتين وان البلدان الأوروبية تسجل أطول فترات إقامة للمهاجرين، وهي البلدان التقليدية لهجرة التونسيين في حين تسجل دول الخليج فترات إقامة أقل.
المهاجرون العائدون..
يعتبر مهاجرا عائدا، في إطار هذا المسح، كل شخص تونسي الجنسية، يقيم حاليا بتونس، اقام سابقا بالخارج لفترة ثلاثة أشهر فأكثر ويبلغ من العمر 15 سنة فما فوق عند عودته الى تونس. واستنادا الى هذا التعريف، فإن عدد المهاجرين العائدين، ولا يزالون على قيد الحياة اثناء المسح، بلغ 211 ألف شخص (176 ألفا من الرجال و35 ألفا من النساء)
واستقر المهاجرون العائدون أساسا بثلاثة أقاليم وهي تونس الكبرى والوسط الشرقي والجنوب الشرقي وقد عاد ما يقارب 80 بالمائة من المهاجرين من ليبيا وفرنسا وإيطاليا. ورغم تطور نسبة المهاجرات لا سيما خلال السنوات الأخيرة فإن ظاهرة العودة تبقى ذكورية بامتياز (83.5 بالمائة).
كما تشهد هجرة العودة تباينا حسب الهيكلة العمرية فترتفع نسبيا بين الشباب ثم تنخفض لدى الفئة العمرية 45 -59 سنة لترتفع مجددا بالنسبة للفئة العمرية 60 سنة فما فوق، أي بحلول سن التقاعد.
وعرف المستوى الدراسي للعائدين تحسنا مع مرور الزمن، فنسبة الذين لم يزاولوا الدراسة عرفت تراجعا كبيرا في حين ارتفعت نسبة ذوي المستوى التعليمي العالي خاصة من بين المهاجرات العائدات.
ويمثل البحث عن شغل اهم دافع لهجرة ما يقارب 72 بالمائة من المهاجرين العائدين، اما أسباب العودة فيصرح مهاجر على اثنين انه عاد الى تونس من تلقاء نفسه لأسباب عائلية (الزواج، الانفصال، تجميع العائلة، دراسة الأبناء، ...)، او لبلوغ سن التقاعد بينما صرح البقية ان عودتهم الى تونس لم تكن ارادية وانما فرضتها الظروف في بلدان المهجر او لنهاية العلاقة التعاقدية أو اثر عملية ترحيل.
وفي نفس الإطار، صرح ثلث المهاجرين العائدين انهم واجهوا صعوبات إثر عودتهم الى تونس خاصة فيما يتعلق بالشغل ومستوى الدخل بينما واجهت النساء العائدات مشاكل اجتماعية خاصة (صعوبة الاندماج، الخلافات العائلية).
فيما يخص الاستثمارات بتونس، صرح خمس المهاجرين العائدين قيامهم باستثمار في تونس، وهي نسبة ترتفع بتقدم عمر المهاجر وطول الفترة المقضاة بالخارج وقد اعتبر المهاجرون العائدون أن الاستثمار في تونس مكبل من خلال التعقيدات الإدارية وضعف التحفيز الجبائي والفساد وحجم السوق الداخلي.
باحث في علم الاجتماع لـ"الصباح" لا بد من عودة هيبة الدولة واضطلاعها بمهامها خاصة الاقتصادية والاجتماعية للحد من الهجرة وتجنب المآسي
في قراءته لظاهرة الهجرة والنهايات المأساوية لبعض المهاجرين بين الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين انه يمكن تفسير ظاهرة "الحرقة" أو الهجرة غير النظامية في تونس في الفترة الأخيرة من خلال طرح الفرضيات التالية:أولا:_ قرب تونس من السواحل الإيطالية واستغلال ظروف الطقس عندما تكون مواتية.
ثانيا:_ التنسيق بين شبكات الجريمة المنظمة في إيطاليا وتونس لتسهيل عمليات التسفير السرية وترويج المخدرات لما لها من عوائد مالية خيالية للطرفين.
ثالثا:_ الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والحادة التي تمر بها البلاد واعتبار المهاجرين غير النظاميين الهجرة السرية مشروع حياة.
رابعا:_ وجود نوع من الثقافة الشبابية التي تشجع على "الحرقة" نعثر عليها في بعض أغاني الراب أو الأقوال المتداولة من قبيل "كردونة في روما ولا قصر في الحومة"،" ياكلني الحوت وما ياكلنيش الدود " أو" نحرقو الكل يا نعيشو عيشة فل يا نموتو الكل"
ولا بد من الإشارة أن رومانيا تتصدر قائمة البلدان التي يغادر منها المهاجرون إلى إيطاليا بمليون مهاجر ثم ألبانيا والمغرب والصين والفليبين والهند ومصر في حين أن عدد المهاجرين السريين التونسيين محدود مقارنة ببقية الوافدين على أوربا، وبالتالي فالسؤال المطروح هو: لماذا كل هذا القلق من المهاجرين التونسيين ؟ وما خفايا الضغط السياسي على تونس؟
مع العلم أنه يوجد في تونس 6 الاف من النظاميين الحاملين للسلاح يحرسون الحدود بالإضافة إلى 3 الاف عون ٱخرين يعاضدون تلك الجهود وبالتالي توفر تونس كما هائلا من الرصيد البشري والإمكانيات لحماية الحدود وتواجه صعوبات لتأمين هذه النفقات لأنها تحرس أوروبا في الوقت الذي يجب على الاوروبيين حماية شواطئهم وحراستها وينضاف الى ذلك العدد المتنامي من مهاجري جنوب الصحراء غير النظاميين المقيمين في تونس على أمل الهجرة إلى الضفة الشمالية وبعضهم يفكر فعليا في أن تصبح تونس بلد الإقامة وليس بلد عبور وما يترتب عن ذلك من تبعات ديمغرافية واقتصادية وحتى أمنية تعمق من حجم الأزمات التي تمر بها بلادنا.
وبين محدثنا أن الانتقاد الحاد الموجه لتونس ذو أبعاد سياسية حيث لا يتجاوز عدد المهاجرين التونسيين غير النظاميين 25 ألفا سنويا وهو رقم ليس بالأهمية التي يروج لها مقارنة بـ400 مليون اوروبي وما يزيد على 4 مليون مهاجر غير نظامي يطؤون الفضاء الاوروبي كل سنة.
ولكن نظام التأشيرة الانتقائي هو الذي يجعل من مهاجرينا غير شرعيين في حين يسافر المواطن الاوروبي إلى أي مكان في العالم ويظل فيه المدة التي يريدها دون اعتباره مهاجرا غيرشرعي ،إنها ازدواجية المعايير التي تساهم في تأزيم الوضع والحال أننا في عصر العولمة التي تلغي كل أشكال الحدود وتشجع العبور الحر للبضائع والمعلومات والبشر.
ويمكن تفسير تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية لا سيما في هذه السنة بطبيعة التحولات التي يمر بها مجتمعنا إذ تفككت هياكله التقليدية ولم تعد لديه القدرة على بناء هياكل بديلة في المقابل أصبح منفتحا بشكل كبير على محيطه الاقليمي والكوني وتطورت حاجياته وتطلعاته مقابل محدودية الامكانيات لديه وفي المقابل تراجع ادوار ووظائف المؤسسة التربوية والصحية والاجتماعية واصبح الفرد يواجه متطلبات عديدة دون أن يجد مؤسسات تساعده وتوجهه.
بحيث يجد نفسه في مواجهة المجهول ويعيش في ٱلام متواترة ومن هنا يبحث عن ملاذ توفره الهجرة السرية.
وخلص ممدوح عز الدين الى القول بأنه وللاسف توجد اخلالات هيكلية ووظيفة في مؤسسات المجتمع والدولة حيث ارتفاع منسوب العنف بما في ذلك العنف الأاقتصادي حيث يزداد كل يوم الاستقطاب الاجتماعي وتتوسع الهوة بين الاغنياء والفقراء مع غلاء واضح في المعيشة وارتفاع نسب الفقر والبطالة والتضخم وعجز المالية العمومية وغياب بعض المواد الغذائية الاساسية وبعض الأدوية من الأسواق ،كما يسود احساس عام بضعف الدولة ووهن وهشاشة مؤسساتها مما أدى الى إحساس الناس بأن دولتهم تخلت عنهم وتركتهم لحالهم دون أن تساهم في حل مشاكلهم والحفاظ على حقوقهم وكرامتهم.
إن الوضع العام الذي يتسم بالتأزم والتراخي وضعف أداء المؤسسات المختصة وغياب سياسات اجتماعية واقتصادية فعالة وناجعة جعل من "الحرقة" افقا للخلاص، ليس فقط الخلاص الفردي بل الخلاص الجماعي لذلك نجد عائلات باسرها تركب قوارب الموت وتقبل بالمخاطرة مع العلم ان هذه الممارسة لم تعد سرية بل يغلب عليها الفرجوية والتفاخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أن العيش في حالة من اللايقين وفقدان الامان الاجتماعي والخوف من المستقبل يجعل العديد من العائلات تشجع ابناءها أو احدهم على الحرقة وتساهم في تمويلها إذ بذلك تشعر أن هناك من في الخارج يستطيع ان يوفر لهم ما ليس متوفرا عندهم ويشعرهم بالامان.
لذلك لا بد من عودة هيبة الدولة واضطلاعها بمهامها خاصة الاقتصادية والاجتماعية واضطلاع العائلة والمدرسة والاعلام بأدوارهم كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية وكابحة لكل أشكال التجاوزات بما في ذلك الهجرة غير النظامية المحفوفة بأعلى درجات المخاطر والموت.
تونس-الصباح
"في الخارج لو كان لديك حق ستأخذه، أما هنا فحق ولد البلاد مهدور" كلمات حفزت الآلاف من الشباب على الهجرة وصورت لهم "الخارج" على أنه الجنة الموعودة التي لا يظلم فيها أحد ولا يقهر الشيء الذي يفتح شهيتهم ويغريهم بالعيش في تلك البلدان وترك أوطانهم بحثا عن إمكانيات وفرص عمل عجزت بلدانهم عن توفيرها.
ومع ذلك فإن أغلب الذين هاجروا من أوطانهم لم يكن حبا في الهجرة ولكن هربا من الوضع البائس الذي عاشوه في بلدانهم الأصلية فتجدهم ينتظرون يوم الرحيل مدججين بأحلام علها تتحقق في غير أوطانهم.
وفي زمن ليس بالبعيد كانت أقصى أحلام الفتيات لقاء فارس الأحلام وتأسيس عائلة وعادة ما يكون فارس الأحلام من الأقرباء أو المحيطين ولكن اليوم تحول الزواج في برنامج الكثيرات الى محطة اخيرة تسبقها رحلة طويلة لتحقيق الطموحات والعمل والراتب المحترم والسيارة وغيرها من الاهداف الشخصية التي أصبحت تراود أي فتاة منذ الصغر وحتى وان فكرت في الزواج فتجدها تحلم بزوج "يطير" بها من موطنها الى بلد اخر علها تحقق فيه احلامها.
حلم الهجرة لا يراود الفتيات فقط وانما هو حلم مشترك بينهن والشبان الشبان والكهول وكل الشرائح العمرية والفئات الاجتماعية فالكل يبحث عن منفذ لـ"الهرب" من واقع مر ولكن ليس كل "الهاربين" يجدون ضالتهم في غير بلدانهم فعدد كبير منهم تحطمت أحلامهم بعد وصولهم بوقت قصير وكانت نهاياتهم مأساوية وغير متوقعة وانتهت رحلة أحلامهم الوردية نهايات دموية وقتلوا اما على يد الشريك أو "المافيا" او في ظروف غامضة لتبقى أرواحهم عالقة تبحث عن العدالة وكأن رحلتهم بين الموت والحياة تأبى الاستقرار والسكينة..
"الصباح" سلطت الضوء من خلال الملف التالي على المهاجرين الذين فارقوا الحياة في المهجر وبعضهم قضوا نحبهم نتيجة جرائم ظلت غامضة الى اليوم كما تطرقت الى عدد المهاجرين التونسيين في مختلف بلدان العالم ومهنهم والفئات العمرية التي خيرت مغادرة الوطن..
إعداد :مفيدة القيزاني
أخبار تكاد تتناقلها يوميا وسائل إعلام اجنبية حول ملابسات وفاة مهاجر او مهاجرة تونسية "مقتولا" وآخرها خبر تداولته وسائل اعلام بلجيكية
يتحدث عن وفاة مهاجرة تونسية تبلغ من العمر 46 عاما داخل مركز للشرطة بالعاصمة البلجيكية بروكسل، وقد رجحت بعض المصادر ان الوفاة كانت نتيجة انتحار وهو ما رفضته عائلة ومحامية الفقيدة بشدة بخصوص رواية الانتحار التي ادعتها السلطات البلجيكية وتداولتها بعض وسائل الإعلام المحلية.
والمرأة تدعى "سرور" وهي أم لشاب يبلغ من العمر 19 عاما، وتعمل في القطاع التطوعي، كانت قد اعتقلت قبل ساعات قليلة قبل وفاتها، وقامت الشرطة بنقلها إلى السجن قبل أن تقوم بالانتحار هناك ولم تكشف المصادر عن السبب وراء اعتقال الضحية.
وبحسب رواية السلطات للعائلة، فإن الضحية انتحرت بخنق نفسها بواسطة القميص الذي كانت ترتديه.
لكن "سلمى خليفة" محامية عائلة الضحية، شددت على رفض هذه الرواية قائلة في هذا الصدد إن "الأسرة لا تؤمن إطلاقا بفرضية الانتحار، قيل لهم إنها خنقت نفسها بسترتها وهذا مستحيل".
وقالت محامية الضحية إن صور ومقاطع كاميرات المراقبة هي التي ستكون العنصر الأساسي في معرفة ملابسات الوفاة.
وفي جانفي الماضي أثار رفض السلطات الإيطالية تسليم مهاجر تونسي قُتل بدافع عنصري موجة استنكار واسعة وتداولت صفحات اجتماعية فيديو لعائلة الضحية مروان سليمان بعدما قامت بإغلاق الطريق الرئيسية في ولاية سوسة بسبب رفض إيطاليا تسليم جثمان نجلها الذي قُتل بداية شهر جانفي المنقضي و"عدم تجاوب" السلطات التونسية مع الطلبات المتكررة للعائلة للمساعدة في استعادة جثمان مروان والتحقيق في حادثة مقتله.
وقال النائب السابق والناشط المختص بقضايا الهجرة، مجدي الكرباعي، "المهاجر مروان سليمان تم تعنيفه بشدة من قبل ثلاثة أشخاص لمجرد أنه قام بتهنئة فتاة كانت تحتفل بعيد ميلادها في أحد مراكز الترفيه، وهو ما تسبب بوفاته، وللأسف، ليس هناك أي معلومات عن ترحيل الجثمان منذ مقتل الضحية لحد الآن".
كما أشار الكرباعي إلى غياب الممثلين الدبلوماسيين التونسيين في إيطاليا، قائلا "منذ ستة أشهر ليس لدينا سفير في إيطاليا، ومنذ أكثر من سنة ليس لدينا قناصل في كل من روما وميلانو وباليرمو ونابولي، مع العلم أن إيطاليا الشريك الأول اقتصاديا لتونس ولكن لا توجد فيها تمثيليات دبلوماسية، وهذا شيء مخجل، سواء من ناحية سيادة الدولة أو من الناحية الاقتصادية، فضلا عن أن مصالح التونسيين معطلة، وخاصة أن هناك نسبة كبيرة من المهاجرين النظاميين والسريين يدخلون إلى إيطاليا بشكل دوري، كما أن نسبة المشاكل الاجتماعية التي يتعرض لها المهاجرون هناك كبيرة جدا، حيث لا توجد إحاطة أو متابعة من قبل السلطات التونسية لهؤلاء المهاجرين، وهذا ما تؤكده وفاة الشاب مروان جراء حادثة عنصرية، وعدم تحرك السلطات التونسية لتعيين محامٍ من أجل الدفاع عن حق العائلة في معرفة الحقيقة، وكذلك معاقبة مرتكبي هذه الجريمة.
شبهة تعذيب..
الشاب التونسي وسام عبد اللطيف توفي وحامت حول وفاته شبهة تعذيب من قبل الشرطة الإيطالية في أحد مراكز الحجز والترحيل.
وقد اعتبرت عائلة الشاب وسام عبد اللطيف أن وفاة ابنها غير طبيعية مطالبة السلطات الإيطالية بمعرفة الحقيقة والعدالة في هذا الملف.
وقد دُفن وسام عبد اللطيف في مسقط رأسه بمدينة قبلي بعد شهر من تاريخ وفاته، إثر استكمال التحقيقات في أسباب الوفاة التي انتهت وفق السلطات الإيطالية إلى الإقرار بأنها كانت وفاة عادية نتيجة سكتة قلبية.
فيما أكد كل من: محامون بلا حدود والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للدفاع عن الحقوق الفردية في ندوة صحفية أن المهاجرين التونسيين في مراكز الحجز والترحيل في إيطاليا يقيمون في ظروف كارثية وغير إنسانية ومنتهكة لجميع الحقوق والكرامة البشرية.
كما أنّ عائلة الفقيد لم تقتنع بنتائج التحقيق، وأكدت أنّ ابنها توفي في ظروف مشبوهة بسبب سوء المعاملة بمركز الترحيل في "بونتي جاليريا" بمدينة روما، معتبرة أن ابنها لم يمت بطريقة عادية، بل تعرّض للتنكيل وسوء المعاملة والتمييز على أساس جنسيته التونسية، خلافاً لبقية الجنسيات التي هاجرت بطريقة سرية.
وفاة أم تونسية داخل شقتها في ألمانيا واعتقال زوجها..
في قضية يشتبه الادعاء العام في أنها قد تكون مرتبطة بالعنف المنزلي، توفيت امرأة تونسية تدعى "حنان" في مدينة أويسكيرشن الألمانية متأثرة بجراحها إثر شجار مع زوجها.
وقد أثارت الواقعة جدلا حول ارتفاع حالات العنف المنزلي في ألمانيا.
وتشير المعطيات ان المرأة لفظت انفاسها في مدينة أويسكرشن القريبة من مدينة بون غربي ألمانيا، بعد "خصام مع زوجها".
والضحية تبلغ من العمر 25 سنة وتنحدر من مدينة سيدي بوزيد وخلّفت الضحية وراءها ابناً يبلغ من العمر سنتين.
كما لقي مهاجر تونسي حتفه بعد حادث مرور قاتل بمدينة ألتامورا الواقعة في جنوب ايطاليا في مقاطعة باري.
والفقيد عامل ليلي أصيل منطقة اولاد فرج الله من معتمدية بوحجلة ولاية القيروان ويبلغ من العمر 49 عاما، و تفيد بعض المعطيات حول الحادث أن الهالك كان يسير مترجلا في اتجاه محطة للنقل عندما داهمته سيارة من الخلف كانت تسير بسرعة فائقة وصدمته بقوة ممّا أدّى الى اصابته بجروح بالغة الخطورة.
وقد وقع التفطن له من قبل بعض أصحاب المحلات بعد وقت وجيز من الحادثة في حين فرّ سائق السيارة الى وجهة غير معلومة، ليقع نقله اثر ذلك الى المستشفى في محاولة لاسعافه، الا أنه فارق الحياة.
إصابة برصاصة..
وفي ذات السياق لقي مهاجر تونسي غير نظامي حتفه بعد إصابته برصاصة عون امن ايطالي في احد المباني بمدينة ألبا أدرياتيكا في مقاطعة "تيرامو" في إقليم" أبروتسو" في جنوب إيطاليا.
وتفيد المعطيات المتوفرة عن جريمة الحال التي اهتز لها سكان المبنى والمهاجرون أن دورية أمنية تحولت للمبنى في إطار عملية أمنية متعلقة بالمخدرات فتسلح الضحية بسكين وحاول إصابة احد الأعوان وقبل أن تصل السكين إلى عون الامن كانت رصاصة احد عناصر الشرطة أسرع لتصيبه حيث لفظ أنفاسه متأثرا بالإصابة وذلك رغم تدخلات رجال الإنقاذ الذين تم الاستنجاد بهم مباشرة بعد حدوث الواقعة.
التونسي الضحية يدعى حكيم الهادي يبلغ من العمر 37 سنة نقلت جثته للتشريح بالمستشفى في "سانت أوميرو" لتحديد أسباب الوفاة والتي أكدت تقارير أمنية أولية أنها نتيجة طلق ناري من مسدس وفي إطار دفاع عن الأمن عن نفسه بعد أن هاجمه الضحية بالسكين.
كما بينت الصحافة الايطالية أن المداهمة أسفرت عن حجز كمية 300 غرام من الكوكايين مقسمة الى جرعات صالحة للاستهلاك وقد تولى زميل الضحية إلقائها من النافذة بعد التفطن لعملية المداهمة الأمنية للشقة.
وفي ذات السياق جدت في المانيا جريمة بشعة راحت ضحيتها مواطنة تونسية أصيلة مدينة بوسالم من ولاية جندوبة على يد زوجها التونسي الحامل للجنسية الألمانية.
ويُذكر أن مدينة ليمبورغ الألمانية شهدت جريمة بشعة راحت ضحيتها امرأة تونسية عمرها 31 عاما، وأم لطفلين حيث أقدم زوجها على دهسها بالسيارة وتكسير رأسها بأداة حادة على مرأى من المارّة.
نهاية مأساوية..
ومن النهايات المأساوية نهاية حياة شاب تونسي بطريقة صادمة حيث اهتزت مدينة سانت بريو الفرنسية يوم الأحد 22 جانفي 2023 على وقع جريمة نكراء تمثلت في إقدام مواطن تونسي يبلغ من العمر 24 عاما على قتل زوجته الفرنسية البالغة من العمر 22 عاما وابنهما البالغ من العمر 3 سنوات وحماته رميا بالرصاص، قبل أن ينتحر بالطريقة ذاتها.
وبحسب مواقع فرنسية ونقلا عن النتائج التي توصلت إليها التحقيقات فإن الجاني يدعى (ط.ن) يعمل فني كهرباء مقيم بفرنسا منذ سنة 2020 بطريقة قانونية، بعد أن عقد قرانه على المجني عليها بتونس في ظروف عادية سنة 2019 وكان قد تعرف إليها سنة 2016 عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وهو معروف لدى المصالح الأمنية الفرنسية التي راسلت نظيرتها التونسية لاستقاء مزيد المعلومات بشأنه، كان على أبواب الطلاق مع زوجته بعد أن باشرا الإجراءات منذ منتصف شهر ديسمبر الماضي.
القاتل تحول يوم الواقعة إلى منزل أصهاره متسلحا بمسدس صوب منه 7 طلقات نارية إحداها أصابت رأس زوجته، ولم ينج من هذه ''المجزرة'' المروعة سوى حماته وجدة زوجته اللتين كانتا بمسرح الجريمة ووصفت حالتيهما بالحرجة تبعا لإصابتها بالأعيرة النارية ما سبب لهما نزيفا حادا، وقد تم إخضاعهما لتدخل جراحي دقيق.
وقد فارق الشاب الحياة دون ان يعرف احد سبب اقدامه على ارتكاب هذه المجزرة في حق نفسه وحق عائلته.
566 ألف مهاجر تونسي من بينهم 388 ألف من الرجال و178 ألف من النساء
تعد تونس من البلدان الأوائل المصدرة للمهاجرين سواء بطريقة نظامية او بطريقة غير نظامية ووفق المرصد الوطني للهجرة فقد قدرت منظمة الهجرة الدولية عدد المهاجرين في العالم بـ281 مليون نسمة أي ما يعادل 3,6 بالمائة من سكان العالم سنة 2020.
وقد شهدت ظاهرة الهجرة، خلال العشريتين الأخيرتين، تطورا رغم تراجع نسق تدفق المهاجرين خلال السنوات الأخيرة جراء انتشار جائحة "كوفيد-19".
ولم تكن تونس بمنأى عن هذا المشهد، لا سيما منذ سنة 2011، حيث عرفت البلاد تدفقات هجرية مختلفة.
ولفهم ورصد ظاهرة الهجرة كان لابد من إيجاد معطيات ذات مصداقية وتشمل مختلف فئات المهاجرين ويعتبر "المسح الوطني للهجرة الدولية" الذي قام بإنجازه المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع المرصد الوطني للهجرة، بدعم من المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، المسح الأول من نوعه، ويهدف أساسا الى توفير بيانات ومؤشرات من شأنها دعم نظام المعلومات في مجال الهجرة ويكون بالتالي خطوة هامة وأساسية لإرساء حوكمة أكثر نجاعة في مجال الهجرة، فنتائج هذا المسح هي أداة قيمة لتحليل الظاهرة وصياغة السياسات ووضع استراتيجيات من أجل هجرة امنة، منظمة ونظامية.
وشمل "المسح الوطني للهجرة الدولية" ثلاث فئات من المهاجرين: المهاجر الحالي والمهاجر العائد والمقيم الأجنبي في تونس، بالإضافة الى المواطن التونسي المقيم الذي لم يسبق له الهجرة لمعرفة آرائه ونواياه فيما يخص الهجرة خارج تونس.
ويعتبر غير مهاجر، في إطار المسح الوطني للهجرة الدولية، كل شخص تونسي الجنسية مقيم بتونس بلغ من العمر 15 سنة فما فوق، وصرح بأنه لم يُقِم أكثر من ثلاثة أشهر في بلد بالخارج.
وقد أفضت النتائج الى أن قرابة خُمس غير المهاجرين صرح بأن له نية الهجرة خارج تونس وقد مكن المسح من تحديد خصائص هؤلاء، اذ أن من ينوي الهجرة هو غالبا شاب، عمره بين 15 و24 سنة، أعزب، متعلم وعاطل عن العمل، يقطن بإقليم تونس الكبرى، او بالوسط الشرقي او بالجنوب الشرقي للبلاد، ويُعتبر البحث عن شغل وإيجاد فرص للعيش الكريم من أهم دوافعه للهجرة.
الوجهات المفضلة..
وتبقى الدول الأوروبية، وبالأساس فرنسا، إيطاليا وألمانيا، الوجهة المفضلة لـقرابة سبعة أشخاص من عشرة لهم نية الهجرة وتبقى الهجرة حلما يراود البعض وحقيقة يسعى البعض الآخر لتحقيقها، حيث أن 14,3 بالمائة فقط من بين الذين عبروا عن نيتهم في مغادرة البلاد صرحوا بأنهم قاموا بخطوات فعلية لتحضير مشروع الهجرة.
المهاجرون الحاليون..
ووفق المرصد فإنه يعتبر مهاجرا حاليا كل شخص تونسي الجنسية بلغ من العمر 15 سنة فما فوق، كان قد أقام بتونس ويقيم حاليا في الخارج لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر.
واستنادا الى هذا التعريف، يقدر عدد المهاجرين التونسيين الحاليين بحوالي 566 ألف شخص (388 ألف من الرجال و178 ألف من النساء).
يُقيم ثلاثة ارباعهم بثلاث دول أوروبية: فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وأما عن مكان اقامتهم الأصلية بتونس فيتمركز ثلاثة أرباعهم بإقليم الشمال الشرقي وتونس الكبرى والوسط الشرقي وغادر نصف المهاجرين الحاليين تقريبا من أجل البحث عن عمل وتحسين دخلهم أما التجمع الأسري فكان السبب الرئيسي لمغادرة ثلثي المهاجرات.
الفئات العمرية..
ووفق المرصد فتتميز الهيكلة العمرية للمهاجرين الحاليين بغالبية نسبية لفئة الشباب، حيث أن أربعة مهاجرين من 10 تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، وتنطبق هذه الهيكلة على كلا الجنسين كما أن المهاجر الحالي يتمتع بمستوى تعليم أفضل مقارنة بالسكان المقيمين بتونس، حيث ان مهاجرا من ثلاثة له مستوى تعليم عالي، بينما تمثل نسبة المهاجرين من غير المتعلمين اقلية (3.3 بالمائة)، وقد عرفت هجرة ذوي المستوى التعليمي العالي تسارعا في نسقها خلال السنوات الأخيرة، فعلى سبيل الذكر، غادر 39000 مهندس و3300 طبيب البلاد بين 2015 و2020 من أجل فرص عمل بالخارج.
واثناء اجراء المسح، 55.5 بالمائة من المهاجرين الحاليين صرحوا انهم يزاولون نشاط مهني في بلد المهجر (68.1 بالمائة من بين رجال مقابل 28.2 بالمائة من بين النساء)، في حين كانت هذه النسبة قبل الجائحة تقدر بـ 63.4 بالمائة وهو ما يبرز الأثر السلبي للأزمة الصحية على نشاط التونسيين هناك. أما أهم القطاعات المشغلة للمهاجرين الحاليين فتتمثل أساسا في قطاع البناء (17 بالمائة) والايواء والمطاعم (13.7 بالمائة) والتجارة (8.7 بالمائة) ثم يأتي بعد ذلك قطاع الصناعة التحويلية (8.1 بالمائة) والفلاحة والصيد البحري (7 بالمائة)
فيما يخص الاستثمارات بتونس، صرح واحد على عشرة مهاجرين حاليين أنه قام باستثمار في تونس، وهي نسبة ترتفع بتقدم عمر المهاجر. وتتعلق هذه الاستثمارات أساسا بمجالات البناء والعقارات والفلاحة والتجارة، الا ان تنفيذ هذه المشاريع يواجه العديد من الصعوبات في تونس والمتمثلة، حسب تصريح المهاجرين، في الإجراءات الإدارية المعقدة ومحدودية رأس المال، والفساد والمحسوبية، فضلاً عن ضعف المساعدات المالية والحوافز الضريبية في تونس.
والجدير بالملاحظة، ان نصف المهاجرين الحاليين قاموا بالهجرة خلال العشريتين الأخيرتين وان البلدان الأوروبية تسجل أطول فترات إقامة للمهاجرين، وهي البلدان التقليدية لهجرة التونسيين في حين تسجل دول الخليج فترات إقامة أقل.
المهاجرون العائدون..
يعتبر مهاجرا عائدا، في إطار هذا المسح، كل شخص تونسي الجنسية، يقيم حاليا بتونس، اقام سابقا بالخارج لفترة ثلاثة أشهر فأكثر ويبلغ من العمر 15 سنة فما فوق عند عودته الى تونس. واستنادا الى هذا التعريف، فإن عدد المهاجرين العائدين، ولا يزالون على قيد الحياة اثناء المسح، بلغ 211 ألف شخص (176 ألفا من الرجال و35 ألفا من النساء)
واستقر المهاجرون العائدون أساسا بثلاثة أقاليم وهي تونس الكبرى والوسط الشرقي والجنوب الشرقي وقد عاد ما يقارب 80 بالمائة من المهاجرين من ليبيا وفرنسا وإيطاليا. ورغم تطور نسبة المهاجرات لا سيما خلال السنوات الأخيرة فإن ظاهرة العودة تبقى ذكورية بامتياز (83.5 بالمائة).
كما تشهد هجرة العودة تباينا حسب الهيكلة العمرية فترتفع نسبيا بين الشباب ثم تنخفض لدى الفئة العمرية 45 -59 سنة لترتفع مجددا بالنسبة للفئة العمرية 60 سنة فما فوق، أي بحلول سن التقاعد.
وعرف المستوى الدراسي للعائدين تحسنا مع مرور الزمن، فنسبة الذين لم يزاولوا الدراسة عرفت تراجعا كبيرا في حين ارتفعت نسبة ذوي المستوى التعليمي العالي خاصة من بين المهاجرات العائدات.
ويمثل البحث عن شغل اهم دافع لهجرة ما يقارب 72 بالمائة من المهاجرين العائدين، اما أسباب العودة فيصرح مهاجر على اثنين انه عاد الى تونس من تلقاء نفسه لأسباب عائلية (الزواج، الانفصال، تجميع العائلة، دراسة الأبناء، ...)، او لبلوغ سن التقاعد بينما صرح البقية ان عودتهم الى تونس لم تكن ارادية وانما فرضتها الظروف في بلدان المهجر او لنهاية العلاقة التعاقدية أو اثر عملية ترحيل.
وفي نفس الإطار، صرح ثلث المهاجرين العائدين انهم واجهوا صعوبات إثر عودتهم الى تونس خاصة فيما يتعلق بالشغل ومستوى الدخل بينما واجهت النساء العائدات مشاكل اجتماعية خاصة (صعوبة الاندماج، الخلافات العائلية).
فيما يخص الاستثمارات بتونس، صرح خمس المهاجرين العائدين قيامهم باستثمار في تونس، وهي نسبة ترتفع بتقدم عمر المهاجر وطول الفترة المقضاة بالخارج وقد اعتبر المهاجرون العائدون أن الاستثمار في تونس مكبل من خلال التعقيدات الإدارية وضعف التحفيز الجبائي والفساد وحجم السوق الداخلي.
باحث في علم الاجتماع لـ"الصباح" لا بد من عودة هيبة الدولة واضطلاعها بمهامها خاصة الاقتصادية والاجتماعية للحد من الهجرة وتجنب المآسي
في قراءته لظاهرة الهجرة والنهايات المأساوية لبعض المهاجرين بين الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين انه يمكن تفسير ظاهرة "الحرقة" أو الهجرة غير النظامية في تونس في الفترة الأخيرة من خلال طرح الفرضيات التالية:أولا:_ قرب تونس من السواحل الإيطالية واستغلال ظروف الطقس عندما تكون مواتية.
ثانيا:_ التنسيق بين شبكات الجريمة المنظمة في إيطاليا وتونس لتسهيل عمليات التسفير السرية وترويج المخدرات لما لها من عوائد مالية خيالية للطرفين.
ثالثا:_ الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والحادة التي تمر بها البلاد واعتبار المهاجرين غير النظاميين الهجرة السرية مشروع حياة.
رابعا:_ وجود نوع من الثقافة الشبابية التي تشجع على "الحرقة" نعثر عليها في بعض أغاني الراب أو الأقوال المتداولة من قبيل "كردونة في روما ولا قصر في الحومة"،" ياكلني الحوت وما ياكلنيش الدود " أو" نحرقو الكل يا نعيشو عيشة فل يا نموتو الكل"
ولا بد من الإشارة أن رومانيا تتصدر قائمة البلدان التي يغادر منها المهاجرون إلى إيطاليا بمليون مهاجر ثم ألبانيا والمغرب والصين والفليبين والهند ومصر في حين أن عدد المهاجرين السريين التونسيين محدود مقارنة ببقية الوافدين على أوربا، وبالتالي فالسؤال المطروح هو: لماذا كل هذا القلق من المهاجرين التونسيين ؟ وما خفايا الضغط السياسي على تونس؟
مع العلم أنه يوجد في تونس 6 الاف من النظاميين الحاملين للسلاح يحرسون الحدود بالإضافة إلى 3 الاف عون ٱخرين يعاضدون تلك الجهود وبالتالي توفر تونس كما هائلا من الرصيد البشري والإمكانيات لحماية الحدود وتواجه صعوبات لتأمين هذه النفقات لأنها تحرس أوروبا في الوقت الذي يجب على الاوروبيين حماية شواطئهم وحراستها وينضاف الى ذلك العدد المتنامي من مهاجري جنوب الصحراء غير النظاميين المقيمين في تونس على أمل الهجرة إلى الضفة الشمالية وبعضهم يفكر فعليا في أن تصبح تونس بلد الإقامة وليس بلد عبور وما يترتب عن ذلك من تبعات ديمغرافية واقتصادية وحتى أمنية تعمق من حجم الأزمات التي تمر بها بلادنا.
وبين محدثنا أن الانتقاد الحاد الموجه لتونس ذو أبعاد سياسية حيث لا يتجاوز عدد المهاجرين التونسيين غير النظاميين 25 ألفا سنويا وهو رقم ليس بالأهمية التي يروج لها مقارنة بـ400 مليون اوروبي وما يزيد على 4 مليون مهاجر غير نظامي يطؤون الفضاء الاوروبي كل سنة.
ولكن نظام التأشيرة الانتقائي هو الذي يجعل من مهاجرينا غير شرعيين في حين يسافر المواطن الاوروبي إلى أي مكان في العالم ويظل فيه المدة التي يريدها دون اعتباره مهاجرا غيرشرعي ،إنها ازدواجية المعايير التي تساهم في تأزيم الوضع والحال أننا في عصر العولمة التي تلغي كل أشكال الحدود وتشجع العبور الحر للبضائع والمعلومات والبشر.
ويمكن تفسير تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية لا سيما في هذه السنة بطبيعة التحولات التي يمر بها مجتمعنا إذ تفككت هياكله التقليدية ولم تعد لديه القدرة على بناء هياكل بديلة في المقابل أصبح منفتحا بشكل كبير على محيطه الاقليمي والكوني وتطورت حاجياته وتطلعاته مقابل محدودية الامكانيات لديه وفي المقابل تراجع ادوار ووظائف المؤسسة التربوية والصحية والاجتماعية واصبح الفرد يواجه متطلبات عديدة دون أن يجد مؤسسات تساعده وتوجهه.
بحيث يجد نفسه في مواجهة المجهول ويعيش في ٱلام متواترة ومن هنا يبحث عن ملاذ توفره الهجرة السرية.
وخلص ممدوح عز الدين الى القول بأنه وللاسف توجد اخلالات هيكلية ووظيفة في مؤسسات المجتمع والدولة حيث ارتفاع منسوب العنف بما في ذلك العنف الأاقتصادي حيث يزداد كل يوم الاستقطاب الاجتماعي وتتوسع الهوة بين الاغنياء والفقراء مع غلاء واضح في المعيشة وارتفاع نسب الفقر والبطالة والتضخم وعجز المالية العمومية وغياب بعض المواد الغذائية الاساسية وبعض الأدوية من الأسواق ،كما يسود احساس عام بضعف الدولة ووهن وهشاشة مؤسساتها مما أدى الى إحساس الناس بأن دولتهم تخلت عنهم وتركتهم لحالهم دون أن تساهم في حل مشاكلهم والحفاظ على حقوقهم وكرامتهم.
إن الوضع العام الذي يتسم بالتأزم والتراخي وضعف أداء المؤسسات المختصة وغياب سياسات اجتماعية واقتصادية فعالة وناجعة جعل من "الحرقة" افقا للخلاص، ليس فقط الخلاص الفردي بل الخلاص الجماعي لذلك نجد عائلات باسرها تركب قوارب الموت وتقبل بالمخاطرة مع العلم ان هذه الممارسة لم تعد سرية بل يغلب عليها الفرجوية والتفاخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أن العيش في حالة من اللايقين وفقدان الامان الاجتماعي والخوف من المستقبل يجعل العديد من العائلات تشجع ابناءها أو احدهم على الحرقة وتساهم في تمويلها إذ بذلك تشعر أن هناك من في الخارج يستطيع ان يوفر لهم ما ليس متوفرا عندهم ويشعرهم بالامان.
لذلك لا بد من عودة هيبة الدولة واضطلاعها بمهامها خاصة الاقتصادية والاجتماعية واضطلاع العائلة والمدرسة والاعلام بأدوارهم كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية وكابحة لكل أشكال التجاوزات بما في ذلك الهجرة غير النظامية المحفوفة بأعلى درجات المخاطر والموت.