إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ريبورتاجات "الصباح" | 1800 إيقاف.. وقصص تتشابه: تجمعات أمام السفارات ووضعيات إنسانية حرجة للأفارقة جنوب الصحراء..

 

تونس الصباح

وسط عدد يتجاوز المائتين من أبناء بلدها، ساحل العاج، وقفت "روز" بأعين دامعة حزينة تحمل الكثير من الخوف وفقدان الأمان. غاضبة امام مقر السفارة في احد أحياء العاصمة، آسفة ترفض استيعاب ما يقع لها منذ أيام. تحدثت بسرعة ودون توقف.. تساءلت "لماذا كل هذا العنف"؟ طردت من منزلي الذي كنت اسكنه في حي الصحة بسكرة تعرضت للسب والشتم في وسائل النقل والاستفزاز في الشارع.. أعيش مع التونسيين في سلام منذ7 سنوات لست في وضعية غير قانونية.. أنا اليوم لا استطيع مواصلة العيش والعمل هنا الم يكن بمقدور السلطات التونسية أن تكون أكثر إنسانية وتمهل الأفارقة جنوب الصحراء مدة كافية من اجل تسوية وضعياتهم أو الرحيل؟ ما يحصل اليوم مع أصحاب البشرة السوداء أمر محزن للغاية."

وعلى الأغلب الوضع كان أكثر صعوبة لدى "سيوتا" التي جلست تتكئ حقيبة سفرها ببطن منتفخة تكشف أنها في أشهر حملها الأخيرة، كانت أكثر انكسارا، هادئة وسط كل الجلبة التي حولها، بين من يريدون أن يتم تسجيلهم قبل غيرهم في سجل السفارة من اجل العودة، وأولئك الذين بصدد إعداد ملفاتهم ووثائقهم، وفي خضم تلك الجلبة تقطعها الضحكات التي تعلو كل حين من احد المجموعات لتخفف من وطأة ضيم الموقف.

حالات مأساوية

"سيوتا" في شهرها التاسع توشك على الولادة، قدمت إلى تونس منذ نحو السنة ونصف لا تملك وثائق إقامة، وجدت نفسها في الشارع منذ ليلة البارحة بعد طردها من قبل صاحب البيت الذي خير "عدم الدخول في مشاكل مع الحاكم"، كما قال، لا تملك كلفة العودة إلى وطنها.. علق زوجها في ولاية صفاقس بعد موجة العنف والعنصرية والتضييق التي وجهت نحو سود البشرة والأفارقة جنوب الصحراء وانخرط فيها جزء من التونسيين من مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي. وأكدت في حديثها لـ"الصباح" أنها عايشت التونسيين ولم يكن لها أي إشكاليات بل بالعكس تمت معاملتها بشكل جيد جدا من قبل مشغلتها التي تخلت أيضا عنها منذ أيام..".

أما "سان" الذي رحب بالحديث إلى الإعلام وشدد على أهمية إيصال صوته، فكان أكثر تفاؤلا، واعتبر أن ما يقع لا يمثل كل التونسيين فهو هنا منذ أكثر من سنة وانتقل في إطار عمله في حضائر البناء كلحام إلى نابل وسوسة وصفاقس ولم يواجه أي إشكاليات، وعلاقته جيدة مع رؤسائه في العمل وأجره محترم..، حاول تسوية وضعيته القانونية سابقا وخسر نحو الألف دينار غير انه لم يوفق في ذلك..

وبالنسبة لـ"أرمال" فقد كان الأمر مختلفا، جاء رفقة رئيسه في العمل، يعمل معه منذ شهران في تغليف الأثاث، قدما من أجل الاستفسار عن إجراءات تسوية وضعيته القانونية غير أن السفارة لم تقدم لهم أي معطيات وهم في انتظار السفير لعل الإجابة تكون مثمرة أكثر.

وغير بعيد على سفارة ساحل العاج، كان الأمر تقريبا نفسه أمام سفارة مالي.. ومقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تونس ومقر منظمة الهجرة الدولية..، تجمعات لجنسيات مختلفة من أفارقة جنوب الصحراء تملكهم خوف وريبة من وضع غير آمن من حملة ترويع وإيقافات وسجن ومصائر مجهولة.. قصص تتشابه تتقاطع وتكشف حجم أزمة إنسانية يصعب تفكيكها، عائلات نساء وأطفال تبيت وسط خيام أو في العراء أمام سفاراتهم.. نقص في الغذاء وفي الأغطية.. تهديدات في الفضاءات العامة إيقافات ومحاصرة أمنية.. وسط مصير مجهول، فالسفارات تكتفي إلى غاية اليوم بتجميع قائمات الراغبين في المغادرة في حين لم يصدر عن السلطات التونسية أي معطى جديد فيما يتعلق بإلغاء الغرامات أو توفير طائرات إجلاء أو فتح الباب أمامهم لتسوية وضعياتهم القانونية عبر وثائق إقامة وباستثناء كلمة الرئيس الأخيرة وما جاء فيها من اتهامات للأفارقة جنوب الصحراء عير النظاميين بالعنف والخروج عن القانون..، غلب الصمت على الجانب الرسمي التونسي.

ضغط إيطالي وحملة ممنهجة

وكشف رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في علاقة بالحملة الأخيرة أن عدد الإيقافات التي تم تسجيلها في صفوف الأفارقة جنوب الصحراء من1 فيفري والى غاية يوم 28 فيفري، قد تجاوز الـ1800 إيقاف بحجة عدم نظاميتهم، وهي حملة انطلقت حسب نفس المصدر منذ ما قبل خطاب رئيس الجمهورية أي مع بداية شهر فيفري. وحسب قراءة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فالحملة مرتبطة بضغط ايطالي جاء بعد زيارة وزير الخارجية والداخلية الايطالي في شهر جانفي وكانت لهم مطالب في علاقة بالمهاجرين غير النظاميين من الأفارقة جنوب الصحراء باعتبار أنهم مشاريع مهاجرين باتجاه شمال المتوسط، وبتعلة تطبيق القانون انطلقت الحملة..

وتعلقت الحملة كما أفاد بن عمر أكثر بسلوكيات عنف وعمليات طرد للمهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء أكثر منها بإيقافات أمنية، اجبر المهاجرون على الخروج من الفضاءات العامة، دراسة وعمل وتنقل، والبقاء في فضاءات خاصة إن وجدت، وهو ما منع جزءا كبيرا منهم من حقهم في الوصول إلى الصحة والغذاء والمسكن وطرح إشكال كبير تعلق بالأساس بالأطفال والنساء الذين وجدوا أنفسهم في الشارع بحجة عدم امتلاكهم لوثائق نظامية.

في نفس الوقت اعتبر رمضان بن عمر أن استجابات سفارات دول جنوب الصحراء كانت ضعيفة للغاية باعتبار أن الكثير من هذه الوضعيات جاءت فارة من بلدانها نتيجة أوضاع سياسية أو نزاعات عرقية، لذلك لم يتجهوا نحو سفاراتهم والتجأوا إلى منظمات المجتمع المدني أو الحملات التضامنية.

وحالة الرعب التي خلقت اليوم في صفوف الأفارقة جنوب الصحراء جعلت وضعيتهم صعبة للغاية، عالقين، غير قادرين على مغادرة تونس حتى بالصيغ القانونية بعد تراكم خطايا مخالفة التأخير الخاصة بالإقامة التي تصل إلى حدود الـ3 آلاف دينار، في نفس الوقت هناك عدد منهم ليس لهم حتى وثائق هوية بعد أن فقدوها في رحلتهم البحرية باتجاه ايطاليا أو خلال دفعهم من قبل السلط الجزائية نحو التراب التونسي. إضافة الى وجود وضعية ثالثة وهي البدون جنسية الذين يعيشون في منطقة الصحراء الكبرى ويعتمدون اكثر على التنقلات.

وأضاف رمضان بن عمر ان هدف الدولة التونسية ليس ترحيل الافارقة جنوب الصحراء، لان ذلك يتطلب كلفة عالية وعلاقات دبلوماسية متطورة مع دولهم وهذا للأسف ضعيف وغير موجود. ولذلك فعلى الأغلب أرادت السلط التونسية من هذه الحملة خلق مناخ من الخوف والرعب لدى المهاجرين غير النظاميين في تونس ولإثناء كل من يفكر في القدوم الى تونس عن ذلك. وهو توجه يصب دائما في إطار السياسيات الأوروبية التي تعمل على منع تصدير كل نوايا الهجرة نحو أماكن انطلاقها الرئيسية.

نفي.. ورسائل "طمأنة"

وتنفي السلطات التونسية في مختلف التصريحات الرسمية وجود حملة عنصرية وتخويف أو إيقافات تستهدف الأفارقة جنوب الصحراء، وتؤكد الداخلية التونسية أن الإيقافات أو الحملة الأمنية تتنزل في إطار العمل العادي للفرق الأمنية كما تعتبر أن مصير الموقوفين أو عملية ترحيلهم يخرج عن صلاحياتها وهو من مسؤولية وزارة العدل والهياكل المعنية بالمهاجرين.  مع العلم أن "حملة مناهضة الفاشية" التي انطلقت مؤخرا وضمت حركات شبابية ومنظمات ونشطاء وحقوقيين قد أقرت لـ"الصباح" أن حدة موجة العنصرية والحملة الأمنية قد تراجعت وخفت نسبيا بعد مسيرة يوم السبت الماضي وبيانات التنديد والاستنكار الوطنية والدولية التي صدرت بعدها، إلا أن الوضع الإنساني مازال حرجا ويتطلب الكثير من الجهد والتضامن.

وعلى الأغلب فإن السلطات الرسمية أصبحت واعية بحجم الفوضى والعنصرية التي ظهرت مؤخرا، أين صرح وزير الخارجية التونسي نبيل عمّار الاثنين الماضي في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" "أن بلاده تبعث برسائل "طمأنة" لكنها تستبعد الاعتذار اثر الانتقادات التي اعتبرت خطاب سعيّد في خصوص المهاجرين عنصريا".

وللإشارة ورغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في تونس، إلا أن الأوضاع فيها تبقى أفضل بكثير من عدة بلدان أخرى تشهد نزاعات وحروب أهلية وانقسامات، كما كانت على امتداد سنوات طريقا ونقطة انطلاق يتجه إليها المهاجرون غير النظاميين نحو الدول الأوروبية، فضلا على أن تونس كانت من الدول التي فتحت أبوابها منذ الستينات أمام الطلبة الأفارقة وتدعم وجودهم أكثر مع ظهور الجامعات الخاصة التي تقدم برامج تعليمية تدرس بالفرنسية والانقليزية وتتراوح تكاليفها السنوية بين الـ 6 آلاف دينار و10 آلاف دينار سنويا.  مع العلم أن وزير الخارجية التونسي الأسبق قد صرح أن تونس تطمح أن ترفع من عدد الطلبة الأفارقة في السنوات القادمة وهو أمر يبدو من المستحيل تحقيقيه مع المستجدات الأخيرة.

وحسب المعطيات الرسمية للمعهد الوطني للإحصاء يقيم في تونس 70 ألف أجنبي منهم 21 ألفا و466 من جنسيات افريقية والبقية أوروبيين ومغاربة وجنسيات أخرى..

ريم سوودي

ريبورتاجات "الصباح" |  1800 إيقاف.. وقصص تتشابه: تجمعات أمام السفارات ووضعيات إنسانية حرجة للأفارقة جنوب الصحراء..

 

تونس الصباح

وسط عدد يتجاوز المائتين من أبناء بلدها، ساحل العاج، وقفت "روز" بأعين دامعة حزينة تحمل الكثير من الخوف وفقدان الأمان. غاضبة امام مقر السفارة في احد أحياء العاصمة، آسفة ترفض استيعاب ما يقع لها منذ أيام. تحدثت بسرعة ودون توقف.. تساءلت "لماذا كل هذا العنف"؟ طردت من منزلي الذي كنت اسكنه في حي الصحة بسكرة تعرضت للسب والشتم في وسائل النقل والاستفزاز في الشارع.. أعيش مع التونسيين في سلام منذ7 سنوات لست في وضعية غير قانونية.. أنا اليوم لا استطيع مواصلة العيش والعمل هنا الم يكن بمقدور السلطات التونسية أن تكون أكثر إنسانية وتمهل الأفارقة جنوب الصحراء مدة كافية من اجل تسوية وضعياتهم أو الرحيل؟ ما يحصل اليوم مع أصحاب البشرة السوداء أمر محزن للغاية."

وعلى الأغلب الوضع كان أكثر صعوبة لدى "سيوتا" التي جلست تتكئ حقيبة سفرها ببطن منتفخة تكشف أنها في أشهر حملها الأخيرة، كانت أكثر انكسارا، هادئة وسط كل الجلبة التي حولها، بين من يريدون أن يتم تسجيلهم قبل غيرهم في سجل السفارة من اجل العودة، وأولئك الذين بصدد إعداد ملفاتهم ووثائقهم، وفي خضم تلك الجلبة تقطعها الضحكات التي تعلو كل حين من احد المجموعات لتخفف من وطأة ضيم الموقف.

حالات مأساوية

"سيوتا" في شهرها التاسع توشك على الولادة، قدمت إلى تونس منذ نحو السنة ونصف لا تملك وثائق إقامة، وجدت نفسها في الشارع منذ ليلة البارحة بعد طردها من قبل صاحب البيت الذي خير "عدم الدخول في مشاكل مع الحاكم"، كما قال، لا تملك كلفة العودة إلى وطنها.. علق زوجها في ولاية صفاقس بعد موجة العنف والعنصرية والتضييق التي وجهت نحو سود البشرة والأفارقة جنوب الصحراء وانخرط فيها جزء من التونسيين من مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي. وأكدت في حديثها لـ"الصباح" أنها عايشت التونسيين ولم يكن لها أي إشكاليات بل بالعكس تمت معاملتها بشكل جيد جدا من قبل مشغلتها التي تخلت أيضا عنها منذ أيام..".

أما "سان" الذي رحب بالحديث إلى الإعلام وشدد على أهمية إيصال صوته، فكان أكثر تفاؤلا، واعتبر أن ما يقع لا يمثل كل التونسيين فهو هنا منذ أكثر من سنة وانتقل في إطار عمله في حضائر البناء كلحام إلى نابل وسوسة وصفاقس ولم يواجه أي إشكاليات، وعلاقته جيدة مع رؤسائه في العمل وأجره محترم..، حاول تسوية وضعيته القانونية سابقا وخسر نحو الألف دينار غير انه لم يوفق في ذلك..

وبالنسبة لـ"أرمال" فقد كان الأمر مختلفا، جاء رفقة رئيسه في العمل، يعمل معه منذ شهران في تغليف الأثاث، قدما من أجل الاستفسار عن إجراءات تسوية وضعيته القانونية غير أن السفارة لم تقدم لهم أي معطيات وهم في انتظار السفير لعل الإجابة تكون مثمرة أكثر.

وغير بعيد على سفارة ساحل العاج، كان الأمر تقريبا نفسه أمام سفارة مالي.. ومقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تونس ومقر منظمة الهجرة الدولية..، تجمعات لجنسيات مختلفة من أفارقة جنوب الصحراء تملكهم خوف وريبة من وضع غير آمن من حملة ترويع وإيقافات وسجن ومصائر مجهولة.. قصص تتشابه تتقاطع وتكشف حجم أزمة إنسانية يصعب تفكيكها، عائلات نساء وأطفال تبيت وسط خيام أو في العراء أمام سفاراتهم.. نقص في الغذاء وفي الأغطية.. تهديدات في الفضاءات العامة إيقافات ومحاصرة أمنية.. وسط مصير مجهول، فالسفارات تكتفي إلى غاية اليوم بتجميع قائمات الراغبين في المغادرة في حين لم يصدر عن السلطات التونسية أي معطى جديد فيما يتعلق بإلغاء الغرامات أو توفير طائرات إجلاء أو فتح الباب أمامهم لتسوية وضعياتهم القانونية عبر وثائق إقامة وباستثناء كلمة الرئيس الأخيرة وما جاء فيها من اتهامات للأفارقة جنوب الصحراء عير النظاميين بالعنف والخروج عن القانون..، غلب الصمت على الجانب الرسمي التونسي.

ضغط إيطالي وحملة ممنهجة

وكشف رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في علاقة بالحملة الأخيرة أن عدد الإيقافات التي تم تسجيلها في صفوف الأفارقة جنوب الصحراء من1 فيفري والى غاية يوم 28 فيفري، قد تجاوز الـ1800 إيقاف بحجة عدم نظاميتهم، وهي حملة انطلقت حسب نفس المصدر منذ ما قبل خطاب رئيس الجمهورية أي مع بداية شهر فيفري. وحسب قراءة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فالحملة مرتبطة بضغط ايطالي جاء بعد زيارة وزير الخارجية والداخلية الايطالي في شهر جانفي وكانت لهم مطالب في علاقة بالمهاجرين غير النظاميين من الأفارقة جنوب الصحراء باعتبار أنهم مشاريع مهاجرين باتجاه شمال المتوسط، وبتعلة تطبيق القانون انطلقت الحملة..

وتعلقت الحملة كما أفاد بن عمر أكثر بسلوكيات عنف وعمليات طرد للمهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء أكثر منها بإيقافات أمنية، اجبر المهاجرون على الخروج من الفضاءات العامة، دراسة وعمل وتنقل، والبقاء في فضاءات خاصة إن وجدت، وهو ما منع جزءا كبيرا منهم من حقهم في الوصول إلى الصحة والغذاء والمسكن وطرح إشكال كبير تعلق بالأساس بالأطفال والنساء الذين وجدوا أنفسهم في الشارع بحجة عدم امتلاكهم لوثائق نظامية.

في نفس الوقت اعتبر رمضان بن عمر أن استجابات سفارات دول جنوب الصحراء كانت ضعيفة للغاية باعتبار أن الكثير من هذه الوضعيات جاءت فارة من بلدانها نتيجة أوضاع سياسية أو نزاعات عرقية، لذلك لم يتجهوا نحو سفاراتهم والتجأوا إلى منظمات المجتمع المدني أو الحملات التضامنية.

وحالة الرعب التي خلقت اليوم في صفوف الأفارقة جنوب الصحراء جعلت وضعيتهم صعبة للغاية، عالقين، غير قادرين على مغادرة تونس حتى بالصيغ القانونية بعد تراكم خطايا مخالفة التأخير الخاصة بالإقامة التي تصل إلى حدود الـ3 آلاف دينار، في نفس الوقت هناك عدد منهم ليس لهم حتى وثائق هوية بعد أن فقدوها في رحلتهم البحرية باتجاه ايطاليا أو خلال دفعهم من قبل السلط الجزائية نحو التراب التونسي. إضافة الى وجود وضعية ثالثة وهي البدون جنسية الذين يعيشون في منطقة الصحراء الكبرى ويعتمدون اكثر على التنقلات.

وأضاف رمضان بن عمر ان هدف الدولة التونسية ليس ترحيل الافارقة جنوب الصحراء، لان ذلك يتطلب كلفة عالية وعلاقات دبلوماسية متطورة مع دولهم وهذا للأسف ضعيف وغير موجود. ولذلك فعلى الأغلب أرادت السلط التونسية من هذه الحملة خلق مناخ من الخوف والرعب لدى المهاجرين غير النظاميين في تونس ولإثناء كل من يفكر في القدوم الى تونس عن ذلك. وهو توجه يصب دائما في إطار السياسيات الأوروبية التي تعمل على منع تصدير كل نوايا الهجرة نحو أماكن انطلاقها الرئيسية.

نفي.. ورسائل "طمأنة"

وتنفي السلطات التونسية في مختلف التصريحات الرسمية وجود حملة عنصرية وتخويف أو إيقافات تستهدف الأفارقة جنوب الصحراء، وتؤكد الداخلية التونسية أن الإيقافات أو الحملة الأمنية تتنزل في إطار العمل العادي للفرق الأمنية كما تعتبر أن مصير الموقوفين أو عملية ترحيلهم يخرج عن صلاحياتها وهو من مسؤولية وزارة العدل والهياكل المعنية بالمهاجرين.  مع العلم أن "حملة مناهضة الفاشية" التي انطلقت مؤخرا وضمت حركات شبابية ومنظمات ونشطاء وحقوقيين قد أقرت لـ"الصباح" أن حدة موجة العنصرية والحملة الأمنية قد تراجعت وخفت نسبيا بعد مسيرة يوم السبت الماضي وبيانات التنديد والاستنكار الوطنية والدولية التي صدرت بعدها، إلا أن الوضع الإنساني مازال حرجا ويتطلب الكثير من الجهد والتضامن.

وعلى الأغلب فإن السلطات الرسمية أصبحت واعية بحجم الفوضى والعنصرية التي ظهرت مؤخرا، أين صرح وزير الخارجية التونسي نبيل عمّار الاثنين الماضي في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" "أن بلاده تبعث برسائل "طمأنة" لكنها تستبعد الاعتذار اثر الانتقادات التي اعتبرت خطاب سعيّد في خصوص المهاجرين عنصريا".

وللإشارة ورغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في تونس، إلا أن الأوضاع فيها تبقى أفضل بكثير من عدة بلدان أخرى تشهد نزاعات وحروب أهلية وانقسامات، كما كانت على امتداد سنوات طريقا ونقطة انطلاق يتجه إليها المهاجرون غير النظاميين نحو الدول الأوروبية، فضلا على أن تونس كانت من الدول التي فتحت أبوابها منذ الستينات أمام الطلبة الأفارقة وتدعم وجودهم أكثر مع ظهور الجامعات الخاصة التي تقدم برامج تعليمية تدرس بالفرنسية والانقليزية وتتراوح تكاليفها السنوية بين الـ 6 آلاف دينار و10 آلاف دينار سنويا.  مع العلم أن وزير الخارجية التونسي الأسبق قد صرح أن تونس تطمح أن ترفع من عدد الطلبة الأفارقة في السنوات القادمة وهو أمر يبدو من المستحيل تحقيقيه مع المستجدات الأخيرة.

وحسب المعطيات الرسمية للمعهد الوطني للإحصاء يقيم في تونس 70 ألف أجنبي منهم 21 ألفا و466 من جنسيات افريقية والبقية أوروبيين ومغاربة وجنسيات أخرى..

ريم سوودي