هل ينجح نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج الجديد، في التعاطي مع الملفات المستجدة والعالقة الحارقة في مرحلة وجيزة على نحو يمكن بلادنا من تدارك وضعيات جد صعبة جراء الضغوط الداخلية والخارجية بالأساس، لتتمكن بذلك الدبلوماسية التونسية من تحقيق المعادلة المطلوبة عبر تحويل جملة هذه الملفات إلى آليات داعمة لسياسة الدولة ومواردها التنموية والاقتصادية، لتصبح خادمة لبلادنا في هذه المرحلة الصعبة؟
مدعاة طرح هكذا تساؤل تأتي في ظل التغيرات الجيوسياسية والإستراتيجية التي يشهدها العالم بنسق متسارع في مرحلة ما بعد الجائحة الوبائية "كوفيد 19"، وما خلفته من تداعيات اقتصادية واجتماعية دفعت أغلب المنظومات ودول العالم لإعادة النظر في سياساتها الداخلية والخارجة وإعادة ترتيب علاقاتها الاقتصادية والسياسية بالأساس، وقد تزامن ذلك مع دخول بلادنا في مسار سياسي جديد قطع مع المنظومة القديمة منذ 25 جويلية 2021. بيد أن الجدل والصراعات المترتبة عنه ساهمت في تعميق أزمة البلاد الداخلية في عديد المستويات، وهو ما حال دون لحاق بلادنا بركب بقية البلدان في إعادة ترتيب الأوضاع في مجال الاستثمار والتنمية وإصلاح ما يجب إصلاحه ومراجعته، لاسيما أن الحدث السياسي والسيادي الذي عرفته بلادنا منذ أكثر من عام ونصف جاء بعد أزمات متراكمة وأوضاع سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية متردية، كان للحكومات المتعاقبة والمنظومة التي حكمت الدولة منذ 2011 إلى غاية ذلك التاريخ دور كبير في تحقيقه وتوسع دائرته على نطاق واسع.
إن مطلب تعافي الدبلوماسية التونسية لتكون في مستوى الأداء المطلوب، بات من أوكد الأولويات لخدمة قضايا الدولة التونسية في هذه المرحلة الجديدة وإعادة تشكلها وتركيزها وفق مقاييس محددة بعيدا عن منطق التحزب والمحاصصات السياسية التي كان معمولا بها في السابق، خاصة وأنها كانت من العوامل التي ساهمت في تراجع دور الدبلوماسية التونسية وعدم قدرتها على مجاراة نسق الدبلوماسيات العالمية، وذلك وفق شهادة مختصين في المجال، وهذا العامل بدوره كان سببا في تسجيل شغورات في عدد من السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية في العالم بعد إقالة بعضهم أو انتهاء مدة عمل البعض الآخر وعدم القيام بالحركة الديبلوماسية منذ أكثر من سنتين.
فملف القروض وغلق المانحين الدوليين لباب إقراض الدولة التونسية لما تحتاجه للخروج من أزماتها، رغم الوعود الإيجابية بالموافقة، يعد من بين أوكد الملفات العالقة، لتطفو على سطح في الآونة الأخيرة جملة من الأحداث كانت بمثابة اختبار حقيقي لوزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار، في مهمته الجديدة، ومن خلاله اختبار لمهام الدبلوماسية التونسية في رهانها على تحقيق المعادلة الصعبة لخدمة المصالح الوطنية بالأساس، وهو تقريبا ما أكدته وزارة الخارجية التونسية أول أمس من خلال دعوتها للبعثات الدبلوماسية في بلادنا إلى "عدم التدخل" في شؤون الدولة الداخلية، وذلك في بيان أصدرته في الغرض إن "تونس حريصة على تسهيل عمل واتصالات البعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها خدمة لعلاقات الصداقة والتعاون مع البلدان الشقيقة والصديقة، مع التقيد بمقتضيات اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تنص على واجب احترام الدبلوماسيين لقوانين الدولة المعتمدين لديها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية". يأتي ذلك بعد تواتر جملة من الأحداث الداخلية مقابل تواتر ردود أفعال أجنبية حولها وفق ما جاء في بيان الخارجية التونسية أنه "على إثر ما تم تداوله في عدد من وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بخصوص تتبع بعض الأشخاص على خلفية اتصالاتهم مع بعثات دبلوماسية معتمدة بتونس". ويذكر أن عددا من الموقوفين في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" كانوا قد التقوا دبلوماسيين وممثلي دول أجنبية في تونس.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الأمر بل أن قضية توافد أعداد كبيرة من الجالية الإفريقية على بلادنا بطرق غير شرعية، ومحاولة بعض الجهات المراهنة عليها لتحريك "النعرة العنصرية" والزج بها في مطاحن صراعات إقليمية وسياسوية، أثارت اهتمام الرأيين الداخلي والخارجي الأمر الذي دفع دبلوماسية بعض البلدان الإفريقية ومنظمات حقوقية ودولية للتدخل على خط التحرك تفاعلا مع "قضية إنسانية مفتعلة"، بشكل لا يخدم المصلحة الوطنية والمواطنين بشكل عام، خاصة أنها تأتي في الوقت الذي بدأت فيه "ماكينة" الدبلوماسية التونسية تتحرك من أجل ضمان تموضع جديد لبلادنا في خارطة الاستثمار الخارجي وفتح قنوات تواصل واتصال خارجي إقليميا وعالميا بما يساهم في تحريك عجلة التنمية والاقتصاد بعد خروج بلادنا من مرحلة الاستثناء وعودة مؤسسات الدولة إلى مباشرة مهامها بعد تنصيب مجلس نواب الشعب بعد أيام قليلة.
وقد سارع عمار إلى التحرك على أكثر من جِهة ووجْهة في محاولة لتعديل بوصلة الدبلوماسية الوطنية في اتجاه خدمة المصلحة الوطنية والدولة التونسية المدنية الديمقراطية في كنف احترام القانون وحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية الإفريقية والعالمية والأممية سواء تعلق الأمر بقضية المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء أو غيرهم من الأجانب المقيمين ببلادنا. وهو تقريبا ما تضمنته البيانات الصادرة عن الخارجية التونسية مؤخرا في تحركها تفاعلا مع ردود أفعال أجنبية تجاه بعض القضايا الوطنية أو قضية المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء أو في جملة اللقاءات الرسمية التي أقامها أثناء تواجده خلال الأيام الأخيرة بجينيف.
وقد كان لزيارات كل من الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، وزير الداخلية بالمملكة العربية السعودية والرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب، والدكتور محمد بن علي كومان، الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، وقبله بيومين حل بيننا الشيخ خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بدولة قطر، الذي يؤدي زيارة عمل إلى بلادنا على رأس وفد رسمي ضمّ، بالخصوص، السادة وزير العمل ووزير الدولة للشؤون الخارجية ووكيل وزارة التجارة والصناعة بدولة قطر. واستبشر البعض الآخر بمثل هذه الزيارات نظرا لما يمكن أن تسفر عنه من برامج تعاون في الأفق من شانها أن تساهم في حلحلة الأزمات التي تمر بها بلادنا، وتحقق جانبا من الأهداف التي تبحث عنها في إطار السياقات الإقليمية والدولية الجديدة.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
هل ينجح نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج الجديد، في التعاطي مع الملفات المستجدة والعالقة الحارقة في مرحلة وجيزة على نحو يمكن بلادنا من تدارك وضعيات جد صعبة جراء الضغوط الداخلية والخارجية بالأساس، لتتمكن بذلك الدبلوماسية التونسية من تحقيق المعادلة المطلوبة عبر تحويل جملة هذه الملفات إلى آليات داعمة لسياسة الدولة ومواردها التنموية والاقتصادية، لتصبح خادمة لبلادنا في هذه المرحلة الصعبة؟
مدعاة طرح هكذا تساؤل تأتي في ظل التغيرات الجيوسياسية والإستراتيجية التي يشهدها العالم بنسق متسارع في مرحلة ما بعد الجائحة الوبائية "كوفيد 19"، وما خلفته من تداعيات اقتصادية واجتماعية دفعت أغلب المنظومات ودول العالم لإعادة النظر في سياساتها الداخلية والخارجة وإعادة ترتيب علاقاتها الاقتصادية والسياسية بالأساس، وقد تزامن ذلك مع دخول بلادنا في مسار سياسي جديد قطع مع المنظومة القديمة منذ 25 جويلية 2021. بيد أن الجدل والصراعات المترتبة عنه ساهمت في تعميق أزمة البلاد الداخلية في عديد المستويات، وهو ما حال دون لحاق بلادنا بركب بقية البلدان في إعادة ترتيب الأوضاع في مجال الاستثمار والتنمية وإصلاح ما يجب إصلاحه ومراجعته، لاسيما أن الحدث السياسي والسيادي الذي عرفته بلادنا منذ أكثر من عام ونصف جاء بعد أزمات متراكمة وأوضاع سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية متردية، كان للحكومات المتعاقبة والمنظومة التي حكمت الدولة منذ 2011 إلى غاية ذلك التاريخ دور كبير في تحقيقه وتوسع دائرته على نطاق واسع.
إن مطلب تعافي الدبلوماسية التونسية لتكون في مستوى الأداء المطلوب، بات من أوكد الأولويات لخدمة قضايا الدولة التونسية في هذه المرحلة الجديدة وإعادة تشكلها وتركيزها وفق مقاييس محددة بعيدا عن منطق التحزب والمحاصصات السياسية التي كان معمولا بها في السابق، خاصة وأنها كانت من العوامل التي ساهمت في تراجع دور الدبلوماسية التونسية وعدم قدرتها على مجاراة نسق الدبلوماسيات العالمية، وذلك وفق شهادة مختصين في المجال، وهذا العامل بدوره كان سببا في تسجيل شغورات في عدد من السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية في العالم بعد إقالة بعضهم أو انتهاء مدة عمل البعض الآخر وعدم القيام بالحركة الديبلوماسية منذ أكثر من سنتين.
فملف القروض وغلق المانحين الدوليين لباب إقراض الدولة التونسية لما تحتاجه للخروج من أزماتها، رغم الوعود الإيجابية بالموافقة، يعد من بين أوكد الملفات العالقة، لتطفو على سطح في الآونة الأخيرة جملة من الأحداث كانت بمثابة اختبار حقيقي لوزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار، في مهمته الجديدة، ومن خلاله اختبار لمهام الدبلوماسية التونسية في رهانها على تحقيق المعادلة الصعبة لخدمة المصالح الوطنية بالأساس، وهو تقريبا ما أكدته وزارة الخارجية التونسية أول أمس من خلال دعوتها للبعثات الدبلوماسية في بلادنا إلى "عدم التدخل" في شؤون الدولة الداخلية، وذلك في بيان أصدرته في الغرض إن "تونس حريصة على تسهيل عمل واتصالات البعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها خدمة لعلاقات الصداقة والتعاون مع البلدان الشقيقة والصديقة، مع التقيد بمقتضيات اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تنص على واجب احترام الدبلوماسيين لقوانين الدولة المعتمدين لديها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية". يأتي ذلك بعد تواتر جملة من الأحداث الداخلية مقابل تواتر ردود أفعال أجنبية حولها وفق ما جاء في بيان الخارجية التونسية أنه "على إثر ما تم تداوله في عدد من وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بخصوص تتبع بعض الأشخاص على خلفية اتصالاتهم مع بعثات دبلوماسية معتمدة بتونس". ويذكر أن عددا من الموقوفين في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" كانوا قد التقوا دبلوماسيين وممثلي دول أجنبية في تونس.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الأمر بل أن قضية توافد أعداد كبيرة من الجالية الإفريقية على بلادنا بطرق غير شرعية، ومحاولة بعض الجهات المراهنة عليها لتحريك "النعرة العنصرية" والزج بها في مطاحن صراعات إقليمية وسياسوية، أثارت اهتمام الرأيين الداخلي والخارجي الأمر الذي دفع دبلوماسية بعض البلدان الإفريقية ومنظمات حقوقية ودولية للتدخل على خط التحرك تفاعلا مع "قضية إنسانية مفتعلة"، بشكل لا يخدم المصلحة الوطنية والمواطنين بشكل عام، خاصة أنها تأتي في الوقت الذي بدأت فيه "ماكينة" الدبلوماسية التونسية تتحرك من أجل ضمان تموضع جديد لبلادنا في خارطة الاستثمار الخارجي وفتح قنوات تواصل واتصال خارجي إقليميا وعالميا بما يساهم في تحريك عجلة التنمية والاقتصاد بعد خروج بلادنا من مرحلة الاستثناء وعودة مؤسسات الدولة إلى مباشرة مهامها بعد تنصيب مجلس نواب الشعب بعد أيام قليلة.
وقد سارع عمار إلى التحرك على أكثر من جِهة ووجْهة في محاولة لتعديل بوصلة الدبلوماسية الوطنية في اتجاه خدمة المصلحة الوطنية والدولة التونسية المدنية الديمقراطية في كنف احترام القانون وحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية الإفريقية والعالمية والأممية سواء تعلق الأمر بقضية المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء أو غيرهم من الأجانب المقيمين ببلادنا. وهو تقريبا ما تضمنته البيانات الصادرة عن الخارجية التونسية مؤخرا في تحركها تفاعلا مع ردود أفعال أجنبية تجاه بعض القضايا الوطنية أو قضية المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء أو في جملة اللقاءات الرسمية التي أقامها أثناء تواجده خلال الأيام الأخيرة بجينيف.
وقد كان لزيارات كل من الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، وزير الداخلية بالمملكة العربية السعودية والرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب، والدكتور محمد بن علي كومان، الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، وقبله بيومين حل بيننا الشيخ خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بدولة قطر، الذي يؤدي زيارة عمل إلى بلادنا على رأس وفد رسمي ضمّ، بالخصوص، السادة وزير العمل ووزير الدولة للشؤون الخارجية ووكيل وزارة التجارة والصناعة بدولة قطر. واستبشر البعض الآخر بمثل هذه الزيارات نظرا لما يمكن أن تسفر عنه من برامج تعاون في الأفق من شانها أن تساهم في حلحلة الأزمات التي تمر بها بلادنا، وتحقق جانبا من الأهداف التي تبحث عنها في إطار السياقات الإقليمية والدولية الجديدة.