إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المديح سهل مريح يخدع .. لكن يضرّ

بقلم:مصدّق الشّريف

*خيال بعضهم الشّاسع ذهب إلى أنّ عملية تنظيم القادمين لبلادنا من الأشقاء الأفارقة هو ضرب من العنصرية

منذ أواخر سنة 2010 وإلى يوم النّاس هذا، لم تعرف بلادنا الاستقرار ولا الهدوء على المستويات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. كلّ النّاس يدّعون في السّياسة وفي غيرها من المجالات معرفة ولا يعترفون أبدا بأنّهم قد استوعبوا شيئا وغابت عنهم أشياء.عشنا التّقلبات السياسيّة في جميع مظاهرها وألوانها ولا نزال.

سمعنا ورأينا كيف تتغيّر المواقف، بما لا يدع سبيلا إلى الشّك،بين عشيّة وضحاها، أو حتّى دون ذلك. المدهش في الأمر أنّ أصحابها يعتبرون ذلك عادّيا. لا يستحون ولا يخجلون.الأمر عندهم طبيعيّ. سياحة حزبيّة على اليمين وعلى الشمال. يصل القدح إلى حدّ ثلب الأفراد وتجريح هذه الكتلة الحزبية أو تلك. لكن سرعان ما يتصالح القادة ويتواددون.

قد سجّل التّاريخ السياسيّ في بلادنا أنّ الخطّين المتوازيين التقيا في الأخير في لقاء باريس بين المرحوم الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي وضربا عرض الحائط النظريات الهندسيّة كلّها وكذبا على نفسيهما في وضح النهار. يهون كل شيء من أجل الكرسيّ والمنصب. ومن أجل السّلطة تُسقى ألف عين ويصبح عدوّ الأمس الفكري والإيديولوجي الحليف الموضوعيّ اليوم.

قد رأينا القبلات التي لها أنياب والضحكات المصطنعة صفراء فاقع لونها. رأينا العجب العجاب ولا نزال. فالذي كان يصف الاتحاد العام التونسي للشغل باتحاد الخراب على امتداد عشرية كاملة أصبح يقول اليوم إنّ منظّمة حشاد قلعة من قلاع البلاد الحصينة وإنّه يتصدّى لكلّ من تسول له نفسه استهدافها.

جازى الله التاريخ كلّ خير. مازالت أحداث 4 ديسمبر 2012 التي جدّت ببطحاء محمد علي عشيّة الاحتفال بذكرى استشهاد الزعيم الوطني والنقابي خالد الذكر فرحات حشاد حيّة في ذاكرة التونسيّات والتونسييّن ولاسّيما منهم النقابيّات والنقابيين. وليس بوسع أيّ كان مهما علا شأنه أن يمحيها.

وأخيرا يأتي تصريح السّيدة ايستر لينتش (Esther LYNCH) الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنّقابات على هامش مشاركتها في مسيرة صفاقس بتاريخ يوم السبت 18 فيفري 2023. فادّعى بعضهم، حسب هواه، أنّ السيّدة لم تتدخل في شؤون بلادنا ولم تتجاوز حدودها. وفي رأينا أنّهم بهذه القراءة حرّفوا الحقيقة وزوّروها. لله درهم ما أبرعهم في استخدام الأقوال المأثورة والاستشهاد بالعظماء حين يريدون خدمة مصالحهم وأجنداتهم. لقد أشارت المرأة على رئيس الجمهورية بما يجب فعله وما ينبغي تركه. ودعته بلهجة حادّة إلى ضرورة عقد الحوار الوطني في أقرب الآجال. بالإضافة إلى أنّها طلبت منه الكفّ عن إيقاف النقابييّن وعدم ملاحقتهم. أليس هذا تدخلا في شؤون بلادنا؟ أليس هذا تجاوزا أرعن وخطيرا لا يجب السّكوت عنه؟ فهل نحن بحاجة إلى من يعلّمنا العمل السياسي وكيف نتعامل مع من يتجاوز صلاحيّات العمل النقابي النّزيه والشّفاف ويستغل موقعه لتحقيق أهدافه ومصالحه الخاصّة على حساب مصلحة الوطن؟

وفي سياق آخر، ذهب خيال بعضهم الشّاسع الذي لا يخلو من المكر واقتفاء ما ليس لهم به علم إلى أنّ عملية تنظيم القادمين لبلادنا من الأشقاء الأفارقة هو ضرب من العنصرية في خطاب السّلطة التونسيّة. وفي رأينا أنّ هذا التأويل سلعة لا سوق لها ومآلها البوار.

كلّهم يعملون على شاكلتهم ويتلوّنون كالحرباء ويكذبون كمسيلمة الكذاب. ولكن حين تسكن كلّ حركة ويدخلون إلى مخادعهم ويهبون إلى السّبات لا يستطيعون. فلا طمأنينة لنفوسهم ولا انشراح لصدورهم بل هي ضيّقة حرجة. إنّهم وإن تنعمت ظواهرهم ولبسوا ما شاؤوا وأكلوا ما شاؤوا وسكنوا حيث شاؤوا وحازوا على ما شاؤوا ونفخ لهم المنافقون في صورتهم كما شاؤوا وهلّل لهم الإمّعة وطبّلوا لهم كما شاؤوا وغيرّوا الحقائق وزوّروها كما شاؤوا وخرجوا على الناس خروج الأبطال إيهاما بالنّصر تبقى قلوبهم مرتجفة شكّا وقلقا وحيرة وخوفا.

  • تمّ اقتطاف العنوان من قصيدة مرّ الكلام للشاعر أحمد فؤاد نجم.
المديح سهل مريح يخدع .. لكن يضرّ

بقلم:مصدّق الشّريف

*خيال بعضهم الشّاسع ذهب إلى أنّ عملية تنظيم القادمين لبلادنا من الأشقاء الأفارقة هو ضرب من العنصرية

منذ أواخر سنة 2010 وإلى يوم النّاس هذا، لم تعرف بلادنا الاستقرار ولا الهدوء على المستويات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. كلّ النّاس يدّعون في السّياسة وفي غيرها من المجالات معرفة ولا يعترفون أبدا بأنّهم قد استوعبوا شيئا وغابت عنهم أشياء.عشنا التّقلبات السياسيّة في جميع مظاهرها وألوانها ولا نزال.

سمعنا ورأينا كيف تتغيّر المواقف، بما لا يدع سبيلا إلى الشّك،بين عشيّة وضحاها، أو حتّى دون ذلك. المدهش في الأمر أنّ أصحابها يعتبرون ذلك عادّيا. لا يستحون ولا يخجلون.الأمر عندهم طبيعيّ. سياحة حزبيّة على اليمين وعلى الشمال. يصل القدح إلى حدّ ثلب الأفراد وتجريح هذه الكتلة الحزبية أو تلك. لكن سرعان ما يتصالح القادة ويتواددون.

قد سجّل التّاريخ السياسيّ في بلادنا أنّ الخطّين المتوازيين التقيا في الأخير في لقاء باريس بين المرحوم الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي وضربا عرض الحائط النظريات الهندسيّة كلّها وكذبا على نفسيهما في وضح النهار. يهون كل شيء من أجل الكرسيّ والمنصب. ومن أجل السّلطة تُسقى ألف عين ويصبح عدوّ الأمس الفكري والإيديولوجي الحليف الموضوعيّ اليوم.

قد رأينا القبلات التي لها أنياب والضحكات المصطنعة صفراء فاقع لونها. رأينا العجب العجاب ولا نزال. فالذي كان يصف الاتحاد العام التونسي للشغل باتحاد الخراب على امتداد عشرية كاملة أصبح يقول اليوم إنّ منظّمة حشاد قلعة من قلاع البلاد الحصينة وإنّه يتصدّى لكلّ من تسول له نفسه استهدافها.

جازى الله التاريخ كلّ خير. مازالت أحداث 4 ديسمبر 2012 التي جدّت ببطحاء محمد علي عشيّة الاحتفال بذكرى استشهاد الزعيم الوطني والنقابي خالد الذكر فرحات حشاد حيّة في ذاكرة التونسيّات والتونسييّن ولاسّيما منهم النقابيّات والنقابيين. وليس بوسع أيّ كان مهما علا شأنه أن يمحيها.

وأخيرا يأتي تصريح السّيدة ايستر لينتش (Esther LYNCH) الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنّقابات على هامش مشاركتها في مسيرة صفاقس بتاريخ يوم السبت 18 فيفري 2023. فادّعى بعضهم، حسب هواه، أنّ السيّدة لم تتدخل في شؤون بلادنا ولم تتجاوز حدودها. وفي رأينا أنّهم بهذه القراءة حرّفوا الحقيقة وزوّروها. لله درهم ما أبرعهم في استخدام الأقوال المأثورة والاستشهاد بالعظماء حين يريدون خدمة مصالحهم وأجنداتهم. لقد أشارت المرأة على رئيس الجمهورية بما يجب فعله وما ينبغي تركه. ودعته بلهجة حادّة إلى ضرورة عقد الحوار الوطني في أقرب الآجال. بالإضافة إلى أنّها طلبت منه الكفّ عن إيقاف النقابييّن وعدم ملاحقتهم. أليس هذا تدخلا في شؤون بلادنا؟ أليس هذا تجاوزا أرعن وخطيرا لا يجب السّكوت عنه؟ فهل نحن بحاجة إلى من يعلّمنا العمل السياسي وكيف نتعامل مع من يتجاوز صلاحيّات العمل النقابي النّزيه والشّفاف ويستغل موقعه لتحقيق أهدافه ومصالحه الخاصّة على حساب مصلحة الوطن؟

وفي سياق آخر، ذهب خيال بعضهم الشّاسع الذي لا يخلو من المكر واقتفاء ما ليس لهم به علم إلى أنّ عملية تنظيم القادمين لبلادنا من الأشقاء الأفارقة هو ضرب من العنصرية في خطاب السّلطة التونسيّة. وفي رأينا أنّ هذا التأويل سلعة لا سوق لها ومآلها البوار.

كلّهم يعملون على شاكلتهم ويتلوّنون كالحرباء ويكذبون كمسيلمة الكذاب. ولكن حين تسكن كلّ حركة ويدخلون إلى مخادعهم ويهبون إلى السّبات لا يستطيعون. فلا طمأنينة لنفوسهم ولا انشراح لصدورهم بل هي ضيّقة حرجة. إنّهم وإن تنعمت ظواهرهم ولبسوا ما شاؤوا وأكلوا ما شاؤوا وسكنوا حيث شاؤوا وحازوا على ما شاؤوا ونفخ لهم المنافقون في صورتهم كما شاؤوا وهلّل لهم الإمّعة وطبّلوا لهم كما شاؤوا وغيرّوا الحقائق وزوّروها كما شاؤوا وخرجوا على الناس خروج الأبطال إيهاما بالنّصر تبقى قلوبهم مرتجفة شكّا وقلقا وحيرة وخوفا.

  • تمّ اقتطاف العنوان من قصيدة مرّ الكلام للشاعر أحمد فؤاد نجم.