حلقة أخرى في ملفات الفساد التي تنخر قطاع الصحة في تونس تعود إلى سطح الأحداث بعد أن أثارت زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد مؤخرا إلى مقر الشركة التونسية للصناعات الصيدلية "سيفات" بولاية بن عروس، ردود أفعال مختلفة نظرا لحجم التجاوزات الخطيرة المسجلة، وذلك بعد أن كشف خلال نفس الزيارة عن ملف فساد في القطاع الصحي وتحديدا في مجال الأدوية على درجة عالية من الخطورة، خاصة بعد عرض كميات كبيرة من الأدوية والمواد الدوائية التي انتهت مدة صلوحيتها مجمعة في مخازن الشركة وبعضها الآخر "مكدس" في فضاءات خارجية ومدة استعمالها خاصة فترة زمنية قريبة أي السنوات الأخيرة. خاصة أن هذه الأدوية تعد من بين أبرز أنواع الأدوية التي احتاجها المواطنون، وكانت على قائمة الأدوية الحيوية المطلوبة والمفقودة. الأمر الذي دفع بعض المرضى لبحث مسالك مختلفة من أجل توفير بعض ما يحتاجونه من تلك الأدوية وبأسعار مضاعفة في حين أن كميات كبيرة منها كانت متوفرة ومخزنة و"مخفية" عن الأعين وبعيدة عن أيادي الاستهلاك في مخازن الشركة، دون أن تحرك أي جهة معنية ساكنا تجاه هذا "الفساد".
لتطرح هذه المسألة قضية أخرى على غاية من الخطورة وترتقي إلى "الجريمة في حق الإنسانية"، باعتبار أنها تتعلق بحق التونسيين في التداوي والعلاج والحق الإنساني في الحياة، التي ينص عليها دستور 2022 في فصوله 22 و24 و25 وذلك بأن "تضمن الدّولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريّات الفردية والعامّة وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم". و"الحق في الحياة مقدّس. ولا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون". و"تحمي الدّولة كرامة الذّات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المعنوي والمادي". كما نصت على ذلك عدة معاهدات دولية تعد بلادنا من بين البلدان المصادقة عليها.
لأن التلاعب بحياة التونسيين باعتبار أن عددا كبيرا من المرضى والمواطنين حرموا من التداوي والعلاج بتعلة عدم توفر الأدوية في السوق التونسية في حين الأمر يبدو أنه لم يكن كذلك. ويجدر بالجهات الرسمية المعنية الكشف عن حقيقة وملابسات هذه القضية خاصة أن هذه الأدوية والمواد المستعملة في الصناعات الصيدلية والعلاج الفاقدة للصلوحية، كلفت الدولة مبالغ مالية كبيرة في ظرف تمر به المالية العمومية بصعوبات.
ويذكر أنه سبق أن تم طرح نفس هذه المسألة في بداية شهر جانفي المنقضي على إثر زيارة والي بن عروس عزالدين شلبي إلى الشركة المذكورة وتداولت بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لخبر يتعلق بوجود "شبهة تلاعب بالأدوية" وإخفاء كميات كبيرة من الأدوية التي عانى التونسيين من افتقادها في السنوات الأخيرة، داخل مخازن ومستودع تابعة للشركة التونسية للصناعات الصيدلية. يأتي ذلك في الوقت الذي تمر به بلادنا بصعوبات مالية كبيرة فضلا عن تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتردي الوضع الصحي في تونس بعد إطلاق مختصين في المجال وقائمين على مؤسسات وهياكل صحية لصيحات فزع من بين أسبابها عدم قدرة سلطة الإشراف على توفير مستلزمات الصيانة للهياكل والمؤسسات والمنشآت الصحية وعدم قدرتها أيضا على تجديد التجهيزات وتوفير الآليات اللازمة في ظل هذا الوضع الصعب فضلا عن عدم توفر الأدوية وغيرها من مستلزمات العلاج والتداوي.
وسبق أن تطرق وزير الصحة علي مرابط في مناسبات عديدة إلى مسألة الرقمنة التي لطالما طالبت بها عديد الجهات من أجل القضاء على الفساد المتعلق بسرقة الأدوية ووضع حد للتجاوزات الممكن تسجيلها في القطاع الصحي بشكل عام، لاسيما أن عديد الجهات قد اشتكت من تكرر ظواهر الفساد واعتبرتها من عوامل تردي المنظومة الصحية في بلادنا وعدم تطور آلياتها.
ولم تكن هذه التجاوزات الخطيرة في قطاع الصحة الأولى، إذ سبق أن تم تسجيل عديد التجاوزات وتم فتح ملفات فساد عديدة في العشرية الماضية لعل أبرزها ما تعلق بمأساة الأطفال الرضع إثر وفاة 14 رضيعا في إحدى المستشفيات التونسية بالعاصمة في مارس 2019 والتي لا تزال القضية مطروحة على أنظار القضاء إلى غاية اليوم، وتم خلالها طرح مسألة استعمال أدوية فاقدة للصلاحية وغيرها من التجاوزات التي أدت إلى فقدان هذا العدد من الرضع في ظرف وجيز.
وهي قضية سبقت قضية اللوالب القلبية المنتهية للصلوحية التي أثارت الرأيين الخاص والعام في تونس سنة 2016 والتي أثارت بدورها جدلا واسعا ولا يزال ملف القضية لم يغلق بعد أن أثبتت التحقيقات التي تم إجراؤها للغرض، أن عددا من المصحات الخاصة والمستشفيات قد استعملت لوالب قلبية وغيرها من التجهيزات الصحية المنتهية الصلوحية.
ولم يتوقف أمر التجاوزات والفساد عند هذا الحد بل سبقتها أيضا طرح قضية البنج الفاسد على أنظار المحكمة الابتدائية بتونس في نفس السنة والتي أثبتت بعض المعطيات أنه المسألة تعود لسنة 2015 وفق صفقة لكمية من البنج الفاسد الذي أسفر عن عدد كبير من الضحايا.
ليضاف ذلك لقائمة التجاوزات المسجلة في القطاع الصحي وطغيان الجانب الربحي المادي على ما هو إنساني باستغلال عدة عوامل منها غياب أو تقصير الرقابة وتواطؤ البعض في هذا الجانب واستسهال البعض الآخر في التعاطي مع المواد الطبية وشبه الطبية. فضلا عما يتم تداوله بين الفينة والأخرى من وجود عمليات سرقة لأدوية من الصيدلية المركزية أو تمكن الجهات الأمنية من كشف تهريب كميات كبيرة من الأدوية بطرق غير شرعية خارج حدود الوطن. لذلك يطرح تكرر مثل هذه التجاوزات المسجلة في القطاع الصحي بشكل خاص الجهات المسؤولة إلى مراجعة منظومة العمل خاصة في ما يتعلق بشبكات التوزيع والتوريد المتحكمة في سوق الأدوية والفاعلة فيها في ظل الخلل المسجل في منظومة الصيدلية المركزية باعتبارها الجهة الرسمية المخول لها القيام بعمليات التوريد للأدوية والمواد المستعملة في الصناعات الصيدلية والدوائية والطبية. إذ من شأن إحكام القبضة على مسالك الفساد في قطاع الصحة أن يحقق جوانب من حقوق التونسيين المفقودة وضمان أحد أركان كرامتهم.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
حلقة أخرى في ملفات الفساد التي تنخر قطاع الصحة في تونس تعود إلى سطح الأحداث بعد أن أثارت زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد مؤخرا إلى مقر الشركة التونسية للصناعات الصيدلية "سيفات" بولاية بن عروس، ردود أفعال مختلفة نظرا لحجم التجاوزات الخطيرة المسجلة، وذلك بعد أن كشف خلال نفس الزيارة عن ملف فساد في القطاع الصحي وتحديدا في مجال الأدوية على درجة عالية من الخطورة، خاصة بعد عرض كميات كبيرة من الأدوية والمواد الدوائية التي انتهت مدة صلوحيتها مجمعة في مخازن الشركة وبعضها الآخر "مكدس" في فضاءات خارجية ومدة استعمالها خاصة فترة زمنية قريبة أي السنوات الأخيرة. خاصة أن هذه الأدوية تعد من بين أبرز أنواع الأدوية التي احتاجها المواطنون، وكانت على قائمة الأدوية الحيوية المطلوبة والمفقودة. الأمر الذي دفع بعض المرضى لبحث مسالك مختلفة من أجل توفير بعض ما يحتاجونه من تلك الأدوية وبأسعار مضاعفة في حين أن كميات كبيرة منها كانت متوفرة ومخزنة و"مخفية" عن الأعين وبعيدة عن أيادي الاستهلاك في مخازن الشركة، دون أن تحرك أي جهة معنية ساكنا تجاه هذا "الفساد".
لتطرح هذه المسألة قضية أخرى على غاية من الخطورة وترتقي إلى "الجريمة في حق الإنسانية"، باعتبار أنها تتعلق بحق التونسيين في التداوي والعلاج والحق الإنساني في الحياة، التي ينص عليها دستور 2022 في فصوله 22 و24 و25 وذلك بأن "تضمن الدّولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريّات الفردية والعامّة وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم". و"الحق في الحياة مقدّس. ولا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون". و"تحمي الدّولة كرامة الذّات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المعنوي والمادي". كما نصت على ذلك عدة معاهدات دولية تعد بلادنا من بين البلدان المصادقة عليها.
لأن التلاعب بحياة التونسيين باعتبار أن عددا كبيرا من المرضى والمواطنين حرموا من التداوي والعلاج بتعلة عدم توفر الأدوية في السوق التونسية في حين الأمر يبدو أنه لم يكن كذلك. ويجدر بالجهات الرسمية المعنية الكشف عن حقيقة وملابسات هذه القضية خاصة أن هذه الأدوية والمواد المستعملة في الصناعات الصيدلية والعلاج الفاقدة للصلوحية، كلفت الدولة مبالغ مالية كبيرة في ظرف تمر به المالية العمومية بصعوبات.
ويذكر أنه سبق أن تم طرح نفس هذه المسألة في بداية شهر جانفي المنقضي على إثر زيارة والي بن عروس عزالدين شلبي إلى الشركة المذكورة وتداولت بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لخبر يتعلق بوجود "شبهة تلاعب بالأدوية" وإخفاء كميات كبيرة من الأدوية التي عانى التونسيين من افتقادها في السنوات الأخيرة، داخل مخازن ومستودع تابعة للشركة التونسية للصناعات الصيدلية. يأتي ذلك في الوقت الذي تمر به بلادنا بصعوبات مالية كبيرة فضلا عن تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتردي الوضع الصحي في تونس بعد إطلاق مختصين في المجال وقائمين على مؤسسات وهياكل صحية لصيحات فزع من بين أسبابها عدم قدرة سلطة الإشراف على توفير مستلزمات الصيانة للهياكل والمؤسسات والمنشآت الصحية وعدم قدرتها أيضا على تجديد التجهيزات وتوفير الآليات اللازمة في ظل هذا الوضع الصعب فضلا عن عدم توفر الأدوية وغيرها من مستلزمات العلاج والتداوي.
وسبق أن تطرق وزير الصحة علي مرابط في مناسبات عديدة إلى مسألة الرقمنة التي لطالما طالبت بها عديد الجهات من أجل القضاء على الفساد المتعلق بسرقة الأدوية ووضع حد للتجاوزات الممكن تسجيلها في القطاع الصحي بشكل عام، لاسيما أن عديد الجهات قد اشتكت من تكرر ظواهر الفساد واعتبرتها من عوامل تردي المنظومة الصحية في بلادنا وعدم تطور آلياتها.
ولم تكن هذه التجاوزات الخطيرة في قطاع الصحة الأولى، إذ سبق أن تم تسجيل عديد التجاوزات وتم فتح ملفات فساد عديدة في العشرية الماضية لعل أبرزها ما تعلق بمأساة الأطفال الرضع إثر وفاة 14 رضيعا في إحدى المستشفيات التونسية بالعاصمة في مارس 2019 والتي لا تزال القضية مطروحة على أنظار القضاء إلى غاية اليوم، وتم خلالها طرح مسألة استعمال أدوية فاقدة للصلاحية وغيرها من التجاوزات التي أدت إلى فقدان هذا العدد من الرضع في ظرف وجيز.
وهي قضية سبقت قضية اللوالب القلبية المنتهية للصلوحية التي أثارت الرأيين الخاص والعام في تونس سنة 2016 والتي أثارت بدورها جدلا واسعا ولا يزال ملف القضية لم يغلق بعد أن أثبتت التحقيقات التي تم إجراؤها للغرض، أن عددا من المصحات الخاصة والمستشفيات قد استعملت لوالب قلبية وغيرها من التجهيزات الصحية المنتهية الصلوحية.
ولم يتوقف أمر التجاوزات والفساد عند هذا الحد بل سبقتها أيضا طرح قضية البنج الفاسد على أنظار المحكمة الابتدائية بتونس في نفس السنة والتي أثبتت بعض المعطيات أنه المسألة تعود لسنة 2015 وفق صفقة لكمية من البنج الفاسد الذي أسفر عن عدد كبير من الضحايا.
ليضاف ذلك لقائمة التجاوزات المسجلة في القطاع الصحي وطغيان الجانب الربحي المادي على ما هو إنساني باستغلال عدة عوامل منها غياب أو تقصير الرقابة وتواطؤ البعض في هذا الجانب واستسهال البعض الآخر في التعاطي مع المواد الطبية وشبه الطبية. فضلا عما يتم تداوله بين الفينة والأخرى من وجود عمليات سرقة لأدوية من الصيدلية المركزية أو تمكن الجهات الأمنية من كشف تهريب كميات كبيرة من الأدوية بطرق غير شرعية خارج حدود الوطن. لذلك يطرح تكرر مثل هذه التجاوزات المسجلة في القطاع الصحي بشكل خاص الجهات المسؤولة إلى مراجعة منظومة العمل خاصة في ما يتعلق بشبكات التوزيع والتوريد المتحكمة في سوق الأدوية والفاعلة فيها في ظل الخلل المسجل في منظومة الصيدلية المركزية باعتبارها الجهة الرسمية المخول لها القيام بعمليات التوريد للأدوية والمواد المستعملة في الصناعات الصيدلية والدوائية والطبية. إذ من شأن إحكام القبضة على مسالك الفساد في قطاع الصحة أن يحقق جوانب من حقوق التونسيين المفقودة وضمان أحد أركان كرامتهم.