مع نهاية الحرب الباردة، لم تعد هناك أي أيديولوجية تحكم أو تطرح نفسها كحلّ لمشاكل البشرية، لكن عوضتها أفكار ومقاربات ورؤى. خلقت هذه الوضعية صراعات داخلية وخارجية تتبلور في عدة أطروحات في هذا المستوى:
-الأطروحة المادية: المصلحة الاقتصادية الاجتماعية كأساس كل النزاعات الداخلية والخارجية.
-الأطروحة المثالية: ما يؤسس له الفلاسفة والمفكرون ورجال القانون من أفكار جديدة. فالفكر السياسي هو تمثيل في العقل البشري لظاهرة محددة. إنه انعكاس للسلطة السياسية وأنماط النقل هذه، والأفكار السياسية هي القوة الدافعة في الحياة السياسية، لذلك نحن نتحدث عن تكييف العقول، رغم أن الأفكار ليست هي نفسها. كما أن ترجمة الأفكار السياسية إلى حالات عملية أدت إلى ظهور منظومات سياسية اتخذت أشكالًا عديدة من مجتمع إلى آخر أو حتى من عصر إلى آخر داخل نفس المجتمع. واقع الفعل السياسي الرّاهن في تونس اليوم انّه لا ينجز ويصنع الأحداث وإنّما يستثمر أخطاء الآخرين حتى ولو كان الأمر من باب كبير عنوانه: القضاء على الفساد والإصلاح. إن التقدم والحضارة هما نتيجة جهود العبقرية الإنسانية، فانتصار المرء هو في تقدّمه ليس في تراجع منافسيه. إن الأفكار متعددة ومتنوعة لكن تبقى فكرة الحرية، أساس القانون، وهي ليست مبدأ ترف فكري أو أنانية بورجوازية، قوّتها أنها تميل إلى الانتشار في الخارج وليس فقط للتكثف داخل نفسها، إنها قوة توسع بقدر ما هي قوة تركيز، إنها قوة اجتماعية بقدر ما هي قوة فردية. لذلك فإن "دولة القانون" الحقيقية ليست فقط ، كما يتكرر باستمرار، قاضيا أو شرطيا ساهرا على استتباب الأمن وفي خدمة الفرد لا يزال يعتنق الحياة العامة، التي هي أحد الموضوعات البارزة في العقد الاجتماعي بل في مجال قدرته الانتصار لقيمة الحرية واحترام الحقوق والدفاع عن الحق في الاختلاف. إن مصادر القوة في الحكم ثلاثة من حيث العدد: شخصية الحاكم والقدرة على التجميع والتنظيم، وهي مرتبطة ببعضها البعض. الشخصية والقدرة على التجميع يعززان بعضهما البعض وغالبًا ما يستفيدان من الكفاءة المتزايدة التي توفرها طبيعة الحكم. لكن لا شك في الأهمية الأولية للشخصية في القوة الإقناعية، وهي التي أعطت قوتها وزخمها وفضلها لعمل قادة أبطال عرفهم العالم عبر التاريخ. فتاريخ تونس المستقلة وبدايات مأسسة الدولة الوطنية اندمج مع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة المصلح والبراغماتي والحداثي، أيضًا المستبدّ المستنير الذي لا يقبل أي رفض أو خلاف لموقف أو رأي، كان الزعيم رجلا يتمتع بشخصية القائد، مدركًا أن قيادته لا يمكن ممارستها إلا في إطار إجماع شعبي أنشأه هو بنفسه بفضل حزب قوي منتشر في كل أرجاء البلاد. كأننا اليوم من خلال هذا الذي يجري نستحضر لحظة التأسيس الأولى، فالخطاب السياسي الرّاهن أشار بشكل واضح الى أن البلاد تخوض "معركة تحرير"، كما عاد لنفس قيم وأهداف البناء الوطني الأول، أي السيادة والاستقلال لكن في أوضاع غير تلك التي عاشتها قبل أكثر من ستة عقود وفي ظرف دولي مغاير تماما.
ما نخشاه أن يكون عقل الحاكم السياسي أسيرا للتاريخ عاجزا عن نفض عن نفسه نزعة الحنين إلى الماضي أو العيش فيه. حبذا لو يقدم لنا هذا “العقل” دليل اعتبار تمثيله لكلّ أبناء الشعب بكلّ شرائحه وفئاته مستجيبا لمطلب أولئك الملايين الذين فوضوه وفي لحظتين فارقتين انتخابات رئاسية 2019 وإجراءات 25 جويلية 2021. فالحاكم الناجح كما يحب البلاد عليه كذلك أن يحب شعبه دون تفرقة أو تمييز أو تصنيف أو تغليب فئة على أخرى.
يقلم: أبوبكر الصغير
مع نهاية الحرب الباردة، لم تعد هناك أي أيديولوجية تحكم أو تطرح نفسها كحلّ لمشاكل البشرية، لكن عوضتها أفكار ومقاربات ورؤى. خلقت هذه الوضعية صراعات داخلية وخارجية تتبلور في عدة أطروحات في هذا المستوى:
-الأطروحة المادية: المصلحة الاقتصادية الاجتماعية كأساس كل النزاعات الداخلية والخارجية.
-الأطروحة المثالية: ما يؤسس له الفلاسفة والمفكرون ورجال القانون من أفكار جديدة. فالفكر السياسي هو تمثيل في العقل البشري لظاهرة محددة. إنه انعكاس للسلطة السياسية وأنماط النقل هذه، والأفكار السياسية هي القوة الدافعة في الحياة السياسية، لذلك نحن نتحدث عن تكييف العقول، رغم أن الأفكار ليست هي نفسها. كما أن ترجمة الأفكار السياسية إلى حالات عملية أدت إلى ظهور منظومات سياسية اتخذت أشكالًا عديدة من مجتمع إلى آخر أو حتى من عصر إلى آخر داخل نفس المجتمع. واقع الفعل السياسي الرّاهن في تونس اليوم انّه لا ينجز ويصنع الأحداث وإنّما يستثمر أخطاء الآخرين حتى ولو كان الأمر من باب كبير عنوانه: القضاء على الفساد والإصلاح. إن التقدم والحضارة هما نتيجة جهود العبقرية الإنسانية، فانتصار المرء هو في تقدّمه ليس في تراجع منافسيه. إن الأفكار متعددة ومتنوعة لكن تبقى فكرة الحرية، أساس القانون، وهي ليست مبدأ ترف فكري أو أنانية بورجوازية، قوّتها أنها تميل إلى الانتشار في الخارج وليس فقط للتكثف داخل نفسها، إنها قوة توسع بقدر ما هي قوة تركيز، إنها قوة اجتماعية بقدر ما هي قوة فردية. لذلك فإن "دولة القانون" الحقيقية ليست فقط ، كما يتكرر باستمرار، قاضيا أو شرطيا ساهرا على استتباب الأمن وفي خدمة الفرد لا يزال يعتنق الحياة العامة، التي هي أحد الموضوعات البارزة في العقد الاجتماعي بل في مجال قدرته الانتصار لقيمة الحرية واحترام الحقوق والدفاع عن الحق في الاختلاف. إن مصادر القوة في الحكم ثلاثة من حيث العدد: شخصية الحاكم والقدرة على التجميع والتنظيم، وهي مرتبطة ببعضها البعض. الشخصية والقدرة على التجميع يعززان بعضهما البعض وغالبًا ما يستفيدان من الكفاءة المتزايدة التي توفرها طبيعة الحكم. لكن لا شك في الأهمية الأولية للشخصية في القوة الإقناعية، وهي التي أعطت قوتها وزخمها وفضلها لعمل قادة أبطال عرفهم العالم عبر التاريخ. فتاريخ تونس المستقلة وبدايات مأسسة الدولة الوطنية اندمج مع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة المصلح والبراغماتي والحداثي، أيضًا المستبدّ المستنير الذي لا يقبل أي رفض أو خلاف لموقف أو رأي، كان الزعيم رجلا يتمتع بشخصية القائد، مدركًا أن قيادته لا يمكن ممارستها إلا في إطار إجماع شعبي أنشأه هو بنفسه بفضل حزب قوي منتشر في كل أرجاء البلاد. كأننا اليوم من خلال هذا الذي يجري نستحضر لحظة التأسيس الأولى، فالخطاب السياسي الرّاهن أشار بشكل واضح الى أن البلاد تخوض "معركة تحرير"، كما عاد لنفس قيم وأهداف البناء الوطني الأول، أي السيادة والاستقلال لكن في أوضاع غير تلك التي عاشتها قبل أكثر من ستة عقود وفي ظرف دولي مغاير تماما.
ما نخشاه أن يكون عقل الحاكم السياسي أسيرا للتاريخ عاجزا عن نفض عن نفسه نزعة الحنين إلى الماضي أو العيش فيه. حبذا لو يقدم لنا هذا “العقل” دليل اعتبار تمثيله لكلّ أبناء الشعب بكلّ شرائحه وفئاته مستجيبا لمطلب أولئك الملايين الذين فوضوه وفي لحظتين فارقتين انتخابات رئاسية 2019 وإجراءات 25 جويلية 2021. فالحاكم الناجح كما يحب البلاد عليه كذلك أن يحب شعبه دون تفرقة أو تمييز أو تصنيف أو تغليب فئة على أخرى.