تونس-الصباح
تنظر غدا الاثنين الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس في ملف عبد القادر بن يشرط وهو ضحية من ضحايا التعذيب والتنكيل واحد المنتمين لمجموعة لزهر الشرايطي وما عرف بالمحاولة الانقلابية على نظام حكم بورقيبة سنة 1962.
وكان بن يشرط بين خلال شهادته أنه وبقية المجموعة من شرائح مختلفة منهم من كان صلب الحزب الدستوري التونسي قبل انضمام المرحوم الحبيب بورقيبة إليه وسبعة عسكريين بينهم حمادي قيزة وصالح الحشاني وعمر البنبلي والصادق بن سعيد ومحمد بركية وبيرم المحرزي ومحمد المثناني (أمني) وضابط بالحرس الوطني وكانوا حوالي 57 شخصا عقدوا اجتماعات استنكروا فيها سياسة بورقيبة التي اتسمت بالديكتاتورية والانفراد بالحكم والسلطة وقمع المعارضين وهي فضلا عن اسرافه وبذخه في تشييد القصور رغم أن الوضع الاقتصادي للبلاد كان في تلك الفترة لا يسمح بذلك بالإضافة إلى موقف بورقيبة من حرب بنزرت والإعداد السيء لها مما أدى إلى الزج بعديد التونسيين في حرب غير متكافئة إضافة إلى عملية اغتيال المرحوم صالح بن يوسف ومع ذلك يقول ان عمليّة الانقلاب لم تصل إلى مرحلة التنفيذ أو حتى مجرد الشروع في بعض تفاصيلها إنما كانت مجرد فكرة في أذهان أفراد المجموعة.
الواشي..
قال بن يشرط ان واش كشف مخططهم وألقي على البعض منهم القبض عام 1962 بينما ألقي عليه القبض بعد 21 يوما بعد أن كان مختفيا بمنزل أحد الجزائريين بجهة السيدة المنوبية ثم اختفى في منزل قريبة له وسط العاصمة أين ألقي عليه القبض واقتيد مباشرة الى مقر وزارة الداخلية أين انطلقت عملية تعذيبه بالضرب والإهانات.
سجن الكراكة..
تحدث بن يشرط عن مرحلة سجنه في الكراكة وقال انه خلال بحثه سئل عن الإعداد والمشاركين في عملية محاولة الانقلاب مشيرا الى انه لم يلتق ببقية أعضاء المجموعة داخل الوزارة وحتى أسماء جلاديه فقد نسيهم ثم نقل إلى سجن 9 أفريل وبقي مدة أسبوعين ثم تم نقله إلى سجن الكراكة بغار الملح مع 18 آخرين من المجموعة وقد عانى في السجن أبشع أنواع التعذيب فضلا عن سوء المعاملة ووجود الأوساخ والحشرات "قمل" أما الأكل فحدث ولا حرج فقد كان عبارة عن حساء من الماء به قليل من الجزر.
زيارة الطيب المهيري..
يقول بن يشرط انه أثناء إقامته بسجن الكراكة بغار الملح زاره كل من الطيب المهيري الذي كان وزير داخلية كان مرفوقا بالباجي قايد السبسي الذي كان وقتذاك مدير أمن وكان المهيري استغرب كيف يتم ابقاؤه وبقية المجموعة غير مقيدين وأمر بتقييدهم بالسلاسل من الأرجل ففهم أن تلك الزيارة كانت الغاية منها مزيد التنكيل بهم مشيرا الى أن مدير سجن الكراكة كان يدعى محمود المرابط.
وبعد عامين و8 أشهر تم نقلهم إلى سجن برج الرومي واودعوا بالسراديب التي يصل عمقها إلى 37 درجا وكانوا مقيدين بالسلاسل وكان المكان باردا خاصة في فصل الصيف فقد كانوا يجبرون على قضاء حاجتهم البشرية في نصف برميل وهم مكبلين بالسلاسل.
وصرح أيضا بأنه كان قضى بسجن برج الرومي ثماني سنوات ونصف ثم بعد 11سنة تقريبا قضاها بين سجني الكراكة وبرج الرومي أطلق سراحه بموجب عفو رئاسي وانه طيلة ثماني سنوات بسجن ايقافه لم تتمكن عائلته من زيارته.
الحكم..
المحاكمة تمت بثكنة بوشوشة العسكرية بتهمة محاولة الانقلاب على نظام الحكم وصدر عليه حكم ب 20 سنة سجنا وهو نزيل السجن.
وأكد أنه لم يتم الشروع في تنفيذ محاولة الانقلاب على نظام الحكم ولم يتم ضبط موعد للتنفيذ منتهيا بشهادته إلى تمسكه بطلب تتبع كل من تثبت إدانته.
اعدام 10 أفراد..
كانت أرملة نقيب بالجيش الوطني يدعى محمد بن قيزة شهر حمادي قيزة ينتمي إلى نفس مجموعة لزهر الشرايطي المتهمة بمحاولة القيام بانقلاب على بورقيبة سنة 1962 مشيرة أنها أسست في 2016 جمعية ضحايا ما يسمى المحاولة الانقلابية 1962 التي أسفرت عن إعدام 10 أفراد وتعذيب البقية صرحت ان زوجها كان المسؤول عن المدرعات بثكنة بوفيشة ويعتبر من خيرة ضباط الجيش التونسي ممّن كانوا تلقوا الدراسة والتكوين بفرنسا لتأهيلهم لتأسيس نواة الجيش التونسي معتبرة أن المحاكمة التي كان أطرافها زوجها وبقية المجموعة كانت محاكمة غير عادلة باعتبار أن المحاولة كانت مجرد مشروع لم ينفذ ورغم ذلك كانت الأحكام قاسية جدا فضلا عن أن المجموعة لم تكن ترمي في الحقيقة إلى انقلاب عسكري وإنما كان الامر حراك شعبي من قبيل الثورة الشعبية شملت أطياف مختلفة من الشعب التونسي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وكان فيها من العسكريين والمدنيين على حد السواء كانت تحدوهم جميعا مشاعر التغيير بسبب ما عاينوه من تسلط واسراف وتبذير من النظام الحاكم مضيفة أن ذلك الحراك انقسم إلى قسمين عقد كل قسم منهما اجتماعا في نفس الليلة، المجموعة الأولى ضمت عسكريين بينهم زوجها بمنزل المنصف الماطري وقد اتفقوا على إيقاف العملية باعتبار أن العسكريين لم يكونوا يرغبون في مشاركة المدنيين أما المجموعة الثانية فقد ضمت المدنيين واجتمعت بمنزل لزهر الشرايطي ملاحظة ان المدعو عبد العزيز شوشان وهو عسكري من بين اللذين حضروا الاجتماع بمنزل لزهر الشرايطي هو من وشى بالمجموعة حيث ارسل أحد مساعديه إلى وزير الدفاع في تلك الفترة الباهي لدغم لإعلامه بالأمر فانطلقت حملة الاعتقالات في الأثناء كان زوجها استدعي يوم 20 ديسمبر 1962 واجتمع به وزير الدفاع الباهي لدغم واستنطقه ثم أودع مع عدد آخر بغرفة بوزارة الدفاع مشيرة أن زوجها لم يتعرض إلى التعذيب قبل أن يقع ايقافه ومحاكمته في جانفي 1963 رفقة 53 متهما تلك المحاكمة التي لم تدم لأكثر من خمسة أيام ثم صدر الحكم بتاريخ 18 جانفي 1963 معتبرة أن الحكم كان جاهز وأعدّ بالقصر الرئاسي معتبرة أنها محاكمة غير عادلة مضيفة أن أحكام بالاعدام صدرت في حق عشرة من بين المجموعة خمسة عسكريين وخمسة من المدنيين بينهم لزهر الشرايطي. وأحمد الرحموني ...ثم إن أحكام الإعدام كانت متسارعة لن تراعى فيها المقاييس الدولية ولا حتى المحلية لحقوق الإنسان إذ نفذت الأحكام يوم 24 جانفي 1963 قبل ليلة فقط من دخول شهر رمضان المعظم كذلك عملية الدفن كانت بثكنة الحرس الوطني ببئر بورقبة دون إعلام أي أحد بذلك ولا بحضور أفراد عائلاتهم.
طمس الجثث..
اشارت في شهادتها انه تم رش مادة "الجير"على جثث الذين اعدموا وهي مادة تجعل الجثة تتآكل بسرعة، و في 2012 لم يتم التعرف سوى على خمسة رفات فقط بعد حفر مكان دفن الضحايا.
وسيلة بورقيبة على الخط..
وتابعت أن زوجها كان صدر ضده حكما بالإعدام ولكن تم ابدال عقوبة الإعدام بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة بعد أن طلبت وسيلة بورقيبة زوجة الزعيم الراحل بالإعفاء عن قريبها منصف الماطري وقد غادر زوجها السّجن بتاريخ غرة جوان 1973 حين صدر عفو رئاسي شمل كل المساجين السياسيين..
وبالإضافة إلى من صدرت ضدهم أحكام بالإعدام فإن البقية صدرت ضدهم أحكام بالسجن وصلت الى المؤبد وكانوا تعرضوا بالسجن إلى شتى أنواع التعذيب والتنكيل المادي والمعنوي واودع 18 منهم بالزنزانات المعروفة بعنق الجمل بسجن الكراكة بغار الملح أين قضى المرحوم الصحبي فرحات نحبه بالغرفة عدد 7 بالسجن ثم تم نقل زوجها وبقية المجموعة الى سجن برج الرومي وتم إيداعهم بمكان تحت الأرض وهو عبارة عن بئر بالإضافة إلى تكبيلهم من أرجلهم بالسلاسل مضيفة أن زوجها ورفاقه كانوا يشربون من حفرة كان يتجمع بها بعض الماء فقد كان مكان احتجازهم سيء جدا إذ يتواجد "القمل "و"البرغوث" فأدى ذلك إلى إصابتهم بالجرب ورغم ذلك كانوا يحرمون من العلاج، مشيرة الى ان السجين القاضي أحمد التيجاني كان عزل بمفرده سواء بسجن الكراكة أو برج الرومي مما أثر على صحته ومداركه العقلية فتوفي بعد ثمانية أشهر من مغادرته السجن.
وتابعت بأن ما سمي بالمحاولة الانقلابية لم تكن مغامرة إنما رغبة من جملة من الوطنيين عسكريين أو مدنيين كانوا يرغبون في تغيير المسار
حمادي غرس..
قال حمادي غرس ( شارك غرس في النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي وكان من المنتمين لفرقة رضا بن عمار).
في شهادته في هذا الملف انه في 18جانفي 1952 صدرت تعليمات ودعوات من الحزب الدستوري وعرضت عن طريق الشعب الدستورية على التراب التونسي مفادها مجابهة السلط الاستعمارية، ومقاومتها فتكونت مجموعات صمود بالمدن والجبال قامت بما يعرف بحرب العصابات وطالت المقاومة الجالية الفرنسية فأصبحت لدى المستعمر خشية من المقاومة والمقاومين فالتجأت فرنسا إلى بورقيبة الذي كان بمنفاه بجزيرة "لاقرو" وتم نقله الى مكان آخر والتفاوض معه دون استشارة بقية أعضاء الحز ب معتبرا أنها كانت صفقة بين بورقيبة ومنداس فرانس على أن تكف المقاومة عن النضال ويكون التفاوض بين المستعمر وبورقيبة فقط.
وفي أوائل ديسمبر 1954 راجت معلومات تفضح تلك الصفقة مفادها أنه في نوفمر 1954 حصل في مقر المقيم العام الفرنسي اجتماع ضم 22 شخصية تونسية بينهم مختار عطية والحبيب المولهي.. أغلبهم كانوا رؤساء الجامعات الدستورية و22 ضابطا فرنسيا وكان موضوع الاجتماع نزع سلاح المقاومة وتحديد الأماكن والمجموعات التي سينزع سلاحه..
مضيفا ان بورقيبة في تلك الفترة القى خطابات لم تكن في مستوى ومطامح السياسيين، بينها خطاب 3 أوت 1954 الذي قال فيه بورقيبة بأن الدول المستعمرة لا يمكنها أن تحصل على استقلال تام بل عليها أن تبقى تابعة للجهة المستعمرة حتى تتمكن من بناء نفسها كما أن بورقيبة لم يطالب المستعمر ولن يتفاوض معه حول استقلال تونس وذلك ما جعلهم يخالفون الزعيم الرأي إضافة إلى أن ذلك التوجه المتمثل في عملية تسليم السلاح الى المستعمر كان بإذن من بورقيبة وقد أفسد ذلك المشروع المغاربي الذي انخرط فيه بورقيبة وتزامن اندلاع الثورة الجزائرية واحتكاك المقاومة بالمغرب الأقصى كان سيشكل خطأ مغاربيا سيعجز عنه المستعمر.
ولاحظ أنه في 1955 لم تنتصر السيادة التونسية في عدة مجالات كما رافق الفشل حرب بنزرت مشيرا أن المستعمر فضلا عن قتله الرضع وكبار السن وغيرهم فقد قتل صحفي مصور بجريدة "الصباح" يدعى محمد بن عمار وحاول المستعمر أيضا قتل صاحب الجريدة في تلك الفترة الحبيب شيخ روحو بسبب نشر الجريدة عن عملية اغتيال صالح بن يوسف.
وتابع بشهادته انه بعد إعلان الاستقلال فإن الجيش الفرنسي لم يغادر تونس وبقي لتعقب المقاومين بالقصف بالطائرات فسقط المئات من الشهداء وان بورقيبة طلب من الجيش الفرنسي البقاء إلى حين تركيز الدولة مقابل إطلاق سراح اليد الحمراء التي اغتالت فرحات حشاد وعبد الرحمان مامي.
مفيدة القيزاني
