"ولي اليوم ليس بولي الأمس".. هي عبارة يكررها اليوم كثيرون فأزمة الإفلاس الأخلاقي والقيمي وانعدام التربية التي يعاني منها الأطفال والشباب (لاسيما الفئة العمرية التي تتراوح من 10 الى 20 سنة) مردها من وجهة نظر البعض تراجع دور الولي في القيام بدوره في التربية على الوجه المطلوب.. على أن المستفز في الأمر هو "ترحيل هذه المهمة" الى الحضانة والمدرسة وباقي الفضاءات الخاصة التي تتولى مهمة مجالسة الأطفال في الفترة المسائية بما أن غالبية الأولياء توقيت عملهم إداري.. دون وعي وإدراك منهم أن العملية التربوية تنطلق من الأسرة ..
من هذا المنطلق يفسر كثيرون تنامي ظاهرة العنف في صفوف الأطفال سواء لفظيا أو ماديا الى جانب عدم التشبع ببعض القيم التي تقوم على ثقافة الاحترام وقبول الآخر وكل مظاهر الاختلاف عنه لاسيما تبني قيم التسامح والتعايش في كنف الاحترام هذا بالتوازي مع مختلف السلوكيات الشاذة التي نلحظها في شباب اليوم سواء في المترو أو المقهى أو الشارع.. مردّه تقاعس الأولياء في القيام بدورهم في تربية وتوجيه الناشئة. هذا الولي الذي وجد اليوم في المدارس والمحاضن ورياض الأطفال وباقي فضاءات الطفولة الخاصة بديلا عنه متحجّجا بضيق الوقت جراء العمل ومتطلبات الحياة.
وبالتوازي مع التغافل عن المهمة التربوية وجعلها حكرا على المدرسة وباقي الفضاءات التي تعنى بالطفولة، يستنكر البعض الآخر عدم ممارسة الأولياء لدورهم الرقابي كما ينبغي خاصة فيما يتعلق بعدد الساعات التي يقضيها الشاب على الشبكة العنكبوتية وما توفره من وسائل تواصل اجتماعي جميعها تجعله عرضة لمشاهد تحمل مضامين عنيفة أو متطرفة الأمر الذي من شانه ان يحدث تحولات عميقة على مستوى السلوك.
في المقابل يتفهّم كثيرون ضغوطات الحياة وخاصة صعوبة تامين مٌستلزماتها اليومية في ظل الغلاء الفاحش للأسعار الذي يجبر فئة هامة من الأولياء على البحث عن عمل إضافي عساه يستطيع مجابهة تسونامي مصاريف البيت والمدرسة والدرس الخصوصي وغيرها من المصاريف التي تكاد لا تنتهي وبالتالي فان هذا الولي يجد نفسه "مجبرا" على التخلي عن دوره ليجد في المدرسة أو الحضانة ملاذا له عسى هذه المؤسسات تستطيع ملء الفراغ الذي تركه بسبب تراكم ضغوطات الحياة..
في هذا الخصوص يستنكر عدد من المربين تخلي بعض الأولياء عن دورهم التربوي وكأنه حكر فقط على المدرسة على اعتبار أن المدرسة من الضروري أن تضطلع بالتوازي مع دورها التعليمي بممارسة دور تربوي.. وفي هذا الخصوص تشير المربية (معلمة بمدرسة ابتدائية) لبنى الجديدي في تصريح أمس لـ"الصباح" الى أن فئة هامة من الأولياء وللأسف تخلت عن دورها التربوي لاعتقاد راسخ لديها بان المدرسة من بين المهام التي في عهدتها هي السهر على تربية الناشئة. لتقول في هذا الإطار: "صحيح أن المدرسة تمارس دورا تربويا لكن هذا الدور أو هذه المهمة تعود بالأساس الى الولي على اعتبار أن الطفل يتلقى التنشئة الأزمة منذ نعومة أظفاره داخل الأسرة ولا يمكن مطلقا للمدرسة أن تعوض دور الولي فهذا الأخير والمدرسة يلعبان دورا متكاملا في التربية والإحاطة بالطفل". وأضافت محدثتنا أنها تستنكر وبشدة عدم قدرة غالبية الأولياء على السيطرة أو التحكم في مدى استعمال أبنائهم لشبكة الانترنات على اعتبار أن ارتفاع منسوب العنف سواء كان لفظيا أو معنويا لدى التلاميذ مرده تأثرهم بما يدور في الشبكة العنكبوتية.
من جهة أخرى ولان الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ لا تعنى فقط بالتلاميذ وإنما من مشمولاتها الأولياء أيضا فقد اعتبر رئيس الجمعية رضا الزهروني في تفاعله مع هذا الطرح الذي يؤشر الى تخلي شق كبير من الأولياء عن دورهم التربوي وأن المرحلة لا تستوجب توجيه أصابع الاتهام الى أطراف بعينها.
وفسر الزهروني في تصريح لـ"الصباح" أمس أن ولي اليوم لم نستورده من الخارج فهو نتاج منظومة تربوية وثقافية واجتماعية تونسية بحتة وما نزرعه اليوم نحصده غدا على حد تعبيره. وبالتالي وبما أن أولياء اليوم هم أطفال وشباب الأمس وهم نتاج منظومة تربوية وثقافية فان نفس هذه المنظومة ستنتج غدا أولياء على نفس الشاكلة مشيرا انه ولدى تعاملنا مع مسالة السلوك والتربية نتوخى دائما نفس السياسات التي تقوم على سياسة الهروب الى الأمام.
وأضاف محدثنا انه من الضروري اليوم الارتقاء بالبعد التربوي موضحا أن الانفتاح اليوم على الثقافات الأخرى عبر شبكة الانترنات كان له عميق الأثر في إحداث تحولات على مستوى سلوك الطفل وبالتالي من الضروري ان ترتقي التربية الى مستوى الاختصاص من خلال توفير مختصين في كل المواد التي لها علاقة بالتربية وبتكوين شخصية المتعلم.
كما أوضح الزهروني أن الواقع الاجتماعي أو المناخ العام قد جعل الجميع يتعامل مع مسالة التربية على أنها تكسب بالوراثة والحال أنها تكسب عن طريق الاستحقاق مشيرا الى انه من الضروري اليوم القيام بحملات تحسيسية وتوعوية للأولياء من خلال تاطيرهم وتعريفهم باليات التربية الموجهة الى الطفل مؤكدا أن دولا متقدمة تسبقنا أشواطا في التقدم والرقي تقوم بمثل هذه الحملات التاطيرية للأولياء. ليخلص محدثنا الى القول بان الشروع في عملية الإصلاح التربوي باتت ضرورة ملحة لان العمود الفقري للمدرسة هو عملية الإصلاح التي من شانها أن تعيد للمدرسة بريقها وجاذبيتها ومشروعها الذي يقوم على التربية والتعليم..
في هذا الخضم وحتى لا نضع الجميع في سلة واحدة جدير بالذكر أن هنالك اليوم شبابا وأطفالا يعتبرون مثالا يحتذى به في التربية والأخلاق وهذا يعكس مدى تمسك بعض الأولياء بالقيام برسالتهم على الوجه المطلوب دون ترحيل مهمتهم التربوية الى مدرسة أو حضانة ما..
منال حرزي
تونس-الصباح
"ولي اليوم ليس بولي الأمس".. هي عبارة يكررها اليوم كثيرون فأزمة الإفلاس الأخلاقي والقيمي وانعدام التربية التي يعاني منها الأطفال والشباب (لاسيما الفئة العمرية التي تتراوح من 10 الى 20 سنة) مردها من وجهة نظر البعض تراجع دور الولي في القيام بدوره في التربية على الوجه المطلوب.. على أن المستفز في الأمر هو "ترحيل هذه المهمة" الى الحضانة والمدرسة وباقي الفضاءات الخاصة التي تتولى مهمة مجالسة الأطفال في الفترة المسائية بما أن غالبية الأولياء توقيت عملهم إداري.. دون وعي وإدراك منهم أن العملية التربوية تنطلق من الأسرة ..
من هذا المنطلق يفسر كثيرون تنامي ظاهرة العنف في صفوف الأطفال سواء لفظيا أو ماديا الى جانب عدم التشبع ببعض القيم التي تقوم على ثقافة الاحترام وقبول الآخر وكل مظاهر الاختلاف عنه لاسيما تبني قيم التسامح والتعايش في كنف الاحترام هذا بالتوازي مع مختلف السلوكيات الشاذة التي نلحظها في شباب اليوم سواء في المترو أو المقهى أو الشارع.. مردّه تقاعس الأولياء في القيام بدورهم في تربية وتوجيه الناشئة. هذا الولي الذي وجد اليوم في المدارس والمحاضن ورياض الأطفال وباقي فضاءات الطفولة الخاصة بديلا عنه متحجّجا بضيق الوقت جراء العمل ومتطلبات الحياة.
وبالتوازي مع التغافل عن المهمة التربوية وجعلها حكرا على المدرسة وباقي الفضاءات التي تعنى بالطفولة، يستنكر البعض الآخر عدم ممارسة الأولياء لدورهم الرقابي كما ينبغي خاصة فيما يتعلق بعدد الساعات التي يقضيها الشاب على الشبكة العنكبوتية وما توفره من وسائل تواصل اجتماعي جميعها تجعله عرضة لمشاهد تحمل مضامين عنيفة أو متطرفة الأمر الذي من شانه ان يحدث تحولات عميقة على مستوى السلوك.
في المقابل يتفهّم كثيرون ضغوطات الحياة وخاصة صعوبة تامين مٌستلزماتها اليومية في ظل الغلاء الفاحش للأسعار الذي يجبر فئة هامة من الأولياء على البحث عن عمل إضافي عساه يستطيع مجابهة تسونامي مصاريف البيت والمدرسة والدرس الخصوصي وغيرها من المصاريف التي تكاد لا تنتهي وبالتالي فان هذا الولي يجد نفسه "مجبرا" على التخلي عن دوره ليجد في المدرسة أو الحضانة ملاذا له عسى هذه المؤسسات تستطيع ملء الفراغ الذي تركه بسبب تراكم ضغوطات الحياة..
في هذا الخصوص يستنكر عدد من المربين تخلي بعض الأولياء عن دورهم التربوي وكأنه حكر فقط على المدرسة على اعتبار أن المدرسة من الضروري أن تضطلع بالتوازي مع دورها التعليمي بممارسة دور تربوي.. وفي هذا الخصوص تشير المربية (معلمة بمدرسة ابتدائية) لبنى الجديدي في تصريح أمس لـ"الصباح" الى أن فئة هامة من الأولياء وللأسف تخلت عن دورها التربوي لاعتقاد راسخ لديها بان المدرسة من بين المهام التي في عهدتها هي السهر على تربية الناشئة. لتقول في هذا الإطار: "صحيح أن المدرسة تمارس دورا تربويا لكن هذا الدور أو هذه المهمة تعود بالأساس الى الولي على اعتبار أن الطفل يتلقى التنشئة الأزمة منذ نعومة أظفاره داخل الأسرة ولا يمكن مطلقا للمدرسة أن تعوض دور الولي فهذا الأخير والمدرسة يلعبان دورا متكاملا في التربية والإحاطة بالطفل". وأضافت محدثتنا أنها تستنكر وبشدة عدم قدرة غالبية الأولياء على السيطرة أو التحكم في مدى استعمال أبنائهم لشبكة الانترنات على اعتبار أن ارتفاع منسوب العنف سواء كان لفظيا أو معنويا لدى التلاميذ مرده تأثرهم بما يدور في الشبكة العنكبوتية.
من جهة أخرى ولان الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ لا تعنى فقط بالتلاميذ وإنما من مشمولاتها الأولياء أيضا فقد اعتبر رئيس الجمعية رضا الزهروني في تفاعله مع هذا الطرح الذي يؤشر الى تخلي شق كبير من الأولياء عن دورهم التربوي وأن المرحلة لا تستوجب توجيه أصابع الاتهام الى أطراف بعينها.
وفسر الزهروني في تصريح لـ"الصباح" أمس أن ولي اليوم لم نستورده من الخارج فهو نتاج منظومة تربوية وثقافية واجتماعية تونسية بحتة وما نزرعه اليوم نحصده غدا على حد تعبيره. وبالتالي وبما أن أولياء اليوم هم أطفال وشباب الأمس وهم نتاج منظومة تربوية وثقافية فان نفس هذه المنظومة ستنتج غدا أولياء على نفس الشاكلة مشيرا انه ولدى تعاملنا مع مسالة السلوك والتربية نتوخى دائما نفس السياسات التي تقوم على سياسة الهروب الى الأمام.
وأضاف محدثنا انه من الضروري اليوم الارتقاء بالبعد التربوي موضحا أن الانفتاح اليوم على الثقافات الأخرى عبر شبكة الانترنات كان له عميق الأثر في إحداث تحولات على مستوى سلوك الطفل وبالتالي من الضروري ان ترتقي التربية الى مستوى الاختصاص من خلال توفير مختصين في كل المواد التي لها علاقة بالتربية وبتكوين شخصية المتعلم.
كما أوضح الزهروني أن الواقع الاجتماعي أو المناخ العام قد جعل الجميع يتعامل مع مسالة التربية على أنها تكسب بالوراثة والحال أنها تكسب عن طريق الاستحقاق مشيرا الى انه من الضروري اليوم القيام بحملات تحسيسية وتوعوية للأولياء من خلال تاطيرهم وتعريفهم باليات التربية الموجهة الى الطفل مؤكدا أن دولا متقدمة تسبقنا أشواطا في التقدم والرقي تقوم بمثل هذه الحملات التاطيرية للأولياء. ليخلص محدثنا الى القول بان الشروع في عملية الإصلاح التربوي باتت ضرورة ملحة لان العمود الفقري للمدرسة هو عملية الإصلاح التي من شانها أن تعيد للمدرسة بريقها وجاذبيتها ومشروعها الذي يقوم على التربية والتعليم..
في هذا الخضم وحتى لا نضع الجميع في سلة واحدة جدير بالذكر أن هنالك اليوم شبابا وأطفالا يعتبرون مثالا يحتذى به في التربية والأخلاق وهذا يعكس مدى تمسك بعض الأولياء بالقيام برسالتهم على الوجه المطلوب دون ترحيل مهمتهم التربوية الى مدرسة أو حضانة ما..