كنت أجلس في المقهى احتسي قهوتي الصباحية مستمتعا بصوت فيروز وهي تشدو " كتبنا ما كتبنا.. يا خسارة ما كتبنا"، فأخذ صديقي يلح في طرح الأسئلة عن الواقع السياسي وتطوراته والاقتصاد الوطني وانتكاساته ومصيرنا ومآلنا في مقبل الأيام، وهو ينتظر مني الجواب اليقين باعتباري في متصوره صحفيا مطلعا على الخفايا التي يجهلها وهو الإطار الإداري المرموق، فكان جوابي له أنني سأحدثه وأحدثكم عن كتاب رائع عنوانه "في مديح الحماقة" لفيلسوف هولندي اسمه دسيدريوس إراسموس ( 1466- 1536 ) تميز بعمق تفكيره في القرن الخامس عشر ميلادي واختار الحماقة منهجا للدفاع عنها، فهي موطن سعادته وبها يحتمي من غوائل دهره فعاش سعيدا لسبعين سنة، وأنت تعلم أن من يعيش سبعين حولا في تلك العصور يعتبر من المعمرين فلم تصبه آفات عصره التي لم يكن يعلمها ونعيشها نحن اليوم من سكري وضغط دم مرتفع واضطرابات نفسية، وهو الأمر الذي جعله يحمل السعادة في حقائبه أينما سافر بينما نحمل نحن اليوم إن قُدّرلنا السفر علب الأدوية المختلفة .
تعجب صديقي وقال لي: حدثني عما ورد في الكتاب، فأجبت سأذكر لك نتفا منه وأدعوك إلى قراءته، فهو يتحدث بلسان الحماقة معتبرا إياها مصدر السعادة فتقول الحماقة عن نفسها "إن أصحابي هم الابتسامة وحب النفس والتملق والرياء والسعادة والفخر والعجب وهؤلاء هم من يساعدونني في السيطرة على العالم لأشيد إمبراطورية أكون أنا زعيمها وقائدها لذا فهل تملك صحبة كصحبتي وأصدقاء كأصدقائي؟ وهل عشت في مكان كالمكان الذي عشت فيه وتربيت فيه؟ وهل تعلمت كما تعلمت أنا؟" مقطع من الصفحة 12 من الكتاب زاد في فضول صديقي واستغرابه مما ذكرت، فألح عليّ لمعرفة المزيد عن الحماقة وأسرارها فأضفت أن الحماقة سرّها وكينونتها الجهل (لا بمعنى الأمية) وعدم المعرفة، فكلما كنت أقل إدراكا لما يدور حولك زادت سعادتك وسكنتك الطمأنينة معتقدا بأن العالم ينبع منك ليعود إليك في أمن وسلام لا تهمك الأرقام وتحليلاتها ولا السياسة ودسائسها ولا من يريد بك شرا وهو يبتسم في وجهك، فأنت ما يهمك ابتسامته أما ما في قلبه فهو عائد له لا محالة وإن طال الدهر، أليس الحماقة سلام يا صديقي، تردد بعض الشيء وقال: لعل في الأمر حكمة لا أدركها .
فأضفت منتشيا بما قرأت في الكتاب هل تعلم أن الحماقة ولدت في "جزيرة الحظ" حيث ينبت كل شيء دون بذور ولم يعرف هذا المكان الأمراض ولا العجز أبدا، فزدته وقد بدا مهتما بما أقول وقد نسي أسئلته عن الاقتصاد والسياسة ومآل البلاد والعباد ألم تقرأ ما كتبه الإغريقي كاتب تراجيديا سوفوكليس معرفا السعادة، فأجاب بنفس طفولي وقد تملكته الدهشة: لا أعلم من هو سوفوكليس حتى أعلم ما قال، فقلت له سوفوكليس هو كاتب مسرحيات تراجيدية إغريقي يعتبر ثالث ثالثة ممن أبدعوا في هذا النوع الفني وقد قال معرفا السعادة "السعادة هي ألا تعلم شيئا"، فابتسم حينها صديقي وقال لي: يفترض أنكم الصحفيون الشقاء ذاته إذا كانت السعادة هي ألا تعلم، فكان جوابي إيماءة من الرأس إقرار بالأمر وتحسست جيب معطفي باحثا عن أقراص الضغط والاكتئاب التي تلازمني .
لتواصل فيروز الشدو بجميل العبارات: كتبنا ما كتبنا.. يا خسارة ما كتبنا.. كتبنا مية مكتوب ولهلاء ما جاوبنا.. وسنظل نكتب رغم أننا قد نكون كمن يحرث في "واد غير ذي زرع"..
يكتبها: محمد معمري
كنت أجلس في المقهى احتسي قهوتي الصباحية مستمتعا بصوت فيروز وهي تشدو " كتبنا ما كتبنا.. يا خسارة ما كتبنا"، فأخذ صديقي يلح في طرح الأسئلة عن الواقع السياسي وتطوراته والاقتصاد الوطني وانتكاساته ومصيرنا ومآلنا في مقبل الأيام، وهو ينتظر مني الجواب اليقين باعتباري في متصوره صحفيا مطلعا على الخفايا التي يجهلها وهو الإطار الإداري المرموق، فكان جوابي له أنني سأحدثه وأحدثكم عن كتاب رائع عنوانه "في مديح الحماقة" لفيلسوف هولندي اسمه دسيدريوس إراسموس ( 1466- 1536 ) تميز بعمق تفكيره في القرن الخامس عشر ميلادي واختار الحماقة منهجا للدفاع عنها، فهي موطن سعادته وبها يحتمي من غوائل دهره فعاش سعيدا لسبعين سنة، وأنت تعلم أن من يعيش سبعين حولا في تلك العصور يعتبر من المعمرين فلم تصبه آفات عصره التي لم يكن يعلمها ونعيشها نحن اليوم من سكري وضغط دم مرتفع واضطرابات نفسية، وهو الأمر الذي جعله يحمل السعادة في حقائبه أينما سافر بينما نحمل نحن اليوم إن قُدّرلنا السفر علب الأدوية المختلفة .
تعجب صديقي وقال لي: حدثني عما ورد في الكتاب، فأجبت سأذكر لك نتفا منه وأدعوك إلى قراءته، فهو يتحدث بلسان الحماقة معتبرا إياها مصدر السعادة فتقول الحماقة عن نفسها "إن أصحابي هم الابتسامة وحب النفس والتملق والرياء والسعادة والفخر والعجب وهؤلاء هم من يساعدونني في السيطرة على العالم لأشيد إمبراطورية أكون أنا زعيمها وقائدها لذا فهل تملك صحبة كصحبتي وأصدقاء كأصدقائي؟ وهل عشت في مكان كالمكان الذي عشت فيه وتربيت فيه؟ وهل تعلمت كما تعلمت أنا؟" مقطع من الصفحة 12 من الكتاب زاد في فضول صديقي واستغرابه مما ذكرت، فألح عليّ لمعرفة المزيد عن الحماقة وأسرارها فأضفت أن الحماقة سرّها وكينونتها الجهل (لا بمعنى الأمية) وعدم المعرفة، فكلما كنت أقل إدراكا لما يدور حولك زادت سعادتك وسكنتك الطمأنينة معتقدا بأن العالم ينبع منك ليعود إليك في أمن وسلام لا تهمك الأرقام وتحليلاتها ولا السياسة ودسائسها ولا من يريد بك شرا وهو يبتسم في وجهك، فأنت ما يهمك ابتسامته أما ما في قلبه فهو عائد له لا محالة وإن طال الدهر، أليس الحماقة سلام يا صديقي، تردد بعض الشيء وقال: لعل في الأمر حكمة لا أدركها .
فأضفت منتشيا بما قرأت في الكتاب هل تعلم أن الحماقة ولدت في "جزيرة الحظ" حيث ينبت كل شيء دون بذور ولم يعرف هذا المكان الأمراض ولا العجز أبدا، فزدته وقد بدا مهتما بما أقول وقد نسي أسئلته عن الاقتصاد والسياسة ومآل البلاد والعباد ألم تقرأ ما كتبه الإغريقي كاتب تراجيديا سوفوكليس معرفا السعادة، فأجاب بنفس طفولي وقد تملكته الدهشة: لا أعلم من هو سوفوكليس حتى أعلم ما قال، فقلت له سوفوكليس هو كاتب مسرحيات تراجيدية إغريقي يعتبر ثالث ثالثة ممن أبدعوا في هذا النوع الفني وقد قال معرفا السعادة "السعادة هي ألا تعلم شيئا"، فابتسم حينها صديقي وقال لي: يفترض أنكم الصحفيون الشقاء ذاته إذا كانت السعادة هي ألا تعلم، فكان جوابي إيماءة من الرأس إقرار بالأمر وتحسست جيب معطفي باحثا عن أقراص الضغط والاكتئاب التي تلازمني .
لتواصل فيروز الشدو بجميل العبارات: كتبنا ما كتبنا.. يا خسارة ما كتبنا.. كتبنا مية مكتوب ولهلاء ما جاوبنا.. وسنظل نكتب رغم أننا قد نكون كمن يحرث في "واد غير ذي زرع"..