طوفان من الشتائم وارتفاع في منسوب التشفي والضغينة طغى على مواقع التواصل الاجتماعي تزامنا مع حملة الإيقافات الأخيرة التي شملت عددا من الشخصيات العامة ليتحول الفضاء الاجتماعي الأكثر استعمالا وهو "الفايسبوك" الى ساحة للانتقام والتخوين والاهانات وهتك الأعراض..
هذه النتيجة التي نراها اليوم لم تأت من فراغ بل كانت نتيجة الإجهاز على السياسة وخلق مشهد حكم يقوم على التخويف والتخوين الذي يتغذى من العدوانية والتنكيل بالناس وقد تبنى جزء من عموم التونسيين هذه الممارسات افتراضيا من خلال التجييش الالكتروني.
وفي هذا السياق اعتبر الوزير السابق والباحث في علم الاجتماعي مهدي مبروك أن المجال الافتراضي ليس معزولا على المجال السياسي العام لذلك تحولت مواقع التواصل الاجتماعي الى ساحة معارك تغذت من الخطاب الرسمي الذي يعتمد أساسا على إطلاق أعيرة ثقيلة من الكراهية والحقد والنقمة والتشفي وقد شاهدناها مؤخرا بعد حملة الإيقافات لعدد من الشخصيات السياسية الذين حوكموا افتراضيا قبل حتى ان نعرف حقيقة تهمهم.
وأشار مبروك في حديثه لـ"الصباح" بان الفضاءات الافتراضية ساهمت بشكل او بآخر في تغذية مظاهر العنف والأرقام المرتفعة خير دليل على ذلك، مضيفا بان الخطاب السياسي الرسمي قسّم الناس الى مخيمين مخيم الطاهرين ومخيم الشياطين الذي دعا الى استئصالهم ومعالجتهم بالكيمياوي وصوّرهم على انهم ورم خبيث.
وعلق محدثنا على ان استعمال مثل هذا الخطاب بمثابة سكب الزيت على النار خاصة في ظل توفر حاضنة اجتماعية مهيأة انتعشت فيها حالة التوتر والاحباط واليأس والغضب مع العلم ان التونسيين أصبحوا مسحوقين بقضايا اليومي الملحة نتيجة غلاء المعيشة وغياب اغلب المواد الاستهلاكية الأساسية وكل هذه العوامل الموضوعية تجعل الجميع في حالة من التجييش التي يتم تفريغها في الفضاءات الافتراضية التي أصبحت تمثل متنّفسا لهم.
ان الانتقال الى ثقافة القصاص عبر الجيوش الالكترونية التي تتصارع في ما بينها لتبادل مشاعر الحقد والكراهية تتغذى أساسا عبر "الشعبوية "التي أصبحت المسيطر على المشهد السياسي في تونس، ويرى مبروك ان القنص الالكتروني من خلال إطلاق الشتائم والتخوين والتشفي في من شملتهم عملية الإيقافات الأخيرة تحول الى ثقافة قصاص وتحولت الفضاءات الافتراضية الى محاكم افتراضية مفتوحة والخطر الأكبر في ما نشهده من الشحن العاطفي الذي لن ينتهي اثره بل سيورث الى الاجيال القادمة.
التجييش والتحريض والتشهير من خلال المواقع الافتراضية التي نالت من حرمة العديد من المعارضين وعائلاتهم هي كلها سلوكات تغذت من خطاب التحريض والتقسيم الذي تنتهجه السلطة السياسية لضرب خصومها.
سلطة "صناعة الأعداء"..
وقد شبّه الجامعي والمحلل السياسي مهدي عبد الجواد المشهد السياسي في تونس بما عاشته روما القديمة قائلا "ان الإمبراطور كان يتحكّم في الجمهور من خلال عروض المصارعة الدموية في الكولسيوم ، ويبدو أن ذلك يظل قائما بعد أكثر من الفي سنة."
واعتبر عبد الجواد ان "الجمهور المُتعطّش للدماء الذي تُحركّه غرائز التوحّش والعنف والحقد والشماتة هو نفسه، وطريقة التحكم فيه تظل دائما متشابهة رغم اختلاف اللوحات واختلاف ساحات الصراع وتبدّل الكولسيوم".
وعن الحالة السياسية التونسية اليوم رأى عبد الجواد انها امتازت أساسا "بالاشتغال على غرائز الجمهور وإرضاء نزواته وما يطلبه، وهو أمر مُفيد على المستوى المنظور القريب، ولكنه لا يبني دولا ولا حضارة لأنه لا يملك مشروعا جماعيا، وبدل صناعة الأعداء يتوجب صناعة الآمال والأحلام، وبدل تغذية الأحقاد واللهفة للدماء يجب تقوية الوعي بالآخرين وبالتنوع والتعدّد."
كما اعتبر ان خلق هذه العداوات هو مجرد مسكنات للإلهاء عن عمليات البناء الشاقة والتي تتطلب قيادة ورؤية وتبصّرا تغيب على "الحاكم" فيذهب إلى إعادة إنتاج نفس الحيلة، التي تخاطب غريزة الشماته.
جهاد الكلبوسي
تونس – الصباح
طوفان من الشتائم وارتفاع في منسوب التشفي والضغينة طغى على مواقع التواصل الاجتماعي تزامنا مع حملة الإيقافات الأخيرة التي شملت عددا من الشخصيات العامة ليتحول الفضاء الاجتماعي الأكثر استعمالا وهو "الفايسبوك" الى ساحة للانتقام والتخوين والاهانات وهتك الأعراض..
هذه النتيجة التي نراها اليوم لم تأت من فراغ بل كانت نتيجة الإجهاز على السياسة وخلق مشهد حكم يقوم على التخويف والتخوين الذي يتغذى من العدوانية والتنكيل بالناس وقد تبنى جزء من عموم التونسيين هذه الممارسات افتراضيا من خلال التجييش الالكتروني.
وفي هذا السياق اعتبر الوزير السابق والباحث في علم الاجتماعي مهدي مبروك أن المجال الافتراضي ليس معزولا على المجال السياسي العام لذلك تحولت مواقع التواصل الاجتماعي الى ساحة معارك تغذت من الخطاب الرسمي الذي يعتمد أساسا على إطلاق أعيرة ثقيلة من الكراهية والحقد والنقمة والتشفي وقد شاهدناها مؤخرا بعد حملة الإيقافات لعدد من الشخصيات السياسية الذين حوكموا افتراضيا قبل حتى ان نعرف حقيقة تهمهم.
وأشار مبروك في حديثه لـ"الصباح" بان الفضاءات الافتراضية ساهمت بشكل او بآخر في تغذية مظاهر العنف والأرقام المرتفعة خير دليل على ذلك، مضيفا بان الخطاب السياسي الرسمي قسّم الناس الى مخيمين مخيم الطاهرين ومخيم الشياطين الذي دعا الى استئصالهم ومعالجتهم بالكيمياوي وصوّرهم على انهم ورم خبيث.
وعلق محدثنا على ان استعمال مثل هذا الخطاب بمثابة سكب الزيت على النار خاصة في ظل توفر حاضنة اجتماعية مهيأة انتعشت فيها حالة التوتر والاحباط واليأس والغضب مع العلم ان التونسيين أصبحوا مسحوقين بقضايا اليومي الملحة نتيجة غلاء المعيشة وغياب اغلب المواد الاستهلاكية الأساسية وكل هذه العوامل الموضوعية تجعل الجميع في حالة من التجييش التي يتم تفريغها في الفضاءات الافتراضية التي أصبحت تمثل متنّفسا لهم.
ان الانتقال الى ثقافة القصاص عبر الجيوش الالكترونية التي تتصارع في ما بينها لتبادل مشاعر الحقد والكراهية تتغذى أساسا عبر "الشعبوية "التي أصبحت المسيطر على المشهد السياسي في تونس، ويرى مبروك ان القنص الالكتروني من خلال إطلاق الشتائم والتخوين والتشفي في من شملتهم عملية الإيقافات الأخيرة تحول الى ثقافة قصاص وتحولت الفضاءات الافتراضية الى محاكم افتراضية مفتوحة والخطر الأكبر في ما نشهده من الشحن العاطفي الذي لن ينتهي اثره بل سيورث الى الاجيال القادمة.
التجييش والتحريض والتشهير من خلال المواقع الافتراضية التي نالت من حرمة العديد من المعارضين وعائلاتهم هي كلها سلوكات تغذت من خطاب التحريض والتقسيم الذي تنتهجه السلطة السياسية لضرب خصومها.
سلطة "صناعة الأعداء"..
وقد شبّه الجامعي والمحلل السياسي مهدي عبد الجواد المشهد السياسي في تونس بما عاشته روما القديمة قائلا "ان الإمبراطور كان يتحكّم في الجمهور من خلال عروض المصارعة الدموية في الكولسيوم ، ويبدو أن ذلك يظل قائما بعد أكثر من الفي سنة."
واعتبر عبد الجواد ان "الجمهور المُتعطّش للدماء الذي تُحركّه غرائز التوحّش والعنف والحقد والشماتة هو نفسه، وطريقة التحكم فيه تظل دائما متشابهة رغم اختلاف اللوحات واختلاف ساحات الصراع وتبدّل الكولسيوم".
وعن الحالة السياسية التونسية اليوم رأى عبد الجواد انها امتازت أساسا "بالاشتغال على غرائز الجمهور وإرضاء نزواته وما يطلبه، وهو أمر مُفيد على المستوى المنظور القريب، ولكنه لا يبني دولا ولا حضارة لأنه لا يملك مشروعا جماعيا، وبدل صناعة الأعداء يتوجب صناعة الآمال والأحلام، وبدل تغذية الأحقاد واللهفة للدماء يجب تقوية الوعي بالآخرين وبالتنوع والتعدّد."
كما اعتبر ان خلق هذه العداوات هو مجرد مسكنات للإلهاء عن عمليات البناء الشاقة والتي تتطلب قيادة ورؤية وتبصّرا تغيب على "الحاكم" فيذهب إلى إعادة إنتاج نفس الحيلة، التي تخاطب غريزة الشماته.