صنفت تونس في المرتبة 113 من بين 132 بلدا حول العالم في مجال استعمال واستغلال نتائج البحث بالمؤسسات الصناعية، وذلك بالرغم من ترتيبها المتقدم في مجال البحث والباحثين في تونس على المستوى الدولي، وفقا لوزارة التعليم العالي.
كما أن البحث العلمي في تونس يعاني عديد الإشكاليات ساهمت في عدم إعطائه الاهتمام اللازم من خلال دعمه ماليا عبر ما ترصده الدولة من ميزانية وعدم الاستثمار في هذا المجال بالكيفية اللازمة إضافة الى عدم اهتمام القطاع الخاص به وهو ما جعل عديد الصعوبات تواجه الباحثين مما أدى الى هجرة الآلاف منهم في السنوات السابقة.
"الصباح" طرحت في هذا الملف وضعية البحث العلمي في تونس ومدى تثمين نتائجه وإلى أي حد توجد قطيعة بين البحث العلمي الأكاديمي والبحث العلمي في الجانب الاقتصادي للبلاد.
إعداد: صلاح الدين كريمي
الناطقة باسم اتحاد الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمللـ"الصباح":البحث العلمي في تونس يحتضر.. ولا خيار أمامنا إلا التهجير القسري
أكدت الناطقة الرسمية باسم اتحاد الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل منال السالمي في تصريح لـ"الصباح": "للأسف الدولة التونسية لا إستراتيجية لها في الاستثمار في البحث العلمي الى حد الآن. البحث العلمي بالنسبة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي هو فقط جانب مهم للأستاذة الجامعيين للترقية لأن البحث ضروري في ملفات الترقية والانتداب أيضا للدكاترة المعطلين. وأيضا هو مهم لإيجاد اتفاقيات شراكة وتعامل مع دول أخرى أوروبية أو من دول الجوار للحصول على أموال في إطار البحث العلمي ولكن ما مصير البحوث العلمية في بلادنا؟ لا شي الرفوف فقط... "، وفق قولها.
وأضافت السالمي "حتى في أزمة كورونا رغم ان الباحث التونسي اثبت كفاءته في تلك الفترة إضافة الى الطاقم الطبي ولكن الدولة تنكرت للبحث العلمي بعد ذلك ولم تتغير نظرتها لأهميته كقاطرة للنمو ورمت به عرض الحائط من جديد. فالدولة للأسف لا ترصد ميزانية معتبرة للبحث العلمي ولا تبدي اهتماما بهذا المجال والدليل على ذلك ان الميزانية التي تخصصها لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ضعيفة جدا وفي تناقص مستمر منذ سنوات. ونتيجة لذلك لا استقلالية لنا في البحوث العلمية ولا ترابط بين البحث العلمي ومتطلبات بلادنا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ولا مخابر لنا تستجيب لأبسط متطلبات البحث العلمي والسلامة للباحثين وحتى الحقوق المادية تكاد تكون منعدمة، إضافة الى أن المواضيع التي يتم تناولها في مخابرنا لا ترتبط أساسا بمشاكل بلادنا وترتبط أغلبيتها بالمواضيع التي يفرضها التعاون الخارجي ويُستغل فيها الدكاترة الباحثون المعطلون في إطار عقود وقتية سنوية بأجور زهيدة جدا لذلك فإن أغلبية المخابر تجد فيها باحثين وقتيين ولا انتدابات دورية في المخابر بما انه لا أموال قارة مخصصة من الدولة".
وأشارت محدثتنا في نفس الصدد أنه "حتى عندما تفتح انتدابات فهي بأعداد ضعيفة في إطار المناظرة التي تجرى كل أربع سنوات أو أكثر والتي تفتقر لأبسط آليات الشفافية وتشهد عديد الاخلالات والتجاوزات والدليل على ذلك القضايا المرفوعة في المحكمة الإدارية وعدد الشكاوى المقدمة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ولا ننسى أن هناك جانب فساد كبير في البحث العلمي وجب التصدي له ومقاومته برقمنة الجامعات التونسية والمخابر وسن تشريعات تحدد طرق التعامل بين كل الأطراف المتداخلة وتحد من تفشي ظاهرة الفساد".
من جهة أخرى أكدت منال السالمي "أن بلادنا للأسف الى حد الآن لم تمنح لشهادة الدكتوراه مكانتها قانونيا فهي غير مدرجة في السلم الوظيفي في القطاع العام والوظيفة العمومية ولا في الاتفاقيات التي تنظم العمل في القطاع الخاص. كما أن بلادنا لا تعترف للأسف بالاستثمار في البحث العلمي فلا نجد استثمارا للبحث العلمي في القطاع العام الذي يعتبر قدوة البلاد في كل المجالات خاصة الاقتصادية ولا أيضا في القطاع الخاص. ولا نجد أيضا اتفاقيات شراكة وتعاملا بين مؤسسات الدولة والشركات الخاصة ومخابر البحث التونسية أو الجامعات التونسية لإيجاد حلول للمشاكل التي تعاني منها كل القطاعات والمؤسسات".
"ونتيجة لكل ذلك وأيضا لوضعية الدكاترة الباحثين المعطلين الذين لا مستقبل لهم في بلادهم فالبحث العلمي الآن يحتضر والمخابر التونسية تشكو نقصا كبيرا في الباحثين ونقصا في اهتمام الشباب بالبحث العلمي باعتباره خيارا يؤدي الى تحطيم مستقبل الشباب ولا آفاق فيه ولا إستراتيجية للدولة فيه. وسنصل الى نتيجة بعد سنوات انه لن يكون هناك بحث علمي في تونس للأسف, بعد ان كانت بلادنا تحتل المرتبة الأولى عالميا في عدد الباحثين وخاصة الفتيات منهم، سنصبح في المراتب الأخيرة. وكل كفاءاتنا الآن أصبح الحل الوحيد أمامها هو التهجير القسري الذي سيفقر بلادنا أكثر علميا في كل المجالات ليس فقط في البحث العلمي وللأسف الدولة غير واعية بهذا المعطي الخطير جدا وكيف أن كل كفاءاتها أصبحت خارج البلاد..
واقترحت الناطقة الرسمية باسم اتحاد الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل منال السالمي أن "الحل يكمن أولا في ضرورة فصل البحث العلمي عن وزارة التعليم العالي باعتباره قطاعا يهم كل الوزارات وتخصيص وزارة أو هيكل مستقل يهتم بالبحث العلمي في بلادنا ومرتبط بكل الوزارات والقطاع العام والخاص وتخصيص ميزانية واضحة ومهمة للبحث العلمي والتجديد والدراسات الإستراتيجية، وثانيا إصلاح القوانين والتشريعات التي تهتم بالبحث العلمي وجعله ينفتح على كل الوزارات وإدراج شهادة الدكتوراه في السلم الوظيفي وفي الاتفاقيات التي تنظم العمل في القطاع الخاص وإحداث هياكل للبحث والتجديد والدراسات الإستراتيجية صلب كل الوزارات والمؤسسات، وثالثا إصلاح قوانين الانتداب والترقية وتحديث الآليات المعتمدة عبر رقمنة الإدارات في بلادنا ليصبح الانتداب والترقية مواكبا للتطور العلمي ويبتعد عن كل سبل الاخلالات والتجاوزات، ورابعا ربط المخابر والجامعات بمؤسسات الدولة وبمناطقنا الجهوية لأجل التركيز على مشاكل البلاد في كل مجال وإيجاد حلول علمية تطبق مباشرة وبذلك يكون هناك استثمار جهوي للبحث العلمي وربط للبحث العلمي بمشاكل البلاد الحقيقية وتطبيق لكل البحوث على ارض الواقع مع تطوير اقتصاد بلادنا ليستجيب لمتطلبات السوق العالمية ويصبح قادرا على الاستثمار في البحث العلمي ويستعين بالبحث العلمي أيضا كقاطرة في هذا الانتقال والانفتاح على الاقتصاد العالمي وتشجيع الشركات الخاصة جبائيا على الاستثمار في البحث العلمي وربطها بالمخابر العلمية والجامعات مع انتداب الدكاترة الباحثين بطريقة قانونية تحترم مكانتهم وحقوقهم لان الدكتور الباحث يمثل رمز السلم الاجتماعي في بلادنا والتخلي عن التعامل فقط بالية العقود الهشة في البحث العلمي وفتح الانتداب في كل الوزارات للدكاترة الباحثين وتحسين المخابر التونسية وتوفير مناخ علمي لممارسة البحث العلمي تحترم فيه كل الحقوق والواجبات".
مدير عام البحث العلمي لـ"الصباح":
لا نخفي الصعوبات.. وحددنا الأولويات الوطنية للبحث العلمي..
قال مدير عام البحث العلمي مراد بالأسود، في تصريح لـ"الصباح"، انه توجد بالإدارة العامة للبحث العلمي 4 أقسام- إدارات، إدارة تهتم بهياكل البحث وإدارة تعنى بمدارس الدكتوراه وإدارة تهتم بالبرامج الوطنية للبحث وإدارة مخصصة للبرامج الدولية والشراكات التي تعنى بالبحث العلمي، وهو ما يعني أن الإدارة العامة للبحث العلمي تهتم بتنظيم قطاع البحث العلمي ليس فقط على مستوى وزارة التعليم العالي فقط بل على مستوى وطني خاصة وأن البحث العلمي يعد قطاعا أفقيا يهم جميع الوزارات كوزارة الصحة التي تساهم فيها ميزانية البحث العلمي بقرابة 13% لهياكل البحث العلمي التابعة لوزارة الصحة، ونسبة 14% ترصد لهياكل البحث العلمي التابعة لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، بالإضافة الى مجال البحث العلمي في كل الوزارات تقريبا.
وفي علاقة بما إذا كان هذا الدور الهام الذي تلعبه الإدارة العامة للبحث العلمي، يتطلب أن تكون هيكلا مستقلا بذاته على وزارة التعليم العالي بأكثر صلاحيات وأكثر موارد، أكد محدثنا أن هناك خيارات خاصة وأن البحث العلمي متصل بالجانب الأكاديمي أي الجامعيات والتي تتبع أساسا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وفي أغلبية الدول فان البحث العلمي متصل أكثر ما يمكن بالجامعيات والمؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث الجامعية، ومنطقيا فان نشاط البحث العلمي في تونس لا بد أن يظل تحت تسيير وزارة التعليم العالي.
وأضاف بالأسود، أن جل الدول في العالم اليوم متجهة نحو اقتصاد المعرفة الذي يقوم أساسا على البحث العلمي والتجديد، وهو ما يتطلب مزيد العمل أكثر في تونس على هذا الجانب، لكن مجال البحث العلمي وحده غير كاف ويتطلب تضافر جهود مختلف الهياكل والوزارات رغبة منها جميعها في التجديد والتقدم، وكغيره من القطاعات مثل الفلاحة والصناعة والصحة.. فان البحث العلمي هو ضمن نظام مكتمل بصفة عامة يكون له تأثير على بقية المجالات وتأثير اجتماعي- اقتصادي...
أما في ما يخص ميزانية البحث العلمي في تونس، قال مدير عام البحث العلمي بالوزارة، أنه رغم الصعوبات التي تعيشها البلاد فان الميزانية المخصصة للبحث العلمي وتمويل هياكل البحث تشهد تصاعدا لتصل الى 0.8 % من الناتج الوطني الخام للبلاد، تساهم ميزانية الدولة في تمويل البحث العلمي بما يقارب 80 % لكونه قطاعا استراتيجيا وقرابة 15 % متأتية من قطاعات مثل الصناعة والخدمات والشركات.. ونسبة 5 % ممولة من قبل البرامج والشراكات الدولية، وفي تعليقه على هذه الأرقام أكد نفس المصدر أن أي رقم مالي لا يمكن أن يكون كافيا للبحث العلمي إلا أن هذه النسب مقارنة بما نعيشه في تونس ومقارنة بالوضع في المنطقة يعد رقم مقبول الا ان تونس تأمل ان تكون افضل وبأكثر ميزانية مرصودة لدعم البحث العلمي بالبلاد خاصة أن تنعكس مباشرة على اقتصاد المعرفة والتجديد وتثمين نتائج البحث بالبلاد.
وفي ما يخص واقع البحث العلمي في تونس حاليا، اعتبر مراد بالأسود، أن البحث العلمي في تونس متكون أساسا من عدة محاور، أولا مخابر البحث ويوجد في تونس حاليا 430 مخبر بحث وتضم أكثر عدد من الباحثين، وحدات البحث البالغة عددها 91 وحدة بحث والتي تعتبر هياكل صغيرة تصير بعد 6 سنوات مخابر بحث، و40 مركز بحث وهي مراكز مستقلة بذاتها تضم مخابر بحث وتشتغل على قطاعات معينة متخصصة، والأقطاب التكنولوجية البالغة عددها 13 قطبا تكنولوجيا، بالإضافة الى مدارس الدكتوراه ووحدات الخدمات المشتركة التي تحتوي على التجهيزات العلمية الثقيلة وتكون متاحة لجميع الباحثين وكذلك الناشطين والعاملين في النسيج الاقتصادي لمن يرغب في القيام باختبارات وقياسات للمنتوج.. كما أن هذه المؤسسات تتوزع تقريبا على كل الولايات. كما يوجد موقع واب خاص بالبحث العلمي وهو ‘ ‘‘‘www.pnes.tn توجد فيه جل الخدمات الضرورية في علاقة بالبحث العلمي.
أما المكون الثاني للبحث العلمي في تونس، فهو التعليم العالي وهو رافد مهم خاصة في ظل وجود 13 جامعة حاليا بتونس بأكثر من 270 ألف طالب ومؤسسات جامعية في حدود 213 مؤسسة تعليم عال، بالإضافة المكون الثالث وهو عنصر الموارد البشرية الذي يتكون من قرابة 12 ألف أستاذ جامعي و 22 ألف باحث و10 الاف طالب دكتوراه، أما المكون الرابع فهي هياكل الدعم والتنسيق مثل الوكالة الوطنية للنهوض بأنشطة البحث والهيئة الوطنية لتقييم أنشطة البحث والمركز الوطني الجامعي للتوثيق العلمي والتقني ومركز الحساب الخوارزمي وكذلك مدينة العلوم بتونس، وهي جملة من الهياكل تهتم بالتنسيق والدعم لهياكل البحث العلمي، وهو ما يعتبر أن منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس غنية ومتنوعة حيث أنه حسابيا يوجد 17 مؤسسة تعليم عال على كل مليون ساكن وهو رقم مهم يتجاوز عديد الدول...
وفي رده على سؤال حول مدى تثمين نتائج البحث العلمي في تونس وتطبيقها من خلال حسن استثمارها وطنيا؟ أفاد محدثنا أن تونس قامت بانجازات مهمة في انتاج البحث العلمي الأكاديمي حتى أن التصنيف العالمي global index innovation صنف تونس في المرتبة 12 من بين 132 دولة في الإنتاج العلمي مقارنة بما يتم استثماره في هذا المجال وهو ما يعتبر مرتبة مشرفة جدا لتونس، كما أن تونس في المرتبة 5 عالميا من حيث خريجي التكوين العلمي والهندسي، إلا أن هذه المراتب المهمة لا تخفي الوضعية الصعبة لتثمين نتائج البحث والعلاقة بين البحث العلمي كمنتوج وعلاقته وتثمينه على مستوى التنمية والاستثمار بالبلاد وهي حلقة مهمة ما تزال مفقودة في تونس ويعود ذلك أساسا الى أن نوعية النسيج الاقتصادي في تونس أغلبيته أي أكثر من 60% يقوم على مؤسسات صغيرة ومتوسطة أي أنها لا توجد بها الإمكانيات المالية للاستثمار في تنمية وتطوير البحث العلمي بالرغم من كونه يحقق قيمة مضافة للغاية، لكن هناك قطاعات ساهم البحث العلمي بكيفية كبيرة في تطويرها مثل القطاع الفلاحي والقطاع الصحي ...
الا أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تسعى للحد من هذه القطيعة بين البحث العلمي الأكاديمي والبحث العلمي على مستوى المؤسسات الصناعية مثل القيام بعدة آليات ومشاريع لتجاوز مرحلة الخطر وهو ما يعني تطبيق الفكرة من مخبر بحث على منتوج يتم تسويقه في السوق وهي التي تكون في شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص والتي تتعطل أحيانا بسبب نصوص قانونية لا تسمح أو إشكاليات مالية تحد من ذلك، وهو ما يجعل فقط 5% فقط من نتائج البحث العلمي بالمخابر تصل الى المرحلة الأخيرة من الإنتاج. وهو ما تطلب القيام بعدد من المبادرات التنافسية لتمويل مشاريع البحث، والتي تضم مخابر البحث وشركاء اقتصاديين واجتماعيين من اجل تطوير مشاريع البحث وجعلها نموذجا استثماريا وتسويقيا ويتراوح حجم التمويل من ألف دينار الى1.5 مليون دينار على مدى 3 سنوات، بالإضافة الى برامج تثمين نتائج تكون عقب إصدار بلاغ لتقديم نتائج البحوث، بالإضافة الى عدد من الآليات التحفيزية كجوائز رئيس الجمهورية، وهي جائزة لأحسن أطروحة دكتوراه، وجائزة لأحسن باحث، وجائزة لأحسن مخبر بحث، وذلك من اجل استثمار الأفكار من المخابر وتحويلها الى النسيج الاقتصادي التنموي.
وفي خصوص وضعية الباحثين في تونس ومستوى تمويل بحوثهم، أكد نفس المصدر، أن هناك توجها في تمويل البحث العلمي نحو النجاعة والأهمية وذلك وفقا للأداء والأهمية والأولويات الوطنية للبحث، وهو لا يعني التخلي عن تمويل البحث العلمي عامة بل الاهتمام أكثر بمشاريع البحث العلمي وفقا للأولويات الوطنية للبحث العلمي وهي الصحة، التربية والتعليم، الاقتصاد الدائري، البيئة، الرقمنة. إضافة الى منحة التشجيع على البحث العلمي حيث يتم رصد ميزانية في حدود 10 مليون دينار سنويا من الوزارة للباحثين وفقا للمنتوج العلمي لكل باحث والتي يمكن أن تصل الى 13000 دينار سنويا وهي منحة إضافية، وكان هناك توجه منذ سنوات لتشجيع الباحثين، إضافة الى عدد من المشاريع الدولية الأخرى...، وفق قوله.
وفي علاقة بهجرة الأساتذة الباحثين من تونس حيث يهاجر سنويا عدد كبير منهم، اعتبر مدير عام البحث العلمي، أن الهجرة خيار خاص بهم وليس فقط الجانب المالي هو العامل الأول لهجرتهم بل ان الهجرة موجودة في كل دول العالم من اجل البحث العلمي وخوض تجارب بحثية، الا ان في تونس تشهد أكثر حدة ارتباطا بالوضع المادي للباحثين كما ان لها تأثيرا مهما على جودة البحث العلمي وعقد شراكات مهمة مع عدة دول أوروبية كما أن تونس تعتبر أول دولة افريقية وعربية لها شراكة مع أوروبا في البحث العلمي وهي شريك استراتيجي وهو ما يمنحها نفس الحقوق والواجبات لأي دولة أوروبية في البحث العلمي وذلك جاء نتيجة جودة البحث العلمي التونسي ومجهودات الباحثين التونسيين، وهو ما يتطلب تثمين نتائج هذا البحث العلمي اليوم في المجال الاقتصادي، كما أن كل أستاذ باحث خارج الوطن هو سفير لتونس من خلال ما يقومون به من مجهودات لربط علاقات مع البحث العلمي في تونس والعمل على خلق تركيبة بحث علمية دولية.. كما أن تونس بها عدد طلبة دكتوراه مهم وهو ما يساهم بدرجة كبيرة في نشاط البحث العلمي في تونس وهو ما لا يخفي عدد الدكاترة المعطلين عن العمل بالبلاد وذلك نتيجة النقص في الانتدابات في مختلف الوزارات، إلا أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وضعت عدة آليات للحد من نسب البطالة في صفوفهم من خلال عقود تشغيلية مثل عقد دكتور باحث ويصل الراتب فيه الى راتب أستاذ جامعي مساعد بالإضافة الى عدد من العقود التشغيلية الأخرى.
وفي إجابته على وجود عدد من الإشكاليات والنصوص القانونية التي تحد من تطوير البحث العلمي في تونس، اعتبر مراد بالأسود أن هناك خصوصية للبحث العلمي ولا بد من مراعاة بعض الجوانب في علاقة بالنصوص القانونية التي لا بد أن تكون ملائمة مع تطوير البحث العلمي مثل مجموعات الشراءات وخصوصية بعض المواد من خلال عدم القدرة على شراء مخزون يتم استعماله عند الحاجة مثل وجود عدة شروط تقنية لا بد من مراجعتها في بعض النصوص بما يتماشى مع خصوصية البحث العلمي وهو ما يمكنه ان يساهم في التقدم بخطوات هامة في المجال.
وفي علاقة برؤية مدير عام البحث العلمي بوزارة التعليم العالي، مراد بالأسود، للبحث العلمي في تونس خاصة كونه عين مند أشهر في هذه الخطة، قال ان البحث العلمي في تونس مر بـ3 مراحل مهمة وهي المرحلة الأولى والتي تعتبر التاريخ المفصلي في القطاع سنة 1996 عند إصدار القانون التوجيهي للبحث العلمي وهو ما يعني إنشاء مختلف مكونات البحث العلمي في تونس وقد تواصل الى غاية سنة 2016 التي تم تحديد الأولويات الوطنية للبحث العلمي، إلا انه من الضروري اليوم التوجه نحو البحث العلمي الداعم للاقتصاد الوطني من خلال تثمين نتائج البحث والإشعاع والتميز وطنيا ودوليا بالإضافة الى اعتماد مقاربة تقوم على تشغيلية خريجي البحث العلمي في تونس وهي عناصر مهمة لتدعيمه وهو ما يتم العمل عليه حاليا وفق عدة مراحل وآليات.
مديرة فرعالمعهدالعالمي للتجديد العربي بتونس لـ"الصباح":
عدم دراية بمجريات البحث العلمي.. وعدة بحوث يقع استثمارها خارج البلاد
قالت مديرة فرع المعهد العالمي للتجديد العربي بتونس الدكتورة زهية جويرو في تصريح لـ"الصباح أن عامة التونسيين ليس لهم دراية وفكرة واضحة بمجريات البحث العلمي في تونس، وبالرغم من وجود حركة مهمة للبحث العلمي في البلاد وذات إنتاجية مهمة الا انها منحصرة داخل الجامعة وداخل مراكز البحث وغيرها من مؤسسات وزارة التعليم العالي، ولو قارنا الإنتاج البحثي التونسي بالانتاج البحثي لدول لها امكانيات مادية وعدد سكان اكثر لوجدنا تونس متفوقة عليهم جدا ليس من حيث الكم فقط بل من حيث الكيف أي النوعية والجودة".
وأضافت زهية جويرو "أن تونس تحتاج أكثر الى انفتاح البحث العلمي على مؤسسات الدولة ويصبح وسيلة من وسائل الإنتاج، وهذا لا يحدث الا عند انفتاح المستثمر سواء كان فرد أو مجموعة على هذا الإنتاج العلمي، خاصة في ظل إشكاليات التمويل لمؤسسات البحث ومراكز البحث ويمكن أن يتحسن أكثر مستقبلا وربما من المنفذ المهم جدا إحداث تكامل بين منتج المعرفة ومنتج البحث والمستثمر خاصة في ظل وجود عدة بحوث تخرج من تونس ويقع استثمارها خارج البلاد بالإضافة الى الباحثين المهاجرين وهو ما يعني خسارة رأس مال بشري ومعرفي مهم".
ودعت محدثتنا الى "الانفتاح أكثر على المجتمع من قبل الباحثين ومراكز البحث وهو ما يمكنهم من الاطلاع على حاجياته وتطلعاته من اجل الاستجابة لها، بالإضافة الى ضرورة الاستثمار أكثر في البحث العلمي وتوظيف نتائج البحث العلمي في مجالات الاقتصاد على اختلافها ".
دكتور باحث في الفيزياء لـ"الصباح":
بطالة الباحثين فضيحة أكاديمية.. وعدة قوانين تكبّل عملنا
اعتبر صابر ناصري، الدكتور الباحث في الفيزياء في تصريح لـ"الصباح"، أن تونس تعتبر تونس من أكثر الدُول عددا في نسبة الباحثين، وقد تصدرت المرتبة الأولى عربيا في عدد الباحثات في 2022 ورغم هذا الخزّان المعرفي الذّي تتمتع به تونس فإن وضعية البحث العلمي والباحثين من أسوأ الوضعيات، ويظهرُ ذلك في نسبة البطالة لدى هذه الفئة التي فاقت 70% هذا الى جانب ميزانية البحث العلمي التي لم تتجاوز 1% من إجمالي ميزانية الدولة لتكون تونس من أكثر الدول ضعفا في الإنفاق على البحث العلمي والاستثمار في الأدمغة وتعتبر بطالة الباحثين فضيحة أكاديمية ساهمت فيه عديد الأسباب لعل أهمها غياب إستراتيجية وطنية تهتم بالبحث وتثمنّه ناهيك عن عطالة هيكلية في القوانين التي تكبّل عمل الباحثين وتقيد حركتهم داخل النسيج الاقتصادي فضلا عن وجود شرخ بين مؤسسات الدولة العمومية والخاصة ومخابر البحث".
وأضاف محدثنا أن "هذه الأسباب الهيكلية يضاف إليها غياب القرار السياسي عبر تهميش البحث وعدم إيلائه أهمية كبرى، رغم ما أظهرته أزمة كورونا التي جاءت لتظهر أهمية البحث العلمي أمام الأزمات الصحية والأوبئة وأمام هذه الحالة المزرية جاءت نضالات الدكاترة الباحثين سنتي 2017 و2020 كشكل من أشكال الرفض لوضعية الباحث، وتعبيرا عن سخط دفين إزاء وضع البحث العلمي في تونس، وقد كانت مطالبنا واضحة وهي الترفيع في ميزانية البحث العلمي، فتح الانتدابات المغلقة بدعوى التّقشف، الانفتاح على مؤسسات القطاع العام والمؤسسات العمومية، إصلاح القانونين البالية المتعلقة بالبحث، إنشاء خلايا بحث يشرف عليها دكاترة داخل مؤسسات الدولة. وربط الجامعة بالنسيج الاقتصادي والانفتاح على المناخ الاجتماعي مع مزيد تنظيم القطاع الخاص ومراقبته ليكون جزءا من الحل وقد كانت لنا جلسات تفاوض ماراطونية مع سلطة الإشراف قلنا فيها ان أكثر من 7000 دكتور معطل وهي نسبة لا يمكن ان يقع امتصاصها عن طريق مناظرة الدخول للجامعة فقط، بل لا بد من فتح طرق أخرى كخلايا البحث ومراكز البحث لاستيعاب الدكاترة، وقد طالبنا بإنشاء هيكل وطني يعني بالبحث العلمي ولكن عقلية سلطة الإشراف تنظر للباحثين على أنهم كتلة أجور متناسية القيمة المضافة التي يأتون بها. ورغم الاتفاق الذي حصل آنذاك والذي ينص على انتداب 3000 دكتور على ثلاث سنوات ،فإن دار لقمان لا تزال على حالها، خاصة امام تلكؤ الوزارة في إيجاد حلول بديلة خارج صندوق المناظرة الذي عمّق المشكل أكثر. وقد كان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد زار اعتصامنا ووعد بإيجاد حلول، لكننا لا نزال ننتظر متى تلتفت الدولة لهذه الفئة، التي هاجر اغلبها ويعيش الباقون وضعية سيئة في بلادهم".
كاتب عام الجامعة العامة للتعليم العالي:
التخفيض بنسبة 20% في ميزانيات التسيير.. والوزارة تنتهج سياسة تهميش
ونفدت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، الخميس، سلسلة من التحركات الاحتجاجية في الفترة السابقة، احتجاجا على ما اعتبروه سياسة تهميش تنتهجها وزارة الإشراف تجاه الجامعيين وما تقوم به من ضرب لمكانتهم في المجتمع وللمنظومة العمومية للتعليم العالي ككل.
وأكد كاتب عام الجامعة العامة للتعليم العالي، نزار بن صالح، أن الوقفة الاحتجاجية تأتي للمطالبة بالكف عن ضرب ميزانيات منظمات ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، وبالدورية السنوية لمناظرات الانتداب والتربية.
وشدد في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء على أن الدولة ككّل مدعوة الى مراجعة سياستها في التعامل مع الأساتذة الجامعيين في ظل تقديرات صادمة تفيد بأن أكثر من 18% من الأساتذة الجامعيين يشتغلون خارج حدود الوطن في حالة الحاق بالوكالة التونسية للتعاون الفني معتبرا أن هجرة الكفاءات التونسية يجب أن توقظ الجميع أمام مسؤولياتهم في حماية التعليم العالي العمومي.
وبين كاتب عام الجامعة العامة نزار بن صالح أن ضرب المنظومة العمومية للتعليم العالي بدأ من خلال “التخفيض بنسبة 20% في ميزانيات التسيير للمؤسسات الجامعية، والذي من شأنه الحط من الأموال المرصودة للمعدات الأساسية في العملية التربوية وكذلك المس من قدرة المؤسسات الجامعية على تامين العملية التعليمية وكذلك من تطوير البحث العلمي الذي احتلت فيه تونس المرتبة 16 في العالم” معتبرا أن هذا المسار الذي انطلق في سنة 2017 سابقة خطيرة في تاريخ الجامعة التونسية...
التقليص في الميزانية
وكانت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، قد نددت بمضمون مراسلة من وزارة التعليم العالي الى رؤساء الجامعات والمديرين العامين للمؤسسات العمومية للبحث العلمي والمديرين العامين لدواوين الخدمات الجامعية والمدير العام لمركز النشر الجامعي والمدير العام للدراسات التكنولوجية، قالت إنّها تتعلق بالتخفيض في منحة الدولة بعنوان التسيير بنسبة 20% مطالبة بسحب المراسلة والتوقف عن التضحية بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وإخضاعها لسياسات التقشف غير المعلنة.
واعتبرت الجامعة في بيان صادر عنها تحت عنوان “لا مساس بميزانيات مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، مضمون المراسلة سابقة خطيرة في مسار قالت انه” بدا منذ سنوات واعتمد أساسا سياسة التقليص في ميزانيات مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وضرب في العمق منظومة التعليم العالي وهمش المؤسسات الجامعية العمومية خدمة لمصالح فئوية ضيقة وقطاع التعليم العالي الخاص".
ونبهت الى أن المراسلة” تعري تهافت الخطاب الرسمي والمفارقة الصارخة بين ما تقول السلطة وما تفعل لافتة الى أنها تؤكد من ناحية على الأولوية التي توليها للتربية والتعليم وعلى رأسها التعليم العالي والى أنها من ناحية أخرى تقوم بالتقليص في ميزانيات مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي والخدمات الجامعية بما سيمس كل الأطراف الجامعية من أساتذة وباحثين وطلبة وعملة وموظفين.
وذكرت بأن منظومة التعليم العالي ومن ورائها كل منظومة التربية والتعليم هي قاطرة البلاد ومصعدها الاجتماعي وبأن أي تقليص في ميزانيتها هو ضرب استراتيجي لخيارات وطنية راهنت عليها تونس وأثبتت نجاعتها الى أمد غير بعيد معتبرة انه من المفترض مواصلة دعمها والترفيع في ميزانياتها حتى تتمكن من مواصلة القيام بوظيفتها المجتمعية باعتبارها مرفقا عموميا قادرا على تقديم خدمات ذات جودة وعلى وجه مرضي.
تونس- الصباح
صنفت تونس في المرتبة 113 من بين 132 بلدا حول العالم في مجال استعمال واستغلال نتائج البحث بالمؤسسات الصناعية، وذلك بالرغم من ترتيبها المتقدم في مجال البحث والباحثين في تونس على المستوى الدولي، وفقا لوزارة التعليم العالي.
كما أن البحث العلمي في تونس يعاني عديد الإشكاليات ساهمت في عدم إعطائه الاهتمام اللازم من خلال دعمه ماليا عبر ما ترصده الدولة من ميزانية وعدم الاستثمار في هذا المجال بالكيفية اللازمة إضافة الى عدم اهتمام القطاع الخاص به وهو ما جعل عديد الصعوبات تواجه الباحثين مما أدى الى هجرة الآلاف منهم في السنوات السابقة.
"الصباح" طرحت في هذا الملف وضعية البحث العلمي في تونس ومدى تثمين نتائجه وإلى أي حد توجد قطيعة بين البحث العلمي الأكاديمي والبحث العلمي في الجانب الاقتصادي للبلاد.
إعداد: صلاح الدين كريمي
الناطقة باسم اتحاد الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمللـ"الصباح":البحث العلمي في تونس يحتضر.. ولا خيار أمامنا إلا التهجير القسري
أكدت الناطقة الرسمية باسم اتحاد الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل منال السالمي في تصريح لـ"الصباح": "للأسف الدولة التونسية لا إستراتيجية لها في الاستثمار في البحث العلمي الى حد الآن. البحث العلمي بالنسبة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي هو فقط جانب مهم للأستاذة الجامعيين للترقية لأن البحث ضروري في ملفات الترقية والانتداب أيضا للدكاترة المعطلين. وأيضا هو مهم لإيجاد اتفاقيات شراكة وتعامل مع دول أخرى أوروبية أو من دول الجوار للحصول على أموال في إطار البحث العلمي ولكن ما مصير البحوث العلمية في بلادنا؟ لا شي الرفوف فقط... "، وفق قولها.
وأضافت السالمي "حتى في أزمة كورونا رغم ان الباحث التونسي اثبت كفاءته في تلك الفترة إضافة الى الطاقم الطبي ولكن الدولة تنكرت للبحث العلمي بعد ذلك ولم تتغير نظرتها لأهميته كقاطرة للنمو ورمت به عرض الحائط من جديد. فالدولة للأسف لا ترصد ميزانية معتبرة للبحث العلمي ولا تبدي اهتماما بهذا المجال والدليل على ذلك ان الميزانية التي تخصصها لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ضعيفة جدا وفي تناقص مستمر منذ سنوات. ونتيجة لذلك لا استقلالية لنا في البحوث العلمية ولا ترابط بين البحث العلمي ومتطلبات بلادنا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ولا مخابر لنا تستجيب لأبسط متطلبات البحث العلمي والسلامة للباحثين وحتى الحقوق المادية تكاد تكون منعدمة، إضافة الى أن المواضيع التي يتم تناولها في مخابرنا لا ترتبط أساسا بمشاكل بلادنا وترتبط أغلبيتها بالمواضيع التي يفرضها التعاون الخارجي ويُستغل فيها الدكاترة الباحثون المعطلون في إطار عقود وقتية سنوية بأجور زهيدة جدا لذلك فإن أغلبية المخابر تجد فيها باحثين وقتيين ولا انتدابات دورية في المخابر بما انه لا أموال قارة مخصصة من الدولة".
وأشارت محدثتنا في نفس الصدد أنه "حتى عندما تفتح انتدابات فهي بأعداد ضعيفة في إطار المناظرة التي تجرى كل أربع سنوات أو أكثر والتي تفتقر لأبسط آليات الشفافية وتشهد عديد الاخلالات والتجاوزات والدليل على ذلك القضايا المرفوعة في المحكمة الإدارية وعدد الشكاوى المقدمة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ولا ننسى أن هناك جانب فساد كبير في البحث العلمي وجب التصدي له ومقاومته برقمنة الجامعات التونسية والمخابر وسن تشريعات تحدد طرق التعامل بين كل الأطراف المتداخلة وتحد من تفشي ظاهرة الفساد".
من جهة أخرى أكدت منال السالمي "أن بلادنا للأسف الى حد الآن لم تمنح لشهادة الدكتوراه مكانتها قانونيا فهي غير مدرجة في السلم الوظيفي في القطاع العام والوظيفة العمومية ولا في الاتفاقيات التي تنظم العمل في القطاع الخاص. كما أن بلادنا لا تعترف للأسف بالاستثمار في البحث العلمي فلا نجد استثمارا للبحث العلمي في القطاع العام الذي يعتبر قدوة البلاد في كل المجالات خاصة الاقتصادية ولا أيضا في القطاع الخاص. ولا نجد أيضا اتفاقيات شراكة وتعاملا بين مؤسسات الدولة والشركات الخاصة ومخابر البحث التونسية أو الجامعات التونسية لإيجاد حلول للمشاكل التي تعاني منها كل القطاعات والمؤسسات".
"ونتيجة لكل ذلك وأيضا لوضعية الدكاترة الباحثين المعطلين الذين لا مستقبل لهم في بلادهم فالبحث العلمي الآن يحتضر والمخابر التونسية تشكو نقصا كبيرا في الباحثين ونقصا في اهتمام الشباب بالبحث العلمي باعتباره خيارا يؤدي الى تحطيم مستقبل الشباب ولا آفاق فيه ولا إستراتيجية للدولة فيه. وسنصل الى نتيجة بعد سنوات انه لن يكون هناك بحث علمي في تونس للأسف, بعد ان كانت بلادنا تحتل المرتبة الأولى عالميا في عدد الباحثين وخاصة الفتيات منهم، سنصبح في المراتب الأخيرة. وكل كفاءاتنا الآن أصبح الحل الوحيد أمامها هو التهجير القسري الذي سيفقر بلادنا أكثر علميا في كل المجالات ليس فقط في البحث العلمي وللأسف الدولة غير واعية بهذا المعطي الخطير جدا وكيف أن كل كفاءاتها أصبحت خارج البلاد..
واقترحت الناطقة الرسمية باسم اتحاد الدكاترة الباحثين المعطلين عن العمل منال السالمي أن "الحل يكمن أولا في ضرورة فصل البحث العلمي عن وزارة التعليم العالي باعتباره قطاعا يهم كل الوزارات وتخصيص وزارة أو هيكل مستقل يهتم بالبحث العلمي في بلادنا ومرتبط بكل الوزارات والقطاع العام والخاص وتخصيص ميزانية واضحة ومهمة للبحث العلمي والتجديد والدراسات الإستراتيجية، وثانيا إصلاح القوانين والتشريعات التي تهتم بالبحث العلمي وجعله ينفتح على كل الوزارات وإدراج شهادة الدكتوراه في السلم الوظيفي وفي الاتفاقيات التي تنظم العمل في القطاع الخاص وإحداث هياكل للبحث والتجديد والدراسات الإستراتيجية صلب كل الوزارات والمؤسسات، وثالثا إصلاح قوانين الانتداب والترقية وتحديث الآليات المعتمدة عبر رقمنة الإدارات في بلادنا ليصبح الانتداب والترقية مواكبا للتطور العلمي ويبتعد عن كل سبل الاخلالات والتجاوزات، ورابعا ربط المخابر والجامعات بمؤسسات الدولة وبمناطقنا الجهوية لأجل التركيز على مشاكل البلاد في كل مجال وإيجاد حلول علمية تطبق مباشرة وبذلك يكون هناك استثمار جهوي للبحث العلمي وربط للبحث العلمي بمشاكل البلاد الحقيقية وتطبيق لكل البحوث على ارض الواقع مع تطوير اقتصاد بلادنا ليستجيب لمتطلبات السوق العالمية ويصبح قادرا على الاستثمار في البحث العلمي ويستعين بالبحث العلمي أيضا كقاطرة في هذا الانتقال والانفتاح على الاقتصاد العالمي وتشجيع الشركات الخاصة جبائيا على الاستثمار في البحث العلمي وربطها بالمخابر العلمية والجامعات مع انتداب الدكاترة الباحثين بطريقة قانونية تحترم مكانتهم وحقوقهم لان الدكتور الباحث يمثل رمز السلم الاجتماعي في بلادنا والتخلي عن التعامل فقط بالية العقود الهشة في البحث العلمي وفتح الانتداب في كل الوزارات للدكاترة الباحثين وتحسين المخابر التونسية وتوفير مناخ علمي لممارسة البحث العلمي تحترم فيه كل الحقوق والواجبات".
مدير عام البحث العلمي لـ"الصباح":
لا نخفي الصعوبات.. وحددنا الأولويات الوطنية للبحث العلمي..
قال مدير عام البحث العلمي مراد بالأسود، في تصريح لـ"الصباح"، انه توجد بالإدارة العامة للبحث العلمي 4 أقسام- إدارات، إدارة تهتم بهياكل البحث وإدارة تعنى بمدارس الدكتوراه وإدارة تهتم بالبرامج الوطنية للبحث وإدارة مخصصة للبرامج الدولية والشراكات التي تعنى بالبحث العلمي، وهو ما يعني أن الإدارة العامة للبحث العلمي تهتم بتنظيم قطاع البحث العلمي ليس فقط على مستوى وزارة التعليم العالي فقط بل على مستوى وطني خاصة وأن البحث العلمي يعد قطاعا أفقيا يهم جميع الوزارات كوزارة الصحة التي تساهم فيها ميزانية البحث العلمي بقرابة 13% لهياكل البحث العلمي التابعة لوزارة الصحة، ونسبة 14% ترصد لهياكل البحث العلمي التابعة لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، بالإضافة الى مجال البحث العلمي في كل الوزارات تقريبا.
وفي علاقة بما إذا كان هذا الدور الهام الذي تلعبه الإدارة العامة للبحث العلمي، يتطلب أن تكون هيكلا مستقلا بذاته على وزارة التعليم العالي بأكثر صلاحيات وأكثر موارد، أكد محدثنا أن هناك خيارات خاصة وأن البحث العلمي متصل بالجانب الأكاديمي أي الجامعيات والتي تتبع أساسا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وفي أغلبية الدول فان البحث العلمي متصل أكثر ما يمكن بالجامعيات والمؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث الجامعية، ومنطقيا فان نشاط البحث العلمي في تونس لا بد أن يظل تحت تسيير وزارة التعليم العالي.
وأضاف بالأسود، أن جل الدول في العالم اليوم متجهة نحو اقتصاد المعرفة الذي يقوم أساسا على البحث العلمي والتجديد، وهو ما يتطلب مزيد العمل أكثر في تونس على هذا الجانب، لكن مجال البحث العلمي وحده غير كاف ويتطلب تضافر جهود مختلف الهياكل والوزارات رغبة منها جميعها في التجديد والتقدم، وكغيره من القطاعات مثل الفلاحة والصناعة والصحة.. فان البحث العلمي هو ضمن نظام مكتمل بصفة عامة يكون له تأثير على بقية المجالات وتأثير اجتماعي- اقتصادي...
أما في ما يخص ميزانية البحث العلمي في تونس، قال مدير عام البحث العلمي بالوزارة، أنه رغم الصعوبات التي تعيشها البلاد فان الميزانية المخصصة للبحث العلمي وتمويل هياكل البحث تشهد تصاعدا لتصل الى 0.8 % من الناتج الوطني الخام للبلاد، تساهم ميزانية الدولة في تمويل البحث العلمي بما يقارب 80 % لكونه قطاعا استراتيجيا وقرابة 15 % متأتية من قطاعات مثل الصناعة والخدمات والشركات.. ونسبة 5 % ممولة من قبل البرامج والشراكات الدولية، وفي تعليقه على هذه الأرقام أكد نفس المصدر أن أي رقم مالي لا يمكن أن يكون كافيا للبحث العلمي إلا أن هذه النسب مقارنة بما نعيشه في تونس ومقارنة بالوضع في المنطقة يعد رقم مقبول الا ان تونس تأمل ان تكون افضل وبأكثر ميزانية مرصودة لدعم البحث العلمي بالبلاد خاصة أن تنعكس مباشرة على اقتصاد المعرفة والتجديد وتثمين نتائج البحث بالبلاد.
وفي ما يخص واقع البحث العلمي في تونس حاليا، اعتبر مراد بالأسود، أن البحث العلمي في تونس متكون أساسا من عدة محاور، أولا مخابر البحث ويوجد في تونس حاليا 430 مخبر بحث وتضم أكثر عدد من الباحثين، وحدات البحث البالغة عددها 91 وحدة بحث والتي تعتبر هياكل صغيرة تصير بعد 6 سنوات مخابر بحث، و40 مركز بحث وهي مراكز مستقلة بذاتها تضم مخابر بحث وتشتغل على قطاعات معينة متخصصة، والأقطاب التكنولوجية البالغة عددها 13 قطبا تكنولوجيا، بالإضافة الى مدارس الدكتوراه ووحدات الخدمات المشتركة التي تحتوي على التجهيزات العلمية الثقيلة وتكون متاحة لجميع الباحثين وكذلك الناشطين والعاملين في النسيج الاقتصادي لمن يرغب في القيام باختبارات وقياسات للمنتوج.. كما أن هذه المؤسسات تتوزع تقريبا على كل الولايات. كما يوجد موقع واب خاص بالبحث العلمي وهو ‘ ‘‘‘www.pnes.tn توجد فيه جل الخدمات الضرورية في علاقة بالبحث العلمي.
أما المكون الثاني للبحث العلمي في تونس، فهو التعليم العالي وهو رافد مهم خاصة في ظل وجود 13 جامعة حاليا بتونس بأكثر من 270 ألف طالب ومؤسسات جامعية في حدود 213 مؤسسة تعليم عال، بالإضافة المكون الثالث وهو عنصر الموارد البشرية الذي يتكون من قرابة 12 ألف أستاذ جامعي و 22 ألف باحث و10 الاف طالب دكتوراه، أما المكون الرابع فهي هياكل الدعم والتنسيق مثل الوكالة الوطنية للنهوض بأنشطة البحث والهيئة الوطنية لتقييم أنشطة البحث والمركز الوطني الجامعي للتوثيق العلمي والتقني ومركز الحساب الخوارزمي وكذلك مدينة العلوم بتونس، وهي جملة من الهياكل تهتم بالتنسيق والدعم لهياكل البحث العلمي، وهو ما يعتبر أن منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس غنية ومتنوعة حيث أنه حسابيا يوجد 17 مؤسسة تعليم عال على كل مليون ساكن وهو رقم مهم يتجاوز عديد الدول...
وفي رده على سؤال حول مدى تثمين نتائج البحث العلمي في تونس وتطبيقها من خلال حسن استثمارها وطنيا؟ أفاد محدثنا أن تونس قامت بانجازات مهمة في انتاج البحث العلمي الأكاديمي حتى أن التصنيف العالمي global index innovation صنف تونس في المرتبة 12 من بين 132 دولة في الإنتاج العلمي مقارنة بما يتم استثماره في هذا المجال وهو ما يعتبر مرتبة مشرفة جدا لتونس، كما أن تونس في المرتبة 5 عالميا من حيث خريجي التكوين العلمي والهندسي، إلا أن هذه المراتب المهمة لا تخفي الوضعية الصعبة لتثمين نتائج البحث والعلاقة بين البحث العلمي كمنتوج وعلاقته وتثمينه على مستوى التنمية والاستثمار بالبلاد وهي حلقة مهمة ما تزال مفقودة في تونس ويعود ذلك أساسا الى أن نوعية النسيج الاقتصادي في تونس أغلبيته أي أكثر من 60% يقوم على مؤسسات صغيرة ومتوسطة أي أنها لا توجد بها الإمكانيات المالية للاستثمار في تنمية وتطوير البحث العلمي بالرغم من كونه يحقق قيمة مضافة للغاية، لكن هناك قطاعات ساهم البحث العلمي بكيفية كبيرة في تطويرها مثل القطاع الفلاحي والقطاع الصحي ...
الا أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تسعى للحد من هذه القطيعة بين البحث العلمي الأكاديمي والبحث العلمي على مستوى المؤسسات الصناعية مثل القيام بعدة آليات ومشاريع لتجاوز مرحلة الخطر وهو ما يعني تطبيق الفكرة من مخبر بحث على منتوج يتم تسويقه في السوق وهي التي تكون في شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص والتي تتعطل أحيانا بسبب نصوص قانونية لا تسمح أو إشكاليات مالية تحد من ذلك، وهو ما يجعل فقط 5% فقط من نتائج البحث العلمي بالمخابر تصل الى المرحلة الأخيرة من الإنتاج. وهو ما تطلب القيام بعدد من المبادرات التنافسية لتمويل مشاريع البحث، والتي تضم مخابر البحث وشركاء اقتصاديين واجتماعيين من اجل تطوير مشاريع البحث وجعلها نموذجا استثماريا وتسويقيا ويتراوح حجم التمويل من ألف دينار الى1.5 مليون دينار على مدى 3 سنوات، بالإضافة الى برامج تثمين نتائج تكون عقب إصدار بلاغ لتقديم نتائج البحوث، بالإضافة الى عدد من الآليات التحفيزية كجوائز رئيس الجمهورية، وهي جائزة لأحسن أطروحة دكتوراه، وجائزة لأحسن باحث، وجائزة لأحسن مخبر بحث، وذلك من اجل استثمار الأفكار من المخابر وتحويلها الى النسيج الاقتصادي التنموي.
وفي خصوص وضعية الباحثين في تونس ومستوى تمويل بحوثهم، أكد نفس المصدر، أن هناك توجها في تمويل البحث العلمي نحو النجاعة والأهمية وذلك وفقا للأداء والأهمية والأولويات الوطنية للبحث، وهو لا يعني التخلي عن تمويل البحث العلمي عامة بل الاهتمام أكثر بمشاريع البحث العلمي وفقا للأولويات الوطنية للبحث العلمي وهي الصحة، التربية والتعليم، الاقتصاد الدائري، البيئة، الرقمنة. إضافة الى منحة التشجيع على البحث العلمي حيث يتم رصد ميزانية في حدود 10 مليون دينار سنويا من الوزارة للباحثين وفقا للمنتوج العلمي لكل باحث والتي يمكن أن تصل الى 13000 دينار سنويا وهي منحة إضافية، وكان هناك توجه منذ سنوات لتشجيع الباحثين، إضافة الى عدد من المشاريع الدولية الأخرى...، وفق قوله.
وفي علاقة بهجرة الأساتذة الباحثين من تونس حيث يهاجر سنويا عدد كبير منهم، اعتبر مدير عام البحث العلمي، أن الهجرة خيار خاص بهم وليس فقط الجانب المالي هو العامل الأول لهجرتهم بل ان الهجرة موجودة في كل دول العالم من اجل البحث العلمي وخوض تجارب بحثية، الا ان في تونس تشهد أكثر حدة ارتباطا بالوضع المادي للباحثين كما ان لها تأثيرا مهما على جودة البحث العلمي وعقد شراكات مهمة مع عدة دول أوروبية كما أن تونس تعتبر أول دولة افريقية وعربية لها شراكة مع أوروبا في البحث العلمي وهي شريك استراتيجي وهو ما يمنحها نفس الحقوق والواجبات لأي دولة أوروبية في البحث العلمي وذلك جاء نتيجة جودة البحث العلمي التونسي ومجهودات الباحثين التونسيين، وهو ما يتطلب تثمين نتائج هذا البحث العلمي اليوم في المجال الاقتصادي، كما أن كل أستاذ باحث خارج الوطن هو سفير لتونس من خلال ما يقومون به من مجهودات لربط علاقات مع البحث العلمي في تونس والعمل على خلق تركيبة بحث علمية دولية.. كما أن تونس بها عدد طلبة دكتوراه مهم وهو ما يساهم بدرجة كبيرة في نشاط البحث العلمي في تونس وهو ما لا يخفي عدد الدكاترة المعطلين عن العمل بالبلاد وذلك نتيجة النقص في الانتدابات في مختلف الوزارات، إلا أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وضعت عدة آليات للحد من نسب البطالة في صفوفهم من خلال عقود تشغيلية مثل عقد دكتور باحث ويصل الراتب فيه الى راتب أستاذ جامعي مساعد بالإضافة الى عدد من العقود التشغيلية الأخرى.
وفي إجابته على وجود عدد من الإشكاليات والنصوص القانونية التي تحد من تطوير البحث العلمي في تونس، اعتبر مراد بالأسود أن هناك خصوصية للبحث العلمي ولا بد من مراعاة بعض الجوانب في علاقة بالنصوص القانونية التي لا بد أن تكون ملائمة مع تطوير البحث العلمي مثل مجموعات الشراءات وخصوصية بعض المواد من خلال عدم القدرة على شراء مخزون يتم استعماله عند الحاجة مثل وجود عدة شروط تقنية لا بد من مراجعتها في بعض النصوص بما يتماشى مع خصوصية البحث العلمي وهو ما يمكنه ان يساهم في التقدم بخطوات هامة في المجال.
وفي علاقة برؤية مدير عام البحث العلمي بوزارة التعليم العالي، مراد بالأسود، للبحث العلمي في تونس خاصة كونه عين مند أشهر في هذه الخطة، قال ان البحث العلمي في تونس مر بـ3 مراحل مهمة وهي المرحلة الأولى والتي تعتبر التاريخ المفصلي في القطاع سنة 1996 عند إصدار القانون التوجيهي للبحث العلمي وهو ما يعني إنشاء مختلف مكونات البحث العلمي في تونس وقد تواصل الى غاية سنة 2016 التي تم تحديد الأولويات الوطنية للبحث العلمي، إلا انه من الضروري اليوم التوجه نحو البحث العلمي الداعم للاقتصاد الوطني من خلال تثمين نتائج البحث والإشعاع والتميز وطنيا ودوليا بالإضافة الى اعتماد مقاربة تقوم على تشغيلية خريجي البحث العلمي في تونس وهي عناصر مهمة لتدعيمه وهو ما يتم العمل عليه حاليا وفق عدة مراحل وآليات.
مديرة فرعالمعهدالعالمي للتجديد العربي بتونس لـ"الصباح":
عدم دراية بمجريات البحث العلمي.. وعدة بحوث يقع استثمارها خارج البلاد
قالت مديرة فرع المعهد العالمي للتجديد العربي بتونس الدكتورة زهية جويرو في تصريح لـ"الصباح أن عامة التونسيين ليس لهم دراية وفكرة واضحة بمجريات البحث العلمي في تونس، وبالرغم من وجود حركة مهمة للبحث العلمي في البلاد وذات إنتاجية مهمة الا انها منحصرة داخل الجامعة وداخل مراكز البحث وغيرها من مؤسسات وزارة التعليم العالي، ولو قارنا الإنتاج البحثي التونسي بالانتاج البحثي لدول لها امكانيات مادية وعدد سكان اكثر لوجدنا تونس متفوقة عليهم جدا ليس من حيث الكم فقط بل من حيث الكيف أي النوعية والجودة".
وأضافت زهية جويرو "أن تونس تحتاج أكثر الى انفتاح البحث العلمي على مؤسسات الدولة ويصبح وسيلة من وسائل الإنتاج، وهذا لا يحدث الا عند انفتاح المستثمر سواء كان فرد أو مجموعة على هذا الإنتاج العلمي، خاصة في ظل إشكاليات التمويل لمؤسسات البحث ومراكز البحث ويمكن أن يتحسن أكثر مستقبلا وربما من المنفذ المهم جدا إحداث تكامل بين منتج المعرفة ومنتج البحث والمستثمر خاصة في ظل وجود عدة بحوث تخرج من تونس ويقع استثمارها خارج البلاد بالإضافة الى الباحثين المهاجرين وهو ما يعني خسارة رأس مال بشري ومعرفي مهم".
ودعت محدثتنا الى "الانفتاح أكثر على المجتمع من قبل الباحثين ومراكز البحث وهو ما يمكنهم من الاطلاع على حاجياته وتطلعاته من اجل الاستجابة لها، بالإضافة الى ضرورة الاستثمار أكثر في البحث العلمي وتوظيف نتائج البحث العلمي في مجالات الاقتصاد على اختلافها ".
دكتور باحث في الفيزياء لـ"الصباح":
بطالة الباحثين فضيحة أكاديمية.. وعدة قوانين تكبّل عملنا
اعتبر صابر ناصري، الدكتور الباحث في الفيزياء في تصريح لـ"الصباح"، أن تونس تعتبر تونس من أكثر الدُول عددا في نسبة الباحثين، وقد تصدرت المرتبة الأولى عربيا في عدد الباحثات في 2022 ورغم هذا الخزّان المعرفي الذّي تتمتع به تونس فإن وضعية البحث العلمي والباحثين من أسوأ الوضعيات، ويظهرُ ذلك في نسبة البطالة لدى هذه الفئة التي فاقت 70% هذا الى جانب ميزانية البحث العلمي التي لم تتجاوز 1% من إجمالي ميزانية الدولة لتكون تونس من أكثر الدول ضعفا في الإنفاق على البحث العلمي والاستثمار في الأدمغة وتعتبر بطالة الباحثين فضيحة أكاديمية ساهمت فيه عديد الأسباب لعل أهمها غياب إستراتيجية وطنية تهتم بالبحث وتثمنّه ناهيك عن عطالة هيكلية في القوانين التي تكبّل عمل الباحثين وتقيد حركتهم داخل النسيج الاقتصادي فضلا عن وجود شرخ بين مؤسسات الدولة العمومية والخاصة ومخابر البحث".
وأضاف محدثنا أن "هذه الأسباب الهيكلية يضاف إليها غياب القرار السياسي عبر تهميش البحث وعدم إيلائه أهمية كبرى، رغم ما أظهرته أزمة كورونا التي جاءت لتظهر أهمية البحث العلمي أمام الأزمات الصحية والأوبئة وأمام هذه الحالة المزرية جاءت نضالات الدكاترة الباحثين سنتي 2017 و2020 كشكل من أشكال الرفض لوضعية الباحث، وتعبيرا عن سخط دفين إزاء وضع البحث العلمي في تونس، وقد كانت مطالبنا واضحة وهي الترفيع في ميزانية البحث العلمي، فتح الانتدابات المغلقة بدعوى التّقشف، الانفتاح على مؤسسات القطاع العام والمؤسسات العمومية، إصلاح القانونين البالية المتعلقة بالبحث، إنشاء خلايا بحث يشرف عليها دكاترة داخل مؤسسات الدولة. وربط الجامعة بالنسيج الاقتصادي والانفتاح على المناخ الاجتماعي مع مزيد تنظيم القطاع الخاص ومراقبته ليكون جزءا من الحل وقد كانت لنا جلسات تفاوض ماراطونية مع سلطة الإشراف قلنا فيها ان أكثر من 7000 دكتور معطل وهي نسبة لا يمكن ان يقع امتصاصها عن طريق مناظرة الدخول للجامعة فقط، بل لا بد من فتح طرق أخرى كخلايا البحث ومراكز البحث لاستيعاب الدكاترة، وقد طالبنا بإنشاء هيكل وطني يعني بالبحث العلمي ولكن عقلية سلطة الإشراف تنظر للباحثين على أنهم كتلة أجور متناسية القيمة المضافة التي يأتون بها. ورغم الاتفاق الذي حصل آنذاك والذي ينص على انتداب 3000 دكتور على ثلاث سنوات ،فإن دار لقمان لا تزال على حالها، خاصة امام تلكؤ الوزارة في إيجاد حلول بديلة خارج صندوق المناظرة الذي عمّق المشكل أكثر. وقد كان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد زار اعتصامنا ووعد بإيجاد حلول، لكننا لا نزال ننتظر متى تلتفت الدولة لهذه الفئة، التي هاجر اغلبها ويعيش الباقون وضعية سيئة في بلادهم".
كاتب عام الجامعة العامة للتعليم العالي:
التخفيض بنسبة 20% في ميزانيات التسيير.. والوزارة تنتهج سياسة تهميش
ونفدت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، الخميس، سلسلة من التحركات الاحتجاجية في الفترة السابقة، احتجاجا على ما اعتبروه سياسة تهميش تنتهجها وزارة الإشراف تجاه الجامعيين وما تقوم به من ضرب لمكانتهم في المجتمع وللمنظومة العمومية للتعليم العالي ككل.
وأكد كاتب عام الجامعة العامة للتعليم العالي، نزار بن صالح، أن الوقفة الاحتجاجية تأتي للمطالبة بالكف عن ضرب ميزانيات منظمات ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، وبالدورية السنوية لمناظرات الانتداب والتربية.
وشدد في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء على أن الدولة ككّل مدعوة الى مراجعة سياستها في التعامل مع الأساتذة الجامعيين في ظل تقديرات صادمة تفيد بأن أكثر من 18% من الأساتذة الجامعيين يشتغلون خارج حدود الوطن في حالة الحاق بالوكالة التونسية للتعاون الفني معتبرا أن هجرة الكفاءات التونسية يجب أن توقظ الجميع أمام مسؤولياتهم في حماية التعليم العالي العمومي.
وبين كاتب عام الجامعة العامة نزار بن صالح أن ضرب المنظومة العمومية للتعليم العالي بدأ من خلال “التخفيض بنسبة 20% في ميزانيات التسيير للمؤسسات الجامعية، والذي من شأنه الحط من الأموال المرصودة للمعدات الأساسية في العملية التربوية وكذلك المس من قدرة المؤسسات الجامعية على تامين العملية التعليمية وكذلك من تطوير البحث العلمي الذي احتلت فيه تونس المرتبة 16 في العالم” معتبرا أن هذا المسار الذي انطلق في سنة 2017 سابقة خطيرة في تاريخ الجامعة التونسية...
التقليص في الميزانية
وكانت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، قد نددت بمضمون مراسلة من وزارة التعليم العالي الى رؤساء الجامعات والمديرين العامين للمؤسسات العمومية للبحث العلمي والمديرين العامين لدواوين الخدمات الجامعية والمدير العام لمركز النشر الجامعي والمدير العام للدراسات التكنولوجية، قالت إنّها تتعلق بالتخفيض في منحة الدولة بعنوان التسيير بنسبة 20% مطالبة بسحب المراسلة والتوقف عن التضحية بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وإخضاعها لسياسات التقشف غير المعلنة.
واعتبرت الجامعة في بيان صادر عنها تحت عنوان “لا مساس بميزانيات مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، مضمون المراسلة سابقة خطيرة في مسار قالت انه” بدا منذ سنوات واعتمد أساسا سياسة التقليص في ميزانيات مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي وضرب في العمق منظومة التعليم العالي وهمش المؤسسات الجامعية العمومية خدمة لمصالح فئوية ضيقة وقطاع التعليم العالي الخاص".
ونبهت الى أن المراسلة” تعري تهافت الخطاب الرسمي والمفارقة الصارخة بين ما تقول السلطة وما تفعل لافتة الى أنها تؤكد من ناحية على الأولوية التي توليها للتربية والتعليم وعلى رأسها التعليم العالي والى أنها من ناحية أخرى تقوم بالتقليص في ميزانيات مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي والخدمات الجامعية بما سيمس كل الأطراف الجامعية من أساتذة وباحثين وطلبة وعملة وموظفين.
وذكرت بأن منظومة التعليم العالي ومن ورائها كل منظومة التربية والتعليم هي قاطرة البلاد ومصعدها الاجتماعي وبأن أي تقليص في ميزانيتها هو ضرب استراتيجي لخيارات وطنية راهنت عليها تونس وأثبتت نجاعتها الى أمد غير بعيد معتبرة انه من المفترض مواصلة دعمها والترفيع في ميزانياتها حتى تتمكن من مواصلة القيام بوظيفتها المجتمعية باعتبارها مرفقا عموميا قادرا على تقديم خدمات ذات جودة وعلى وجه مرضي.