*الاقتصاد الموازي يتغذّى من أزمات الاقتصاد الرسمي وكلما ضعف الثاني تضخّم الأول
مصطلح الاقتصاد الموازي حديث الظهور في تونس و يعود لثلاثة عقود على أقصى تقدير حيث أنّ ما سبقه يعدّ تجارة موازية كانت موسمية أحيانا وأحيانا أخرى مرتبطة ببعض المعابر الحدودية يمارسها تجّار ينشطون على الحدود الليبية التونسية ووبدرجة أقلّ على الحدود التونسية الجزائرية التي لم تزدهر فيها هذه التجارة الاّ بعد تخطّي الجزائر العشرية السوداء .
أمّا في العالم فمصطلح الاقتصاد الموازي أقدم بقليل حيث كان عالم الاقتصاد "بيتر جوتمان" أول من استعمله وذلك عام 1977 في دراسته المعنونة بالاقتصاد السفلى والذى أكد فيها على عدم إهمال المعاملات الاقتصادية التي لا يتم تضمينها في الحسابات الرسمية للناتج القومي .
ويعرّف الاقتصاد الموازي على أنه الاقتصاد الخفي أو الاقتصاد الموازي أو الاقتصاد الأسود أو اقتصاد الظل وهو اقتصاد يشمل جميع المعاملات الاقتصادية سواء المشروعة أو الغير المشروعة ، النقدية أو الغير نقدية والتي لا تسجل في الحسابات الرسمية للدخل الوطني فهو ببساطة المعاملات التجارية التي لا تكون خاضعة للضريبة .
ومن المعروف أنّ هذا الاقتصاد ينشط في الدول متعددة الحدود البرية وفي الدول النامية خاصة تنتشر ظاهرة الاقتصاد الموازي في الدول النامية بشكل كبير عن نظيرتها في الدول المتقدمة، ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب أهمها:
جباية غير عادلة : وهو ما يدفع الأفراد والشركات إلى البحث عن حيل وطرق تمكنهم من التهرب من الضرائب وتزوير الحسابات، وبالتالي يقودهم ذلك إلى الاقتصاد الموازي بشكل مباشر أو غير مباشر.
ارتفاع نسبة مساهمة الأفراد صناديق الضمان الاجتماعي وهو ما قد يدفع الكثيرين إلى البحث عن وظائف أخرى خفية أو غير رسمية للتهرب من دفع تلك الأموال.
تدني مستويات الأجور والتي لا تتناسب مع مستوى المعيشة وهو ما يجعل هؤلاء إلى التهرب من الوظائف الرسمية إلى الوظائف الخفية.التي تحقّق أكبر الأرباح بأقل الأتعاب .
وينقسم إلى الاقتصاد الى نوعين:
-الأول: يشمل أنشطة تجارية مشروعة ونظيفة ولا تتعارض مع الأعراف والمبادئ والقيم والعادات الموروثة مثل استخدام الأفراد لممتلكاتهم مثل السيارة أو الشقة للإيجار بشكل غير رسمي.لكنها تتعارض مع القانون وتستوجب دفعا للضرائب.
-الثاني: يشمل الأنشطة التجارية غير المشروعة وغير النظيفة والتي تتعارض مع القوانين داخل الدول كتجارة المخدرات والتهريب وغسل الأموال.
تونس بدورها تعاني من خطر تنامي ظاهرة الاقتصاد الموازي بأشكاله المختلفة والذي تحوّل الى سرطان مس كل قطاعات الدولة المنظمة كالنسيج و الصناعة بمختلف أنواعها،وشمل الخدمات و التجارة و مبادلة العملة وقطاع البناء .وقد انتعش الاقتصاد الموزاي خلال فترة ضعف الدولة وهوان أجهزتها الرقابية وكان ذلك في الفترة من 2011 الى اليوم حيث بلغ أكثر من 53 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في حين لم يكن يتجاوز 30بالمائة قبل 2010.كما يشغّل نصف اليد العاملة بنسبة 43.9 بالمائة وبواقع مليون و500ألف عامل(لايتمتعون بالرعاية الصحية ولا يدفعون الضرائب ويتعرّضون لأبشع أنواع الاستغلال) حسب احصائيات سنة 2019. وهي نسب تعدّ مرتفعة و خطيرة حيث أنّ النسب المعقولة في الدول الأوروبية مثلا لا تتجاوز 10بالمائة.لكن ما يزال بالإمكان السيطرة عليها اذ أن دولا تبلغ فيها هذه النسبة 60 و70بالمائة أين أصبح الموازي رسميا و الرسمي موازن .
اذ من المعلوم أن الاقتصاد الموازي يتغذّى من أزمات الاقتصاد الرسمي وكلما ضعف الثاني تضخّم الأول وهو ما عايشناه و لانزال في تونس حيث تسللّ الناشطون في هذا المجال الى مفاصل الدولة وسيطروا على جزء منها ووجدوا لهم موطأ قدم في الموانئ البحرية بعد المعابر البرية .وبالتالي أغرقت البلاد برا و بجرا بالسلع المستوردة و بالبنزين المهرّب وهو ما أثرّ سلبا على القطاعات المنظمة و التي خسرت المنافسة نظرا للفارق في الأسعار على حساب الجودة في كثير من الاحيان. ولأن المواطن لم يعد قادرا على تلبية حاجياته الحياتية فقد ساهم بدوره في انعاش التهريب الذي بدأ الناس يتعاملون مع المهرّبين على أنهم ذوو حظوة والبعض منهم نجح في التسلل الى السياسة سواء عبر الأحزاب التي شكلت غطاء لهؤلاء و آخرون أصبحوا نوّابا و مسؤولين.
وقد انتبهت المنظمات الدولية الى ذلك فتم تصنيف تونس من قبل مجموعة العمل المالي "FATF"من الدول التي تمثل ملاذا ضريبيا آمنا أو ما يسمى بـ"الجنان الضريبية" قبل أن ترفعها من القائمة السوداء في أكتوبر 2019، معتبرة أن الحكومة التونسية أوفت بالتزاماتها فيما يتعلق بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
الاتحاد الأوروبي بدورهاعتبر في فيفري 2018، تونس دولة تتضمّن مخاطر عالية متعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
آخر التقارير تشير الى أن نسبة الاقتصاد الموازي منذ سنة 2011 ارتفعت بشكل كبيرحيث كانت النسبة لا تتجاوز 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام لتقفز في ظرف سنوات الى ما بين 53 و57 بالمائة .
ولوقت قريب كانت تجارة التهريب عبر الحدود البرية ، هي الغالبة على هذا النشاط وقد أدّى تساهل الدولة مع هذه الظاهرة على مدى أكثر من أربعة خاصة في المعابر بين تونس وليبيا وذلك لأسباب تتعلق بالفقر ، الأمر الذي أدى الى انتشار تجارة التهريب عبر الحدود بصفة كبيرة و لهذا النوع من التجارة تأثير كبير على الاقتصاد التونسي .
فعلى سبيل المثال يوجد ما بين 25 و30 نسمة يعيشون من تجارة التهريب في بن قردان من هذه التجارة ويبلغ رأس مال كل تاجر جملة حوالي 300 ألف دينار فيما يبلغ رأس مال تجار الجملة البالغ عددهم في حدود 60 تاجرا حوالي 18 مليون دينار.
كما يتم إدخال حوالي 300 ألف لتر من الوقود يوميًا من ليبيا الي تونس أي 110 مليون لتر سنويا. ويتراوح حجم التبادل اليومي بين مليون و3 ملايين دينار، أي ما يقارب 750 مليون دينار سنويا. ويقدر رقم المعدل السنوي للمعاملات التجارية في منطقة رأس الجدير بـ1100 مليون دينار.
لكن الملفت للانتباه أن الممرات البحرية استفادت من الحملة المكثّفة التي استهدفت نظيرتها البرية بعد إطلاق الحرب على الإرهاب، مع ما رافقها من تراجع التهريبي البري الذي تراجع من 15 إلى 20 بالمائة . وقد استغلت الشبكات البحرية اختلاط الاقتصاد الرسمي مع الاقتصاد غير الرسمي، ما يشكّل قطاعًا خاصًا بالتجارة الخارجية تبدو أنشطته خاضعة للإجراءات الرسمية ولكنها في الواقع غير منظَّمة في جزء منها وغير مدوَّنة في سجلات الدولة.و الخطير أنّ بعض شركات الاستيراد الرسمية انخرطت في عمليات التهريب هذه .ويقدّر الاقتصاد الموازي اليوم عبر الموانئ بـ80 بالمائة
ومن بين الآثار الاقتصادية السلبية على قطاع التجارة، أشارت تقارير الى أن ولاية صفاقس مثلا تأثّرت سلبيا من هذه الظاهرة ففي سنة 2010 كانت المنطقة الصناعية تضم 42000 عامل في هذا قطاع الأحذية ، وفي عام 2016 لم يتبق سوى 2000 عامل. ويعود هذا بالأساس الى الأحذية صينية مستوردة بطريقة غير مشروعة.والعدد لايزال في ارتفاع مخيف وهو ما ينذر باندثار هذا القطاع الحيوي.
ورغم صعوبة احتواء هذه الأنشطة ومحاربتها فانّ عدد من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين يرددون مصطلح دمج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي وهو حلّ مغر صعب التحقيق .وما قدّمه وزير الاقتصاد والتخطيط، سمير سعيد من تصوّر لذلك على أهميته لا يغري المهربين بالانضمام للمنظومة الرسمية حيث قال في تصريح اعلامي " أن إدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم يتطلب إقرار إجراءات هامّة، أبرزها الانطلاق في الإصلاح الجبائي وتهيئة سوق العمل وتطوير منظومة الضمان الاجتماعي وتشجيع تمويل الاقتصاد التضامني عبر القروض الصغرى إضافة إلى إصلاح الاطار المؤسساتي للاستثمار من خلال إلغاء الحواجز الإدارية." فهي خطة هلامية لم تلامس مواطن الداء الحقيقية والتي تجعل هؤلاء يخاطرون بأموالهم وبأنفسهم بدل الانخراط الطوعي في الدورة الاقتصادية المنظمة.
ولمحاربة الاقتصاد الموازي والاستفادة من الحجم الهائل من الأموال التي لاتدخل المنظومة البنكية والتي تقدّر بـ17مليار دينار سنويّا لابدّ من بناء ثقة تامة بين البنوك والحرفاء وتخفيف الأعباء الكبيرة المثقلة عل كاهل صاحب الحساب.فضلا عن القوانين المحاسبية المنفرة وكثرة الاجراءات الادارية وتعقدها وتكلسها.
وعليه فعلى الدولة بالتنسيق مع البنك المركزي الضغط على البنوك لتغيير سياساتها والاقتراب أكثر من المواطنين أو ما يصطلح عنه بـ"البنك المواطني". بالإضافة الى حتمية ارساء الرقمنة البنكية الكاملة لما لها من أهمية في عملية "الادماج المالي" خاصة وأن حوالي 50 من التونسيين لا يمتلكون حسابات بنكية.
ان القضاء أو على الأقل الحدّ من الجرائم الاقتصادية أو الاقتصادي الموازي يمرّ حتما عبر نظام جبائي عادل وشامل ومنظومة بنكية متطورة وقريبة من الجميع.
*رئيسة المنتدى التونسي للاستشعار والتوقي من الجريمة الاقتصادية
بقلم: د.ريم بالخذيري(*)
*الاقتصاد الموازي يتغذّى من أزمات الاقتصاد الرسمي وكلما ضعف الثاني تضخّم الأول
مصطلح الاقتصاد الموازي حديث الظهور في تونس و يعود لثلاثة عقود على أقصى تقدير حيث أنّ ما سبقه يعدّ تجارة موازية كانت موسمية أحيانا وأحيانا أخرى مرتبطة ببعض المعابر الحدودية يمارسها تجّار ينشطون على الحدود الليبية التونسية ووبدرجة أقلّ على الحدود التونسية الجزائرية التي لم تزدهر فيها هذه التجارة الاّ بعد تخطّي الجزائر العشرية السوداء .
أمّا في العالم فمصطلح الاقتصاد الموازي أقدم بقليل حيث كان عالم الاقتصاد "بيتر جوتمان" أول من استعمله وذلك عام 1977 في دراسته المعنونة بالاقتصاد السفلى والذى أكد فيها على عدم إهمال المعاملات الاقتصادية التي لا يتم تضمينها في الحسابات الرسمية للناتج القومي .
ويعرّف الاقتصاد الموازي على أنه الاقتصاد الخفي أو الاقتصاد الموازي أو الاقتصاد الأسود أو اقتصاد الظل وهو اقتصاد يشمل جميع المعاملات الاقتصادية سواء المشروعة أو الغير المشروعة ، النقدية أو الغير نقدية والتي لا تسجل في الحسابات الرسمية للدخل الوطني فهو ببساطة المعاملات التجارية التي لا تكون خاضعة للضريبة .
ومن المعروف أنّ هذا الاقتصاد ينشط في الدول متعددة الحدود البرية وفي الدول النامية خاصة تنتشر ظاهرة الاقتصاد الموازي في الدول النامية بشكل كبير عن نظيرتها في الدول المتقدمة، ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب أهمها:
جباية غير عادلة : وهو ما يدفع الأفراد والشركات إلى البحث عن حيل وطرق تمكنهم من التهرب من الضرائب وتزوير الحسابات، وبالتالي يقودهم ذلك إلى الاقتصاد الموازي بشكل مباشر أو غير مباشر.
ارتفاع نسبة مساهمة الأفراد صناديق الضمان الاجتماعي وهو ما قد يدفع الكثيرين إلى البحث عن وظائف أخرى خفية أو غير رسمية للتهرب من دفع تلك الأموال.
تدني مستويات الأجور والتي لا تتناسب مع مستوى المعيشة وهو ما يجعل هؤلاء إلى التهرب من الوظائف الرسمية إلى الوظائف الخفية.التي تحقّق أكبر الأرباح بأقل الأتعاب .
وينقسم إلى الاقتصاد الى نوعين:
-الأول: يشمل أنشطة تجارية مشروعة ونظيفة ولا تتعارض مع الأعراف والمبادئ والقيم والعادات الموروثة مثل استخدام الأفراد لممتلكاتهم مثل السيارة أو الشقة للإيجار بشكل غير رسمي.لكنها تتعارض مع القانون وتستوجب دفعا للضرائب.
-الثاني: يشمل الأنشطة التجارية غير المشروعة وغير النظيفة والتي تتعارض مع القوانين داخل الدول كتجارة المخدرات والتهريب وغسل الأموال.
تونس بدورها تعاني من خطر تنامي ظاهرة الاقتصاد الموازي بأشكاله المختلفة والذي تحوّل الى سرطان مس كل قطاعات الدولة المنظمة كالنسيج و الصناعة بمختلف أنواعها،وشمل الخدمات و التجارة و مبادلة العملة وقطاع البناء .وقد انتعش الاقتصاد الموزاي خلال فترة ضعف الدولة وهوان أجهزتها الرقابية وكان ذلك في الفترة من 2011 الى اليوم حيث بلغ أكثر من 53 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في حين لم يكن يتجاوز 30بالمائة قبل 2010.كما يشغّل نصف اليد العاملة بنسبة 43.9 بالمائة وبواقع مليون و500ألف عامل(لايتمتعون بالرعاية الصحية ولا يدفعون الضرائب ويتعرّضون لأبشع أنواع الاستغلال) حسب احصائيات سنة 2019. وهي نسب تعدّ مرتفعة و خطيرة حيث أنّ النسب المعقولة في الدول الأوروبية مثلا لا تتجاوز 10بالمائة.لكن ما يزال بالإمكان السيطرة عليها اذ أن دولا تبلغ فيها هذه النسبة 60 و70بالمائة أين أصبح الموازي رسميا و الرسمي موازن .
اذ من المعلوم أن الاقتصاد الموازي يتغذّى من أزمات الاقتصاد الرسمي وكلما ضعف الثاني تضخّم الأول وهو ما عايشناه و لانزال في تونس حيث تسللّ الناشطون في هذا المجال الى مفاصل الدولة وسيطروا على جزء منها ووجدوا لهم موطأ قدم في الموانئ البحرية بعد المعابر البرية .وبالتالي أغرقت البلاد برا و بجرا بالسلع المستوردة و بالبنزين المهرّب وهو ما أثرّ سلبا على القطاعات المنظمة و التي خسرت المنافسة نظرا للفارق في الأسعار على حساب الجودة في كثير من الاحيان. ولأن المواطن لم يعد قادرا على تلبية حاجياته الحياتية فقد ساهم بدوره في انعاش التهريب الذي بدأ الناس يتعاملون مع المهرّبين على أنهم ذوو حظوة والبعض منهم نجح في التسلل الى السياسة سواء عبر الأحزاب التي شكلت غطاء لهؤلاء و آخرون أصبحوا نوّابا و مسؤولين.
وقد انتبهت المنظمات الدولية الى ذلك فتم تصنيف تونس من قبل مجموعة العمل المالي "FATF"من الدول التي تمثل ملاذا ضريبيا آمنا أو ما يسمى بـ"الجنان الضريبية" قبل أن ترفعها من القائمة السوداء في أكتوبر 2019، معتبرة أن الحكومة التونسية أوفت بالتزاماتها فيما يتعلق بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
الاتحاد الأوروبي بدورهاعتبر في فيفري 2018، تونس دولة تتضمّن مخاطر عالية متعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
آخر التقارير تشير الى أن نسبة الاقتصاد الموازي منذ سنة 2011 ارتفعت بشكل كبيرحيث كانت النسبة لا تتجاوز 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام لتقفز في ظرف سنوات الى ما بين 53 و57 بالمائة .
ولوقت قريب كانت تجارة التهريب عبر الحدود البرية ، هي الغالبة على هذا النشاط وقد أدّى تساهل الدولة مع هذه الظاهرة على مدى أكثر من أربعة خاصة في المعابر بين تونس وليبيا وذلك لأسباب تتعلق بالفقر ، الأمر الذي أدى الى انتشار تجارة التهريب عبر الحدود بصفة كبيرة و لهذا النوع من التجارة تأثير كبير على الاقتصاد التونسي .
فعلى سبيل المثال يوجد ما بين 25 و30 نسمة يعيشون من تجارة التهريب في بن قردان من هذه التجارة ويبلغ رأس مال كل تاجر جملة حوالي 300 ألف دينار فيما يبلغ رأس مال تجار الجملة البالغ عددهم في حدود 60 تاجرا حوالي 18 مليون دينار.
كما يتم إدخال حوالي 300 ألف لتر من الوقود يوميًا من ليبيا الي تونس أي 110 مليون لتر سنويا. ويتراوح حجم التبادل اليومي بين مليون و3 ملايين دينار، أي ما يقارب 750 مليون دينار سنويا. ويقدر رقم المعدل السنوي للمعاملات التجارية في منطقة رأس الجدير بـ1100 مليون دينار.
لكن الملفت للانتباه أن الممرات البحرية استفادت من الحملة المكثّفة التي استهدفت نظيرتها البرية بعد إطلاق الحرب على الإرهاب، مع ما رافقها من تراجع التهريبي البري الذي تراجع من 15 إلى 20 بالمائة . وقد استغلت الشبكات البحرية اختلاط الاقتصاد الرسمي مع الاقتصاد غير الرسمي، ما يشكّل قطاعًا خاصًا بالتجارة الخارجية تبدو أنشطته خاضعة للإجراءات الرسمية ولكنها في الواقع غير منظَّمة في جزء منها وغير مدوَّنة في سجلات الدولة.و الخطير أنّ بعض شركات الاستيراد الرسمية انخرطت في عمليات التهريب هذه .ويقدّر الاقتصاد الموازي اليوم عبر الموانئ بـ80 بالمائة
ومن بين الآثار الاقتصادية السلبية على قطاع التجارة، أشارت تقارير الى أن ولاية صفاقس مثلا تأثّرت سلبيا من هذه الظاهرة ففي سنة 2010 كانت المنطقة الصناعية تضم 42000 عامل في هذا قطاع الأحذية ، وفي عام 2016 لم يتبق سوى 2000 عامل. ويعود هذا بالأساس الى الأحذية صينية مستوردة بطريقة غير مشروعة.والعدد لايزال في ارتفاع مخيف وهو ما ينذر باندثار هذا القطاع الحيوي.
ورغم صعوبة احتواء هذه الأنشطة ومحاربتها فانّ عدد من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين يرددون مصطلح دمج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي وهو حلّ مغر صعب التحقيق .وما قدّمه وزير الاقتصاد والتخطيط، سمير سعيد من تصوّر لذلك على أهميته لا يغري المهربين بالانضمام للمنظومة الرسمية حيث قال في تصريح اعلامي " أن إدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم يتطلب إقرار إجراءات هامّة، أبرزها الانطلاق في الإصلاح الجبائي وتهيئة سوق العمل وتطوير منظومة الضمان الاجتماعي وتشجيع تمويل الاقتصاد التضامني عبر القروض الصغرى إضافة إلى إصلاح الاطار المؤسساتي للاستثمار من خلال إلغاء الحواجز الإدارية." فهي خطة هلامية لم تلامس مواطن الداء الحقيقية والتي تجعل هؤلاء يخاطرون بأموالهم وبأنفسهم بدل الانخراط الطوعي في الدورة الاقتصادية المنظمة.
ولمحاربة الاقتصاد الموازي والاستفادة من الحجم الهائل من الأموال التي لاتدخل المنظومة البنكية والتي تقدّر بـ17مليار دينار سنويّا لابدّ من بناء ثقة تامة بين البنوك والحرفاء وتخفيف الأعباء الكبيرة المثقلة عل كاهل صاحب الحساب.فضلا عن القوانين المحاسبية المنفرة وكثرة الاجراءات الادارية وتعقدها وتكلسها.
وعليه فعلى الدولة بالتنسيق مع البنك المركزي الضغط على البنوك لتغيير سياساتها والاقتراب أكثر من المواطنين أو ما يصطلح عنه بـ"البنك المواطني". بالإضافة الى حتمية ارساء الرقمنة البنكية الكاملة لما لها من أهمية في عملية "الادماج المالي" خاصة وأن حوالي 50 من التونسيين لا يمتلكون حسابات بنكية.
ان القضاء أو على الأقل الحدّ من الجرائم الاقتصادية أو الاقتصادي الموازي يمرّ حتما عبر نظام جبائي عادل وشامل ومنظومة بنكية متطورة وقريبة من الجميع.
*رئيسة المنتدى التونسي للاستشعار والتوقي من الجريمة الاقتصادية