*نادي تونس هو ذلك اللقاء الذي كان يُفترض أن ينعقد منذ مدّة طويلة للتباحث بجدّية حول أوضاعنا الداخلية
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن "نادي باريس" وعن إمكانية اللجوء إليه لطلب إعادة جدولةجزء من ديون البلاد التونسية، بعد أن انهار وضعنا الاقتصادي والمالي واقترب جدّا من حالة العجز عن تسديد الديون الخارجية والعجز عن مزيد التداين، والعجز حتى على الإيفاء بمتطلبات الحياة الكريمة. فبعد أن أدار صندوق النقد الدولي ظهره لنا وقامت وكالة"موديس"، وتلتها وكالة "فيتش"، بتصنيفنا ضمن الدول التي أصبح من الصعب جدا اقناع الدول والمؤسسات المالية الدولية بمنحنا قروض جديدة، يرى عديد المحللين الاقتصاديين أنه لم يبق لنا سوى نادي باريس لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه بخصوص الوضع المالي لبلادنا.
الالتجاء إلى نادي باريس قد يُصبح لتونس شرّا لابدّ منه. فهو شرّ لأنه لا ينتج عنه سوى إعادة جدولة جزء صغير من ديوننا، كما أنه شرّ لأنه سيُبقينا في حاجة إلى مزيد التداين. وهو بالخصوص شرّ لما يتضمّنه من استنقاص من هيبة دولتنا ومن انتكاس لسيادتها. ولا ننسى أن من بين أعضاء هذا النادي نجد دولة إسرائيل التي سنُمكّنها من النظر في وضعيتنا ومن المشاركة في تقرير مصيرنا. وذلك يعني أن إسرائيل، إن رفضت إعادة جدولة ديوننا فإن ملفنا سيُرفض، وإن قبلت فإننا سنُصبح مدينين لها. وقد نُجبر حينئذ على تطبيق مبدأ "ما جزاء الإحسان إلا الإحسان"، وندخل نادي "أصدقاء إسرائيل" من الدول العربية، ممّا يستجيب لرغبة السفير الأمريكي الجديد الذي يبدو أن أول أهدافه في تونس هو جرّنا إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني والتعامل معه.
هذا الوضع الذي آلت إليه بلادنا هو طبعا نتيجة للسياسات العشوائية التي أدار بها البلاد أشباه السياسيين منذ اثنتي عشر سنة، وهي سياسات اتّسمت بالارتجال وبانعدام الكفاءة، إن لم نقل بالفساد والنهب.
وما يجب ألّا ننكره في هذا الصدد هو أن وضعنا هذا هو أيضا نتيجة لصمّ آذاننا عن الأصوات الداخلية التي ما انفكّت تتعالى في العديد من المناسبات وعبر العديد من الوسائط الإعلامية لدق ناقوس الخطر. وهي أصوات صدع بها منذ سنوات خبراء تونسيّون من أعلى مستوى، من ذوي الكفاءة والخبرة، ليُنبّهوا قادة البلاد إلى الحُفر التي سنسقط فيها إن واصلوا تعنّتهم وبقوا يُسيّرون اقتصاد البلاد بالأحلام وبالخطب الرنّانة وبالشعارات الشعبويّة.
رفضنا إذن الاستماع إلى "نادي تونس" لنستنجد ب"نادي باريس" بما فيه إسرائيل.
نادي تونس هو ذلك اللقاء الذي كان يُفترض أن ينعقد منذ مدّة طويلة للتباحث بجدّية حول أوضاعنا الداخلية، وخاصة منها السياسية والاقتصادية، ليقوم بتشخيص أزماتنا من مختلف جوانبها وإيجاد الحلول لها. وهو ما كان يُمكن أن نسمّيه بالحوار الوطني. لكنه لم يقع. ذلك أن السلطة القائمة في البلاد والحكومات التي تعاقبت على البلاد في السنوات الأخيرة ترى أنه لا فائدة للإنصات للأدمغة التونسية، رغم ما فيها من كفاءات عالية ومن أصحاب التجارب المفيدة. تلك الكفاءات، وبعد تأكّدها من أن بلادهم استغنت عن خدماتهم وعن خبراتهم، نراهم يُهاجرون بالآلاف لتتمتّع الدول المُتقدّمة والمُتحضّرة بقدراتهم. وقد يكون من بينهم من ستتمّ استشارتهم من قبل المُشرفين على "نادي باريس" لينظروا في وضع بلادهم تحت ألوية أجنبية.
الحوار الوطني لم يقع إذن. أو لم يقع بشكل رسمي وجدّي على الأقل. لكن الصفة الرسمية للحوار ليست ضروريّة في حال إصرار الرسميين على عدم إجرائه. لذلك، ومن أجل المصلحة العليا للوطن، فإن حوارا وطنيّا غير رسمي مُرحّب به.
سجّلنا في الفترة الأخيرة محاولتين في هذا الاتجاه.
الأولى يقوم بها الاتحاد العام التونسي للشغل، صحبة ثلاث منظمات وطنية. ولقد شكّل هذا الرباعي لجانا متخصصة تضم كل واحدة منها عشرات من الأسماء اللامعة في اختصاصها قصد القيام بتشخيص دقيق للأزمات التونسية في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية والتربوية.
أما المبادرة الثانية فإنها أتت من إئتلاف صمود مع حزبيْن هما حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي والحزب الاشتراكي. ولقد انضمّت إلى هذا الثلاثي أحزاب وجمعيات أخرى، بالإضافة إلى عشرات الشخصيات الوطنية الراغبة في المشاركة في تخليص البلاد من وضعها المُفزع.
وليس من الغريب أن تلتقي في وقت قريب المبادرتان بهدف توحيد الجهود المتشابهة والرامية إلى نفس الهدف، خاصّة وأن مُكوّنات المُبادرتين تنتمي إلى نفس العائلة السياسية والفكرية، ألا وهي العائلة التقدمية المدنية، أملا في أن يُمثّل هذا الالتحام قارب النجاة لتونسنا العليلة.
بقلم: منير الشرفي
*نادي تونس هو ذلك اللقاء الذي كان يُفترض أن ينعقد منذ مدّة طويلة للتباحث بجدّية حول أوضاعنا الداخلية
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن "نادي باريس" وعن إمكانية اللجوء إليه لطلب إعادة جدولةجزء من ديون البلاد التونسية، بعد أن انهار وضعنا الاقتصادي والمالي واقترب جدّا من حالة العجز عن تسديد الديون الخارجية والعجز عن مزيد التداين، والعجز حتى على الإيفاء بمتطلبات الحياة الكريمة. فبعد أن أدار صندوق النقد الدولي ظهره لنا وقامت وكالة"موديس"، وتلتها وكالة "فيتش"، بتصنيفنا ضمن الدول التي أصبح من الصعب جدا اقناع الدول والمؤسسات المالية الدولية بمنحنا قروض جديدة، يرى عديد المحللين الاقتصاديين أنه لم يبق لنا سوى نادي باريس لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه بخصوص الوضع المالي لبلادنا.
الالتجاء إلى نادي باريس قد يُصبح لتونس شرّا لابدّ منه. فهو شرّ لأنه لا ينتج عنه سوى إعادة جدولة جزء صغير من ديوننا، كما أنه شرّ لأنه سيُبقينا في حاجة إلى مزيد التداين. وهو بالخصوص شرّ لما يتضمّنه من استنقاص من هيبة دولتنا ومن انتكاس لسيادتها. ولا ننسى أن من بين أعضاء هذا النادي نجد دولة إسرائيل التي سنُمكّنها من النظر في وضعيتنا ومن المشاركة في تقرير مصيرنا. وذلك يعني أن إسرائيل، إن رفضت إعادة جدولة ديوننا فإن ملفنا سيُرفض، وإن قبلت فإننا سنُصبح مدينين لها. وقد نُجبر حينئذ على تطبيق مبدأ "ما جزاء الإحسان إلا الإحسان"، وندخل نادي "أصدقاء إسرائيل" من الدول العربية، ممّا يستجيب لرغبة السفير الأمريكي الجديد الذي يبدو أن أول أهدافه في تونس هو جرّنا إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني والتعامل معه.
هذا الوضع الذي آلت إليه بلادنا هو طبعا نتيجة للسياسات العشوائية التي أدار بها البلاد أشباه السياسيين منذ اثنتي عشر سنة، وهي سياسات اتّسمت بالارتجال وبانعدام الكفاءة، إن لم نقل بالفساد والنهب.
وما يجب ألّا ننكره في هذا الصدد هو أن وضعنا هذا هو أيضا نتيجة لصمّ آذاننا عن الأصوات الداخلية التي ما انفكّت تتعالى في العديد من المناسبات وعبر العديد من الوسائط الإعلامية لدق ناقوس الخطر. وهي أصوات صدع بها منذ سنوات خبراء تونسيّون من أعلى مستوى، من ذوي الكفاءة والخبرة، ليُنبّهوا قادة البلاد إلى الحُفر التي سنسقط فيها إن واصلوا تعنّتهم وبقوا يُسيّرون اقتصاد البلاد بالأحلام وبالخطب الرنّانة وبالشعارات الشعبويّة.
رفضنا إذن الاستماع إلى "نادي تونس" لنستنجد ب"نادي باريس" بما فيه إسرائيل.
نادي تونس هو ذلك اللقاء الذي كان يُفترض أن ينعقد منذ مدّة طويلة للتباحث بجدّية حول أوضاعنا الداخلية، وخاصة منها السياسية والاقتصادية، ليقوم بتشخيص أزماتنا من مختلف جوانبها وإيجاد الحلول لها. وهو ما كان يُمكن أن نسمّيه بالحوار الوطني. لكنه لم يقع. ذلك أن السلطة القائمة في البلاد والحكومات التي تعاقبت على البلاد في السنوات الأخيرة ترى أنه لا فائدة للإنصات للأدمغة التونسية، رغم ما فيها من كفاءات عالية ومن أصحاب التجارب المفيدة. تلك الكفاءات، وبعد تأكّدها من أن بلادهم استغنت عن خدماتهم وعن خبراتهم، نراهم يُهاجرون بالآلاف لتتمتّع الدول المُتقدّمة والمُتحضّرة بقدراتهم. وقد يكون من بينهم من ستتمّ استشارتهم من قبل المُشرفين على "نادي باريس" لينظروا في وضع بلادهم تحت ألوية أجنبية.
الحوار الوطني لم يقع إذن. أو لم يقع بشكل رسمي وجدّي على الأقل. لكن الصفة الرسمية للحوار ليست ضروريّة في حال إصرار الرسميين على عدم إجرائه. لذلك، ومن أجل المصلحة العليا للوطن، فإن حوارا وطنيّا غير رسمي مُرحّب به.
سجّلنا في الفترة الأخيرة محاولتين في هذا الاتجاه.
الأولى يقوم بها الاتحاد العام التونسي للشغل، صحبة ثلاث منظمات وطنية. ولقد شكّل هذا الرباعي لجانا متخصصة تضم كل واحدة منها عشرات من الأسماء اللامعة في اختصاصها قصد القيام بتشخيص دقيق للأزمات التونسية في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية والتربوية.
أما المبادرة الثانية فإنها أتت من إئتلاف صمود مع حزبيْن هما حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي والحزب الاشتراكي. ولقد انضمّت إلى هذا الثلاثي أحزاب وجمعيات أخرى، بالإضافة إلى عشرات الشخصيات الوطنية الراغبة في المشاركة في تخليص البلاد من وضعها المُفزع.
وليس من الغريب أن تلتقي في وقت قريب المبادرتان بهدف توحيد الجهود المتشابهة والرامية إلى نفس الهدف، خاصّة وأن مُكوّنات المُبادرتين تنتمي إلى نفس العائلة السياسية والفكرية، ألا وهي العائلة التقدمية المدنية، أملا في أن يُمثّل هذا الالتحام قارب النجاة لتونسنا العليلة.