يرويها: أبوبكر الصغير
في الأزمات، الشيء الوحيد الذي يمكن التنبؤ به هو عدم اليقين الذي يتبعه، إذ في خضم كل أزمة فرصة عظيمة. في كتابة الخط الصيني، إيديوغرام "الأزمة" لها تفسيران: "الخطر" و"الفرصة". لذلك وضع المفكّر الأميركي "ويين داير" في كتابه "قوّة النية" مقولة إن: "في داخل كل منا كائنان، أحدهما مملوء بالغضب والحقد والألم ويتمنى أن ينتقم، والآخر مملوء بالحب واللطف والشفقة ويتمنى أن يسامح".
سأله مستمع: ومن فيهما سينتصر..؟ أجاب: "الكائن الذي تطعمه وتسقيه !. "
تمّ تداول ما عنوانه: "المذكرة التوجيهية "أو "الإطار العام لمبادرة الحوار الوطني "في سياق مسعى الإنقاذ الذي يزعم الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات المدنية الثلاث تقديمها كأرضية حلّ لما تعيشه تونس اليوم من أزمة خانقة متعدّدة الأوجه. هذه المذكرة من الواضح أنها ستعرض كأرضية حوار وطني منقسم على ثلاث لجان أو خريطة طريق أسمته الوثيقة بـ"منتدى تونس المستقبل".
تلخّص المذكّرة الوضع الرّاهن الذي تعيشه تونس اليوم، تختصره في عنوان كبير: " أزمة حكم". حملت المذكّرة نبرة تصعيدية، مواقف حادة من نوع: "القطع مع الإجراءات" ووصف هذه الأخيرة بـ"الترقيعية" و"حافة الإفلاس" و"اتجاه البلاد نحو المجهول" مع التركيز على ثلاثة عناصر مفاتيح حلّ لهذه الأزمة وهي: المجتمع المدني والإعلام الحرّ وحياة حزبية بما يعني الحفاظ على الأجسام الوسيطة .
يعدّ الاتحاد العام التونسي للشغل واحدا من أقوى المنظمات عربيا وإفريقيا، لعب دوما دور القاطرة الوطنية في تاريخ تونس قبل وبعد استقلالها، كان ولا يزال الاتحاد النصير الأكبر للحريات والديمقراطية إلى جانب مسؤولياته النقابية، حاول وسعى كلّ من صعد إلى دفّة الحكم تطويعه أو ترويضه لصالحه لتحقيق مصالحه، في حين سعى قادته لتحديد المسافة التي تتحرك فيها المنظمة متمسّكين ومحافظين على استقلاليتها ارتكازا على قواعدها العمالية، وهياكلها الإدارية.
تونس اليوم أمام مسارات متناقضة، متباينة، متعارضة أولها المسار الرئاسي التأسيسي، المنطلق بمشروعية تحت مظلة "الشعب يريد" والذي يتجه الى إعلان "الجمهورية الثالثة" بمنظومة حكم جديدة تختلف تماما عن المنظومات التي برزت منذ الاستقلال، ومسار ثان أو ما يمكن وصفه بالمسار "الرّافض" تماما للقطع مع نظام ما بعد 25 جويلية 2021 والذي يعتبر أن ما حصل يومها "انقلاب" ومتمسّك بالعودة الى دستور 2014 ، مسار تتزعمه وتقف وراءه حركة "النهضة" وواجهته جبهة الخلاص الوطني، والمسار الثالث أو الخطّ الثالث كما سبق ان اشار الى ذلك السيد نور الدين الطبوبي وهو هذا "الحوار الوطني" الذي لم تتحدّد بعد صيغته النهائية ومن سيشارك فيه، في حين بان واضحا من خلال تركيبة اللجان والأسماء المتداولة أن بعضها لا يحظى بإجماع أو بأي مكانة أو خبرة، بما سيجعله حوارا منقوصا ومطعونا فيه وهو أمر قد يكلّف الاتحاد غاليا بدءا بتفويت فرصة "إنقاذ" لوضع تعيشه البلاد وثانيا الكثير من مكانته ومصداقيته المطعونة من قبل كثير من الأطراف تترصّد ذلك وتتّهمه بكونه غدا تحت سيطرة لوبي سياسيي كأنه يعمل على تكرار التجربة غير المأسوف عليها "المجلس الوطني التأسيسي" الذي مهّد لتلك العشرية الصعبة التي عاشتها تونس وفي تقدير موقفي الشخصي لا تتحمّل مسؤوليتها حركة "النهضة" فحسب بل كذلك قوى اليسار خاصة الشقّ الاستئصالي والذي لغباء بعض قياداته كان لعبة في يد جماعات الإسلام السياسي. لقد تم اختراق السقف الزمني لأي عملية إصلاح سياسي لأوضاع البلاد، لكي لا نقول انتهت حُلول الأرض، ليبقى الأمر متروكا للسماء، بالنظر إلى حجم الكارثة التي بلغتها أوضاعنا والعجز في التوافق عن حلّ بين الأطراف الفاعلة والتي بيدها مصير هذا الوطن. إن كلّ أزمة هي أساسا نتاج وضع متضارب، حالة معارضة بين مجموعات أو كيانات، يكون فيها الصراع مشحونا بالعواطف: الغضب، والإحباط، والخوف، وما إلى ذلك، إضافة إلى تخييم كلّ جهة معنية بها على مواقعها وعدم الانفتاح واتهام الخصم الآخر بأنه أصل أو سبب المشكلة أو اقلّها جزء منها. أن إدارة الأزمات فن دقيق، في مقاربتها ثلاثة حلول: الصبر، والدعاء، وانتظار مبادرة اتحاد الشغل !.
