إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

وفق احدث بيانات البنك المركزي: ارتفاع قياسي في قيمة الأموال المتدوالة إلى 19 مليار دينار !

 

 

تونس- الصباح

وصلت قيمة العملات الورقية والمعدنية المتداولة، بتاريخ 30 جانفي  2023 إلى رقم قياسي تاريخي حيث تجاوزت للمرة الأولى حاجز 19 مليار دينار، وذلك بحسب البيانات اليومية الصادرة عن البنك المركزي التونسي، ما يرفع من حجم الأموال المتداولة بين البنوك، ويدحض كافة الفرضيات التي تتحدث عن شح في السيولة النقدية. وبحسب بيانات البنك المركزي فقد تم تسجيل ارتفاع في قيمة الأموال المتداولة بقيمة 1.8 مليار دينار، أي بنسبة مأوية ناهزت + 10.4٪ مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

وتعكس هذه الزيادة الكبيرة في التداول الائتماني تفضيلًا واضحًا ومتزايدًا لدى التونسيين والعاملين الاقتصاديين لاستخدام الأوراق النقدية في معاملاتهم اليومية، على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين وتطوير وسائل الدفع الحديثة.

وتجدر الإشارة، إلى أنه منذ عام 2011، تزايدت العملات النقدية المتداولة سنويًا بشكل أسرع من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس تغيرًا في سلوك المستثمرين ورجال الاقتصاد، والذين باتوا يفضلون إتمام العمليات نقدا، رغم القرار الصادر في قانون المالية لسنة 2023، والذي يسلط غرامة مالية مشطة للعمليات النقدية التي تفوق 5 آلاف دينار.

تنامي كتلة الأجور

وتعد كتلة الأجور العائق الأبرز لتونس اليوم، خاصة بعد ارتفاعها خلال سنة 2022 لتبلغ حوالي 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى نفقات الدعم، الأمر الذي دفع بخبراء الاقتصاد إلى التأكيد في تصريحات إعلامية، على ضرورة التقليص من كتلة الأجور ومراجعة الدعم الموجه للعديد من القطاعات، وذلك حتى تتمكن تونس من الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي.

ولم تنجح تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة من التقليص في كتلة الأجور إلى حدود 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016، وعدم التزامها بتعهداتها، وضع بلادنا اليوم، أمام اختبار إقناع شركاء تونس الماليين بوجاهة قرار زيادة رواتب موظفي القطاع، والذي ينطلق العمل به بداية من سنة 2023.

وكان صندوق النقد الدولي قد طالب الحكومات السابقة بحزمة من الإصلاحات، منذ 2016 وجدد تطبيقها موفى 2019 وتشمل الضغط على كتلة الاجور وتسريح الموظفين وتعبئة الإيرادات واحتواء الإنفاق الجاري لتخفيض عجز الميزانية، مع الحفاظ على الاستثمارات العامة وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لصالح الأسر ذات الدخل المنخفض، وفرض سياسة نقدية صارمة لكبح التضخم، وتحسين مناخ الأعمال، وتوسيع فرص الحصول على التمويل للمؤسسات الخاصة، ومكافحة الفساد.

ونجحت تونس في الفترة الأخيرة من تأمين كتلة الأجور للأشهر المتبقية من العام الحالي والمقدرة 1.6 مليار دينار شهريا، وهي مبالغ جلها متأت من الموارد الجبائية للدولة التي سجلت ارتفاعا في النصف الأول من العام الحالي لتتجاوز 14.7 مليار دينار، وشهدت أجور الموظفين في تونس تأخرا في صرفها من قبل الحكومة، مرده تزامن هذه الفترة مع مواعيد سداد قروض من العملة الصعبة، الأمر الذي اثر نسبيا على السيولة النقدية بالبلاد، وتبلغ قيمة أجور الموظفين في تونس شهريا حوالي 1660 مليون دينار، كما تبلغ قيمة كتلة الأجور بالنسبة للوظيفة العمومية 20 مليار دينار، أي بنسبة تقارب 38 بالمائة من إجمالي الميزانية (52.6 مليار دينار)، وهي نسبة مرتفعة مقارنة ببقية دول العالم.

ووضعت هذه الضغوطات المالية العمومية والبنك المركزي في وضعية حرجة منذ العام الماضي، وذلك من اجل تأمين السيولة النقدية في المقام الأول وسداد رواتب الموظفين في المقام الثاني، علما وأن حساب الخزينة العامة للبلاد التونسية يشهد تذبذبا على مستوى النفقات من شهر إلى آخر.

ارتفاع عدد الموظفين

وحسب الميزانية التعديلية لعام 2021 التي أصدرتها وزارة المالية التونسية مؤخرا، عن آخر الأرقام الرسمية لعدد الموظفين العامين في البلاد، فقد ارتفع عددهم اليوم ليبلغ 661 ألفاً و703 موظف موزعين على مختلف الوزارات، بمصالحها المركزية والجهوية وبالمؤسسات الحكومية. وبلغت كتلة أجور الموظفين 20.3 مليار دينار (7.2 مليار دولار) أي ما يعادل حوالي 40 في المائة من إجمالي الميزانية العامة لتونس.

ومازال ملف ارتفاع عدد الموظفين الحكوميين الكبير في تونس يدفع بصراعات سياسية واقتصادية ونقابية، علما وانه حسب القاعدة الاقتصادية فأنه عندما ترتفع نسبة الميزانية من الناتج المحلي الخام، فهذا دليل على أن الاقتصاد يعيش على وقع أزمة خانقة، وسجلت الميزانية في تونس، ارتفاعا من 7 مليارات دولار في عام 2010 إلى 19.4 مليار دولار في عام 2021، وهو ارتفاع تزامن مع زيادة هائلة في كتلة الأجور التي وصلت إلى حدود 40 في المائة من الميزانية العامة.

ولمح مؤخرا، عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، عن تخوفهم من عدم قدرة تونس على مواصلة تامين خلاص أجور الموظفين، خلال الفترة القادمة، بسبب الصعوبات التي تعرفها البلاد في تعبئة الموارد المالية الضرورية في ظل انسداد الأفق السياسية والمالية، حيث أن توقف المفاوضات تماما مع صندوق النقد الدولي وصعوبة الخروج إلى الأسواق المالية الدولية يقلصان من هامش تحرك تونس في توفير الموارد المالية لسنة 2023، ورغم الموافقة التي أبداها النقد الدولي على مستوى الخبراء، مؤخرا، فإن المخاوف مازالت قائمة، باعتبار ان تونس مطالبة بالالتزام بتعهداتها تجاه هذه المؤسسة المالية والحد من كتلة الأجور الى حدود 12% من الناتج الإجمالي الخام للبلاد.

ويحذر جل الخبراء من وجود انسداد مالي لتونس في الفترة القادمة، في ظل الظروف السياسية الاستثنائية التي تمر بها منذ 25 جويلية 2021، حيث لاحظ الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، أن الموافقة الرسمية على منح تونس التمويلات اللازمة من الصندوق تم تأجيلها إلى ما بعد نتائج الانتخابات التشريعية في البلاد، وبالتالي فإن المخاوف حول تراجع الصندوق عن التزاماته مع تونس مازالت قائمة.

وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، كما تحملت تداعيات اتفاقيات الزيادة في الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل، من دون أن يقابل ذلك نمو اقتصادي، قادر على امتصاص أزمة زيادة العاطلين عن العمل، وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية، وأيضا للسنوات القادمة.

العقبات مازالت قائمة

وحسب وكالة التصنيف "موديز" الأمريكية، فإن العقبات في تونس لازالت قائمة، مشيرة في هذا الخصوص، إلى أنّ شروط التمويل الصعبة داخليا وخارجيا، مقدرة حاجة الحكومة للتمويلات تتراوح بين 15 و20 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنويا إلى غاية سنة 2025.

وقالت الوكالة "لا يمكن تلبية هذه الاحتياجات إلا من خلال صرف التمويلات بشروط ميسرة في إطار اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي"، معتبرة أن الحكومات المتعاقبة، لعبت دور المشغل خلال العقد الأخير، مما أدّى إلى الزيادة المتواصلة في عدد الموظفين في القطاع العمومي وارتفاع كتلة الأجور. وقالت الوكالة "إن التحكم في كتلة الأجور الكبيرة في الوظيفة العمومية والتي بلغت 15،4 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في سنة 2021، يعد أمرا صعبا دون دعم الاتحاد العام التونسي للشغل".

وأشار تقرير الوكالة، إلى إن التوترات الاجتماعية المتكررة في تونس خلال العقد الأخير ناجمة عن ضعف النمو، وعدم خلق فرص الشغل إلى جانب الحوكمة الضعيفة والمشهد السياسي الذي يتسم بالانقسام، مما جعل الحكومات المتعاقبة غير قادرة على تنفيذ الإصلاحات ومعالجة الاختلالات المالية، متوقعة في هذا الصدد أن يتعمق العجز على مستوى الميزانية لباقي سنة 2022 ليصل إلى أكثر من 9% بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب انعكاس أسعار الطّاقة والموّاد الغذائيّة على فاتورة الدعم.

ووضعت هذه الضغوطات المالية العمومية والبنك المركزي في وضعية حرجة منذ العام الماضي، وذلك من اجل تأمين السيولة النقدية في المقام الأول وسداد رواتب الموظفين في المقام الثاني، علما وأن حساب الخزينة العامة للبلاد التونسية يشهد تذبذبا على مستوى النفقات من شهر إلى آخر، وبلغ بتاريخ 30 جانفي 2023  قرابة 114 مليون دينار فقط.

تطوير أنظمة الدفع الالكتروني

ويعمل البنك المركزي بمرافقة العشرات من البنوك، على تطوير أنظمة الدفع الالكترونية، وذلك للحد من استنزاف السيولة النقدية، خاصة بعد تنامي التداول نقدا، وتعتبر هذه الخطوات، حلولا مؤقتة للحد من التداول نقدا في مختلف العمليات المالية، بالإضافة إلى لجوء وزارة المالية إلى الاستعانة بفصول قانونية تعاقب وتغرم عمليات التداول نقدا بأكثر من 5آلاف دينار.

يشار في هذا السياق، إلى أن حجم الأموال المتداولة في الاقتصاد الموازي، بلغت مؤخرا حاجز 18 مليار دينار، وذلك وفق ما كشف عنه الخبير المالي والاقتصادي احمد كرم، لـ"الصباح"، لافتا إلى ضرورة العمل خلال الفترة المقبلة على استقطاب الاقتصاد الموازي بالمنظم، وذلك بهدف إعادة هذه الأموال إلى الدوائر البنكية وإعادة ضخها من جديد في الاقتصاد الوطني، علما وأن محافظ البنك المركزي مروان العباسي، كان قد نبه إلى وجود قرابة 4 مليار دينار يتم تداولها في المناطق الحدودية.

 سفيان المهداوي

 وفق احدث بيانات البنك المركزي:   ارتفاع قياسي في قيمة الأموال المتدوالة إلى 19 مليار دينار !

 

 

تونس- الصباح

وصلت قيمة العملات الورقية والمعدنية المتداولة، بتاريخ 30 جانفي  2023 إلى رقم قياسي تاريخي حيث تجاوزت للمرة الأولى حاجز 19 مليار دينار، وذلك بحسب البيانات اليومية الصادرة عن البنك المركزي التونسي، ما يرفع من حجم الأموال المتداولة بين البنوك، ويدحض كافة الفرضيات التي تتحدث عن شح في السيولة النقدية. وبحسب بيانات البنك المركزي فقد تم تسجيل ارتفاع في قيمة الأموال المتداولة بقيمة 1.8 مليار دينار، أي بنسبة مأوية ناهزت + 10.4٪ مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

وتعكس هذه الزيادة الكبيرة في التداول الائتماني تفضيلًا واضحًا ومتزايدًا لدى التونسيين والعاملين الاقتصاديين لاستخدام الأوراق النقدية في معاملاتهم اليومية، على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين وتطوير وسائل الدفع الحديثة.

وتجدر الإشارة، إلى أنه منذ عام 2011، تزايدت العملات النقدية المتداولة سنويًا بشكل أسرع من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس تغيرًا في سلوك المستثمرين ورجال الاقتصاد، والذين باتوا يفضلون إتمام العمليات نقدا، رغم القرار الصادر في قانون المالية لسنة 2023، والذي يسلط غرامة مالية مشطة للعمليات النقدية التي تفوق 5 آلاف دينار.

تنامي كتلة الأجور

وتعد كتلة الأجور العائق الأبرز لتونس اليوم، خاصة بعد ارتفاعها خلال سنة 2022 لتبلغ حوالي 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى نفقات الدعم، الأمر الذي دفع بخبراء الاقتصاد إلى التأكيد في تصريحات إعلامية، على ضرورة التقليص من كتلة الأجور ومراجعة الدعم الموجه للعديد من القطاعات، وذلك حتى تتمكن تونس من الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي.

ولم تنجح تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة من التقليص في كتلة الأجور إلى حدود 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016، وعدم التزامها بتعهداتها، وضع بلادنا اليوم، أمام اختبار إقناع شركاء تونس الماليين بوجاهة قرار زيادة رواتب موظفي القطاع، والذي ينطلق العمل به بداية من سنة 2023.

وكان صندوق النقد الدولي قد طالب الحكومات السابقة بحزمة من الإصلاحات، منذ 2016 وجدد تطبيقها موفى 2019 وتشمل الضغط على كتلة الاجور وتسريح الموظفين وتعبئة الإيرادات واحتواء الإنفاق الجاري لتخفيض عجز الميزانية، مع الحفاظ على الاستثمارات العامة وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لصالح الأسر ذات الدخل المنخفض، وفرض سياسة نقدية صارمة لكبح التضخم، وتحسين مناخ الأعمال، وتوسيع فرص الحصول على التمويل للمؤسسات الخاصة، ومكافحة الفساد.

ونجحت تونس في الفترة الأخيرة من تأمين كتلة الأجور للأشهر المتبقية من العام الحالي والمقدرة 1.6 مليار دينار شهريا، وهي مبالغ جلها متأت من الموارد الجبائية للدولة التي سجلت ارتفاعا في النصف الأول من العام الحالي لتتجاوز 14.7 مليار دينار، وشهدت أجور الموظفين في تونس تأخرا في صرفها من قبل الحكومة، مرده تزامن هذه الفترة مع مواعيد سداد قروض من العملة الصعبة، الأمر الذي اثر نسبيا على السيولة النقدية بالبلاد، وتبلغ قيمة أجور الموظفين في تونس شهريا حوالي 1660 مليون دينار، كما تبلغ قيمة كتلة الأجور بالنسبة للوظيفة العمومية 20 مليار دينار، أي بنسبة تقارب 38 بالمائة من إجمالي الميزانية (52.6 مليار دينار)، وهي نسبة مرتفعة مقارنة ببقية دول العالم.

ووضعت هذه الضغوطات المالية العمومية والبنك المركزي في وضعية حرجة منذ العام الماضي، وذلك من اجل تأمين السيولة النقدية في المقام الأول وسداد رواتب الموظفين في المقام الثاني، علما وأن حساب الخزينة العامة للبلاد التونسية يشهد تذبذبا على مستوى النفقات من شهر إلى آخر.

ارتفاع عدد الموظفين

وحسب الميزانية التعديلية لعام 2021 التي أصدرتها وزارة المالية التونسية مؤخرا، عن آخر الأرقام الرسمية لعدد الموظفين العامين في البلاد، فقد ارتفع عددهم اليوم ليبلغ 661 ألفاً و703 موظف موزعين على مختلف الوزارات، بمصالحها المركزية والجهوية وبالمؤسسات الحكومية. وبلغت كتلة أجور الموظفين 20.3 مليار دينار (7.2 مليار دولار) أي ما يعادل حوالي 40 في المائة من إجمالي الميزانية العامة لتونس.

ومازال ملف ارتفاع عدد الموظفين الحكوميين الكبير في تونس يدفع بصراعات سياسية واقتصادية ونقابية، علما وانه حسب القاعدة الاقتصادية فأنه عندما ترتفع نسبة الميزانية من الناتج المحلي الخام، فهذا دليل على أن الاقتصاد يعيش على وقع أزمة خانقة، وسجلت الميزانية في تونس، ارتفاعا من 7 مليارات دولار في عام 2010 إلى 19.4 مليار دولار في عام 2021، وهو ارتفاع تزامن مع زيادة هائلة في كتلة الأجور التي وصلت إلى حدود 40 في المائة من الميزانية العامة.

ولمح مؤخرا، عدد من خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، عن تخوفهم من عدم قدرة تونس على مواصلة تامين خلاص أجور الموظفين، خلال الفترة القادمة، بسبب الصعوبات التي تعرفها البلاد في تعبئة الموارد المالية الضرورية في ظل انسداد الأفق السياسية والمالية، حيث أن توقف المفاوضات تماما مع صندوق النقد الدولي وصعوبة الخروج إلى الأسواق المالية الدولية يقلصان من هامش تحرك تونس في توفير الموارد المالية لسنة 2023، ورغم الموافقة التي أبداها النقد الدولي على مستوى الخبراء، مؤخرا، فإن المخاوف مازالت قائمة، باعتبار ان تونس مطالبة بالالتزام بتعهداتها تجاه هذه المؤسسة المالية والحد من كتلة الأجور الى حدود 12% من الناتج الإجمالي الخام للبلاد.

ويحذر جل الخبراء من وجود انسداد مالي لتونس في الفترة القادمة، في ظل الظروف السياسية الاستثنائية التي تمر بها منذ 25 جويلية 2021، حيث لاحظ الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، أن الموافقة الرسمية على منح تونس التمويلات اللازمة من الصندوق تم تأجيلها إلى ما بعد نتائج الانتخابات التشريعية في البلاد، وبالتالي فإن المخاوف حول تراجع الصندوق عن التزاماته مع تونس مازالت قائمة.

وتضاعفت كتلة الأجور أكثر من ثلاث مرات مقارنة بسنة 2010 إذ لم تتجاوز ستة مليارات دينار سنة 2010، لتبلغ اليوم أكثر من 20 مليار دينار، فيما تحملت الميزانية العامة للدولة وحدها، وزر الضغط الاجتماعي، من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي، كما تحملت تداعيات اتفاقيات الزيادة في الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل، من دون أن يقابل ذلك نمو اقتصادي، قادر على امتصاص أزمة زيادة العاطلين عن العمل، وهو ما أثر بشكل لافت على ميزانية الدولة للسنة الحالية، وأيضا للسنوات القادمة.

العقبات مازالت قائمة

وحسب وكالة التصنيف "موديز" الأمريكية، فإن العقبات في تونس لازالت قائمة، مشيرة في هذا الخصوص، إلى أنّ شروط التمويل الصعبة داخليا وخارجيا، مقدرة حاجة الحكومة للتمويلات تتراوح بين 15 و20 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنويا إلى غاية سنة 2025.

وقالت الوكالة "لا يمكن تلبية هذه الاحتياجات إلا من خلال صرف التمويلات بشروط ميسرة في إطار اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي"، معتبرة أن الحكومات المتعاقبة، لعبت دور المشغل خلال العقد الأخير، مما أدّى إلى الزيادة المتواصلة في عدد الموظفين في القطاع العمومي وارتفاع كتلة الأجور. وقالت الوكالة "إن التحكم في كتلة الأجور الكبيرة في الوظيفة العمومية والتي بلغت 15،4 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في سنة 2021، يعد أمرا صعبا دون دعم الاتحاد العام التونسي للشغل".

وأشار تقرير الوكالة، إلى إن التوترات الاجتماعية المتكررة في تونس خلال العقد الأخير ناجمة عن ضعف النمو، وعدم خلق فرص الشغل إلى جانب الحوكمة الضعيفة والمشهد السياسي الذي يتسم بالانقسام، مما جعل الحكومات المتعاقبة غير قادرة على تنفيذ الإصلاحات ومعالجة الاختلالات المالية، متوقعة في هذا الصدد أن يتعمق العجز على مستوى الميزانية لباقي سنة 2022 ليصل إلى أكثر من 9% بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب انعكاس أسعار الطّاقة والموّاد الغذائيّة على فاتورة الدعم.

ووضعت هذه الضغوطات المالية العمومية والبنك المركزي في وضعية حرجة منذ العام الماضي، وذلك من اجل تأمين السيولة النقدية في المقام الأول وسداد رواتب الموظفين في المقام الثاني، علما وأن حساب الخزينة العامة للبلاد التونسية يشهد تذبذبا على مستوى النفقات من شهر إلى آخر، وبلغ بتاريخ 30 جانفي 2023  قرابة 114 مليون دينار فقط.

تطوير أنظمة الدفع الالكتروني

ويعمل البنك المركزي بمرافقة العشرات من البنوك، على تطوير أنظمة الدفع الالكترونية، وذلك للحد من استنزاف السيولة النقدية، خاصة بعد تنامي التداول نقدا، وتعتبر هذه الخطوات، حلولا مؤقتة للحد من التداول نقدا في مختلف العمليات المالية، بالإضافة إلى لجوء وزارة المالية إلى الاستعانة بفصول قانونية تعاقب وتغرم عمليات التداول نقدا بأكثر من 5آلاف دينار.

يشار في هذا السياق، إلى أن حجم الأموال المتداولة في الاقتصاد الموازي، بلغت مؤخرا حاجز 18 مليار دينار، وذلك وفق ما كشف عنه الخبير المالي والاقتصادي احمد كرم، لـ"الصباح"، لافتا إلى ضرورة العمل خلال الفترة المقبلة على استقطاب الاقتصاد الموازي بالمنظم، وذلك بهدف إعادة هذه الأموال إلى الدوائر البنكية وإعادة ضخها من جديد في الاقتصاد الوطني، علما وأن محافظ البنك المركزي مروان العباسي، كان قد نبه إلى وجود قرابة 4 مليار دينار يتم تداولها في المناطق الحدودية.

 سفيان المهداوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews