إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

قد حُمّت الحامات ولا سبيل إلى الجلوس على الرّبوة…

 
بقلم:مصدّق الشّريف(*) 
 
مع تسارع الأحداث الاقتصاديّة والاجتماعيّة ولاسيّما السياسيّة، لابد، في رأينا، أن يكون لكلّ تونسيّة وتونسيّ موقف ممّا يجدّ في بلادنا. فلا مجال في هذا الظّرف الدّقيق إلى أن نتّخذ من الرّبوة مجلسا أو أن ننأى بأنفسنا سرّا أو جهرا عن حلبة الصّراع السياسيّ بكل أشكاله . ولندع الخطب المتزئبقة والملتوية والتصريحات المبطنة ولغة التلميح.
وحسبما يتداول من أخبار، يبدو أنّنا على قاب قوسين أو أدنى من محاسبة من سرق أموال تونس وعبث بمقدراتها وتلاعب بمؤسّسات الدّولة وانتهك قوانينها بتعيين الآلاف من الموظّفين في الوزارات والإدارات عن طريق المحاصصات الحزبيّة والولاءات ومنطق الأقربون أولى بالمعروف طيلة عشريّة كاملة.
ومن جانب آخر، تعيش بلادنا إضرابات في كلّ القطاعات تقريبا وخاصة الحيويّة منها. ورغم وعينا التّام بحقّ الإضراب الدّستوريّ ودفاعنا المستميت عنه نتساءل تحت أيّ يافطة نسجّل سلسلة الاضرابات التي تشهد خطاّ تصاعديا؟ أهي نقابية مطلبيّة أم هي سياسية بامتياز؟ 
لقد كان من المقرّر تنفيذ إضراب بيومين في قطاع الّنقل برّا وبحرا وجوّا. وفي الحقيقة فإنّ هذا الإضراب هو، في اعتقادنا، اضراب عام ينجرّ عن تنفيذه شلل كامل يصيب كلّ القطاعات إذ لا يستطيع العامل ولا الموظف ولا التّلميذ ولا الطالب الوصول إلى مقرّات أعمالهم أو مدارسهم أو كلياتهم. فضلا عن تعطّل مصالح رجال الأعمال خارج البلاد أو غيرهم ممّن لهم شؤون خاصة يتوجب بمقتضاها السفر. ويحيل إضراب قطاع النّقل الذي كان مقررا يومي 25 و26 جانفي 2023  على ذكرى الخميس الأحمر الأسود وما يحمله من رمزيّة ودلالات بقيت مسجّلة في ذاكرة التونسيّات والتونسيّين. ونترقّب أيضا في الأيام القادمة اضرابا في قطاع الصّحة.
ولا شكّ، في رأينا، من وجود خلفيّة سياسيّة وراء هذه الموجة من الاضرابات خاصّة مع ما ستقدم عليه القيادة النقابية من مبادرة رباعية للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد على المستوى السياسيّ والاجتماعيّ كما تروج لذلك بالاشتراك مع الرّابطة التونسيّة للدّفاع عن حقوق الانسان وهيأة المحامين  والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. و بالتالي تكون سلسلة الاضرابات وسيلة ضغط على الحكومة وعلى رئيس الدولة بالتّحديد خاصّة وقد سمّيت مبادرة اتحاد الشغل "مبادرة انقاذ وطني". ويدّعي أصحاب المبادرة أنّها بعيدة عن التجاذبات السياسية. ولكن تصريحات بعض أعضاء المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل تؤكد أنّ الباب يبقى مواربا لإمكان مشاركة الأحزاب السياسية. علما وأنّ هناك وجوها مشاركة في المبادرة هي من النخب في الاقتصاد والقانون والعلوم الانسانية التي كانت لها  مواقف ضد نهج قيس سعيّد السياسيّ ولا تزال .
  ويُستشفّ منها أنّها تهدف إلى  تغيير المسار السياسي الذي انتهجه رئيس الجمهوريّة خاصّة بعد 25 جويلية 2021.
كثيرا ما تعالت الأصوات منذ أكثر من سنة منادية رئيس الجمهورية بضرورة محاسبة من نهبوا خيرات البلاد واقتفاء أثر المتهرّبين من دفع الضرائب والسّيطرة على البارونات الكبرى للاقتصاد الموازي الذي هو في حقيقة الأمر اقتصاد مخرّب يقوم على التجويع والتهريب. ونادت أغلبية الشعب التونسي في كثير من المناسبات رئيس الجمهورية بأن يتجاوز مرحلة القول والتّهديد والوعد والوعيد وأن يمرّ إلى إرساء محاكمات في كنف العدل والشفافيّة. وكثيرا أيضا ما تعالت أصوات من هنا وهناك تطالب باحترام العمل النقابي وتقرّ بمشروعية مطالب العاملين بالفكر والساعد وحقّهم في أن لا يتحملوا وحدهم ما آلت إليه أوضاع البلاد من إفلاس نتيجة سياسة الحكومات الفاسدة المتعاقبة. ولكن لا يعني ذلك أن يصبح الدّفاع عن حقوق العمال حطبا لتصفية حسابات بين شق وآخر أو مطيّة تستغلّها القيادة النقابيّة أو اطراف حزبيّة أو سياسيّة في المراهنة على كسب معركة سياسيّة بعيدة كلّ البعد عن مصلحة العمال والزّج بمنظمة حشاد في متاهات غريبة عن القيم والمبادئ التي قامت من أجلها المنظمة.
يقول المثل التونسي: "يحب أن يأكل الثوم بفم غيره". ونحن نقول لكل ّمن نادى بضرورة القضاء على الفساد والضرب على أيدي الفاسدين وناشد إيقاف نزيف الخروقات التي تعود بالوبال على الاتحاد العام التونسي للشغل إنّ الوقت حان للالتفاف حول مطالبهم فقد حمت الحامات. وإنّ التاريخ لم ولن يرحم كلّ من يتباطأ أو يدسّ رأسه في التراب كالنّعامة.
 
*أستاذ متقاعد
 
  قد حُمّت الحامات ولا سبيل إلى الجلوس على الرّبوة…
 
بقلم:مصدّق الشّريف(*) 
 
مع تسارع الأحداث الاقتصاديّة والاجتماعيّة ولاسيّما السياسيّة، لابد، في رأينا، أن يكون لكلّ تونسيّة وتونسيّ موقف ممّا يجدّ في بلادنا. فلا مجال في هذا الظّرف الدّقيق إلى أن نتّخذ من الرّبوة مجلسا أو أن ننأى بأنفسنا سرّا أو جهرا عن حلبة الصّراع السياسيّ بكل أشكاله . ولندع الخطب المتزئبقة والملتوية والتصريحات المبطنة ولغة التلميح.
وحسبما يتداول من أخبار، يبدو أنّنا على قاب قوسين أو أدنى من محاسبة من سرق أموال تونس وعبث بمقدراتها وتلاعب بمؤسّسات الدّولة وانتهك قوانينها بتعيين الآلاف من الموظّفين في الوزارات والإدارات عن طريق المحاصصات الحزبيّة والولاءات ومنطق الأقربون أولى بالمعروف طيلة عشريّة كاملة.
ومن جانب آخر، تعيش بلادنا إضرابات في كلّ القطاعات تقريبا وخاصة الحيويّة منها. ورغم وعينا التّام بحقّ الإضراب الدّستوريّ ودفاعنا المستميت عنه نتساءل تحت أيّ يافطة نسجّل سلسلة الاضرابات التي تشهد خطاّ تصاعديا؟ أهي نقابية مطلبيّة أم هي سياسية بامتياز؟ 
لقد كان من المقرّر تنفيذ إضراب بيومين في قطاع الّنقل برّا وبحرا وجوّا. وفي الحقيقة فإنّ هذا الإضراب هو، في اعتقادنا، اضراب عام ينجرّ عن تنفيذه شلل كامل يصيب كلّ القطاعات إذ لا يستطيع العامل ولا الموظف ولا التّلميذ ولا الطالب الوصول إلى مقرّات أعمالهم أو مدارسهم أو كلياتهم. فضلا عن تعطّل مصالح رجال الأعمال خارج البلاد أو غيرهم ممّن لهم شؤون خاصة يتوجب بمقتضاها السفر. ويحيل إضراب قطاع النّقل الذي كان مقررا يومي 25 و26 جانفي 2023  على ذكرى الخميس الأحمر الأسود وما يحمله من رمزيّة ودلالات بقيت مسجّلة في ذاكرة التونسيّات والتونسيّين. ونترقّب أيضا في الأيام القادمة اضرابا في قطاع الصّحة.
ولا شكّ، في رأينا، من وجود خلفيّة سياسيّة وراء هذه الموجة من الاضرابات خاصّة مع ما ستقدم عليه القيادة النقابية من مبادرة رباعية للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد على المستوى السياسيّ والاجتماعيّ كما تروج لذلك بالاشتراك مع الرّابطة التونسيّة للدّفاع عن حقوق الانسان وهيأة المحامين  والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. و بالتالي تكون سلسلة الاضرابات وسيلة ضغط على الحكومة وعلى رئيس الدولة بالتّحديد خاصّة وقد سمّيت مبادرة اتحاد الشغل "مبادرة انقاذ وطني". ويدّعي أصحاب المبادرة أنّها بعيدة عن التجاذبات السياسية. ولكن تصريحات بعض أعضاء المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل تؤكد أنّ الباب يبقى مواربا لإمكان مشاركة الأحزاب السياسية. علما وأنّ هناك وجوها مشاركة في المبادرة هي من النخب في الاقتصاد والقانون والعلوم الانسانية التي كانت لها  مواقف ضد نهج قيس سعيّد السياسيّ ولا تزال .
  ويُستشفّ منها أنّها تهدف إلى  تغيير المسار السياسي الذي انتهجه رئيس الجمهوريّة خاصّة بعد 25 جويلية 2021.
كثيرا ما تعالت الأصوات منذ أكثر من سنة منادية رئيس الجمهورية بضرورة محاسبة من نهبوا خيرات البلاد واقتفاء أثر المتهرّبين من دفع الضرائب والسّيطرة على البارونات الكبرى للاقتصاد الموازي الذي هو في حقيقة الأمر اقتصاد مخرّب يقوم على التجويع والتهريب. ونادت أغلبية الشعب التونسي في كثير من المناسبات رئيس الجمهورية بأن يتجاوز مرحلة القول والتّهديد والوعد والوعيد وأن يمرّ إلى إرساء محاكمات في كنف العدل والشفافيّة. وكثيرا أيضا ما تعالت أصوات من هنا وهناك تطالب باحترام العمل النقابي وتقرّ بمشروعية مطالب العاملين بالفكر والساعد وحقّهم في أن لا يتحملوا وحدهم ما آلت إليه أوضاع البلاد من إفلاس نتيجة سياسة الحكومات الفاسدة المتعاقبة. ولكن لا يعني ذلك أن يصبح الدّفاع عن حقوق العمال حطبا لتصفية حسابات بين شق وآخر أو مطيّة تستغلّها القيادة النقابيّة أو اطراف حزبيّة أو سياسيّة في المراهنة على كسب معركة سياسيّة بعيدة كلّ البعد عن مصلحة العمال والزّج بمنظمة حشاد في متاهات غريبة عن القيم والمبادئ التي قامت من أجلها المنظمة.
يقول المثل التونسي: "يحب أن يأكل الثوم بفم غيره". ونحن نقول لكل ّمن نادى بضرورة القضاء على الفساد والضرب على أيدي الفاسدين وناشد إيقاف نزيف الخروقات التي تعود بالوبال على الاتحاد العام التونسي للشغل إنّ الوقت حان للالتفاف حول مطالبهم فقد حمت الحامات. وإنّ التاريخ لم ولن يرحم كلّ من يتباطأ أو يدسّ رأسه في التراب كالنّعامة.
 
*أستاذ متقاعد