تدارك في اللحظات الأخيرة جنّب البلاد إضرابا شاملا في قطاع النقل كان سيشّل البلاد بالكامل وسيعمّق كل الأزمات العميقة بطبعها والمرتبطة به، وأولها علاقة اتحاد الشغل مع الحكومة وخاصة مع رئيس الدولة قيس سعيّد والتي لم تخل من شدّ وجذب ومن تصعيد متواصل من طرف الاتحاد، حيث أعلنت الجامعة العامّة للنقل عن تأجيل الإضراب الشامل في قطاع النقل برّا وبحرا وجوا والذي كان مقررا أمس واليوم إلى منتصف مارس القادم.
ووفق تصريحات أعضاء الجامعة العامة للنقل فان جلسة التفاوض التي استمرت الى أكثر من 13 ساعة بمقرّ وزارة الشؤون الاجتماعيّة أسفرت عن التوصّل إلى اتّفاق بشأن مجمل النقاط المطروحة في برقيّة الإضراب. وقد أكدت ذلك بدورها وزارة النقل في بلاغ لها أمس، أنّه تقرّر تأجيل الإضراب العام الذي كانت قد دعت إليه الجامعة العامة للنقل إثر جلسة التفاوض تحت إشراف وزيري النقل ربيع المجيدي والشؤون الاجتماعية مالك الزاهي وبحضور ممثلين عن الاتحاد العام التونسي للشغل وهم الأمين العام المساعد صلاح الدين السالمي المسؤول عن الدواوين والمنشآت العمومية ومحسن اليوسفي الأمين العام المساعد المكلف بمؤسسات وممتلكات الاتحاد والاقتصاد الاجتماعي والتضامني والكاتب العام للجامعة العامة للنقل وجيه الزيدي وممثلي النقابات الأساسية.
ومؤخّرا صعّد الاتحاد في وتيرة اعلان الإضرابات في مختلف القطاعات خاصة بعد التعاطي السيء من الحكومة مع مطالبه النقابية وتجاهل رئيس الدولة لدعواته المتكررة للحوار من أجل إيجاد حل لأزمة سياسية تتعمّق كل يوم أكثر خاصة بعد فشل الدور الأول من الانتخابات التشريعية ..
وكل هذه الأجواء من الاحتقان والتشنّج التي خيّمت على المشهد تأتي في سياق تاريخ سيبقى عالقا بالذاكرة النقابية وبتاريخ تونس وهو موعد 26 جانفي 1978 الذي مثّل مواجهة دامية بين المنظمة النقابية ونظام بورقيبة الذي وجد في القمع حلاّ لإلجام اتحاد قوي ومستنفر للدفاع عن مطالب الشغالين..، وظل شهر جانفي على مدى كل السنوات والعقود الماضية، حاضرا في ذهن الجميع وحاضر في علاقة متشنّجة على الدوام بين السلطة والاتحاد وخاصة بعد الثورة لتصل اليوم الى أكثر مراحلها فتورا وتشنجا حيث تتجاهل السلطة الاتحاد ومطالبه رغم دعم المنظمة الشغيلة لمسار 25 جويلية.
الخميس الأسود
شهد يوم 26 جانفي 1978 والمعروف باسم الخميس الأسود مواجهات دامية بين النقابيين وقوات الأمن والجيش في مناطق مختلفة من تراب الجمهورية وذلك بعد أن شهدت العلاقة بين الحزب الدستوري الحاكم والاتحاد العام التونسي للشغل تصدعا حادا بداية من السبعينات نتيجة مطالب عمالية ونقابية وسياسة، وجراء سياسة التصعيد التي كان ينتهجها نظام بورقيبة خاصة بعد إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام يوم 26 جانفي، وهو ما أدى إلى اشتعال فتيل المسيرات والمظاهرات التي عمت البلاد خاصة بمدينة صفاقس ومدينة قصر هلال والتي واجهها النظام البورقيبي بالخيار الأمني وذلك قبل أيام فقط من موعد 26 جانفي سيما بعد إقالة وزير الداخلية آنذاك الطاهر بلخوجة المعروف بعدم ميله إلى الحل الأمني وتعيين وزير الدفاع عبد الله فرحات مكانه مما ساهم في اشتعال الوضع أكثر ونزول الجيش لأول مرة إلى الشوارع وانتشاره في العاصمة يوم 26 جانفي 1978.
وتؤكد تقارير مستقلة أن حوالي 400 قتيل سقطوا في تلك الأحداث وجرح أكثر من ألف مواطن نتيجة المواجهات بين الجيش وبوليس بورقيبة من جهة والمتظاهرين من جهة أخرى في حين أقرت حكومة الهادي نويرة بسقوط 52 قتيلا و365 جريحا فقط.
وشكلت تلك الأحداث شرخا كبيرا في علاقة الاتحاد من وقتها بنظام بورقيبة الذي بدأ يدخل مرحلة الوهن وانفلات السلطة من يد الزعيم..، كما ظل ذلك التاريخ ماثلا في الاذهان كلما توترت العلاقة بين الاتحاد والسلطة كما اليوم ..، حيث عبّر الاتحاد مؤخر عن رفضه لشروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ومنها رفع الدعم والتلويح بالتفويت في بعض المؤسسات العمومية، بالإضافة إلى إعلانه عن مبادرة إنقاذ بمعية عمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والمنتدى الاقتصادي والاجتماعي وانتظاره تفاعل الرئيس مع المبادرة وهو الذي رفض سابقا كل الدعوات للحوار التي بادر بها الاتحاد .
كما يواجه الاتحاد تعنّتا من حكومة نجلاء بودن في الإيفاء باتفاقيات سابقة وعدم تفاعلها الإيجابي مع المطالب النقابية بما سبق وجعل الاتحاد ينفّذ إضرابا عاما في شهر جوان الماضي، كما وأن الاتحاد لا يرى جدوى من الانتخابات البرلمانية خاصة بعد النتائج الهزيلة للإقبال خلال الدور الأول من هذه الانتخابات وتصاعد وتيرة الاحالات على معنى المرسوم 54 الذي يقمع حرية الرأي والتعبير .
وتتواصل هذه العلاقة المضطربة بين الاتحاد والسلطة منذ أشهر ولكن مؤخرا اتخذت نسقا تصعيديا لافتا من طرف المنظمة الشغيلة، جعلت هذه العلاقة مرشحة للانفجار في أي لحظة وسحبنا الى لحظة مريرة من تاريخ تونس مثلها التاريخ الذي نحييه اليوم وهو تاريخ 26 جانفي 1978.
منية العرفاوي
تونس- الصباح
تدارك في اللحظات الأخيرة جنّب البلاد إضرابا شاملا في قطاع النقل كان سيشّل البلاد بالكامل وسيعمّق كل الأزمات العميقة بطبعها والمرتبطة به، وأولها علاقة اتحاد الشغل مع الحكومة وخاصة مع رئيس الدولة قيس سعيّد والتي لم تخل من شدّ وجذب ومن تصعيد متواصل من طرف الاتحاد، حيث أعلنت الجامعة العامّة للنقل عن تأجيل الإضراب الشامل في قطاع النقل برّا وبحرا وجوا والذي كان مقررا أمس واليوم إلى منتصف مارس القادم.
ووفق تصريحات أعضاء الجامعة العامة للنقل فان جلسة التفاوض التي استمرت الى أكثر من 13 ساعة بمقرّ وزارة الشؤون الاجتماعيّة أسفرت عن التوصّل إلى اتّفاق بشأن مجمل النقاط المطروحة في برقيّة الإضراب. وقد أكدت ذلك بدورها وزارة النقل في بلاغ لها أمس، أنّه تقرّر تأجيل الإضراب العام الذي كانت قد دعت إليه الجامعة العامة للنقل إثر جلسة التفاوض تحت إشراف وزيري النقل ربيع المجيدي والشؤون الاجتماعية مالك الزاهي وبحضور ممثلين عن الاتحاد العام التونسي للشغل وهم الأمين العام المساعد صلاح الدين السالمي المسؤول عن الدواوين والمنشآت العمومية ومحسن اليوسفي الأمين العام المساعد المكلف بمؤسسات وممتلكات الاتحاد والاقتصاد الاجتماعي والتضامني والكاتب العام للجامعة العامة للنقل وجيه الزيدي وممثلي النقابات الأساسية.
ومؤخّرا صعّد الاتحاد في وتيرة اعلان الإضرابات في مختلف القطاعات خاصة بعد التعاطي السيء من الحكومة مع مطالبه النقابية وتجاهل رئيس الدولة لدعواته المتكررة للحوار من أجل إيجاد حل لأزمة سياسية تتعمّق كل يوم أكثر خاصة بعد فشل الدور الأول من الانتخابات التشريعية ..
وكل هذه الأجواء من الاحتقان والتشنّج التي خيّمت على المشهد تأتي في سياق تاريخ سيبقى عالقا بالذاكرة النقابية وبتاريخ تونس وهو موعد 26 جانفي 1978 الذي مثّل مواجهة دامية بين المنظمة النقابية ونظام بورقيبة الذي وجد في القمع حلاّ لإلجام اتحاد قوي ومستنفر للدفاع عن مطالب الشغالين..، وظل شهر جانفي على مدى كل السنوات والعقود الماضية، حاضرا في ذهن الجميع وحاضر في علاقة متشنّجة على الدوام بين السلطة والاتحاد وخاصة بعد الثورة لتصل اليوم الى أكثر مراحلها فتورا وتشنجا حيث تتجاهل السلطة الاتحاد ومطالبه رغم دعم المنظمة الشغيلة لمسار 25 جويلية.
الخميس الأسود
شهد يوم 26 جانفي 1978 والمعروف باسم الخميس الأسود مواجهات دامية بين النقابيين وقوات الأمن والجيش في مناطق مختلفة من تراب الجمهورية وذلك بعد أن شهدت العلاقة بين الحزب الدستوري الحاكم والاتحاد العام التونسي للشغل تصدعا حادا بداية من السبعينات نتيجة مطالب عمالية ونقابية وسياسة، وجراء سياسة التصعيد التي كان ينتهجها نظام بورقيبة خاصة بعد إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام يوم 26 جانفي، وهو ما أدى إلى اشتعال فتيل المسيرات والمظاهرات التي عمت البلاد خاصة بمدينة صفاقس ومدينة قصر هلال والتي واجهها النظام البورقيبي بالخيار الأمني وذلك قبل أيام فقط من موعد 26 جانفي سيما بعد إقالة وزير الداخلية آنذاك الطاهر بلخوجة المعروف بعدم ميله إلى الحل الأمني وتعيين وزير الدفاع عبد الله فرحات مكانه مما ساهم في اشتعال الوضع أكثر ونزول الجيش لأول مرة إلى الشوارع وانتشاره في العاصمة يوم 26 جانفي 1978.
وتؤكد تقارير مستقلة أن حوالي 400 قتيل سقطوا في تلك الأحداث وجرح أكثر من ألف مواطن نتيجة المواجهات بين الجيش وبوليس بورقيبة من جهة والمتظاهرين من جهة أخرى في حين أقرت حكومة الهادي نويرة بسقوط 52 قتيلا و365 جريحا فقط.
وشكلت تلك الأحداث شرخا كبيرا في علاقة الاتحاد من وقتها بنظام بورقيبة الذي بدأ يدخل مرحلة الوهن وانفلات السلطة من يد الزعيم..، كما ظل ذلك التاريخ ماثلا في الاذهان كلما توترت العلاقة بين الاتحاد والسلطة كما اليوم ..، حيث عبّر الاتحاد مؤخر عن رفضه لشروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ومنها رفع الدعم والتلويح بالتفويت في بعض المؤسسات العمومية، بالإضافة إلى إعلانه عن مبادرة إنقاذ بمعية عمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والمنتدى الاقتصادي والاجتماعي وانتظاره تفاعل الرئيس مع المبادرة وهو الذي رفض سابقا كل الدعوات للحوار التي بادر بها الاتحاد .
كما يواجه الاتحاد تعنّتا من حكومة نجلاء بودن في الإيفاء باتفاقيات سابقة وعدم تفاعلها الإيجابي مع المطالب النقابية بما سبق وجعل الاتحاد ينفّذ إضرابا عاما في شهر جوان الماضي، كما وأن الاتحاد لا يرى جدوى من الانتخابات البرلمانية خاصة بعد النتائج الهزيلة للإقبال خلال الدور الأول من هذه الانتخابات وتصاعد وتيرة الاحالات على معنى المرسوم 54 الذي يقمع حرية الرأي والتعبير .
وتتواصل هذه العلاقة المضطربة بين الاتحاد والسلطة منذ أشهر ولكن مؤخرا اتخذت نسقا تصعيديا لافتا من طرف المنظمة الشغيلة، جعلت هذه العلاقة مرشحة للانفجار في أي لحظة وسحبنا الى لحظة مريرة من تاريخ تونس مثلها التاريخ الذي نحييه اليوم وهو تاريخ 26 جانفي 1978.