-السعودية تعلن رسميا تغييرها نهج المساعدات المالية بجميع أنواعها
تونس-الصباح
ونحن نخرج من أشغال مؤتمر "دافوس" الاقتصادي العالمي بعدد من اللقاءات وبكثير من الخيبات لعدد هام من بلدان العالم المشاركة في هذا الحدث الاقتصادي الأكبر في العالم، بقيت بعض التصريحات معلقة في الأذهان باعتبارها الأبرز في تغير المشهد المالي في قادم الأيام، والتي على رأسها التصريح الذي أدلى به وزير المالية السعودي، الذي عبر من خلاله عن رفض المملكة السعودية الدفع بمزيد من المساعدات أو المنح المالية لحلفائها دون إجراء تلك الدول لإصلاحات اقتصادية.
هذا التصريح الذي يؤكد أن السوق المالية العالمية بدأت تتغير ولن يكون فقط صندوق النقد الدولي المؤسسة المالية الوحيدة التي تفرض إصلاحات وشروطا مقابل حصول الدول على تمويلات جديدة، بل إن التعاون المالي الثنائي بين البلدان هو الآخر ستشمله تغيرات قريبة حسب تصريح وزير المالية السعودي، بما سيصعب عملية الاقتراض والتي ستكون مشروطة بإصلاحات..
الموقف السعودي بين ما يهدف إليه وتأثيره المباشر
يعد الموقف السعودي الواضح للعيان الأول من نوعه في المنطقة العربية، والحال أن السعودية هي من أبرز البلدان الممولة للعديد من البلدان العربية والإفريقية والخليجية لسنوات حتى أن عددا من هذه التمويلات يوجه كمساعدات وهبات للدول التي تعاني من صعوبات مالية.
وأرجع المسؤول السعودي هذا الموقف الى أن السعودية تريد مساعدة هذه الدول على بسط إصلاحات هيكلية من خلال الشروط التي ستفرضها مستقبلا، وفي هذا السياق أوضح وزير المالية أن السعودية تفرض الضرائب على شعبها.. ونتوقع من الآخرين أن يقوموا بدورهم،".. حسب تعبيره.
وأضاف المسؤول خلال مشاركته في فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أن المساعدات التي ستقدمها المملكة للدول الأخرى ستكون مشروطة بإصلاحات، موضحا في ذات التصريح بالقول.. "اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك، كما نحث دول المنطقة على القيام بإصلاحات".
وفي الحقيقة هذا التوجه الجديد الذي اتخذته السعودية ينضاف إليه موقف الكويت التي كان موقفها هي الأخرى واضحا في آخر التظاهرات التي حضرتها في الخليج وعبرت فيها عن تنديد البرلمان الكويتي بأوامر صندوق النقد الدولي بتخصيص دول مجلس التعاون الخليجي موارد تمويلية جديدة لمصر بقيمة 14 مليار دولار.
ولئن كان الموقف السعودي والكويتي وما سيتبعه قريبا من مواقف مشابهة من الدول العربية قد خصص بالذكر الدعم الموجه الى الأردن ومصر أساسا، فإن تغيير نهج المساعدات المالية المقدمة من هذه البلدان خاصة السعودية الأكيد أنه سيشمل تباعا بلدانا عربية أخرى تعاني من صعوبات مالية وتحتاج الى تعبئة تمويلات جديدة خاصة عبر التعاون المالي الثنائي ونقصد هنا تونس.
وحتى إن كان هدف هذه البلدان الممولة من هذا الموقف هو تحسين مناخ المالية العمومية للبلدان الموجة لها هذه التمويلات وبسط إصلاحات هيكلية حتى لا تبقى رهينة التداين وبالتالي تحسين معدلات النمو في كامل بلدان المنطقة، إلا أن البلدان التي تعاني أزمات ستكون اكبر المتضررين...
ولعل أبرز هذه البلدان المتضررة هي تونس التي تعول اليوم أكثر من أي وقت مضى على التعاون المالي الثنائي أي التوجه الى القروض الثنائية مع الدول الخارجية التي عبر عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد بالبلدان الصديقة والشقيقة عل غرار السعودية والإمارات وقطر..
ويأتي هذا التوجه بعد استحالة خروج بلادنا للاقتراض من المؤسسات العالمية المانحة في الوقت والى غاية موفى السنة الحالية، بالنظر الى الأرقام والمعطيات التي كشف عنها البنك المركزي وفيه شح كبير في التمويلات الخارجية بما يبعث على القلق بشان عدم قدرة بلادنا عن الإيفاء بتعهداتها المحلية والخارجية..
تونس تعول على التعاون المالي الثنائي ولكن..
وحول تقاليد تونس على مستوى القروض الثنائية، لم تكن بلادنا من الدول التي تعول على هذا الصنف من الاقتراض وتكاد تكون الموارد المتأتية منه شحيحة وتأتي فقط في الأزمات المالية، وكان آخرها منذ سنتين تحديدا زمن تفشي وباء كورونا، بعد حصول الدولة على قروض ثنائية من السعودية وقطر، جاءت في شكل ودائع وتمويلات مباشرة للميزانية العمومية بقيمة لم تتجاوز الـ1.5 مليار دولار...
وأفاد الوزير السابق المكلف بالإصلاحات الكبرى، توفيق الراجحي في تصريح سابق لـ"الصباح" أن القروض الثنائية تأتي في العادة في شكل استثمارات مباشرة على غرار الدخول في مشاريع عمومية كبرى كما كان متوقعا في منتدى الاستثمار تونس 2020، حين عبر آنذاك عدد من البلدان الخليجية على غرار دولتي قطر والكويت عن الاستثمار في بلادنا عبر الصناديق الاستثمارية..
وأضاف الراجحي أن الأشكال الأخرى التي تمنح من خلالها القروض الثنائية تأتي عن طريق تمويلات مباشرة توجه الى الميزانية العمومية، أو عن طريق منح ودائع لدى البنك المركزي ترفع من المخزون الوطني من النقد الأجنبي..
وأشار الراجحي في هذا السياق، الى أن بلادنا ليست لها تجارب ولا تقاليد في هذا الصنف من القروض ولن تتجاوز البلدان التي يمكن أن تتفاعل ايجابيا مع هذا التوجه بلدان الخليج وليبيا على أقصى تقدير، مؤكدا أن الدولة مطالبة بتوفير ما لا يقل عن 2 مليار دولار من القروض الثنائية في صورة الاستجابة إليها..
وبين الراجحي أن نجاح هذا التوجه يحتاج دعم الدول المستهدفة سياسيا لبلادنا وليس دعما مؤسساتيا بما يتطلب تفعيل الديبلوماسية الاقتصادية على مستوى وزارة الخارجية، مبينا انه مع ذلك، يبقى غير كاف لتوفير موارد جديدة تحتاجها الدولة في الوقت الراهن وان نجحت العملية فلا تعدو أن تكون سوى حلول آنية ومسكنات.. حسب تعبيره..
وهذا ما يؤكد ضرورة توجه الدولة وفي أقرب الآجال الى تفعيل الإصلاحات المتفق عليها من قبل مع المؤسسات المالية المانحة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي على مستوى المؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية والوظيفة العمومية ومنظومة الدعم باعتبارها من أهم الملفات التي لها علاقة مباشرة بالمالية العمومية...
كما أكد محدثنا على أهمية التعويل على ذواتنا من خلال خلق الثروة ودفع الإنتاج حتى لا نلتجئ في كل مرة الى الاقتراض، خاصة عن طريق المساعدات التي في العادة لا يغطي حجمها حاجياتنا من التمويلات...
واليوم تواجه تونس تحديات تمويلية صعبة، فإلى جانب استحالة الاقتراض من الأسواق المالية الدولية، ينضاف إليها تعطل مسار التعاون المالي الثنائي الذي كانت تعول عليه الدولة وتعتبره من أهم الحلول الآنية التي قد تسعف المالية العمومية خلال هذه السنة عن طريق القروض الثنائية بجميع أشكالها، لتعبئة ما أمكن من الموارد الخارجية وذلك لتفادي التمويل النقدي في هذه الفترة لما يتضمّنه من تداعيات على مستوى التضخم والاحتياطي من العملة الأجنبية..
وفاء بن محمد
-السعودية تعلن رسميا تغييرها نهج المساعدات المالية بجميع أنواعها
تونس-الصباح
ونحن نخرج من أشغال مؤتمر "دافوس" الاقتصادي العالمي بعدد من اللقاءات وبكثير من الخيبات لعدد هام من بلدان العالم المشاركة في هذا الحدث الاقتصادي الأكبر في العالم، بقيت بعض التصريحات معلقة في الأذهان باعتبارها الأبرز في تغير المشهد المالي في قادم الأيام، والتي على رأسها التصريح الذي أدلى به وزير المالية السعودي، الذي عبر من خلاله عن رفض المملكة السعودية الدفع بمزيد من المساعدات أو المنح المالية لحلفائها دون إجراء تلك الدول لإصلاحات اقتصادية.
هذا التصريح الذي يؤكد أن السوق المالية العالمية بدأت تتغير ولن يكون فقط صندوق النقد الدولي المؤسسة المالية الوحيدة التي تفرض إصلاحات وشروطا مقابل حصول الدول على تمويلات جديدة، بل إن التعاون المالي الثنائي بين البلدان هو الآخر ستشمله تغيرات قريبة حسب تصريح وزير المالية السعودي، بما سيصعب عملية الاقتراض والتي ستكون مشروطة بإصلاحات..
الموقف السعودي بين ما يهدف إليه وتأثيره المباشر
يعد الموقف السعودي الواضح للعيان الأول من نوعه في المنطقة العربية، والحال أن السعودية هي من أبرز البلدان الممولة للعديد من البلدان العربية والإفريقية والخليجية لسنوات حتى أن عددا من هذه التمويلات يوجه كمساعدات وهبات للدول التي تعاني من صعوبات مالية.
وأرجع المسؤول السعودي هذا الموقف الى أن السعودية تريد مساعدة هذه الدول على بسط إصلاحات هيكلية من خلال الشروط التي ستفرضها مستقبلا، وفي هذا السياق أوضح وزير المالية أن السعودية تفرض الضرائب على شعبها.. ونتوقع من الآخرين أن يقوموا بدورهم،".. حسب تعبيره.
وأضاف المسؤول خلال مشاركته في فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أن المساعدات التي ستقدمها المملكة للدول الأخرى ستكون مشروطة بإصلاحات، موضحا في ذات التصريح بالقول.. "اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك، كما نحث دول المنطقة على القيام بإصلاحات".
وفي الحقيقة هذا التوجه الجديد الذي اتخذته السعودية ينضاف إليه موقف الكويت التي كان موقفها هي الأخرى واضحا في آخر التظاهرات التي حضرتها في الخليج وعبرت فيها عن تنديد البرلمان الكويتي بأوامر صندوق النقد الدولي بتخصيص دول مجلس التعاون الخليجي موارد تمويلية جديدة لمصر بقيمة 14 مليار دولار.
ولئن كان الموقف السعودي والكويتي وما سيتبعه قريبا من مواقف مشابهة من الدول العربية قد خصص بالذكر الدعم الموجه الى الأردن ومصر أساسا، فإن تغيير نهج المساعدات المالية المقدمة من هذه البلدان خاصة السعودية الأكيد أنه سيشمل تباعا بلدانا عربية أخرى تعاني من صعوبات مالية وتحتاج الى تعبئة تمويلات جديدة خاصة عبر التعاون المالي الثنائي ونقصد هنا تونس.
وحتى إن كان هدف هذه البلدان الممولة من هذا الموقف هو تحسين مناخ المالية العمومية للبلدان الموجة لها هذه التمويلات وبسط إصلاحات هيكلية حتى لا تبقى رهينة التداين وبالتالي تحسين معدلات النمو في كامل بلدان المنطقة، إلا أن البلدان التي تعاني أزمات ستكون اكبر المتضررين...
ولعل أبرز هذه البلدان المتضررة هي تونس التي تعول اليوم أكثر من أي وقت مضى على التعاون المالي الثنائي أي التوجه الى القروض الثنائية مع الدول الخارجية التي عبر عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد بالبلدان الصديقة والشقيقة عل غرار السعودية والإمارات وقطر..
ويأتي هذا التوجه بعد استحالة خروج بلادنا للاقتراض من المؤسسات العالمية المانحة في الوقت والى غاية موفى السنة الحالية، بالنظر الى الأرقام والمعطيات التي كشف عنها البنك المركزي وفيه شح كبير في التمويلات الخارجية بما يبعث على القلق بشان عدم قدرة بلادنا عن الإيفاء بتعهداتها المحلية والخارجية..
تونس تعول على التعاون المالي الثنائي ولكن..
وحول تقاليد تونس على مستوى القروض الثنائية، لم تكن بلادنا من الدول التي تعول على هذا الصنف من الاقتراض وتكاد تكون الموارد المتأتية منه شحيحة وتأتي فقط في الأزمات المالية، وكان آخرها منذ سنتين تحديدا زمن تفشي وباء كورونا، بعد حصول الدولة على قروض ثنائية من السعودية وقطر، جاءت في شكل ودائع وتمويلات مباشرة للميزانية العمومية بقيمة لم تتجاوز الـ1.5 مليار دولار...
وأفاد الوزير السابق المكلف بالإصلاحات الكبرى، توفيق الراجحي في تصريح سابق لـ"الصباح" أن القروض الثنائية تأتي في العادة في شكل استثمارات مباشرة على غرار الدخول في مشاريع عمومية كبرى كما كان متوقعا في منتدى الاستثمار تونس 2020، حين عبر آنذاك عدد من البلدان الخليجية على غرار دولتي قطر والكويت عن الاستثمار في بلادنا عبر الصناديق الاستثمارية..
وأضاف الراجحي أن الأشكال الأخرى التي تمنح من خلالها القروض الثنائية تأتي عن طريق تمويلات مباشرة توجه الى الميزانية العمومية، أو عن طريق منح ودائع لدى البنك المركزي ترفع من المخزون الوطني من النقد الأجنبي..
وأشار الراجحي في هذا السياق، الى أن بلادنا ليست لها تجارب ولا تقاليد في هذا الصنف من القروض ولن تتجاوز البلدان التي يمكن أن تتفاعل ايجابيا مع هذا التوجه بلدان الخليج وليبيا على أقصى تقدير، مؤكدا أن الدولة مطالبة بتوفير ما لا يقل عن 2 مليار دولار من القروض الثنائية في صورة الاستجابة إليها..
وبين الراجحي أن نجاح هذا التوجه يحتاج دعم الدول المستهدفة سياسيا لبلادنا وليس دعما مؤسساتيا بما يتطلب تفعيل الديبلوماسية الاقتصادية على مستوى وزارة الخارجية، مبينا انه مع ذلك، يبقى غير كاف لتوفير موارد جديدة تحتاجها الدولة في الوقت الراهن وان نجحت العملية فلا تعدو أن تكون سوى حلول آنية ومسكنات.. حسب تعبيره..
وهذا ما يؤكد ضرورة توجه الدولة وفي أقرب الآجال الى تفعيل الإصلاحات المتفق عليها من قبل مع المؤسسات المالية المانحة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي على مستوى المؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية والوظيفة العمومية ومنظومة الدعم باعتبارها من أهم الملفات التي لها علاقة مباشرة بالمالية العمومية...
كما أكد محدثنا على أهمية التعويل على ذواتنا من خلال خلق الثروة ودفع الإنتاج حتى لا نلتجئ في كل مرة الى الاقتراض، خاصة عن طريق المساعدات التي في العادة لا يغطي حجمها حاجياتنا من التمويلات...
واليوم تواجه تونس تحديات تمويلية صعبة، فإلى جانب استحالة الاقتراض من الأسواق المالية الدولية، ينضاف إليها تعطل مسار التعاون المالي الثنائي الذي كانت تعول عليه الدولة وتعتبره من أهم الحلول الآنية التي قد تسعف المالية العمومية خلال هذه السنة عن طريق القروض الثنائية بجميع أشكالها، لتعبئة ما أمكن من الموارد الخارجية وذلك لتفادي التمويل النقدي في هذه الفترة لما يتضمّنه من تداعيات على مستوى التضخم والاحتياطي من العملة الأجنبية..