تونس-الصباح
مع تواصل تساقط الثلوج في بعض ولايات الشمال الغربي وباقي المرتفعات ومع تواصل موجة البرد التي ترزح على وقعها البلاد منذ الخميس الماضي (والتي من المرجح أن تتواصل الى غاية الأسبوع المقبل) يصح التساؤل بإلحاح، عن وضعية متساكني هذه الولايات التي تعاني إمكانيات محدودة للغاية لمواجهة قساوة البرد..
من هذا المنطلق ولئن يرسم تساقط الثلوج على المرتفعات خاصة منطقة عين دراهم من ولاية جندوبة لوحة فنية في غاية من الجمال والروعة فانه يرسم أيضا لوحة من المعاناة والقسوة, فبين بداعة المنظر وقساوة البرد ومعاناة الأهالي تكمن المعادلة المتناقضة.. فهل أن الوضع في مناطق الشمال الغربي تحت السيطرة أم أن الأمر لا يخلو من إشكاليات وتعمق المعاناة؟
في هذا الخصوص وحول الوضعية الراهنة لمتساكني المناطق الداخلية التي تساقطت فيها الثلوج بكميات كبيرة يبدو أن الوضع حاليا -على مستوى الطرقات ومدى التمكن من التنقل بكل أريحية - تحت السيطرة بعد أن تم فك عزلة بعض المناطق وتفادي غلق بعض الطرقات فيما مازالت بعض المناطق الأخرى تعاني من العزلة، ولو أن بعض المناطق التي يتم فك عزلتها سرعان ما تغلق طرقاتها من جديد بسبب تراكم الثلوج.
وفي هذا الإطار أورد أمس المدير الجهوي للتجهيز بولاية جندوبة عادل الحيدري في تصريح لـ"الصباح" انه تم التدخل اكثر من مرة مما اسفر عن فتح جميع الطرقات مشيرا الى انه تم التدخل امس على الساعة الخامسة صباحا بعد موجة من تساقط الثلوج حيث تدخلت المصالح المعنية لأزالتها بعد أن تراكمت بالطرقات الوطنية 11 و17 مشيرا الى ان الإشكال كان قائما على مستوى مسلك فج الريح وقد تم في مدة وجيزة تجاوزه . وأضاف محدثنا انه تم أيضا بعد موجة أخرى من تساقط الثلوج التدخل على الساعة الحادية عشرة من صباح أمس حيث تمكنت الوحدات المعنية من إزالة الثلوج المتراكمة موضحا أن جميع الطرقات في الوقت الراهن مفتوحة ولا وجود مطلقا لمناطق أو ومجمعات سكنية معزولة مشددا على أن الوضع حاليا تحت السيطرة داعيا في السياق ذاته المواطنين الى توخي الحذر وعدم الإفراط في السرعة.
من جانب آخر وبالتوازي مع منطقة عين دراهم وباقي معتمديات ولاية جندوبة فقد شهدت معتمدية برقو صباح أمس تساقط كميات محدودة من الثلوج بمنطقتي مرج عوام وعين زكار وسفح جبل برقو، سرعان ما ذابت الكميات ويبدون ان الوضع ايضا تحت السيطرة بعد أن أكد أمس رئيس بلدية برقو نور الدين الكامل لـ(وات) أنه لم يقع تسجيل أي انقطاع على مستوى حركة المرور، لافتا إلى أن معتمدية برقو تشهد انخفاضا ملحوظا في درجات الحرارة .
وكان ممثلو السلط الجهوية وممثلو اللجنة المحلية لتفادي الكوارث ومجابهتها وتنظيم النجدة بمكثر تحولوا مساء أول أمس إلى معتمدية مكثر للوقوف على أبرز استعدادات اللجنة لموجة البرد.
من جهته أورد المدير الجهوي للتجارة بسليانة قيس اليزيدي وفقا لما نقلته (وات) أمس أن قوارير الغاز وجميع المواد الأساسية متوفرة باستثناء مادتي الحليب والقهوة...
وفي إطار الآليات المعتمدة لفك عزلة المناطق جدير بالذكر ان الحماية المدنية قد استعانت بالسيارات رباعية الدفع الجديدة التي تم إقتناؤها في السنوات الثلاث الأخيرة من طرف الديوان الوطني للحماية المدنية، للتدخل في المناطق التي شهدت تساقطا للثلوج.
وأكد الناطق الرسمي باسم الحماية المدنية، أن هذه السيارات مجهزة بإطارات حديدية (chainées) ومحمل وآلة جذب، وتستخدم للتدخل في الأماكن الضيقة إثر تساقط الثلوج كما تساهم في جذب السيارات العالقة بالطرقات.
من جهة أخرى وبعيدا عن وضعية الطرقات التي تعتبر -الى حد كتابة هذه الأسطر- تحت السيطرة فانه يصح التساؤل عن وسائل التدفئة والمواد الغذائية ومدى توفرها لمتساكني هذه المناطق.
وفي هذا الإطار جدير بالذكر أن وزارة الشؤون الاجتماعية تواصل تنفيذ خطة التدخل في عين دراهم وجميع ولايات الجمهورية لمجابهة موجة البرد حيث واصلت أمس فرق وزارة الشؤون الاجتماعية عملية التدخل الاجتماعي العاجل في عين دراهم لمجابهة موجة الثلج، وذلك في إطار تعزيز تدخلها الدوري ضمن الخطة الموسمية لفائدة العائلات بمناسبة انطلاق موسم البرد والتفاعل مع صعوبات التزود بالمواد الغذائية في هذه المنطقة وغيرها من المناطق. فوفقا لبلاغ صادر عن الوزارة أمس فقد تمّ إلى غاية يوم أمس توزيع أكثر من 150 مساعدة بعين دراهم (طرود مواد غذائية لكل فرد و2 أغطية صوفية لكل فرد) وحوالي 40 مساعدة بطبرقة تتضمن (90 طرد مواد غذائية و180 غطاء صوفي و90 قطعة من حشايا).
علما أن الوزارة كانت قد رصدت خلال سنة 2022، اعتمادات قدرها 3 مليون دينار لهذا التدخل ووفرت 300 طن من المواد الغذائية و15000 لتر من الزيت في شكل علب ذات أربعة لترات و300 ألف قطعة لباس مختلفة و30 ألف حذاء و30 ألف غطاء صوفي و4000 حشايا، لفائدة حوالي 15 ألف عائلة على مستوى وطني. وتم الانطلاق في توزيع هذه المساعدات خلال شهر ديسمبر 2022 لتستمر خلال الشهر الحالي
وتفاعلا مع موجة البرد التي تشهدها البلاد، منذ أيام تم رصد 88 طن من المواد الغذائية و4400 لتر زيت و88 ألف قطعة ملابس و8800 حذاء و7700 أغطية صوفية و2460 حشايا لخمسة ولايات تتميز بشدة البرد وهي جندوبة والقصرين والكاف وسليانة وزغوان ويتم توزيع هذه المساعدات بالتنسيق بين هياكل النهوض الاجتماعي والسلط الجهوية والمحلية حيث تم إلى غاية اللحظة توزيع حوالي 60% من المخزون.
وفي نفس الإطار خصصت 7500مساعدة غذائية (80 كغ للمساعدة الواحدة) تم توزيعها بكل من ولاية القيروان وسليانة القصرين وقد تمكنت هياكل النهوض الاجتماعي من إيصالها لجميع مستحقيها في الولايات المعنية.
من جانب آخر وحول وضعية الطقس في قادم الأيام فانه من المرجح أن تتواصل موجة البرد الى غاية الأسبوع المقبل. وفي هذا الاتجاه فقد أعلن أمس المعهد الوطني للرصد الجوي عن إسناد اللون البرتقالي لولايات باجة وجندوبة وسليانة والكاف والقصرين في خارطة اليقظة المؤمنة، مما يعني المرور إلى مستوى حذر عال نتيجة للتراكمات الثلجية المتوقعة والتي قد تكون كثيفة أحيانا بالولايات المذكورة مما قد ينجر عنه تعطل حركة المرور وعزلة بعض المناطق. بما يؤشر الى القول بان موجة البرد متواصلة في ظل توقعات بتواصل تساقط الثلوج على المرتفعات.
يذكر ان اللجنة الجهوية لتفادي الكوارث ومجابهتها وتنظيم النجدة بجندوبة قد قررت مواصلة تعليق الدروس بالمؤسسات التربوية بمعتمدية عين دراهم والمدارس والمعاهد المتواجدة بالمرتفعات بمعتمدية غار الدماء وبلطة بوعوان، وذلك بسبب تساقط كميات هامة من الثلوج وانقطاع حركة المرور بعدد من الطرقات.
كما قرّرت اللجنة أيضا تركيز وسائل التدخل المتمثلة في آلات إزاحة الثلوج و الآلات الكاسحة والماسحة التي تم توفيرها من الإدارة الجهوية التجهيز والإدارة الجهوية للفلاحة ومن الخواص بمفترق بني مطير ونزل نور العين ووسط مدينة عين دراهم وبمعتمدية غار الدماء منطقة الغرة ومنطقة عين سلطان وبمعتمدية بلطة بوعوان منطقة العواوضة مع التنصيص على العمل المتواصل لإزاحة الثلوج من الطرقات والمسالك وتوفير المواد الغذائية وقوارير الغاز والنفط بالكميات اللازمة. وقد تم تخصيص أماكن إيواء بمستشفى ودار شباب طبرقة لمرضى القصور الكلوي الذين يقومون بتصفية الدم أصيلي معتمدية عين دراهم وتعزيز كامل بالإمكانيات البشرية والمادية مع ضرورة التنسيق التام بين مختلف الأطراف المتدخلة وتعزيز أعوان الشركة التونسية للكهرباء والغاز للتدخل عند انقطاع التيار الكهربائي وفرق الحماية المدنية وتقريب الخدمات من المواطن، إضافة إلى تكثيف الدوريات الأمنية من حرس وطني وأمن وطني بكامل المفترقات وخاصة بمعتمدية عين دراهم لإرشاد وتوجيه مستعملي الطريق وتنظيم السير والتنقل.
وقد تقرّر كذلك إبقاء فريق التضامن الاجتماعي على أهبة لمساعدة المواطنين مع تأجيل زيارات الوافدين على مدينة عين دراهم إلى حين مرور موجة الثلوج وتحسن الوضع الجوي وفتح جميع الطرقات والمسالك هذا.
كما تم الإبقاء أيضا على اللجنة الجهوية في حالة انعقاد دائم لمواكبة التطورات المناخية والأوضاع من اجل حماية المواطنين وممتلكاتهم وتنظيم النجدة.
منال حرزي
