تونس-الصباح
لا خلاف داخل الأوساط السياسية والمجتمعية بشأن ضعف أداء حكومة نجلاء بودن التي غرقت في سلبية التعاطي مع الملفات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة على مكتب الرئيسة بما دفع بالجميع معارضة ومولاة ومنظمات مجتمع مدني لفتح وابل من النقد لهكذا أداء.
وأسهمت حكومة بودن في الترفيع من درجات حرارة الأزمة وتأزيم الأوضاع المعيشية للتونسيين نتيجة فقدان ابسط المواد الأساسية من سكر وزيت وقهوة كما اشتد غضب المتابعين للشأن العام أكثر مع إقرار الحكومة لقانون مالية بات مرفوضا من الجميع رغم حملات الدعاية التي انتهجها بعض الوزراء لإقناع الجمهور السياسي والاجتماعي بوجاهة التوجه الحكومي الجديد.
ورغم الدعاية الحكومية لقانون ماليتها فان ذلك لم يفلح لتتوسع قاعدة الرافضين من اتحاد الشغل والمحامين والمهندسين وهيئة المحاسبين وغيرهم، ولم يتوقف الرفض على المستوى اللفظي من خلال البيانات والتصريحات بل تطور الأمر بالدعوة للنزول الى الشارع والتحرك ميدانيا وهو ما أقدمت عليه هيئة المحامين مؤخرا.
وإذا كان خيار التحرك عند البعض أساسيا للتعبير عن رفضهم لهذه الحكومة فقد كان توجه أطراف أخرى بالدعوة لإنهاء حكومة بودن والذهاب الى تغييرات عميقة تشمل طبيعة الحكومة وتحويلها الى حكومة سياسية.
الحكمة في التغيير
انتهى تفهم الاتحاد العام التونسي للشغل للحكومة فبعد أن رحب بتشكيلها وترؤس نجلاء بودن لها، نفد صبر المنظمة اثر الارتدادات الملموسة في الأداء مما دفع بالمكتب التنفيذي للاتحاد بمطالب لتغيير الحكومة.
واعتبر الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، أن تونس حاليا تعيش العبث وفي ظل القرارات الهلامية، حسب تعبيره.
وشدد الطاهري، أن كل الحكمة في ظل الوضع الراهن، تكمن في تغيير حكومة نجلاء بودن.
وأضاف الطاهري أن الحكومة الحالية لا تتفاعل أبدا مع هموم التونسيين ومشاغلهم، معتبرا أن قرار إقالة وزيرة التجارة وتحميلها مسؤولية أزمة نقص المواد الغذائية والاحتكار، لن يحلّ المشاكل.
وتابع الطاهري أن الأزمات والمشاكل في عديد القطاعات كالصحة والتعليم والفلاحة والنقل، مؤشر على وجود مشاكل عميقة في عمل الحكومة.
وشدد الطاهري أن تونس حاليا تحتاج الى استراتيجيات وتخطيط لا للارتجال والنزعات الفردية، حسب تعبيره.
ولم تكن تصريحات الطاهري العنوان الوحيد للخلاف بين بطحاء محمد علي وقصر الحكومة بالقصبة حيث حذر الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي من معركة اجتماعية.
المعارضة.. التغيير في العمق
لا يزال إصرار المعارضة على التغيير العميق والشامل يسيطر على مواقف كل الأحزاب الرافضة لمسار 25 جويلية بداية من جبهة الخلاص وصولا إلى أحزاب التيار الديمقراطي وحركة النهضة والحزب الجمهوري والدستوري الحر.
فقد اعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري عصام لشابي ان الحديث عن تغيير حكومة نجلاء بودن لا يحل الأزمة في ظل الإطار الدستوري الحالي الذي لا يمكّن أي حكومة كانت من النجاح، معتبرا ان حكومة بودن هي احد تمظهرات الأزمة وليست سببها.
وشدد على ضرورة تغيير الحكومة في اطار انقاذ واعادة مؤسسات الدولة الى ممارسة دورها الطبيعي، في اطار جهاز تشريعي وسلطة تنفيذية وقضاء مستقل وهيئات دستورية.
اما رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي فقد اعتبرت "ان حكومة نجلاء بودن غير شرعية وفاسدة، لأنها تسيّر البلاد خارج الأطر القانونية وبعيدا عن كل رقابة إدارية ومالية، بعد أن عمد الرئيس قيس سعيّد إلى حل البرلمان الشرعي والمنتخب وحل عدد من الهيئات الدستورية وإغراق البلاد بمراسيم سنّها بنفسه لتسيير شؤون البلاد والعباد.".
الموالاة.. تنفض حكومة أيضا
وإذا كان رفض المعارضة لحكومة تعتبرها المعارضة سليلة "انقلاب" ومقيدة بأحكام الأمر الرئاسي 117 فان الغير مفهوم هو أولى علامات الكلاش السياسي في وجه بودن وحكومتها من قبل أحزاب المولاة بعد أن تعالت الأصوات منادية بحضها في حكومة سياسية.
فخلال استضافته بإحدى الإذاعات الخاصّة، اعتبر القيادي وعضو المكتب السياسي لـ”حركة الشعب”، رضا الآغا، أن حكومة نجلاء بودن “مسرحية سيئة الإخراج لمسار 25 جويلية”.
وأضاف رضا الآغا أن حكومة بودن فاشلة وعاجزة، مشيرا إلى أنّ أداءها محدود وهزيل. كما انتقد أداء وزير الفلاحة الذي دعا إلى إقالته.
ودعا الآغا إلى إجراء تحوير وزاري، مشدّدا على أن “حركة الشعب” ترى أن رئاسة الحكومة لا يمكن أن تُدار إلاّ من قبل شخص له مقاربة سياسية.
وزادت وتيرة النقد والرفض بعد دعت حركة الشعب في بيانها الصادر الخميس 10 نوفمبر 2022، رئيسة الحكومة نجلاء بودن بصفتها وشخصها الى المبادرة بإصدار توضيح رسمي حول ما تم تداوله في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية وعلى مختلف منصات التواصل الاجتماعي من صور ومواقف جمعتها برئيس الكيان الصهيوني الغاصب على هامش منتدى المناخ بمنتجع شرم الشيخ في جمهورية مصر العربية.
وأكدت الحركة ان بودن تحمل مسؤوليتها كاملة عن هذا السلوك المرفوض وطنيا، خاصة وأنها شاركت في هذا المنتدى نيابة عن رئيس الجمهورية الذي قامت حملته الانتخابية سنة 2019 في أحد أهم بنودها على تجريم التطبيع والقطع مع دعاته والمدافعين عنه على الصعيد الوطني.
ولم تتوقف انتفاضة القوميين عند هذا الحد حيث تدخل التيار الشعبي على لسان القيادي بالحزب زهير الحمدي لتأكيده على ضرورة التغيير الحكومي وإعطائها طابعا سياسيا.
وأضاف الحمدي، خلال استضافته على شمس اف ام، أن هذه الحكومة السياسية يجب أن تكون لها رؤية سياسية وبرنامج وطني واضح.
وتابع الضيف بأن هذه الحكومة ليس بالضرورة أن تضمّ مختلف الأحزاب لكن يجب أن تضم أطرافا لها رؤية وخلفية سياسية.
من جانبه قال رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري، ان غياب الأحزاب السياسية أثر سلبا على أداء حكومة نجلاء بودن.
واعتبر الناصري أن الأحزاب هي التي تضع الرؤى والأفكار من أجل أداء أفضل لأي حكومة كانت.
وتابع أن حكومة بودن هي حكومة تنقصها الكفاءات وهي مكونة من مجرد موظفين إداريين، حسب تعبيره.
صمت سعيد
مع تنازع الأحزاب والمنظمات للإطاحة ببودن مازال قيس سعيد لم يحسم أمره بعد حيث لا مؤشر رئاسي يوحي بقرب ساعة الصفر لإنهاء الحكومة أو تبديل بعض من أعضائها.
فإصرار الرئيس على بقاء بودن قد يكون الاختبار الأخير للموالاة بعد أن رفض سعيد الإنصات لمؤيديه من الشخصيات الحزبية أو منتقديه من المعارضة والمجتمع المدني وهو ما سيسهم بالضرورة في توسع الهوة بين قرطاج والبقية.
فهل يضحي سعيد برئيسة الحكومة من أجل ضمان استقرار حكمه؟ وهل يذهب صاحب التدابير الاستثنائية الى حكومة الرئيس رقم4؟
خليل الحناشي
